ضرب الله إحياء البلاد بالمطر ، مثلا لبعث البشر ، ثم ضرب اختلاف إنتاج البلاد ، مثلا لما في البشر من اختلاف الاستعداد ، للغي والرشاد ، فقال :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=58nindex.php?page=treesubj&link=28978_30337والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ) .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر ، أي والبر والفاجر ، ومعناه : أن الأرض منها الطيبة الكريمة التربة التي يخرج نباتها بسهولة . وينمى بسرعة ، ويكون كثير الغلة طيب الثمرة ، ومنها الخبيثة التربة كالحرة السبخة التي لا يخرج نباتها على قلته وخبثه - إن أنبتت - إلا بعسر وصعوبة . قال
الراغب : النكد كل شيء خرج إلى طالبه بتعسر
[ ص: 428 ] ويقال رجل نكد ونكد ( أي بفتح الكاف وكسرها ) وناقة نكداء . طفيفة الدر صعبة الحلب - وذكر الآية . وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=58والذي خبث ) حذف موصوفه ، أي والبلد الذي خبث ، وهو دون الخبيث في الخبث ، فإن صيغة فعيل من الصيغ التي تدل على الصفات الكاملة الثابتة ، والنكد قد يكون فيما دون هذا من الخبث . ومن دقة البلاغة في هذين التعبيرين دلاتهما على الترغيب في طلب الرسوخ في صفات الكمال ، وتجنب أدنى الخبث والنقص وبين ذلك درجات روى
أحمد والشيخان
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي من حديث
أبي موسى رضي الله عنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919934قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب طائفة أخرى منها إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به " وقد فسر صلى الله عليه وسلم القسم الأول وهو الذي نفع وانتفع كالهادي والمهتدي ، والثالث الذي لم ينفع ولم ينتفع كالجاحد ، وسكت عن الثاني وهو الذي انتفع غيره بعلمه من دونه كالعالم الذي يعلم غيره ولا يعمل بعلمه المشبه بالأرض التي تمسك الماء ولا تنبت وحاله معلومة بل له أحوال ، فمنه المنافقون ومنه المفرطون ويدل المثلان على أن الوراثة سبب فطري لهذا التفاوت في الاستعداد ، ولهذا يحسن أن تفضل المرأة التقية الكريمة الأخلاق الطاهرة الأعراق على المرأة الجميلة إذا كانت من بيت دنيء ، وكذا على المرأة المتعلمة غير الكريمة الخلق ولا الطيبة العرق ، وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالمعادن ، وشبه المرأة الحسناء في المنبت السوء بخضراء الدمن أي حشيش المزبلة .
ومن اختبر الناس رأى أن المعروف يخرج من الطيبين عفوا بلا تكلف ، وأن الخبيثين لا يخرج منهم الخير والمعروف ولا الحق الواجب عليهم إلا نكدا ، بعد إلحاف أو إيذاء في الطلب أو إدلاء إلى الحكام ومراوغة في الخصام .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=58كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون ) أي كذلك شأننا في هذا التصريف البديع المثال الموضح بالأمثال ، نصرف الآيات الدالة على علمنا وحكمتنا ورحمتنا بالإتيان بها على أنواع جلية تبين مرادنا لقوم يشكرون نعمنا ، باستعمالها فيما تتم به حكمتنا ، فيستحقون مزيدا منها ، وتثويبنا عليها . عبر بالشكر في الآية التي موضوعها الاهتداء بالعلم والعمل والإرشاد وبالتذكير في الآية التي موضوعها الاعتبار والاستدلال .
ضَرَبَ اللَّهُ إِحْيَاءَ الْبِلَادِ بِالْمَطَرِ ، مَثَلًا لِبَعْثِ الْبَشَرِ ، ثُمَّ ضَرَبَ اخْتِلَافَ إِنْتَاجِ الْبِلَادِ ، مَثَلًا لِمَا فِي الْبَشَرِ مِنِ اخْتِلَافِ الِاسْتِعْدَادِ ، لِلْغَيِّ وَالرَّشَادِ ، فَقَالَ :
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=58nindex.php?page=treesubj&link=28978_30337وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ) .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ ، أَيْ وَالْبَرِّ وَالْفَاجِرِ ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّ الْأَرْضَ مِنْهَا الطَّيِّبَةُ الْكَرِيمَةُ التُّرْبَةِ الَّتِي يَخْرُجُ نَبَاتُهَا بِسُهُولَةٍ . وَيُنَمَّى بِسُرْعَةٍ ، وَيَكُونُ كَثِيرَ الْغَلَّةِ طَيِّبَ الثَّمَرَةِ ، وَمِنْهَا الْخَبِيثَةُ التُّرْبَةِ كَالْحَرَّةِ السَّبِخَةِ الَّتِي لَا يَخْرُجُ نَبَاتُهَا عَلَى قِلَّتِهِ وَخُبْثِهِ - إِنْ أَنْبَتَتْ - إِلَّا بِعُسْرٍ وَصُعُوبَةٍ . قَالَ
الرَّاغِبُ : النَّكِدُ كُلُّ شَيْءٍ خَرَجَ إِلَى طَالِبِهِ بِتَعَسُّرٍ
[ ص: 428 ] وَيُقَالُ رَجُلٌ نَكَدٌ وَنَكِدٌ ( أَيْ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا ) وَنَاقَةٌ نَكْدَاءُ . طَفِيفَةُ الدَّرِّ صَعْبَةُ الْحَلْبِ - وَذَكَرَ الْآيَةَ . وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=58وَالَّذِي خَبُثَ ) حَذَفَ مَوْصُوفَهُ ، أَيْ وَالْبَلَدُ الَّذِي خَبُثَ ، وَهُوَ دُونَ الْخَبِيثِ فِي الْخُبْثِ ، فَإِنَّ صِيغَةَ فَعِيلٍ مِنَ الصِّيَغِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الصِّفَاتِ الْكَامِلَةِ الثَّابِتَةِ ، وَالنَّكِدُ قَدْ يَكُونُ فِيمَا دُونَ هَذَا مِنَ الْخُبْثِ . وَمِنْ دِقَّةِ الْبَلَاغَةِ فِي هَذَيْنِ التَّعْبِيرَيْنِ دِلَاتُهُمَا عَلَى التَّرْغِيبِ فِي طَلَبِ الرُّسُوخِ فِي صِفَاتِ الْكَمَالِ ، وَتَجَنُّبِ أَدْنَى الْخُبْثِ وَالنَّقْصِ وَبَيْنَ ذَلِكَ دَرَجَاتٌ رَوَى
أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ
nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ
أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=919934قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، " مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ فَأَنْبَتَتِ الْكَلَأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادَبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا ، وَأَصَابَ طَائِفَةً أُخْرَى مِنْهَا إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمْسِكُ مَاءً وَلَا تُنْبِتُ كَلَأً ، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقِهَ فِي دِينِ اللَّهِ وَنَفَعَهُ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْسًا وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ " وَقَدْ فَسَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِسْمَ الْأَوَّلَ وَهُوَ الَّذِي نَفَعَ وَانْتَفَعَ كَالْهَادِي وَالْمُهْتَدِي ، وَالثَّالِثَ الَّذِي لَمْ يَنْفَعْ وَلَمْ يَنْتَفِعْ كَالْجَاحِدِ ، وَسَكَتَ عَنِ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي انْتَفَعَ غَيْرُهُ بِعِلْمِهِ مِنْ دُونِهِ كَالْعَالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ غَيْرَهُ وَلَا يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ الْمُشَبَّهِ بِالْأَرْضِ الَّتِي تُمْسِكُ الْمَاءَ وَلَا تَنْبُتُ وَحَالُهُ مَعْلُومَةٌ بَلْ لَهُ أَحْوَالٌ ، فَمِنْهُ الْمُنَافِقُونَ وَمِنْهُ الْمُفَرِّطُونَ وَيَدُلُّ الْمَثَلَانِ عَلَى أَنَّ الْوِرَاثَةَ سَبَبٌ فِطْرِيٌّ لِهَذَا التَّفَاوُتِ فِي الِاسْتِعْدَادِ ، وَلِهَذَا يَحْسُنُ أَنْ تُفَضَّلَ الْمَرْأَةُ التَّقِيَّةُ الْكَرِيمَةُ الْأَخْلَاقِ الطَّاهِرَةُ الْأَعْرَاقِ عَلَى الْمَرْأَةِ الْجَمِيلَةِ إِذَا كَانَتْ مِنْ بَيْتٍ دَنِيءٍ ، وَكَذَا عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُتَعَلِّمَةِ غَيْرِ الْكَرِيمَةِ الْخُلُقِ وَلَا الطَّيِّبَةِ الْعِرْقِ ، وَقَدْ شَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِالْمَعَادِنِ ، وَشَبَّهَ الْمَرْأَةَ الْحَسْنَاءَ فِي الْمَنْبَتِ السُّوءِ بِخَضْرَاءِ الدِّمْنِ أَيْ حَشِيشِ الْمَزْبَلَةِ .
وَمَنِ اخْتَبَرَ النَّاسَ رَأَى أَنَّ الْمَعْرُوفَ يَخْرُجُ مِنَ الطَّيِّبِينَ عَفْوًا بِلَا تَكَلُّفٍ ، وَأَنَّ الْخَبِيثِينَ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمُ الْخَيْرُ وَالْمَعْرُوفُ وَلَا الْحَقُّ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ إِلَّا نَكِدًا ، بَعْدَ إِلْحَافٍ أَوْ إِيذَاءٍ فِي الطَّلَبِ أَوْ إِدْلَاءٍ إِلَى الْحُكَّامِ وَمُرَاوَغَةٍ فِي الْخِصَامِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=58كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ) أَيْ كَذَلِكَ شَأْنُنَا فِي هَذَا التَّصْرِيفِ الْبَدِيعِ الْمِثَالِ الْمُوَضَّحِ بِالْأَمْثَالِ ، نُصَرِّفُ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى عِلْمِنَا وَحِكْمَتِنَا وَرَحْمَتِنَا بِالْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى أَنْوَاعٍ جَلِيَّةٍ تُبَيِّنُ مُرَادَنَا لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ نِعَمَنَا ، بِاسْتِعْمَالِهَا فِيمَا تَتِمُّ بِهِ حِكْمَتُنَا ، فَيَسْتَحِقُّونَ مَزِيدًا مِنْهَا ، وَتَثْوِيبَنَا عَلَيْهَا . عَبَّرَ بِالشُّكْرِ فِي الْآيَةِ الَّتِي مَوْضُوعُهَا الِاهْتِدَاءُ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالْإِرْشَادِ وَبِالتَّذْكِيرِ فِي الْآيَةِ الَّتِي مَوْضُوعُهَا الِاعْتِبَارُ وَالِاسْتِدْلَالُ .