6 : القول على الله بغير علم - وهو أعظم هذه الأنواع من أصول المحرمات الذاتية التي حرمها الله تعالى في دينه على ألسنة جميع رسله ، فإنه أصل الأديان الباطلة ومنشأ تحريف الأديان المحرفة ، وشبهة
nindex.php?page=treesubj&link=20343الابتداع في الدين الحق ، الناسخ كتابه المعصوم للأديان المبدلة ، والمهيمن على الكتب المحرفة ، المحررة سنة رسوله بالأسانيد المتصلة ، والمحصاة تراجم رواتها في الكتب المدونة ، فمن العجائب بعد هذا أن ينتشر في أهله الابتداع ، وتتعارض فيه المذاهب وتتعادى الأشياع ، مع نهي كتابه عن التفرق والاختلاف ، ووعيده المتفرقين بعذاب الدنيا وعذاب النار ، ومع بيانه للمخرج من فتنة التنازع ، ومعالجته لأدواء التدابر والتقاطع . ولكنهم حكموا الأهواء حتى في العلاج والدواء ، فاتبعوا كما أنبأ الرسول صلى الله عليه وسلم سنن من قبلهم حتى في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=213وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم ) ( 2 : 213 ) .
ومن غمة الجهل أن أكثر المسلمين لا يشعرون بهذا ، حتى علماؤهم الذين يروون حديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919915 " لتتبعن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم " قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ؟ قال : " من ؟ " . رواه الشيخان وغيرهما . وفي رواية : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919916شبرا شبرا وذراعا ذراعا " . فهم يقولون : صدق رسول الله ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ولا يبحثون في أسباب هذا الابتداع ولا يتأملون في أقوال من بحث فيها قبلهم من العلماء . فقد نقل الحافظ
nindex.php?page=showalam&ids=13332بن عبد البر في كتاب العلم وغيره من الحافظ عن بعض علماء الصحابة والتابعين : أن رأس البلية في هذا الابتداع القول في الدين بالرأي . وهذا هو الحق ، فما من أحد يبتدع أو يتبع مبتدعا في أصول الدين أو فروعه إلا وهو يستدل على بدعته بالرأي ، وقد
nindex.php?page=treesubj&link=20344ظهرت مبادئ هذه البدع والآراء والأهواء في القرون الأولى ، قرون العلم والسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولم يكن هذا كله بمانع لها إذ كان من الأفراد ، لا من مصدر القوة والنظام - الذي هو مقام الخلافة الإسلامية - فكيف يكون الأمر بعد ذلك وقد زال العلم أو كاد ؛ إذ لا علم إلا علم الاستقلال والاجتهاد ، وقد صار محصورا في أفراد لا يعرف قدرهم العوام ولا يتبعهم الحكام ، ثم فشا النفاق والدهان . وصار طلب العلم الديني حرفة للكسالى والرذال .
[ ص: 355 ] روى
nindex.php?page=showalam&ids=12211ابن أبي خيثمة من حديث
أنس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919917يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ قال : " إذا ظهر فيكم ما ظهر في بني إسرائيل - إذا ظهر الإدهان في خياركم ، والفحش في شراركم ، والملك في صغاركم ، والفقة في رذالكم " أورده الحافظ وأقره ، ثم قال : وفي مصنف
nindex.php?page=showalam&ids=16802قاسم بن أصبغ بسند صحيح عن
عمر : فساد الدين إذا جاء العلم من قبل الصغير ، استعصى عليه الكبير ، وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبير ، تابعه عليه الصغير ( قال ) وذكر
أبو عبيد أن المراد بالصغر في هذا صغر القدر لا السن اهـ .
وصغير القدر هو المهين الذي ليس له من العقل والفضيلة وعزة النفس ما يحترم به ويتخذ قدوة ، كما هو شأن أكثر المسترزقة بطلب العلوم الشرعية ومنه يعلم أن الكبير هو الكبير بعقله وفضله ، لا بنسبه وماله .
حرم الله تعالى على عباده أن يقولوا عليه شيئا بغير علم ، والرأي والظن ليس من العلم قال تعالى في غير المؤمنين : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=28وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا ) ( 53 : 28 ) وما شرع من اجتهاد الرأي في حديث
معاذ وغيره فهو خاص بالقضاء لأنه نص فيه ويتوقف عليه ومثله سائر الأحكام الدنيوية ، من سياسية وإدارية ، لا في أصول دين الله وعبادته وما حرم على عباده تحريما دينيا ، فإن الله أكمل دينه فلم يترك فيه نقصا يكمله غيره بظنه ورأيه بعد وفاة رسوله ، وليس لحاكم ولا مفت أن يسند رأيه الاجتهادي إلى الله تعالى فيقول : هذا حكم الله وهذا دينه ، بل يقول : هذا مبلغ اجتهادي فإن كان صوابا فمن توفيق الله تعالى وإلهامه وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان ، كما روي عن بعض أئمة سلفنا الصالحين .
ومن تأمل هذه الآية حق التأمل فإنه يجتنب أن يحرم على عباد الله شيئا ، أو يوجب عليهم شيئا في دينهم بغير نص صريح عن الله ورسوله ، بل يجتنب أيضا أن يقول هذا مندوب أو مكروه في الدين بغير دليل واضح من النصوص ، وما أكثر الغافلين عن هذا المتجرئين على التشريع ، وقد بينا مرارا في هذا التفسير أن هذا حق الله وحده ، ومن تهجم عليه فقد جعل نفسه شريكا له ، ومن تبعه فيه فقد اتخذه ربا له ، وقد كان علماء الصحابة والتابعين يتحامون القول في الدين بالرأي ، ويتدافعون الفتوى حتى في موضع الاجتهاد وإنما كان أئمة الأمصار يقصدون بالتوسع في الاستنباط فتح أبواب الفهم لا التشريع الذي ألصق بهم ، حتى إذا قال أحدهم أكره كذا - من باب الورع والاحتياط - جعل أتباعه
[ ص: 356 ] من بعده قوله من الكراهة الشرعية التي جعلوا بعضها للتحريم ، وفسروها بأنها خطاب الله المقتضي للترك اقتضاء جازما وبعضها للتنزيه ، وجعلوا الاقتضاء فيها غير جازم وعلى ذلك فقس . وللمحقق
ابن القيم تفصيل حسن لهذه المسألة وتفسير للآية في كتابه مدارج السالكين هذا نصه :
" وأما
nindex.php?page=treesubj&link=29706_18984القول على الله بلا علم فهو أشد هذه المحرمات تحريما وأعظمها إثما ، ولهذا ذكر في المرتبة الرابعة من المحرمات التي عليها الشرائع والأديان ، ولا تباح بحال ، بل لا تكون إلا محرمة ، وليست كالميتة والدم ولحم الخنزير الذي يباح في حال دون حال ، فإن المحرمات نوعان : محرم لذاته لا يباح بحال ، ومحرم تحريمه عارض في وقت دون وقت . قال الله تعالى في المحرم لذاته : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) ثم انتقل منه إلى ما هو أعظم منه فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33والإثم والبغي بغير الحق ) ثم انتقل منه إلى ما هو أعظم منه فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ) ثم انتقل منه إلى ما هو أعظم منه فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) فهذا أعظم المحرمات عند الله وأشدها إثما ، فإنه يتضمن
nindex.php?page=treesubj&link=18984الكذب على الله ونسبته إلى ما لا يليق به ، وتغيير دينه وتبديله ، ونفي ما أثبته وإثبات ما نفاه ، وتحقيق ما أبطله وإبطال ما أحقه ، وعداوة من والاه وموالاة من عاداه . وحب ما أبغضه وبغض ما أحبه . ووصفه بما لا يليق به في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله ، فليس في أجناس المحرمات أعظم عند الله منه ولا أشد إثما ، وهو أصل الشرك والكفر ، وعليه أسست البدع والضلالات . فكل بدعة مضلة في الدين أساسها القول على الله بلا علم .
" ولهذا اشتد نكير السلف والأئمة لها ، وصاحوا بأهلها من أقطار الأرض وحذروا فتنتهم أشد التحذير ، وبالغوا في ذلك ما لم يبالغوا في مثله في إنكار الفواحش والظلم والعدوان ، إذ مضرة البدع وهدمها للدين ومنافاتها له أشد . وقد أنكر تعالى على من نسب إلى دينه تحليل شيء أو تحريمه من عنده بلا برهان من الله فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ) ( 16 : 116 ) الآية . فكيف بمن نسب إلى أوصافه ما لم يصف به نفسه ؟ أو نفى عنه منها ما وصف به نفسه ؟ قال بعض السلف : ليحذر أحدكم أن يقول أحل الله كذا وحرم الله كذا ، فيقول الله : كذبت لم أحل هذا ولم أحرم هذا . يعني : التحليل والتحريم بالرأي المجرد بلا برهان من الله ورسوله .
" وأصل الشرك والكفر هو القول على الله بلا علم ، فإن المشرك يزعم أن من اتخذه معبودا من دون الله ، يقربه إلى الله ويشفع له عنده ، ويقضي حاجته بواسطته ، كما تكون الوسائط عند الملوك . فكل مشرك قائل على الله بلا علم ، دون العكس ، إذ القول على الله
[ ص: 357 ] بلا علم قد يتضمن التعطيل والابتداع في دين الله فهو أعم من الشرك ، والشرك فرد من أفراده ، ولهذا كان
nindex.php?page=treesubj&link=18985الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم موجبا لدخول النار ، واتخاذ منزلة منها مبوأة ، وهو المنزل اللازم الذي لا يفارقه صاحبه ؛ لأنه متضمن للقول على الله بلا علم كصريح الكذب عليه ؛ لأن ما انضاف إلى الرسول فهو مضاف إلى المرسل ، والقول على الله بلا علم صريح : افتراء الكذب عليه (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=21ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ) فذنوب أهل البدع كلها داخلة تحت هذا الجنس فلا تتحقق التوبة منه إلا بالتوبة من البدع ، وأنى بالتوبة منها لمن لم يعلم أنها بدعة ، أو يظنها سنة ، فهو يدعو إليها ، ويحض عليها ؟ فلا تنكشف لهذا ذنوبه التي تجب عليه التوبة منها ، إلا بتضلعه من السنة وكثرة إطلاعه عليها ودوام البحث عنها والتفتيش عليها ، ولا ترى صاحب بدعة كذلك أبدا ، فإن السنة بالذات تمحق البدعة ولا تقوم لها ، وإذا طلعت شمسها في قلب العبد قطعت من قلبه ضباب كل بدعة ، وأزالت ظلمة كل ضلالة ، إذ لا سلطان للظلمة مع سلطان الشمس . ولا يرى العبد الفرق بين السنة والبدعة ، ويعينه على الخروج من ظلمتها إلى نور السنة ، إلا تجريد المتابعة ، والهجرة بقلبه كل وقت إلى الله ، بالاستعانة والإخلاص وصدق اللجإ إلى الله ، والهجرة إلى رسوله بالحرص على الوصول إلى أقواله وأعماله وهديه وسنته "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919918فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله " ومن هاجر إلى غير ذلك فهو حظه ونصيبه في الدنيا والآخرة والله المستعان اهـ .
6 : الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ - وَهُوَ أَعْظَمُ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ مِنْ أُصُولِ الْمُحَرَّمَاتِ الذَّاتِيَّةِ الَّتِي حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي دِينِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمِيعِ رُسُلِهِ ، فَإِنَّهُ أَصْلُ الْأَدْيَانِ الْبَاطِلَةِ وَمَنْشَأُ تَحْرِيفِ الْأَدْيَانِ الْمُحَرَّفَةِ ، وَشُبْهَةُ
nindex.php?page=treesubj&link=20343الِابْتِدَاعِ فِي الدِّينِ الْحَقِّ ، النَّاسِخِ كِتَابُهُ الْمَعْصُومُ لِلْأَدْيَانِ الْمُبَدَّلَةِ ، وَالْمُهَيْمِنِ عَلَى الْكُتُبِ الْمُحَرَّفَةِ ، الْمُحَرَّرَةِ سُنَّةُ رَسُولِهِ بِالْأَسَانِيدِ الْمُتَّصِلَةِ ، وَالْمُحْصَاةِ تَرَاجُمُ رُوَاتِهَا فِي الْكُتُبِ الْمُدَوَّنَةِ ، فَمِنَ الْعَجَائِبِ بَعْدَ هَذَا أَنْ يَنْتَشِرَ فِي أَهْلِهِ الِابْتِدَاعُ ، وَتَتَعَارَضَ فِيهِ الْمَذَاهِبُ وَتَتَعَادَى الْأَشْيَاعُ ، مَعَ نَهْيِ كِتَابِهِ عَنِ التَّفَرُّقِ وَالِاخْتِلَافِ ، وَوَعِيدِهِ الْمُتَفَرِّقِينَ بِعَذَابِ الدُّنْيَا وَعَذَابِ النَّارِ ، وَمَعَ بَيَانِهِ لِلْمَخْرَجِ مِنْ فِتْنَةِ التَّنَازُعِ ، وَمُعَالَجَتِهِ لِأَدْوَاءِ التَّدَابُرِ وَالتَّقَاطُعِ . وَلَكِنَّهُمْ حَكَّمُوا الْأَهْوَاءَ حَتَّى فِي الْعِلَاجِ وَالدَّوَاءِ ، فَاتَّبَعُوا كَمَا أَنْبَأَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ مَنْ قَبْلَهُمْ حَتَّى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=213وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) ( 2 : 213 ) .
وَمِنْ غُمَّةِ الْجَهْلِ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُسْلِمِينَ لَا يَشْعُرُونَ بِهَذَا ، حَتَّى عُلَمَاؤُهُمُ الَّذِينَ يَرْوُونَ حَدِيثَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919915 " لَتَتْبَعُنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ " قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى ؟ قَالَ : " مَنْ ؟ " . رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا . وَفِي رِوَايَةٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919916شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا ذِرَاعًا " . فَهُمْ يَقُولُونَ : صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ، وَلَا يَبْحَثُونَ فِي أَسْبَابِ هَذَا الِابْتِدَاعِ وَلَا يَتَأَمَّلُونَ فِي أَقْوَالِ مَنْ بَحَثَ فِيهَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ . فَقَدْ نَقَلَ الْحَافِظُ
nindex.php?page=showalam&ids=13332بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْحَافِظِ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ : أَنَّ رَأْسَ الْبَلِيَّةِ فِي هَذَا الِابْتِدَاعِ الْقَوْلُ فِي الدِّينِ بِالرَّأْيِ . وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ ، فَمَا مِنْ أَحَدٍ يَبْتَدِعُ أَوْ يَتْبَعُ مُبْتَدِعًا فِي أُصُولِ الدِّينِ أَوْ فُرُوعِهِ إِلَّا وَهُوَ يَسْتَدِلُّ عَلَى بِدْعَتِهِ بِالرَّأْيِ ، وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=20344ظَهَرَتْ مَبَادِئُ هَذِهِ الْبِدَعِ وَالْآرَاءِ وَالْأَهْوَاءِ فِي الْقُرُونِ الْأُولَى ، قُرُونِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا كُلُّهُ بِمَانِعٍ لَهَا إِذْ كَانَ مِنَ الْأَفْرَادِ ، لَا مِنْ مَصْدَرِ الْقُوَّةِ وَالنِّظَامِ - الَّذِي هُوَ مَقَامُ الْخِلَافَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ - فَكَيْفَ يَكُونُ الْأَمْرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ زَالَ الْعِلْمُ أَوْ كَادَ ؛ إِذْ لَا عِلْمَ إِلَّا عِلْمُ الِاسْتِقْلَالِ وَالِاجْتِهَادِ ، وَقَدْ صَارَ مَحْصُورًا فِي أَفْرَادٍ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُمُ الْعَوَامُّ وَلَا يَتْبَعُهُمُ الْحُكَّامُ ، ثُمَّ فَشَا النِّفَاقُ وَالدِّهَانُ . وَصَارَ طَلَبُ الْعِلْمِ الدِّينِيِّ حِرْفَةً لِلْكَسَالَى وَالرُّذَّالِ .
[ ص: 355 ] رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12211ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ مِنْ حَدِيثِ
أَنَسٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919917يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى يُتْرَكُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ قَالَ : " إِذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ - إِذَا ظَهَرَ الْإِدْهَانُ فِي خِيَارِكُمْ ، وَالْفُحْشُ فِي شِرَارِكُمْ ، وَالْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ ، وَالْفِقَةُ فِي رُذَّالِكُمْ " أَوْرَدَهُ الْحَافِظُ وَأَقَرَّهُ ، ثُمَّ قَالَ : وَفِي مُصَنَّفِ
nindex.php?page=showalam&ids=16802قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ
عُمَرَ : فَسَادُ الدِّينِ إِذَا جَاءَ الْعِلْمُ مِنْ قِبَلِ الصَّغِيرِ ، اسْتَعْصَى عَلَيْهِ الْكَبِيرُ ، وَصَلَاحُ النَّاسِ إِذَا جَاءَ الْعِلْمُ مِنْ قِبَلِ الْكَبِيرِ ، تَابَعَهُ عَلَيْهِ الصَّغِيرُ ( قَالَ ) وَذَكَرَ
أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّغَرِ فِي هَذَا صِغَرُ الْقَدْرِ لَا السِّنِّ اهـ .
وَصَغِيرُ الْقَدْرِ هُوَ الْمَهِينُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مِنَ الْعَقْلِ وَالْفَضِيلَةِ وَعِزَّةِ النَّفْسِ مَا يُحْتَرَمُ بِهِ وَيُتَّخَذُ قُدْوَةً ، كَمَا هُوَ شَأْنُ أَكْثَرِ الْمُسْتَرْزِقَةَ بِطَلَبِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْكَبِيرَ هُوَ الْكَبِيرُ بِعَقْلِهِ وَفَضْلِهِ ، لَا بِنَسَبِهِ وَمَالِهِ .
حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَقُولُوا عَلَيْهِ شَيْئًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، وَالرَّأْيُ وَالظَّنُّ لَيْسَ مِنَ الْعِلْمِ قَالَ تَعَالَى فِي غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=28وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنَّ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ) ( 53 : 28 ) وَمَا شُرِعَ مِنَ اجْتِهَادِ الرَّأْيِ فِي حَدِيثِ
مُعَاذٍ وَغَيْرِهِ فَهُوَ خَاصٌّ بِالْقَضَاءِ لِأَنَّهُ نَصٌّ فِيهِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ سَائِرُ الْأَحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ ، مِنْ سِيَاسِيَّةٍ وَإِدَارِيَّةٍ ، لَا فِي أُصُولِ دِينِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَمَا حُرِّمَ عَلَى عِبَادِهِ تَحْرِيمًا دِينِيًّا ، فَإِنَّ اللَّهَ أَكْمَلَ دِينَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ فِيهِ نَقْصًا يُكْمِلُهُ غَيْرُهُ بِظَنِّهِ وَرَأْيِهِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِهِ ، وَلَيْسَ لِحَاكِمٍ وَلَا مُفْتٍ أَنْ يُسْنِدَ رَأْيَهُ الِاجْتِهَادِيَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَقُولُ : هَذَا حُكْمُ اللَّهِ وَهَذَا دِينُهُ ، بَلْ يَقُولُ : هَذَا مَبْلَغُ اجْتِهَادِي فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنْ تَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلْهَامِهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ ، كَمَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ سَلَفِنَا الصَّالِحِينَ .
وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ الْآيَةَ حَقَّ التَّأَمُّلِ فَإِنَّهُ يَجْتَنِبُ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ شَيْئًا ، أَوْ يُوجِبَ عَلَيْهِمْ شَيْئًا فِي دِينِهِمْ بِغَيْرِ نَصٍّ صَرِيحٍ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، بَلْ يَجْتَنِبُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ هَذَا مَنْدُوبٌ أَوْ مَكْرُوهٌ فِي الدِّينِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَاضِحٍ مِنَ النُّصُوصِ ، وَمَا أَكْثَرَ الْغَافِلِينَ عَنْ هَذَا الْمُتَجَرِّئِينَ عَلَى التَّشْرِيعِ ، وَقَدْ بَيَّنَّا مِرَارًا فِي هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّ هَذَا حَقُّ اللَّهِ وَحْدَهُ ، وَمَنْ تَهَجَّمَ عَلَيْهِ فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ شَرِيكًا لَهُ ، وَمَنْ تَبِعَهُ فِيهِ فَقَدِ اتَّخَذَهُ رَبًّا لَهُ ، وَقَدْ كَانَ عُلَمَاءُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ يَتَحَامَوْنَ الْقَوْلَ فِي الدِّينِ بِالرَّأْيِ ، وَيَتَدَافَعُونَ الْفَتْوَى حَتَّى فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ وَإِنَّمَا كَانَ أَئِمَّةُ الْأَمْصَارِ يَقْصِدُونَ بِالتَّوَسُّعِ فِي الِاسْتِنْبَاطِ فَتْحَ أَبْوَابِ الْفَهْمِ لَا التَّشْرِيعِ الَّذِي أُلْصِقَ بِهِمْ ، حَتَّى إِذَا قَالَ أَحَدُهُمْ أَكْرَهُ كَذَا - مِنْ بَابِ الْوَرَعِ وَالِاحْتِيَاطِ - جَعَلَ أَتْبَاعُهُ
[ ص: 356 ] مِنْ بَعْدِهِ قَوْلَهُ مِنَ الْكَرَاهَةِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي جَعَلُوا بَعْضَهَا لِلتَّحْرِيمِ ، وَفَسَّرُوهَا بِأَنَّهَا خِطَابُ اللَّهِ الْمُقْتَضِي لِلتَّرْكِ اقْتِضَاءً جَازِمًا وَبَعْضَهَا لِلتَّنْزِيهِ ، وَجَعَلُوا الِاقْتِضَاءَ فِيهَا غَيْرَ جَازِمٍ وَعَلَى ذَلِكَ فَقِسْ . وَلِلْمُحَقِّقِ
ابْنِ الْقِيَمِ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ فِي كِتَابِهِ مَدَارِجِ السَّالِكِينَ هَذَا نَصُّهُ :
" وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29706_18984الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ فَهُوَ أَشَدُّ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ تَحْرِيمًا وَأَعْظَمُهَا إِثْمًا ، وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي الْمَرْتَبَةِ الرَّابِعَةِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي عَلَيْهَا الشَّرَائِعُ وَالْأَدْيَانُ ، وَلَا تُبَاحُ بِحَالٍ ، بَلْ لَا تَكُونُ إِلَّا مُحَرَّمَةً ، وَلَيْسَتْ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ الَّذِي يُبَاحُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ ، فَإِنَّ الْمُحَرَّمَاتِ نَوْعَانِ : مُحَرَّمٌ لِذَاتِهِ لَا يُبَاحُ بِحَالٍ ، وَمَحْرَّمٌ تَحْرِيمُهُ عَارِضٌ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُحَرَّمِ لِذَاتِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهُ إِلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهُ إِلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا ) ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهُ إِلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) فَهَذَا أَعْظَمُ الْمُحَرَّمَاتِ عِنْدَ اللَّهِ وَأَشَدُّهَا إِثْمًا ، فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ
nindex.php?page=treesubj&link=18984الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ وَنِسْبَتَهُ إِلَى مَا لَا يَلِيقُ بِهِ ، وَتَغْيِيرَ دِينِهِ وَتَبْدِيلَهُ ، وَنَفْيَ مَا أَثْبَتَهُ وَإِثْبَاتَ مَا نَفَاهُ ، وَتَحْقِيقَ مَا أَبْطَلَهُ وَإِبْطَالَ مَا أَحَقَّهُ ، وَعَدَاوَةَ مَنْ وَالَاهُ وَمُوَالَاةَ مَنْ عَادَاهُ . وَحُبَّ مَا أَبْغَضَهُ وَبُغْضَ مَا أَحَبَّهُ . وَوَصْفَهُ بِمَا لَا يَلِيقُ بِهِ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ ، فَلَيْسَ فِي أَجْنَاسِ الْمُحَرَّمَاتِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْهُ وَلَا أَشَدُّ إِثْمًا ، وَهُوَ أَصْلُ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ ، وَعَلَيْهِ أُسِّسَتِ الْبِدَعُ وَالضَّلَالَاتُ . فَكُلُّ بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ فِي الدِّينِ أَسَاسُهَا الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ .
" وَلِهَذَا اشْتَدَّ نَكِيرُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ لَهَا ، وَصَاحُوا بِأَهْلِهَا مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَحَذَّرُوا فِتْنَتَهُمْ أَشَدَّ التَّحْذِيرِ ، وَبَالَغُوا فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يُبَالِغُوا فِي مِثْلِهِ فِي إِنْكَارِ الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ ، إِذْ مَضَرَّةُ الْبِدَعِ وَهَدْمُهَا لِلدِّينِ وَمُنَافَاتُهَا لَهُ أَشَدُّ . وَقَدْ أَنْكَرَ تَعَالَى عَلَى مَنْ نَسَبَ إِلَى دِينِهِ تَحْلِيلَ شَيْءٍ أَوْ تَحْرِيمَهُ مِنْ عِنْدِهِ بِلَا بُرْهَانٍ مِنَ اللَّهِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=116وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ) ( 16 : 116 ) الْآيَةَ . فَكَيْفَ بِمَنْ نَسَبَ إِلَى أَوْصَافِهِ مَا لَمْ يَصِفْ بِهِ نَفْسَهُ ؟ أَوْ نَفَى عَنْهُ مِنْهَا مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ ؟ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : لِيَحْذَرْ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقُولَ أَحَلَّ اللَّهُ كَذَا وَحَرَّمَ اللَّهُ كَذَا ، فَيَقُولُ اللَّهُ : كَذَبْتَ لَمْ أُحِلَّ هَذَا وَلَمْ أُحَرِّمْ هَذَا . يَعْنِي : التَّحْلِيلَ وَالتَّحْرِيمَ بِالرَّأْيِ الْمُجَرَّدِ بِلَا بُرْهَانٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ .
" وَأَصْلُ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ هُوَ الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ ، فَإِنَّ الْمُشْرِكَ يَزْعُمُ أَنَّ مَنِ اتَّخَذَهُ مَعْبُودًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ، يُقَرِّبُهُ إِلَى اللَّهِ وَيَشْفَعُ لَهُ عِنْدَهُ ، وَيَقْضِي حَاجَتَهُ بِوَاسِطَتِهِ ، كَمَا تَكُونُ الْوَسَائِطُ عِنْدَ الْمُلُوكِ . فَكُلُّ مُشْرِكٍ قَائِلٌ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ ، دُونَ الْعَكْسِ ، إِذِ الْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ
[ ص: 357 ] بِلَا عِلْمٍ قَدْ يَتَضَمَّنُ التَّعْطِيلَ وَالِابْتِدَاعَ فِي دِينِ اللَّهِ فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الشِّرْكِ ، وَالشِّرْكُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ ، وَلِهَذَا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=18985الْكَذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوجِبًا لِدُخُولِ النَّارِ ، وَاتِّخَاذِ مَنْزِلَةٍ مِنْهَا مُبَوَّأَةٍ ، وَهُوَ الْمَنْزِلُ اللَّازِمُ الَّذِي لَا يُفَارِقُهُ صَاحِبُهُ ؛ لِأَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِلْقَوْلِ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ كَصَرِيحِ الْكَذِبِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ مَا انْضَافَ إِلَى الرَّسُولِ فَهُوَ مُضَافٌ إِلَى الْمُرْسِلِ ، وَالْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ صَرِيحٍ : افْتِرَاءُ الْكَذِبِ عَلَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=21وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ) فَذُنُوبُ أَهْلِ الْبِدَعِ كُلُّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ هَذَا الْجِنْسِ فَلَا تَتَحَقَّقُ التَّوْبَةُ مِنْهُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ مِنَ الْبِدَعِ ، وَأَنَّى بِالتَّوْبَةِ مِنْهَا لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا بِدْعَةٌ ، أَوْ يَظُنُّهَا سُنَّةً ، فَهُوَ يَدْعُو إِلَيْهَا ، وَيَحُضُّ عَلَيْهَا ؟ فَلَا تَنْكَشِفُ لِهَذَا ذُنُوبُهُ الَّتِي تَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِنْهَا ، إِلَّا بِتَضَلُّعِهِ مِنَ السُّنَّةِ وَكَثْرَةِ إِطْلَاعِهِ عَلَيْهَا وَدَوَامِ الْبَحْثِ عَنْهَا وَالتَّفْتِيشِ عَلَيْهَا ، وَلَا تَرَى صَاحِبَ بِدْعَةٍ كَذَلِكَ أَبَدًا ، فَإِنَّ السُّنَّةَ بِالذَّاتِ تَمْحَقُ الْبِدْعَةَ وَلَا تَقُومُ لَهَا ، وَإِذَا طَلَعَتْ شَمْسُهَا فِي قَلْبِ الْعَبْدِ قَطَعَتْ مِنْ قَلْبِهِ ضَبَابَ كُلِّ بِدْعَةٍ ، وَأَزَالَتْ ظُلْمَةَ كُلِّ ضَلَالَةٍ ، إِذْ لَا سُلْطَانَ لِلظُّلْمَةِ مَعَ سُلْطَانِ الشَّمْسِ . وَلَا يَرَى الْعَبْدُ الْفَرْقَ بَيْنَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ ، وَيُعِينُهُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ ظُلْمَتِهَا إِلَى نُورِ السُّنَّةِ ، إِلَّا تَجْرِيدُ الْمُتَابَعَةِ ، وَالْهِجْرَةُ بِقَلْبِهِ كُلَّ وَقْتٍ إِلَى اللَّهِ ، بِالِاسْتِعَانَةِ وَالْإِخْلَاصِ وَصِدْقِ اللَّجْإِ إِلَى اللَّهِ ، وَالْهِجْرَةِ إِلَى رَسُولِهِ بِالْحِرْصِ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى أَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ وَهَدْيِهِ وَسُنَّتِهِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919918فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ " وَمَنْ هَاجَرَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ حَظُّهُ وَنَصِيبُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ اهـ .