(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=82nindex.php?page=treesubj&link=28978_31880وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) أي وما كان جواب قومه عن هذا الإنكار والنصيحة شيئا مما يدخل في باب الحجة ولا الاعتذار ، ولا غير ذلك مما اعتيد في الجدال ، ما كان إلا الأمر بإخراجه هو ومن آمن معه من قريتهم ، وتعليل ذلك بأنهم أناس يتطهرون ويتنزهون عن مشاركتهم في رجسهم ، فلا سبيل إلى
[ ص: 456 ] معاشرتهم ولا مساكنهم مع هذه المباينة ، فإن الناقص يستثقل معاشرة الكامل الذي يحتقره وفي سورة الشعراء أنهم أنذروه هذا الإخراج ، إذا هو لم ينته عن الإنكار .
( فإن قيل ) : إنه لم يسبق ذكر لمن آمن معه فيعود إليهم ضمير ( أخرجوهم ) .
( قلنا ) : إن هذا مما يعرف بالقرينة ، وقد صرح به في آية النمل ففيها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=56أخرجوا آل لوط ) ( 27 : 56 ) بدل أخرجوهم والباقي سواء ، إلا العطف في أولها بالفاء ، كآية العنكبوت التي اختلف فيها الجواب ، وهي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=29فما كان جواب قومه إلا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ) ( 29 : 29 ) والقرآن يفسر بعضه بعضا ، ومتى كان الكلام مفهوما كان صحيحا فصيحا وإن أشكل على جامدي النحاة وإعرابه كما سبق نظيره .
( فإن قيل ) : إن في حكاية الجوابين تعارضا في المعنى محكيا بصيغة النفي والإثبات فيهما ، فكيف وقع هذا في كتاب الله تعالى وما الذي يدفع هذا التعارض ؟ ( قلنا ) : إنه لا تعارض ولا تنافي بين الجوابين ؛ لحملهما على الوقوع في وقتين . ولا شك أنه كان ينهاهم كثيرا ، فكان يسمع في كل وقت كلاما ممن حضر منهم ، وقد قلنا : إن
nindex.php?page=treesubj&link=32016قصص القرآن لم يقصد بها سرد حوادث التاريخ بل العبرة والموعظة ، فيذكر في كل سورة من القصة الواحدة من المعاني والمواعظ ما لا يذكر في الأخرى ، ومجموعها هو كل ما أراد الله تعالى أن يعظ به هذه الأمة . فمن المعهود أن الرسل عليهم السلام - وكذا غيرهم من الوعاظ الذين ينهون الضالين والمجرمين عن المنكر - يكررون لهم الوعظ بمعان متقاربة ، ويسمعون منهم أجوبة متشابهة ، وقد يقول بعضهم ما لا يقول غيره فيعجبهم ويقرونه عليه فيسند إليهم كلهم . كما يسند إليهم فعل الواحد منهم إذا رضوه وأقروه عليه ولو بعد فعله ، كما تقدم آنفا في إسناد عقر الناقة إلى
قوم صالح وإنما عقرها واحد منهم ، وقد حكى الله تعالى من قول رسوله
لوط عليه السلام لقومه في سورة العنكبوت ما لم يحكه في سورتي الأعراف والنمل ، فزاد على إتيانهم الرجال قطع السبيل ، وإتيانهم المنكر في النادي الحافل ، والمجلس الحاشد . فكأنهم ضاقوا به حينئذ ذرعا واستعجلوه العذاب الذي أنذرهم إذا أصروا على عصيانه ، والأظهر أن هذا كان بعد أمرهم بإخراجه . وأن التوعد بالإخراج كان قبل الأمر به والله أعلم .
( فإن قيل ) : هذا مقبول لأن مثله معهود معروف ، ولكن ما وجه بدء جملة
[ ص: 457 ] الجواب بالواو تارة وبالفاء أخرى ، وما وجه اختصاص كل منهما بموضعه ؟
( قلنا ) : إن عطف الجملة على ما قبلها بكل من " الواو " و " الفاء " جائز ، إلا أن في " الفاء " زيادة معنى ؛ لأنها تفيد ربط ما بعدها بما قبلها بما يقتضي وجوب تلوه له ، فهو جماع معانيها العامة من التعقيب والسببية وجزاء الشرط ، والأصل العام في هذا الارتباط أن يكون ما بعد الفاء أثرا لفعل وقع قبله ، وكل من آيتي النمل والعنكبوت جاء بعد إسناد فعل إلى القوم ، وهو قوله في الأولى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=55بل أنتم قوم تجهلون ) ( 27 : 55 ) وفي الثانية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=29أئنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر ) ( 29 : 29 ) فلذلك عطف الجواب على ما بعدهما بالفاء . وأما آية الأعراف فقد جاءت بعد جملة اسمية وهي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=81بل أنتم قوم مسرفون ) وإسناد صفة الإسراف إليهم فيها مقصود بالذات دون ما قبله من فعل الفاحشة الذي كان بتكراره علة لهذه الصفة ، وكان الإصرار عليه معلولا لها . وثم وجه آخر لعطف هذه بالواو مبني على ما استظهرناه من كون الأمر بإخراجه عليه السلام من بعضهم قد كان بعد الإنذار والوعيد به من آخرين منهم ، فكان بهذا في معنى المعطوف عليه - فكأنه قال : فما كان جواب قومه إلا أن قال بعضهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=167لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين ، وأن قال بعضهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=56أخرجوا آل لوط من قريتكم . وردده آخرون :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=82أخرجوهم من قريتكم . وهذه الدقة في اختلاف التعبير في المواقع المتحدة أو المتشابهة لأمثال هذه النكت لا تجدها مطردة إلا في كتاب الله تعالى ، وهي من إعجازه اللفظي ولذلك يغفل عنها أكثر المفسرين . لا تجدها مطردة إلا في كتاب الله تعالى ، وهي من إعجازه اللفظي ولذلك يغفل عنها أكثر المفسرين .
بعد كتابة ما تقدم راجعت ( روح المعاني ) فإذا هو يقول : وإنما جيء بالواو في ( وما كان ) إلخ . دون الفاء كما في النمل والعنكبوت لوقوع الاسم قبل الفعل هنا والفعل هناك ، والتعقيب بالفعل بعد الفعل حسن دون التعقيب به بعد الاسم ، وفيه تأمل اهـ ولعمري إنه جدير بالتأمل للفظه الذي أورده به أولا ولمعناه بعد فهمه ثانيا ، فإن ظهر للمتأمل أن وجه الحسن في التعقيب ما بسطناه انتهى تعب التأمل بالقبول إن شاء الله ولم يكن عبثا ، وإلا كان حظه منه كد الذهن وإضاعة الوقت معا ، وما كتبت هذه النكتة ، إلا لأقول فيها هذه الكلمة ، وأنى بذكاء أصحاب الإيجاز المخل من المتعجبين ، وإن قل من ينتفع بعلمهم من الصابرين ، وسيقل عددهم في هذه الأمة كما قل في غيرها من الأمم التي عرفت قيمة العمر ، فضنت به أن يضيع جله في حل رموز زيد وعمرو .
( فإن قيل ) : إن المعهود من أهل الرذائل أن ينكروها أو يسموها بغير اسمها ويألمون ممن يعيرهم بها لما جبل الله عليه البشر من حب الكمال وكره النقص ، فكيف علل
قوم لوط [ ص: 458 ] إخراجه هو ومن آمن معه بأنهم يتطهرون ويتنزهون من أدران الفواحش ، وهو شهادة لهم بالكمال وشهادة على أنفسهم بالنقص ؟ .
( فالجواب ) : ما قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري فيه وهو أنه : سخرية بهم وبتطهرهم من الفواحش ، وافتخارهم بما كانوا فيه من القذارة ، كما يقول الشطار من الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم : ابعدوا عنا هذا المتقشف ، وأريحونا من هذا المتزهد اهـ . ومثله معهود من المجاهرين بالفسق ، وللنقص والرذائل دركات ، كما أن للكمال والفضائل درجات ، فأولاها أن يلم بالرذيلة وهو يشعر بقبحها ، ويلوم نفسه عليها ، ثم يتوب إلى ربه منها ، ويليها أن يعود إليها المرة بعد المرة مستترا مستخفيا ، ويليها أن يصر عليها ، حتى يزول شعوره بقبحها ، ويليها أن يجهر بها ، ويكون قدوة سيئة للمستعدين لها ، ويليها أن يفاخر بها أهلها ، ويحتقر من يتنزهون عنها ، وهذه أسفل الدركات ، وهي درجة
قوم لوط ، ولا يهبط إليها ولا بسف من يؤمن بالله واليوم الآخر ، بل وصف الله المؤمنين بأنهم إذا عملوا السيئات يعملونها بجهالة ثم يتوبون من قريب ، وأنهم لا يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=83فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين ) أي فأنجيناه وأهل بيته الذين آمنوا معه ، ولذلك استثنى منهم امرأته فإنها لم تؤمن به ، بل خانته بولاية قومه الكافرين الفاسقين عليه ، فكانت من جماعة الغابرين أي الهالكين ، أو الباقين الذين نزل بهم العذاب في الدنيا ويليه عذاب الآخرة . يقال : غبر بمعنى بقى وبمعنى مضى وذهب وهلك . ومن قال من المفسرين إن أهله هم الذين آمنوا به سواء كانوا من ذوي قرابته أم لا ، فقد غفل عن قوله تعالى في سورة الذاريات : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=35فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=36فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) ( 51 : 35 ، 36 ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=84وأمطرنا عليهم مطرا ) أي أرسلنا عليهم مطرا عجيبا أمره ، وهو الحجارة التي رجموا بها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الكشاف : الفرق بين مطر وأمطر أن معنى مطرتهم السماء أصابتهم بالمطر ، كقولهم غاثتهم ووبلتهم وجادتهم ورهمتهم . ويقال : أمطرت عليهم كذا - بمعنى أرسلته عليهم إرسال المطر اهـ . وعن بعض أئمة اللغة أن مطر وأمطر بمعنى واحد كما في الصحاح . وقال آخرون : إن " مطر " لا يستعمل إلا في الرحمة و " أمطر " لا يستعمل إلا في العذاب . نقل هذا عن
أبي عبيدة وتبعه
الراغب والفيروزابادي في القاموس ، والتحقيق أنه يقال : مطرتهم السماء وأمطرتهم ، وسماء ماطرة وممطرة - قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في حقيقة المادة من أساس البلاغة ، ثم قال : ومن المجاز أمطر الله عليهم الحجارة اهـ . فالأمطار حقيقة في
[ ص: 459 ] المطر مجاز فيما يشبهه في الكثرة من خير وشر حسيين أو معنويين مما يجيء من السماء أو من الأرض . وما قال من قال : إنه خاص بالشر ، إلا من تكرر الآيات في
nindex.php?page=treesubj&link=33955إرسال الحجارة على قوم لوط ، وقوله تعالى حكاية عن بعض كفار
قريش : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=32وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ) ( 8 : 32 ) وغفلوا عن قوله في سورة الأحقاف : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا ) ( 46 : 24 ) .
نحن نؤمن بهذه الآية كما وردت في سور القرآن ولا نقول في حقيقتها وصفتها قولا جازما ، ولكن يجوز عقلا أن يكون
nindex.php?page=treesubj&link=33955سبب إمطار الحجارة على قوم لوط إرسال إعصار من الريح حملتها وألقتها عليهم ومثل هذا معهود ، وقد أخبرنا بعض أهل ساحل البحر أن السماء أمطرت عليهم مرة طينا ومرة سمكا - أي مع المطر - وسألوا : من أين جاء ذلك ؟ فقلنا : أما التراب فأثارته السافياء من الريح فحملته إلى السحاب فنزل مع المطر طينا ، وأما السمك فهذا الإعصار الذي يرى متدليا من السحاب إلى البحر أو مرتفعا من البحر إلى السحاب كعمود من الدخان وتسمونه التنين ، هو الذي يرفع الماء من البحر إلى السحاب ، فاتفق أن كان فيما رفعه سمك حملته الريح إليكم لقربكم من البحر .
ويحتمل أن تكون تلك الحجارة من بعض النجوم المحطمة التي يسميها الفلكيون الحجارة النيزكية ، وهي بقايا كوكب محطم تجذبه الأرض إليها إذا صارت بالقرب منها ، وهي تحترق غالبا من سرعة الجذب وشدته وهي الشهب التي ترى في الليل ، فإذا سلم منها شيء من الاحتراق ووصل إلى الأرض ساخ فيها ، وكان لسقوطه صوت شديد ، وقد اهتدى الناس إلى بعض هذه الحجارة ووضعوها في المتاحف ، ولم يعهد أن تكون كثيرة ، والآيات تخالف المعهود وتخترق المعتاد وإن كانت موافقة لسنن خفية في الكون بفعل الله عز وجل . وفي سورتي هود والحجر أنها حجارة من سجيل مسومة . واختلف رواة التفسير في تفسير السجيل ، قال
مجاهد : هو بالفارسية أولها حجارة وآخرها طين ، وفي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=83مسومة ) ( 11 : 83 ) قال : معلمة . ومثله عن شيخه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه قال : حجارة فيها طين ، وقال : السوم بياض في حمرة ، وقال
الراغب : والسجيل حجر وطين مختلط وأصله فيما قيل فارسي معرب اهـ . وهذا يرجح الوجه الأول ، وهو كون تلك الحجارة من الأرض وقلعتها الأعاصير من أرض رطبة من المطر أو غيره ، وحجارة النيازك لا تكون إلا جافة ، بل تسقط حامية من شدة الجذب ثم تبرد . وقال الأستاذ الإمام في تفسير سورة الفيل : السجيل طين متحجر . والصواب الأول ، وأنه فارسي الأصل . وسنعود إلى هذا البحث في تفسير سورة هود إن شاء الله تعالى ، وفيها أن الله تعالى جعل عالي تلك القرى سافلها ، ونبين أن وقوع هذا وذاك بالسنن الإلهية الجلية أو الخفية لا ينافي كونها آية .
[ ص: 460 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=84فانظر كيف كان عاقبة المجرمين ) الخطاب لكل من يسمع القصة أو يقرؤها من أهل النظر والاعتبار ، والمراد : أن يعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=33955_30539عاقبة القوم المجرمين لا تكون إلا وبالا وعقابا ، فإن الأمم تعاقب على ذنوبها في الدنيا قبل الآخرة باطراد . وقد بينا من قبل أن عقابها إما أن يكون أثرا طبيعيا للذنب كالترف والسرف في الفسق يفسد أخلاق الأمة ويذهب ببأسها ، أو يجعله بينها شديدا بتفرق كلمتها واختلاف أحزابها وتعاديهم ، فيترتب على ذلك تسلط أمة أخرى عليها تستذلها بسلب استقلالها ، وتسخيرها في منافعها ، حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين بذهاب مقوماتها ومشخصاتها ، أو اندغامها في الأمة الغالبة أو انقراضها ، وإما أن يكون بما يحدث بسنن الله تعالى في الأرض من الجوائح الطبيعية كالزلازل والخسف وإمطار النار والمواد المصطهرة التي تقذفها البراكين من الأرض والأوبئة - أو الانقلابات الاجتماعية كالحروب والثورات والفتن . وهنالك نوع ثالث وهو ما كان من آيات الرسل عليهم الصلاة والسلام وقد انقضى زمانه بختمهم بنبي الرحمة
محمد صلى الله عليه وآله وسلم . راجع تفسير (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ) ( 6 : 65 ) [ ص408 وما بعدها ج 7 ط الهيئة ] .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=82nindex.php?page=treesubj&link=28978_31880وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ) أَيْ وَمَا كَانَ جَوَابُ قَوْمِهِ عَنْ هَذَا الْإِنْكَارِ وَالنَّصِيحَةِ شَيْئًا مِمَّا يَدْخُلُ فِي بَابِ الْحُجَّةِ وَلَا الِاعْتِذَارِ ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا اعْتِيدَ فِي الْجِدَالِ ، مَا كَانَ إِلَّا الْأَمْرَ بِإِخْرَاجِهِ هُوَ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ مِنْ قَرْيَتِهِمْ ، وَتَعْلِيلُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ وَيَتَنَزَّهُونَ عَنْ مُشَارَكَتِهِمْ فِي رِجْسِهِمْ ، فَلَا سَبِيلَ إِلَى
[ ص: 456 ] مُعَاشَرَتِهِمْ وَلَا مَسَاكِنِهِمْ مَعَ هَذِهِ الْمُبَايَنَةِ ، فَإِنَّ النَّاقِصَ يَسْتَثْقِلُ مُعَاشَرَةَ الْكَامِلِ الَّذِي يَحْتَقِرُهُ وَفِي سُورَةِ الشُّعَرَاءِ أَنَّهُمْ أَنْذَرُوهُ هَذَا الْإِخْرَاجَ ، إِذَا هُوَ لَمْ يَنْتَهِ عَنِ الْإِنْكَارِ .
( فَإِنْ قِيلَ ) : إِنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ ذِكْرٌ لِمَنْ آمَنَ مَعَهُ فَيَعُودُ إِلَيْهِمْ ضَمِيرُ ( أَخْرِجُوهُمْ ) .
( قُلْنَا ) : إِنَّ هَذَا مِمَّا يُعْرَفُ بِالْقَرِينَةِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي آيَةِ النَّمْلِ فَفِيهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=56أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ ) ( 27 : 56 ) بَدَلُ أَخْرِجُوهُمْ وَالْبَاقِي سَوَاءٌ ، إِلَّا الْعَطْفَ فِي أَوَّلِهَا بِالْفَاءِ ، كَآيَةِ الْعَنْكَبُوتِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا الْجَوَابُ ، وَهِيَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=29فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ) ( 29 : 29 ) وَالْقُرْآنُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا ، وَمَتَى كَانَ الْكَلَامُ مَفْهُومًا كَانَ صَحِيحًا فَصِيحًا وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَى جَامِدِي النُّحَاةِ وَإِعْرَابُهُ كَمَا سَبَقَ نَظِيرُهُ .
( فَإِنْ قِيلَ ) : إِنَّ فِي حِكَايَةِ الْجَوَابَيْنِ تَعَارُضًا فِي الْمَعْنَى مَحْكِيًّا بِصِيغَةِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِيهِمَا ، فَكَيْفَ وَقَعَ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا الَّذِي يَدْفَعُ هَذَا التَّعَارُضَ ؟ ( قُلْنَا ) : إِنَّهُ لَا تَعَارُضَ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْجَوَابَيْنِ ؛ لِحَمْلِهِمَا عَلَى الْوُقُوعِ فِي وَقْتَيْنِ . وَلَا شَكَّ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَاهُمْ كَثِيرًا ، فَكَانَ يَسْمَعُ فِي كُلِّ وَقْتٍ كَلَامًا مِمَّنْ حَضَرَ مِنْهُمْ ، وَقَدْ قُلْنَا : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32016قِصَصَ الْقُرْآنِ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا سَرْدُ حَوَادِثِ التَّارِيخِ بَلِ الْعِبْرَةُ وَالْمَوْعِظَةُ ، فَيُذْكَرُ فِي كُلِّ سُورَةٍ مِنَ الْقِصَّةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الْمَعَانِي وَالْمَوَاعِظِ مَا لَا يُذْكَرُ فِي الْأُخْرَى ، وَمَجْمُوعُهَا هُوَ كُلُّ مَا أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَعِظَ بِهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ . فَمِنَ الْمَعْهُودِ أَنَّ الرُّسُلَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - وَكَذَا غَيْرُهُمْ مِنَ الْوُعَّاظِ الَّذِينَ يَنْهَوْنَ الضَّالِّينَ وَالْمُجْرِمِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ - يُكَرِّرُونَ لَهُمُ الْوَعْظَ بِمَعَانٍ مُتَقَارِبَةٍ ، وَيَسْمَعُونَ مِنْهُمْ أَجْوِبَةً مُتَشَابِهَةً ، وَقَدْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ مَا لَا يَقُولُ غَيْرُهُ فَيُعْجِبُهُمْ وَيُقِرُّونَهُ عَلَيْهِ فَيُسْنَدُ إِلَيْهِمْ كُلِّهِمْ . كَمَا يُسْنَدُ إِلَيْهِمْ فِعْلُ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ إِذَا رَضُوهُ وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ وَلَوْ بَعْدَ فِعْلِهِ ، كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا فِي إِسْنَادِ عَقْرِ النَّاقَةِ إِلَى
قَوْمِ صَالِحٍ وَإِنَّمَا عَقَرَهَا وَاحِدٌ مِنْهُمْ ، وَقَدْ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى مِنْ قَوْلِ رَسُولِهِ
لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ فِي سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ مَا لَمْ يَحْكِهُ فِي سُورَتَيِ الْأَعْرَافِ وَالنَّمْلِ ، فَزَادَ عَلَى إِتْيَانِهِمُ الرِّجَالَ قَطْعَ السَّبِيلِ ، وَإِتْيَانَهُمُ الْمُنْكَرَ فِي النَّادِي الْحَافِلِ ، وَالْمَجْلِسِ الْحَاشِدِ . فَكَأَنَّهُمْ ضَاقُوا بِهِ حِينَئِذٍ ذَرْعًا وَاسْتَعْجَلُوهُ الْعَذَابَ الَّذِي أَنْذَرَهُمْ إِذَا أَصَرُّوا عَلَى عِصْيَانِهِ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا كَانَ بَعْدَ أَمْرِهِمْ بِإِخْرَاجِهِ . وَأَنَّ التَّوَعُّدَ بِالْإِخْرَاجِ كَانَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
( فَإِنْ قِيلَ ) : هَذَا مَقْبُولٌ لِأَنَّ مِثْلَهُ مَعْهُودٌ مَعْرُوفٌ ، وَلَكِنْ مَا وَجْهُ بَدْءِ جُمْلَةِ
[ ص: 457 ] الْجَوَابِ بِالْوَاوِ تَارَةً وَبِالْفَاءِ أُخْرَى ، وَمَا وَجْهُ اخْتِصَاصِ كُلٍّ مِنْهُمَا بِمَوْضِعِهِ ؟
( قُلْنَا ) : إِنَّ عَطْفَ الْجُمْلَةِ عَلَى مَا قَبْلَهَا بِكُلٍّ مِنَ " الْوَاوِ " وَ " الْفَاءِ " جَائِزٌ ، إِلَّا أَنَّ فِي " الْفَاءِ " زِيَادَةَ مَعْنًى ؛ لِأَنَّهَا تُفِيدُ رَبْطَ مَا بَعْدَهَا بِمَا قَبْلَهَا بِمَا يَقْتَضِي وُجُوبَ تُلُوِّهِ لَهُ ، فَهُوَ جِمَاعُ مَعَانِيهَا الْعَامَّةِ مِنَ التَّعْقِيبِ وَالسَّبَبِيَّةِ وَجَزَاءِ الشَّرْطِ ، وَالْأَصْلُ الْعَامُّ فِي هَذَا الِارْتِبَاطِ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ الْفَاءِ أَثَرًا لِفِعْلٍ وَقَعَ قَبْلَهُ ، وَكُلٌّ مِنْ آيَتَيِ النَّمْلِ وَالْعَنْكَبُوتِ جَاءَ بَعْدَ إِسْنَادِ فِعْلٍ إِلَى الْقَوْمِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْأُولَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=55بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) ( 27 : 55 ) وَفِي الثَّانِيَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=29أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ ) ( 29 : 29 ) فَلِذَلِكَ عُطِفَ الْجَوَابُ عَلَى مَا بَعْدَهُمَا بِالْفَاءِ . وَأَمَّا آيَةُ الْأَعْرَافِ فَقَدْ جَاءَتْ بَعْدَ جُمْلَةٍ اسْمِيَّةٍ وَهِيَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=81بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) وَإِسْنَادُ صِفَةِ الْإِسْرَافِ إِلَيْهِمْ فِيهَا مَقْصُودٌ بِالذَّاتِ دُونَ مَا قَبْلَهُ مِنْ فِعْلِ الْفَاحِشَةِ الَّذِي كَانَ بِتَكْرَارِهِ عِلَّةً لِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَكَانَ الْإِصْرَارُ عَلَيْهِ مَعْلُولًا لَهَا . وَثَمَّ وَجْهٌ آخَرُ لِعَطْفِ هَذِهِ بِالْوَاوِ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا اسْتَظْهَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ الْأَمْرِ بِإِخْرَاجِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بَعْضِهِمْ قَدْ كَانَ بَعْدَ الْإِنْذَارِ وَالْوَعِيدِ بِهِ مِنْ آخَرِينَ مِنْهُمْ ، فَكَانَ بِهَذَا فِي مَعْنَى الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ - فَكَأَنَّهُ قَالَ : فَمَا كَانَ جَوَابُ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=167لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ ، وَأَنْ قَالَ بَعْضُهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=56أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ . وَرَدَّدَهُ آخَرُونَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=82أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ . وَهَذِهِ الدِّقَّةُ فِي اخْتِلَافِ التَّعْبِيرِ فِي الْمَوَاقِعِ الْمُتَّحِدَةِ أَوِ الْمُتَشَابِهَةِ لِأَمْثَالِ هَذِهِ النُّكَتِ لَا تَجِدُهَا مُطَّرِدَةً إِلَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهِيَ مِنْ إِعْجَازِهِ اللَّفْظِيِّ وَلِذَلِكَ يَغْفُلُ عَنْهَا أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ . لَا تَجِدُهَا مُطَّرِدَةً إِلَّا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَهِيَ مِنْ إِعْجَازِهِ اللَّفْظِيِّ وَلِذَلِكَ يَغْفُلُ عَنْهَا أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ .
بَعْدَ كِتَابَةِ مَا تَقَدَّمَ رَاجَعْتُ ( رُوحَ الْمَعَانِي ) فَإِذَا هُوَ يَقُولُ : وَإِنَّمَا جِيءَ بِالْوَاوِ فِي ( وَمَا كَانَ ) إِلَخْ . دُونَ الْفَاءِ كَمَا فِي النَّمْلِ وَالْعَنْكَبُوتِ لِوُقُوعِ الِاسْمِ قَبْلَ الْفِعْلِ هُنَا وَالْفِعْلِ هُنَاكَ ، وَالتَّعْقِيبُ بِالْفِعْلِ بَعْدَ الْفِعْلِ حَسَنٌ دُونَ التَّعْقِيبِ بِهِ بَعْدَ الِاسْمِ ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ اهـ وَلَعَمْرِي إِنَّهُ جَدِيرٌ بِالتَّأَمُّلِ لِلَفْظِهِ الَّذِي أَوْرَدَهُ بِهِ أَوَّلًا وَلِمَعْنَاهُ بَعْدَ فَهْمِهِ ثَانِيًا ، فَإِنْ ظَهَرَ لِلْمُتَأَمِّلِ أَنَّ وَجْهَ الْحُسْنِ فِي التَّعْقِيبِ مَا بَسَطْنَاهُ انْتَهَى تَعَبُ التَّأَمُّلِ بِالْقَبُولِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ عَبَثًا ، وَإِلَّا كَانَ حَظُّهُ مِنْهُ كَدَّ الذِّهْنِ وَإِضَاعَةَ الْوَقْتِ مَعًا ، وَمَا كَتَبْتُ هَذِهِ النُّكْتَةَ ، إِلَّا لِأَقُولَ فِيهَا هَذِهِ الْكَلِمَةَ ، وَأَنَّى بِذَكَاءِ أَصْحَابِ الْإِيجَازِ الْمُخِلِّ مِنَ الْمُتَعَجِّبِينَ ، وَإِنْ قَلَّ مَنْ يَنْتَفِعُ بِعِلْمِهِمْ مِنَ الصَّابِرِينَ ، وَسَيَقِلُّ عَدَدُهُمْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا قَلَّ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي عَرِفَتْ قِيمَةَ الْعُمْرِ ، فَضَنَّتْ بِهِ أَنْ يَضِيعَ جُلُّهُ فِي حَلِّ رُمُوزِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو .
( فَإِنْ قِيلَ ) : إِنَّ الْمَعْهُودَ مِنْ أَهْلِ الرَّذَائِلِ أَنْ يُنْكِرُوهَا أَوْ يُسَمُّوهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا وَيَأْلَمُونَ مِمَّنْ يُعَيِّرُهُمْ بِهَا لِمَا جَبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْبَشَرَ مِنْ حُبِّ الْكَمَالِ وَكُرْهِ النَّقْصِ ، فَكَيْفَ عَلَّلَ
قَوْمُ لُوطٍ [ ص: 458 ] إِخْرَاجَهُ هُوَ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ بِأَنَّهُمْ يَتَطَهَّرُونَ وَيَتَنَزَّهُونَ مِنْ أَدْرَانِ الْفَوَاحِشِ ، وَهُوَ شَهَادَةٌ لَهُمْ بِالْكَمَالِ وَشَهَادَةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالنَّقْصِ ؟ .
( فَالْجَوَابُ ) : مَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ : سُخْرِيَةٌ بِهِمْ وَبِتَطَهُّرِهِمْ مِنَ الْفَوَاحِشِ ، وَافْتِخَارِهِمْ بِمَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْقَذَارَةِ ، كَمَا يَقُولُ الشُّطَّارُ مِنَ الْفَسَقَةِ لِبَعْضِ الصُّلَحَاءِ إِذَا وَعَظَهُمْ : ابْعِدُوا عَنَّا هَذَا الْمُتَقَشِّفَ ، وَأَرِيحُونَا مِنْ هَذَا الْمُتَزَهِّدِ اهـ . وَمِثْلُهُ مَعْهُودٌ مِنَ الْمُجَاهِرِينَ بِالْفِسْقِ ، وَلِلنَّقْصِ وَالرَّذَائِلِ دَرَكَاتٌ ، كَمَا أَنَّ لِلْكَمَالِ وَالْفَضَائِلِ دَرَجَاتٌ ، فَأُولَاهَا أَنْ يُلِمَّ بِالرَّذِيلَةِ وَهُوَ يَشْعُرُ بِقُبْحِهَا ، وَيَلُومُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ يَتُوبُ إِلَى رَبِّهِ مِنْهَا ، وَيَلِيهَا أَنْ يَعُودَ إِلَيْهَا الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ مُسْتَتِرًا مُسْتَخْفِيًا ، وَيَلِيهَا أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا ، حَتَّى يَزُولَ شُعُورُهُ بِقُبْحِهَا ، وَيَلِيهَا أَنْ يَجْهَرَ بِهَا ، وَيَكُونُ قُدْوَةً سَيِّئَةً لِلْمُسْتَعِدِّينَ لَهَا ، وَيَلِيهَا أَنْ يُفَاخِرَ بِهَا أَهْلَهَا ، وَيَحْتَقِرَ مَنْ يَتَنَزَّهُونَ عَنْهَا ، وَهَذِهِ أَسْفَلُ الدَّرَكَاتِ ، وَهِيَ دَرَجَةُ
قَوْمِ لُوطٍ ، وَلَا يَهْبِطُ إِلَيْهَا وَلَا بِسَفِّ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، بَلْ وَصَفَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُمْ إِذَا عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ يَعْمَلُونَهَا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ ، وَأَنَّهُمْ لَا يُصِرُّونَ عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=83فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ) أَيْ فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ، وَلِذَلِكَ اسْتَثْنَى مِنْهُمُ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهَا لَمْ تُؤْمِنْ بِهِ ، بَلْ خَانَتْهُ بِوِلَايَةِ قَوْمِهِ الْكَافِرِينَ الْفَاسِقِينَ عَلَيْهِ ، فَكَانَتْ مِنْ جَمَاعَةِ الْغَابِرِينَ أَيِ الْهَالِكِينَ ، أَوِ الْبَاقِينَ الَّذِينَ نَزَلَ بِهِمُ الْعَذَابُ فِي الدُّنْيَا وَيَلِيهِ عَذَابُ الْآخِرَةِ . يُقَالُ : غَبَرَ بِمَعْنَى بَقَى وَبِمَعْنَى مَضَى وَذَهَبَ وَهَلَكَ . وَمَنْ قَالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِنْ أَهْلَهُ هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ سَوَاءً كَانُوا مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ أَمْ لَا ، فَقَدْ غَفَلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الذَّارِيَاتِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=35فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=36فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) ( 51 : 35 ، 36 ) . (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=84وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا ) أَيْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا عَجِيبًا أَمْرُهُ ، وَهُوَ الْحِجَارَةُ الَّتِي رُجِمُوا بِهَا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْكَشَّافِ : الْفَرْقُ بَيْنَ مَطِرَ وَأَمْطَرَ أَنَّ مَعْنَى مَطِرَتْهُمُ السَّمَاءُ أَصَابَتْهُمْ بِالْمَطَرِ ، كَقَوْلِهِمْ غَاثَتْهُمْ وَوَبِلَتْهُمْ وَجَادَتْهُمْ وَرَهِمَتْهُمْ . وَيُقَالُ : أَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ كَذَا - بِمَعْنَى أَرْسَلَتْهُ عَلَيْهِمْ إِرْسَالَ الْمَطَرِ اهـ . وَعَنْ بَعْضِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ أَنَّ مَطَرَ وَأَمْطَرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا فِي الصِّحَاحِ . وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّ " مَطَرَ " لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الرَّحْمَةِ وَ " أَمْطَرَ " لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْعَذَابِ . نُقِلَ هَذَا عَنْ
أَبِي عُبَيْدَةَ وَتَبِعَهُ
الرَّاغِبُ وَالْفَيْرُوزَابَادِيُّ فِي الْقَامُوسِ ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ يُقَالُ : مَطَرَتْهُمُ السَّمَاءُ وَأَمْطَرَتْهُمْ ، وَسَمَاءٌ مَاطِرَةٌ وَمُمْطِرَةٌ - قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي حَقِيقَةِ الْمَادَّةِ مِنْ أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ ، ثُمَّ قَالَ : وَمِنَ الْمَجَازِ أَمْطَرَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْحِجَارَةَ اهـ . فَالْأَمْطَارُ حَقِيقَةٌ فِي
[ ص: 459 ] الْمَطَرِ مَجَازٌ فِيمَا يُشْبِهُهُ فِي الْكَثْرَةِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ حِسِّيَّيْنِ أَوْ مَعْنَوِيَّيْنِ مِمَّا يَجِيءُ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ مِنَ الْأَرْضِ . وَمَا قَالَ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ خَاصٌّ بِالشَّرِّ ، إِلَّا مِنْ تَكَرُّرِ الْآيَاتِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=33955إِرْسَالِ الْحِجَارَةِ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ بَعْضِ كُفَّارِ
قُرَيْشٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=32وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) ( 8 : 32 ) وَغَفَلُوا عَنْ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=24فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا ) ( 46 : 24 ) .
نَحْنُ نُؤْمِنُ بِهَذِهِ الْآيَةِ كَمَا وَرَدَتْ فِي سُوَرِ الْقُرْآنِ وَلَا نَقُولُ فِي حَقِيقَتِهَا وَصِفَتِهَا قَوْلًا جَازِمًا ، وَلَكِنْ يَجُوزُ عَقْلًا أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=33955سَبَبُ إِمْطَارِ الْحِجَارَةِ عَلَى قَوْمِ لُوطٍ إِرْسَالَ إِعْصَارٍ مِنَ الرِّيحِ حَمَلَتْهَا وَأَلْقَتْهَا عَلَيْهِمْ وَمِثْلُ هَذَا مَعْهُودٌ ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَهْلِ سَاحِلِ الْبَحْرِ أَنَّ السَّمَاءَ أَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ مَرَّةً طِينًا وَمَرَّةً سَمَكًا - أَيْ مَعَ الْمَطَرِ - وَسَأَلُوا : مِنْ أَيْنَ جَاءَ ذَلِكَ ؟ فَقُلْنَا : أَمَّا التُّرَابُ فَأَثَارَتْهُ السَّافِيَاءُ مِنَ الرِّيحِ فَحَمَلَتْهُ إِلَى السَّحَابِ فَنَزَلَ مَعَ الْمَطَرِ طِينًا ، وَأَمَّا السَّمَكُ فَهَذَا الْإِعْصَارُ الَّذِي يُرَى مُتَدَلِّيًا مِنَ السَّحَابِ إِلَى الْبَحْرِ أَوْ مُرْتَفِعًا مِنَ الْبَحْرِ إِلَى السَّحَابِ كَعَمُودٍ مِنَ الدُّخَّانِ وَتُسَمُّونَهُ التِّنِّينَ ، هُوَ الَّذِي يَرْفَعُ الْمَاءَ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى السَّحَابِ ، فَاتَّفَقَ أَنْ كَانَ فِيمَا رَفَعَهُ سَمَكٌ حَمَلَتْهُ الرِّيحُ إِلَيْكُمْ لِقُرْبِكُمْ مِنَ الْبَحْرِ .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْحِجَارَةُ مِنْ بَعْضِ النُّجُومِ الْمُحَطَّمَةِ الَّتِي يُسَمِّيهَا الْفَلَكِيُّونَ الْحِجَارَةَ النَّيْزَكِيَّةَ ، وَهِيَ بَقَايَا كَوْكَبٍ مُحَطَّمٍ تَجْذِبُهُ الْأَرْضُ إِلَيْهَا إِذَا صَارَتْ بِالْقُرْبِ مِنْهَا ، وَهِيَ تَحْتَرِقُ غَالِبًا مِنْ سُرْعَةِ الْجَذْبِ وَشِدَّتِهِ وَهِيَ الشُّهُبُ الَّتِي تُرَى فِي اللَّيْلِ ، فَإِذَا سَلِمَ مِنْهَا شَيْءٌ مِنَ الِاحْتِرَاقِ وَوَصَلَ إِلَى الْأَرْضِ سَاخَ فِيهَا ، وَكَانَ لِسُقُوطِهِ صَوْتٌ شَدِيدٌ ، وَقَدِ اهْتَدَى النَّاسُ إِلَى بَعْضِ هَذِهِ الْحِجَارَةِ وَوَضَعُوهَا فِي الْمَتَاحِفِ ، وَلَمْ يُعْهَدْ أَنْ تَكُونَ كَثِيرَةً ، وَالْآيَاتُ تُخَالِفُ الْمَعْهُودَ وَتَخْتَرِقُ الْمُعْتَادَ وَإِنْ كَانَتْ مُوَافِقَةً لِسُنَنٍ خَفِيَّةٍ فِي الْكَوْنِ بِفِعْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَفِي سُورَتَيْ هُودٍ وَالْحِجْرِ أَنَّهَا حِجَارَةٌ مِنْ سِجِّيلٍ مُسَوَّمَةً . وَاخْتَلَفَ رُوَاةُ التَّفْسِيرِ فِي تَفْسِيرِ السِّجِّيلِ ، قَالَ
مُجَاهِدٌ : هُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوَّلُهَا حِجَارَةٌ وَآخِرُهَا طِينٌ ، وَفِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=83مُسَوَّمَةً ) ( 11 : 83 ) قَالَ : مُعَلَّمَةً . وَمِثْلِهِ عَنْ شَيْخِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : حِجَارَةٌ فِيهَا طِينٌ ، وَقَالَ : السَّوْمُ بَيَاضٌ فِي حُمْرَةٍ ، وَقَالَ
الرَّاغِبُ : وَالسِّجِّيلُ حَجَرٌ وَطِينٌ مُخْتَلِطٌ وَأَصْلُهُ فِيمَا قِيلَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ اهـ . وَهَذَا يُرَجِّحُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ ، وَهُوَ كَوْنُ تِلْكَ الْحِجَارَةِ مِنَ الْأَرْضِ وَقَلَعَتْهَا الْأَعَاصِيرُ مِنْ أَرْضٍ رَطْبَةٍ مِنَ الْمَطَرِ أَوْ غَيْرِهِ ، وَحِجَارَةُ النَّيَازِكِ لَا تَكُونُ إِلَّا جَافَّةً ، بَلْ تَسْقُطُ حَامِيَةً مِنْ شِدَّةِ الْجَذْبِ ثُمَّ تَبْرُدُ . وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفِيلِ : السِّجِّيلُ طِينٌ مُتَحَجِّرٌ . وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ ، وَأَنَّهُ فَارِسِيُّ الْأَصْلِ . وَسَنَعُودُ إِلَى هَذَا الْبَحْثِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ هُودٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَفِيهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ عَالِيَ تِلْكَ الْقُرَى سَافِلَهَا ، وَنُبَيِّنُ أَنَّ وُقُوعَ هَذَا وَذَاكَ بِالسُّنَنِ الْإِلَهِيَّةِ الْجَلِيَّةِ أَوِ الْخَفِيَّةِ لَا يُنَافِي كَوْنَهَا آيَةً .
[ ص: 460 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=84فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) الْخِطَابُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ الْقِصَّةَ أَوْ يَقْرَؤُهَا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالِاعْتِبَارِ ، وَالْمُرَادُ : أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33955_30539عَاقِبَةَ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ لَا تَكُونُ إِلَّا وَبَالًا وَعِقَابًا ، فَإِنَّ الْأُمَمَ تُعَاقَبُ عَلَى ذُنُوبِهَا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْآخِرَةِ بِاطِّرَادٍ . وَقَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ أَنَّ عِقَابَهَا إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَثَرًا طَبِيعِيًّا لِلذَّنْبِ كَالتَّرَفِ وَالسَّرَفِ فِي الْفِسْقِ يُفْسِدُ أَخْلَاقَ الْأُمَّةِ وَيَذْهَبُ بِبَأْسِهَا ، أَوْ يَجْعَلُهُ بَيْنَهَا شَدِيدًا بِتَفَرُّقِ كَلِمَتِهَا وَاخْتِلَافِ أَحْزَابِهَا وَتَعَادِيهِمْ ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ تَسَلُّطُ أُمَّةٍ أُخْرَى عَلَيْهَا تَسْتَذِلُّهَا بِسَلْبِ اسْتِقْلَالِهَا ، وَتَسْخِيرِهَا فِي مَنَافِعِهَا ، حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ بِذَهَابِ مُقَوِّمَاتِهَا وَمُشَخِّصَاتِهَا ، أَوِ انْدِغَامِهَا فِي الْأُمَّةِ الْغَالِبَةِ أَوِ انْقِرَاضِهَا ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِمَا يَحْدُثُ بِسُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَرْضِ مِنَ الْجَوَائِحِ الطَّبِيعِيَّةِ كَالزَّلَازِلِ وَالْخَسْفِ وَإِمْطَارِ النَّارِ وَالْمَوَادِّ الْمُصْطَهِرَةِ الَّتِي تَقْذِفُهَا الْبَرَاكِينُ مِنَ الْأَرْضِ وَالْأَوْبِئَةِ - أَوِ الِانْقِلَابَاتِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ كَالْحُرُوبِ وَالثَّوَرَاتِ وَالْفِتَنِ . وَهُنَالِكَ نَوْعٌ ثَالِثٌ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْ آيَاتِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَدِ انْقَضَى زَمَانُهُ بِخَتْمِهِمْ بِنَبِيِّ الرَّحْمَةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ . رَاجِعْ تَفْسِيرَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=65قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ) ( 6 : 65 ) [ ص408 وَمَا بَعْدَهَا ج 7 ط الْهَيْئَةِ ] .