ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة   أي : ثم بلوناهم بضد ذلك ، فجعلنا الحالة الحسنة في مكان الحالة السيئة كاليسر بعد العسر ، والغنى في مكان الفقر ، والنصر عقب الكسر ، حتى عفوا  أي : كثروا ونموا ، كما قال  ابن عباس  ـ رضي الله عنهما ـ : وهو من : عفا النبات والشحم والشعر ونحوه إذ كثر ، وله شواهد عن العرب ، وذلك أن اليسر والرخاء سبب لكثرة النسل وبه تتم نعم الدنيا على الموسرين ،   [ ص: 16 ] ومن الشواهد على هذا الابتلاء في القصص التي قفى عليها بهذه العبر قول هود  عليه السلام لقومه : واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون  وقول صالح  عليه السلام لقومه : واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين    . 
وقول شعيب  عليه السلام لقومه : واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين  ولكن لم تزد الآلاء هؤلاء الكافرين إلا بغيا وبطرا وفسادا في الأرض : وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء  أي : وقالوا مع ذلك قولا يدل على فساد فطرتهم ، وانطماس بصيرتهم وفقدهم الاستعداد للاتعاظ والاعتبار بأحداث الزمان ، وتغير أحوال الإنسان ، وتقلب شئون العمران ، قالوا : قد مس آباءنا من قبلنا ما يسوء وما يسر وتناوبهم ما ينفع وما يضر ، ونحن مثلهم يصيبنا ما أصابهم فتلك عادة الزمان في أبنائه ، فلا الضراء عقاب من الخالق الحكيم على معاص تقترف ورذائل ترتكب ، ولا السراء جزاء منه على صالحات تعمل وفضائل تلتزم ، والمراد : أنهم جهلوا سننه تعالى في أسباب الصلاح والفساد في البشر ، وما يترتب عليهما من السعادة والشقاء ، المعبر عنها بقوله تعالى : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم    ( 13 : 11 ) فلما ذكرتهم رسلهم بها لم يتذكروا ولم يعتبروا ، بل نسوا وأعرضوا وأنكروا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					