(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=38nindex.php?page=treesubj&link=28978_29468قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار ) أي يقول الله تعالى أو أحد ملائكته بأمره يوم القيامة لهؤلاء الكافرين : ادخلوا مع أمم قد خلت ومضت من قبلكم من الجن والإنس في النار . أو ادخلوا في ضمن أمم مثلكم قد سبقتكم كائنة في دار العذاب . وقدم الجن لأن شياطينهم مبتدئو الإضلال والإغواء لأبناء جنسهم وللإنس كما تقدم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=38كلما دخلت أمة لعنت أختها ) هذا بيان لشيء من حالتهم في دخول النار الذي لا يمكن تخلفه بعد أمر الله تعالى به . أي كلما دخلت جماعة منهم في النار واستقبلت ما فيها من الخزي والنكال ، لعنت أختها في الدين والملة التي ضلت هي باتباعها والاقتداء بها في كفرها . كما قال تعالى حكاية عن خليله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=25ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ) ( 29 : 25 ) إلخ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=38حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار ) أي حتى إذا تتابعوا وأدرك بعضهم بعضا فاجتمعوا كلهم فيها قالت أخرى كل منهم لأولاها ومقدميها في الرتبة والرياسة أو في الزمن أي لأجلها وفي شأنها - وإنما الخطاب لله عز وجل - ربنا هؤلاء أضلونا عن الحق باتباعنا لهم وتقليدنا إياهم فيما كانوا عليه من أمر الدين وسائر الأعمال ، فأعطهم ضعفا من عذاب النار لإضلالهم إيانا فوق العذاب على ضلالهم في أنفسهم حتى يكون عذابهم ضعفين ، ضعفا للضلال وضعفا للإضلال .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=38قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون ) أي يقول الرب تعالى لهم : لكل منهم ضعف من العذاب بإضلاله فوق عذابه على ضلاله . كما قال في آية أخرى :
[ ص: 369 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=25ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ) ( 16 : 25 ) ولكن لا تعلمون كنه عذابهم ؛ وذلك أن العذاب ظاهر وباطن أو جسدي ونفسي ، وقد
nindex.php?page=treesubj&link=30437_30434وصف الله النار في سورة الهمزة بأنها تطلع على الأفئدة أي القلوب ، فإذا رأى الأتباع المتبوعين معهم في دار العقاب ظنوا أن عذابهم كعذابهم فيما يأكلون من الزقوم والضريع ويشربون من الماء الحميم ، وفيما تلفحهم النار بريحها السموم ، وفيما يلجئون إليه من ظلها اليحموم ، فمثلهم معهم كمثل المسجونين في الدنيا ، منهم المجرم العريق في إجرامه من تحوت الناس وأشقيائهم ، والرئيس الزعيم في قومه ، العزيز الكريم في وطنه ، لا يشعر الأول بما يقاسيه الآخر من عذاب النفس وقهر الذل . بل يظن أن عقوبتهما واحدة في ألمها كما هي صورتها .
وحمل الأولى على الرؤساء المتبوعين والأئمة المضلين ، والأخرى على أتباعهم المقلدين لهم أظهر في المعنى من حملها على المتقدمين والمتأخرين في الزمن أو في دخول النار ، على أن شأن مبتدع الضلالة أن يكون متقدما في الزمن تقدما على من اتبعه فيها ولو في عصره ، وهذا هو الموافق لما في الآيات الأخرى كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=31ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول ) ( 34 : 31 ) إلى آخر الحوار ، ومثله ما تقدم في سورة البقرة في سياق متخذي الأنداد من دون الله وجعلهم وسطاء عند الله ، أو طاعتهم في أمر الدين بغير وحي من الله ، وتبرؤ التابعين من المتبوعين ( 2 : 165 - 167 ) وقد استشهدنا في تفسيره بهذه الآيات فيراجع ، ويعلم منه بالتفصيل أن كل دعاة التقليد الأعمى من هؤلاء المضلين الذين يضاعف لهم العذاب . وأن أئمة الهدى من علماء السلف ليسوا منهم لأنهم كانوا يستنبطون الأحكام من الكتاب والسنة ليفتحوا للناس أبواب الفهم والفقه فيهما ، مع نهيهم عن تقليدهم وأمرهم بعرض كلامهم على الكتاب والسنة وأخذ ما وافقهما ورد ما عداه . ومنهم الأئمة الأربعة الذين تنتمي إليهم طوائف السنة ، وأئمة العترة الذين تنتمي إليهم
الشيعة كالإمامين
nindex.php?page=showalam&ids=15639جعفر الصادق ،
nindex.php?page=showalam&ids=15948وزيد بن علي رضي الله عنهم أجمعين . لم يبح أحد من هؤلاء الأئمة التقليد - وقد حرمه الله في كتابه - فهم برآء من جميع المقلدين لهم ولغيرهم في دين الله ، كما فصلناه في تفسير تلك الآيات وفي مواضع أخرى . وورد في معنى ذلك آيات أخرى في سورة إبراهيم والقصص والأحزاب والصافات وص وغيرهن .
وأما حمل الأولى والأخرى على المتقدمة في الزمان والمتأخرة فيه ، فهو مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وتبعه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير . وقيل عليه : لكن منكم ومنهم ضعف ، وهذا - وإن كان ظاهرا من اللفظ - لا يظهر فيه المعنى الموافق لسائر الآيات في هذا الموضوع ، وللقاعدة القطعية في جزاء السيئات ، وهو كونه على العمل بقدره مثلا . نعم إن المتأخرين في جملتهم يقلدون من قبلهم حذو القذة
[ ص: 370 ] بالقذة ، وإنما المضل من المتبوعين من ابتدع الضلال أو دعا إليه أو كان قدوة فيه ؛ فهو الذي يحمل مثل وزر من أضله سواء كان عالما بذلك أم لا ، وقد صح في الحديث : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919919nindex.php?page=treesubj&link=20382من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء . ومن nindex.php?page=treesubj&link=20383سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء " كما بيناه في مواضع . والذي جرى عليه أكثر أصحاب التفاسير المعروفة أن الضعف الآخر على الأتباع عقاب على التقليد وعزاه بعضهم إلى
الكرخي .
قال
الآلوسي بعد ذكره والتعبير عنه بالأولى : ولا شك أن التقليد في الهدى ضلال ويستحق فاعله العذاب . أي فكيف بالتقليد في الكفر والضلال الذي قيل في أهله :
عمي القلوب عموا عن كل فائدة لأنهم كفروا بالله تقليدا
ولكنه غير ظاهر هنا ، فلا دليل على أن التقليد يقتضي مضاعفة العذاب على العمل المقلد فيه ، وإنما هو ذنب في نفسه لأنه كفر بنعمة العقل ، وما أوجبه الله بالكتاب . والفطرة من العلم بالنظر والبحث ، والاجتهاد في استبانة الحق ، وما قيل من أن جزاء الضعف على الأتباع بأن اتخاذهم الرؤساء متبوعين مما يزيد في طغيانهم ، أو بأنه طلب لأعراض الدنيا باتباع الهوى والعصيان - يقال فيه ما قيل فيما قبله من أن هذه ذنوب مستقلة لا يعبر عن عقابها بأنه ضعف إلا بضرب من التجوز .
ذلك بأن الضعف هنا هو الزائد على عقاب الذنب نفسه بسبب يلابسه ، فهو كقوله في محاورة الأتباع المقلدين للمتبوعين من سورة ص : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=61قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار ) ( 38 : 61 ) فقد صرح فيه بالزيادة وقوله من سورة الأحزاب حكاية عن التابعين المرءوسين في النار : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=67وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=68ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا ) ( 33 : 67 ، 68 ) .
وقد كان من سبق رحمة الله لغضبه وانتقامه ، وغلبة فضله على عدله ، أن وعد بمضاعفة جزاء الحسنات لذاتها دون السيئات . كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=160من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ) ( 6 : 160 ) وكما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما ) ( 4 : 40 ) وكل ما ورد في كتابه في مضاعفة العذاب فهو على الإغواء والإضلال وسوء القدوة ، إلا آية الفرقان فقد قال بعد ذكر الشرك وأكبر الكبائر من المعاصي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ) ( 25 : 68 ، 69 ) ولو انفردت دون سائر آيات المضاعفة بحكم جديد لا يتعارض معها لم تكن مشكلة ، ولكنها معارضة بها وبقاعدة الجزاء على السيئة بمثلها ،
[ ص: 371 ] إلا من أغوى غيره وأضله بقوله أو عمله فكان قدوة سيئة له فوجب الجمع بينها وبين الآيات والأخبار الصحيحة المقررة لهذه القاعدة ، كأن يقال : إن العقاب فيها على مجموع الشرك وكبائر الفواحش ، وهو مقسم عليهما لكل منهما جزء أو نوع منه ، فكان مضاعفا بالنسبة إلى عقاب المشرك الذي لم يقترف تلك الكبائر ، أو عقاب مقترفها كلها أو بعضها من غير المشركين ، وإنما الممنوع بمقتضى القاعدة أن يضاعف العذاب على كل منهما مع انتفاء الإضلال وسوء القدوة . ويحتمل أن يقال : إن فاعل تلك المعاصي من الكفار لا يكون إلا مجاهرا بضلاله فيلزمه الإضلال بسوء القدوة ، وقد قيل بمثله في كل مجاهرة ، وهو ظاهر .
ومن مباحث اللفظ أنه لا فرق في المعنى بين هذه الآية وآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=68آتهم ضعفين من العذاب ) ( 33 : 68 ) فإن لفظ الضعف من الألفاظ المتضايفة التي يقتضي وجود أحدها وجود الآخر كالزوج وهو تركب قدرين متساويين ، ويختص بالعدد فضعف الشيء هو الذي يثنيه ، وإذا أضيف إلى عدد اقتضى ذلك العدد ومثله ، فضعف الواحد اثنان وضعف العشرة عشرون ، فإذا قيل أعطه ضعفين من كذا كان معناه أعطه اثنين أو سهمين منه . وأما إذا قيل أعطه ضعفي واحد بالإضافة كان معناه أعطه واحدا وضعفيه أي ثلاثة وعلى ذلك فقس . انتهى ملخصا من مفردات الراغب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=39وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون ) هذا الجواب مبني على ما قبله من قول أخراهم أو من جواب الرب تعالى لهم - والمعنى على الأول : إذا كان الأمر كما ذكرتم من أننا نحن أضللناكم فما كان لكم علينا بهذا أدنى فضل تطلبون به أن يكون عذابكم دون عذابنا والذنب واحد ، وقد اعترفتم بتلبسكم بالضلال المقتضي له فذوقوا العذاب بكسبكم له مهما يكن سببه . وفي سورة الصافات (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=27وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=28قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=29قالوا بل لم تكونوا مؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=30وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=31فحق علينا قول ربنا إنا لذائقون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=32فأغويناكم إنا كنا غاوين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=33فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون ) ( 37 : 27 - 33 ) .
وأما المعنى على الوجه الثاني فأن يقال : إذا كان الرب قد جعل لكل منا أو منا ومنكم ضعفا من العذاب ، فليس لكم علينا فضل يخفف به عنكم ما أوجبه عليكم ، فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون من الكفر والمعاصي مثلنا ، فنحن لم نكن بمكرهين لكم على ذلك بل فعلتموه باختياركم ، وإنما كان يكون لكم الفضل علينا لو اهتديتم باتباع الرسل وتركتمونا في ضلالنا وغوايتنا ، ولا ينفعكم مضاعفة العذاب لنا إذا لم يخفف عنكم عذابكم ، فإن كلانا لا يشعر إلا بعذاب نفسه . كما قال تعالى في مثل هذا المقام في سورة الزخرف : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=39ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون ) ( 43 : 39 ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=38nindex.php?page=treesubj&link=28978_29468قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ ) أَيْ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ أَحَدُ مَلَائِكَتِهِ بِأَمْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِهَؤُلَاءِ الْكَافِرِينَ : ادْخُلُوا مَعَ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ وَمَضَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ . أَوِ ادْخُلُوا فِي ضِمْنِ أُمَمٍ مِثْلِكُمْ قَدْ سَبَقَتْكُمْ كَائِنَةٍ فِي دَارِ الْعَذَابِ . وَقُدِّمَ الْجِنُّ لِأَنَّ شَيَاطِينَهُمْ مُبْتَدِئُو الْإِضْلَالِ وَالْإِغْوَاءِ لِأَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ وَلِلْإِنْسِ كَمَا تَقَدَّمَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=38كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا ) هَذَا بَيَانٌ لِشَيْءٍ مِنْ حَالَتِهِمْ فِي دُخُولِ النَّارِ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَخَلُّفُهُ بَعْدَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ . أَيْ كُلَّمَا دَخَلَتْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فِي النَّارِ وَاسْتَقْبَلَتْ مَا فِيهَا مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ ، لَعَنَتْ أُخْتَهَا فِي الدِّينِ وَالْمِلَّةِ الَّتِي ضَلَّتْ هِيَ بِاتِّبَاعِهَا وَالِاقْتِدَاءِ بِهَا فِي كُفْرِهَا . كَمَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ خَلِيلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=25ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ) ( 29 : 25 ) إِلَخْ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=38حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ ) أَيْ حَتَّى إِذَا تَتَابَعُوا وَأَدْرَكَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَاجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ فِيهَا قَالَتْ أُخْرَى كُلٍّ مِنْهُمْ لِأُولَاهَا وَمُقَدَّمِيهَا فِي الرُّتْبَةِ وَالرِّيَاسَةِ أَوْ فِي الزَّمَنِ أَيْ لِأَجَلِهَا وَفِي شَأْنِهَا - وَإِنَّمَا الْخِطَابُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ - رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا عَنِ الْحَقِّ بِاتِّبَاعِنَا لَهُمْ وَتَقْلِيدِنَا إِيَّاهُمْ فِيمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ وَسَائِرِ الْأَعْمَالِ ، فَأَعْطِهِمْ ضِعْفًا مِنْ عَذَابِ النَّارِ لِإِضْلَالِهِمْ إِيَّانَا فَوْقَ الْعَذَابِ عَلَى ضَلَالِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَكُونَ عَذَابُهُمْ ضِعْفَيْنِ ، ضِعْفًا لِلضَّلَالِ وَضِعْفًا لِلْإِضْلَالِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=38قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ ) أَيْ يَقُولُ الرَّبُّ تَعَالَى لَهُمْ : لِكُلٍّ مِنْهُمْ ضِعْفٌ مِنَ الْعَذَابِ بِإِضْلَالِهِ فَوْقَ عَذَابِهِ عَلَى ضَلَالِهِ . كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى :
[ ص: 369 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=25لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) ( 16 : 25 ) وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ كُنْهَ عَذَابِهِمْ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَذَابَ ظَاهِرٌ وَبَاطِنٌ أَوْ جَسَدِيٌّ وَنَفْسِيٌّ ، وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=30437_30434وَصَفَ اللَّهُ النَّارَ فِي سُورَةِ الْهُمَزَةِ بِأَنَّهَا تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ أَيِ الْقُلُوبِ ، فَإِذَا رَأَى الْأَتْبَاعُ الْمَتْبُوعِينَ مَعَهُمْ فِي دَارِ الْعِقَابِ ظَنُّوا أَنَّ عَذَابَهُمْ كَعَذَابِهِمْ فِيمَا يَأْكُلُونَ مِنَ الزَّقُّومِ وَالضَّرِيعِ وَيَشْرَبُونَ مِنَ الْمَاءِ الْحَمِيمِ ، وَفِيمَا تَلْفَحُهُمُ النَّارُ بِرِيحِهَا السَّمُومِ ، وَفِيمَا يَلْجَئُونَ إِلَيْهِ مِنْ ظِلِّهَا الْيَحْمُومِ ، فَمَثَلُهُمْ مَعَهُمْ كَمَثَلِ الْمَسْجُونِينَ فِي الدُّنْيَا ، مِنْهُمُ الْمُجْرِمُ الْعَرِيقُ فِي إِجْرَامِهِ مِنْ تُحُوتِ النَّاسِ وَأَشْقِيَائِهِمْ ، وَالرَّئِيسُ الزَّعِيمُ فِي قَوْمِهِ ، الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ فِي وَطَنِهِ ، لَا يَشْعُرُ الْأَوَّلُ بِمَا يُقَاسِيهِ الْآخَرُ مِنْ عَذَابِ النَّفْسِ وَقَهْرِ الذُّلِّ . بَلْ يَظُنُّ أَنَّ عُقُوبَتَهُمَا وَاحِدَةٌ فِي أَلَمِهَا كَمَا هِيَ صُورَتُهَا .
وَحَمْلُ الْأُولَى عَلَى الرُّؤَسَاءِ الْمَتْبُوعِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ ، وَالْأُخْرَى عَلَى أَتْبَاعِهِمُ الْمُقَلِّدِينَ لَهُمْ أَظْهَرُ فِي الْمَعْنَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي الزَّمَنِ أَوْ فِي دُخُولِ النَّارِ ، عَلَى أَنَّ شَأْنَ مُبْتَدِعِ الضَّلَالَةِ أَنْ يَكُونَ مُتَقَدِّمًا فِي الزَّمَنِ تَقَدُّمًا عَلَى مَنِ اتَّبَعَهُ فِيهَا وَلَوْ فِي عَصْرِهِ ، وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْآيَاتِ الْأُخْرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=31وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ ) ( 34 : 31 ) إِلَى آخِرِ الْحِوَارِ ، وَمِثْلِهِ مَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي سِيَاقِ مُتَّخِذِي الْأَنْدَادِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَجَعْلِهِمْ وُسَطَاءَ عِنْدَ اللَّهِ ، أَوْ طَاعَتِهِمْ فِي أَمْرِ الدِّينِ بِغَيْرِ وَحْيٍ مِنَ اللَّهِ ، وَتَبَرُّؤِ التَّابِعِينَ مِنَ الْمَتْبُوعِينَ ( 2 : 165 - 167 ) وَقَدِ اسْتَشْهَدْنَا فِي تَفْسِيرِهِ بِهَذِهِ الْآيَاتِ فَيُرَاجَعُ ، وَيُعْلَمُ مِنْهُ بِالتَّفْصِيلِ أَنَّ كُلَّ دُعَاةِ التَّقْلِيدِ الْأَعْمَى مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُضِلِّينَ الَّذِينَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ . وَأَنَّ أَئِمَّةَ الْهُدَى مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ لَيْسُوا مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْبِطُونَ الْأَحْكَامَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِيَفْتَحُوا لِلنَّاسِ أَبْوَابَ الْفَهْمِ وَالْفِقْهِ فِيهِمَا ، مَعَ نَهْيِهِمْ عَنْ تَقْلِيدِهِمْ وَأَمْرِهِمْ بِعَرْضِ كَلَامِهِمْ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَخْذِ مَا وَافَقَهُمَا وَرَدِّ مَا عَدَاهُ . وَمِنْهُمُ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ الَّذِينَ تَنْتَمِي إِلَيْهِمْ طَوَائِفُ السُّنَّةِ ، وَأَئِمَّةُ الْعِتْرَةِ الَّذِينَ تَنْتَمِي إِلَيْهِمُ
الشِّيعَةُ كَالْإِمَامَيْنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15639جَعْفَرٍ الصَّادِقِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15948وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ . لَمْ يُبِحْ أَحَدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ التَّقْلِيدَ - وَقَدْ حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ - فَهُمْ بُرَآءُ مِنْ جَمِيعِ الْمُقَلِّدِينَ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ فِي دِينِ اللَّهِ ، كَمَا فَصَّلْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ تِلْكَ الْآيَاتِ وَفِي مَوَاضِعَ أُخْرَى . وَوَرَدَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ آيَاتٌ أُخْرَى فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ وَالْقَصَصِ وَالْأَحْزَابِ وَالصَّافَّاتِ وَص وَغَيْرِهِنَّ .
وَأَمَّا حَمْلُ الْأُولَى وَالْأُخْرَى عَلَى الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الزَّمَانِ وَالْمُتَأَخِّرَةِ فِيهِ ، فَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ وَتَبِعَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ . وَقِيلَ عَلَيْهِ : لَكِنْ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ ضِعْفٌ ، وَهَذَا - وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا مِنَ اللَّفْظِ - لَا يَظْهَرُ فِيهِ الْمَعْنَى الْمُوَافِقُ لِسَائِرِ الْآيَاتِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ ، وَلِلْقَاعِدَةِ الْقَطْعِيَّةِ فِي جَزَاءِ السَّيِّئَاتِ ، وَهُوَ كَوْنُهُ عَلَى الْعَمَلِ بِقَدْرِهِ مَثَلًا . نَعَمْ إِنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي جُمْلَتِهِمْ يُقَلِّدُونَ مَنْ قَبْلَهُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ
[ ص: 370 ] بِالْقُذَّةِ ، وَإِنَّمَا الْمُضِلُّ مِنَ الْمَتْبُوعِينَ مَنِ ابْتَدَعَ الضَّلَالَ أَوْ دَعَا إِلَيْهِ أَوْ كَانَ قُدْوَةً فِيهِ ؛ فَهُوَ الَّذِي يَحْمِلُ مِثْلَ وِزْرِ مَنْ أَضَلَّهُ سَوَاءً كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ أَمْ لَا ، وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيثِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=919919nindex.php?page=treesubj&link=20382مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ . وَمَنْ nindex.php?page=treesubj&link=20383سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ " كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَوَاضِعَ . وَالَّذِي جَرَى عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِ التَّفَاسِيرِ الْمَعْرُوفَةِ أَنَّ الضِّعْفَ الْآخَرَ عَلَى الْأَتْبَاعِ عِقَابٌ عَلَى التَّقْلِيدِ وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إِلَى
الْكَرْخِيِّ .
قَالَ
الْآلُوسِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ وَالتَّعْبِيرِ عَنْهُ بِالْأُولَى : وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّقْلِيدَ فِي الْهُدَى ضَلَالٌ وَيَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ الْعَذَابَ . أَيْ فَكَيْفَ بِالتَّقْلِيدِ فِي الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ الَّذِي قِيلَ فِي أَهْلِهِ :
عُمْيُ الْقُلُوبِ عَمُوا عَنْ كُلِّ فَائِدَةٍ لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ تَقْلِيدًا
وَلَكِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ هُنَا ، فَلَا دَلِيلَ عَلَى أَنَّ التَّقْلِيدَ يَقْتَضِي مُضَاعَفَةَ الْعَذَابِ عَلَى الْعَمَلِ الْمُقَلَّدِ فِيهِ ، وَإِنَّمَا هُوَ ذَنْبٌ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّهُ كُفْرٌ بِنِعْمَةِ الْعَقْلِ ، وَمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ بِالْكِتَابِ . وَالْفِطْرَةِ مِنَ الْعِلْمِ بِالنَّظَرِ وَالْبَحْثِ ، وَالِاجْتِهَادِ فِي اسْتِبَانَةِ الْحَقِّ ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ جَزَاءَ الضِّعْفِ عَلَى الْأَتْبَاعِ بِأَنَّ اتِّخَاذَهُمُ الرُّؤَسَاءَ مَتْبُوعِينَ مِمَّا يَزِيدُ فِي طُغْيَانِهِمْ ، أَوْ بِأَنَّهُ طَلَبٌ لِأَعْرَاضِ الدُّنْيَا بِاتِّبَاعِ الْهَوَى وَالْعِصْيَانِ - يُقَالُ فِيهِ مَا قِيلَ فِيمَا قَبْلَهُ مِنْ أَنَّ هَذِهِ ذُنُوبٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا يُعَبَّرُ عَنْ عِقَابِهَا بِأَنَّهُ ضِعْفٌ إِلَّا بِضَرْبٍ مِنَ التَّجَوُّزِ .
ذَلِكَ بِأَنَّ الضِّعْفَ هُنَا هُوَ الزَّائِدُ عَلَى عِقَابِ الذَّنْبِ نَفْسِهِ بِسَبَبٍ يُلَابِسُهُ ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي مُحَاوَرَةِ الْأَتْبَاعِ الْمُقَلِّدِينَ لِلْمَتْبُوعِينَ مِنْ سُورَةِ ص : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=61قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ ) ( 38 : 61 ) فَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِالزِّيَادَةِ وَقَوْلِهِ مِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ حِكَايَةً عَنِ التَّابِعِينَ الْمَرْءُوسِينَ فِي النَّارِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=67وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=68رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ) ( 33 : 67 ، 68 ) .
وَقَدْ كَانَ مِنْ سَبْقِ رَحْمَةِ اللَّهِ لِغَضَبِهِ وَانْتِقَامِهِ ، وَغَلَبَةِ فَضْلِهِ عَلَى عَدْلِهِ ، أَنْ وَعَدَ بِمُضَاعَفَةِ جَزَاءِ الْحَسَنَاتِ لِذَاتِهَا دُونَ السَّيِّئَاتِ . كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=160مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا ) ( 6 : 160 ) وَكَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=40إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ) ( 4 : 40 ) وَكُلُّ مَا وَرَدَ فِي كِتَابِهِ فِي مُضَاعَفَةِ الْعَذَابِ فَهُوَ عَلَى الْإِغْوَاءِ وَالْإِضْلَالِ وَسُوءِ الْقُدْوَةِ ، إِلَّا آيَةَ الْفَرْقَانِ فَقَدْ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الشِّرْكِ وَأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ مِنَ الْمَعَاصِي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=68وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ) ( 25 : 68 ، 69 ) وَلَوِ انْفَرَدَتْ دُونَ سَائِرِ آيَاتِ الْمُضَاعَفَةِ بِحُكْمٍ جَدِيدٍ لَا يَتَعَارَضُ مَعَهَا لَمْ تَكُنْ مُشْكِلَةً ، وَلَكِنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِهَا وَبِقَاعِدَةِ الْجَزَاءِ عَلَى السَّيِّئَةِ بِمِثْلِهَا ،
[ ص: 371 ] إِلَّا مَنْ أَغْوَى غَيْرَهُ وَأَضَلَّهُ بِقَوْلِهِ أَوْ عَمَلِهِ فَكَانَ قُدْوَةً سَيِّئَةً لَهُ فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الْمُقَرِّرَةِ لِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ ، كَأَنْ يُقَالَ : إِنَّ الْعِقَابَ فِيهَا عَلَى مَجْمُوعِ الشِّرْكِ وَكَبَائِرِ الْفَوَاحِشِ ، وَهُوَ مُقَسَّمٌ عَلَيْهِمَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا جُزْءٌ أَوْ نَوْعٌ مِنْهُ ، فَكَانَ مُضَاعَفًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِقَابِ الْمُشْرِكِ الَّذِي لَمْ يَقْتَرِفْ تِلْكَ الْكَبَائِرِ ، أَوْ عِقَابِ مُقْتَرِفِهَا كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا مِنْ غَيْرِ الْمُشْرِكِينَ ، وَإِنَّمَا الْمَمْنُوعُ بِمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ أَنْ يُضَاعَفَ الْعَذَابُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ انْتِفَاءِ الْإِضْلَالِ وَسُوءِ الْقُدْوَةِ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ فَاعِلَ تِلْكَ الْمَعَاصِي مِنَ الْكُفَّارِ لَا يَكُونُ إِلَّا مُجَاهِرًا بِضَلَالِهِ فَيَلْزَمُهُ الْإِضْلَالُ بِسُوءِ الْقُدْوَةِ ، وَقَدْ قِيلَ بِمِثْلِهِ فِي كُلِّ مُجَاهَرَةٍ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ .
وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَآيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=68آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ ) ( 33 : 68 ) فَإِنَّ لَفْظَ الضِّعْفِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُتَضَايِفَةِ الَّتِي يَقْتَضِي وُجُودُ أَحَدِهَا وُجُودَ الْآخَرِ كَالزَّوْجِ وَهُوَ تَرَكُّبُ قَدْرَيْنِ مُتَسَاوِيَيْنِ ، وَيَخْتَصُّ بِالْعَدَدِ فَضِعْفُ الشَّيْءِ هُوَ الَّذِي يُثَنِّيهِ ، وَإِذَا أُضِيفَ إِلَى عَدَدٍ اقْتَضَى ذَلِكَ الْعَدَدَ وَمِثْلَهُ ، فَضِعْفُ الْوَاحِدِ اثْنَانِ وَضِعْفُ الْعَشْرَةِ عِشْرُونَ ، فَإِذَا قِيلَ أَعْطِهِ ضِعْفَيْنِ مِنْ كَذَا كَانَ مَعْنَاهُ أَعْطِهِ اثْنَيْنِ أَوْ سَهْمَيْنِ مِنْهُ . وَأَمَّا إِذَا قِيلَ أَعْطِهِ ضِعْفَيْ وَاحِدٍ بِالْإِضَافَةِ كَانَ مَعْنَاهُ أَعْطِهِ وَاحِدًا وَضِعْفَيْهِ أَيْ ثَلَاثَةً وَعَلَى ذَلِكَ فَقِسْ . انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ مُفْرَدَاتِ الرَّاغِبِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=39وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ) هَذَا الْجَوَابُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ قَوْلِ أُخْرَاهُمْ أَوْ مِنْ جَوَابِ الرَّبِّ تَعَالَى لَهُمْ - وَالْمَعْنَى عَلَى الْأَوَّلِ : إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ أَنَّنَا نَحْنُ أَضْلَلْنَاكُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهَذَا أَدْنَى فَضْلٍ تَطْلُبُونَ بِهِ أَنْ يَكُونَ عَذَابُكُمْ دُونَ عَذَابِنَا وَالذَّنْبُ وَاحِدٌ ، وَقَدِ اعْتَرَفْتُمْ بِتَلَبُّسِكُمْ بِالضَّلَالِ الْمُقْتَضِي لَهُ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِكَسْبِكُمْ لَهُ مَهْمَا يَكُنْ سَبَبُهُ . وَفِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=27وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=28قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=29قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=30وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=31فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=32فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=33فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ) ( 37 : 27 - 33 ) .
وَأَمَّا الْمَعْنَى عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي فَأَنْ يُقَالَ : إِذَا كَانَ الرَّبُّ قَدْ جَعَلَ لِكُلٍّ مِنَّا أَوْ مِنَّا وَمِنْكُمْ ضِعْفًا مِنَ الْعَذَابِ ، فَلَيْسَ لَكُمْ عَلَيْنَا فَضْلٌ يُخَفَّفُ بِهِ عَنْكُمْ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْكُمْ ، فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي مِثْلَنَا ، فَنَحْنُ لَمْ نَكُنْ بِمُكْرِهِينَ لَكُمْ عَلَى ذَلِكَ بَلْ فَعَلْتُمُوهُ بِاخْتِيَارِكُمْ ، وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ لَكُمُ الْفَضْلُ عَلَيْنَا لَوِ اهْتَدَيْتُمْ بِاتِّبَاعِ الرُّسُلِ وَتَرَكْتُمُونَا فِي ضَلَالِنَا وَغِوَايَتِنَا ، وَلَا يَنْفَعُكُمْ مُضَاعَفَةُ الْعَذَابِ لَنَا إِذَا لَمْ يُخَفَّفْ عَنْكُمْ عَذَابُكُمْ ، فَإِنَّ كِلَانَا لَا يَشْعُرُ إِلَّا بِعَذَابِ نَفْسِهِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=39وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ) ( 43 : 39 ) .