nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه فظلموا بها فانظر كيف كان عاقبة المفسدين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=104وقال موسى يافرعون إني رسول من رب العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=105حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=106قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=107فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=108ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=109قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=110يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=111قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=112يأتوك بكل ساحر عليم (
nindex.php?page=treesubj&link=31907قصة موسى عليه الصلاة والسلام )
هو
موسى بن عمران - بكسر العين - وأهل الكتاب يضبطون اسم والده بالميم في آخره (
عمرام ) وبفتح أوله ، وجميع الأمم القديمة والحديثة تتصرف في نقل الأسماء من لغات غيرها إلى لغتها ، ومعنى كلمة ( موسى ) المنتاش من الماء ؛ أي : الذي أنقذ منه ، وروى أبو الشيخ ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : إنما سمي "
موسى ؛ لأنه ألقي بين ماء وشجر ،
[ ص: 34 ] فالماء بالقبطية " مو " والشجر " سى " وذلك أن أمه وضعته بعد ولادته في تابوت ( صندوق ) أقفلته إقفالا محكما ، وألقته في اليم ( بحر النيل ) خوفا من
فرعون وحكومته أن يعلموا به فيقتلوه ؛ إذ كانوا يذبحون ذكور
بني إسرائيل عند ولادتهم ، ويتركون إناثهم ، وقالت لأخته : قصيه ؛ أي : تتبعيه ؛ لتعلم أين ينتهي ؟ ومن يلتقطه ؟ حتى لا يخفى عليها أمره ، فما زالت أخته تراقب التابوت على ضفاف اليم حتى رأت
آل فرعون ملك
مصر يلتقطونه إلى آخر ما قصه الله تعالى من خبره في سورة القصص .
وقد ذكرت قصته في عدة سور مكية بين مطولة ومختصرة أولها هذه السورة ( الأعراف ) فهي أول السور المكية في ترتيب المصحف التي ذكرت فيها قصته ، ومثلها في استقصاء قصته طه ويليها سائر الطواسين الثلاثة ( الشعراء والنمل والقصص ) وقد ذكر بعض العبر من قصته في سور أخرى كيونس وهود والمؤمنين ، وذكر اسمه في سور كثيرة غيرها بالاختصار ولا سيما المكية ، وتكرر ذكره في خطاب
بني إسرائيل من سورة البقرة المدنية ، وذكر في غيرها من الطول والمئين والمفصل حتى زاد ذكر اسمه في القرآن على 130 مرة فلم يذكر فيه نبي ولا ملك كما ذكر اسمه .
وسبب ذلك أن قصته أشبه قصص الرسل عليهم السلام بقصة خاتمهم
محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله من حيث إنه أوتي شريعة دينية دنيوية ، وكون الله تعالى به أمة عظيمة ذات ملك ومدنية ، وسنبين ما فيها وفي غيرها من حكم التكرار ، واختلاف التعبير في مواضعها إن شاء الله تعالى .
قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه هذه القصة معطوفة على جملة ما قبلها من القصص من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=59لقد أرسلنا نوحا إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=85وإلى مدين أخاهم شعيبا القصة ، فهي نوع وهن نوع آخر ، والفرق بين النوعين أن تلك القصص متشابهة في تكذيب الأقوام فيها لرسلهم ومعاندتهم إياهم وإيذائهم لهم ، وفي عاقبة ذلك بإهلاك الله تعالى إياهم بعذاب الاستئصال ، ولذلك عطف كل واحدة منهن على الأولى بدون إعادة ذكر الإرسال للإيذان بأنها نوع واحد ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=65وإلى عاد أخاهم هودا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=73وإلى ثمود أخاهم صالحا ولوطا
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=85وإلى مدين أخاهم شعيبا وقد أعاد في قصة
موسى ذكر الإرسال للتفرقة ، ولكن بلفظ البعث ، وهو أخص وأبلغ من لفظ الإرسال ؛ لأنه يفيد معنى الإثارة والإزعاج إلى الشيء المهم ، ولم يذكر في القرآن إلا في بعث الموتى ، وفي الرسالة العامة ؛ أي : بعث عدة من الرسل ، وفي بعثة نبينا
وموسى خاصة ، وكذا في بعث نقباء
بني إسرائيل ، وبعث من انتقم منهم وعذبهم وسباهم حين أفسدوا في الأرض ، فالتعبير بلفظ البعث هنا يؤكد ما أفادته إعادة العامل من التفرقة
[ ص: 35 ] بين نوعي الإرسال ، أعني أن لفظه الخاص مؤكد لمعناه العام ، كما يؤكدها عطف هذه القصة على أولئك بـ " ثم " التي تدل على الفصل والتراخي إما في الزمان ، وإما في النوع أو الرتبة ، والأخير هو المراد هنا ، وبيانه أن هذا الإرسال وما ترتب عليه وأعقبه في
قوم موسى مخالف لجملة ما قبله مخالفة تضاد ، فقد أنقذت به أمة من عذاب الدنيا ، وهو تعبيد
فرعون وملئه لها وسومهم إياها أنواع الخزي والنكال ، واهتدت إلى عبادة الله تعالى وحده وإقامة شرعه ، فأعطاها في الدنيا ملكا عظيما ، وجعل منها أنبياء وملوكا ، وأعد بذلك المهتدين منها لسعادة الآخرة الباقية فأين هذا الإرسال من ذلك الإرسال ، الذي أعقب أقوام أولئك الرسل في الدنيا عذاب الاستئصال ، وفي الآخرة ما هو أشد وأبقى من الخزي والنكال ؟ وقد يظهر للتراخي الزماني وجه باعتبار كون العطف على قصة
نوح ؛ فإن ما عطف عليها من قصص من بعده قد جعل تابعا ومتمما لها بعدم إعادة العامل " أرسلنا " كما تقدم آنفا ، وإلا فإن
شعيبا ، وهو آخر أولئك الرسل كان في زمن
موسى وهو حموه ، وقد أوحى الله تعالى إلى
موسى وهو لديه مع زوجه وأولاده في
سيناء ، وأرسله منها إلى
فرعون وملئه لإنقاذ
بني إسرائيل من حكمه وظلمه ، ويؤيد ذلك كله أن الله تعالى ذكر إرسال
نوح في سورة يونس وقفى عليه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=74ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم ( 10 : 74 ) إلخ ، وقال بعد هذا :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=75ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه ( 10 : 75 ) ومن المعلوم عقلا واستنباطا أن التراخي بين بعثة
نوح ومن بعده من الرسل زماني ؛ إذ كان بعد تناسل الذين نجوا معه في السفينة ، وتكاثرهم وصيرورتهم شعوبا وقبائل ، وهذا الإجمال في سورة يونس في الرسل مبني على التفصيل الذي سبقه في سورة الأعراف التي نزلت قبلها أو هو أعم منه ؛ فإن الأمم قد كثرت بين
نوح وموسى عليهما السلام ، وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ( 16 : 36 ) وقال لخاتم رسله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=78منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك ( 40 : 78 ) وقد بينا حكمة تخصيص من ذكر في هذه السورة منهم بالذكر ، وكذا من ذكر في سورة الأنعام وغيرها .
والمعنى : ثم بعثنا من بعد أولئك الرسل
موسى بآياتنا التي تدل على صدقه فيما يبلغه عنا إلى
فرعون وملئه ، أما " فرعون " فهو لقب ملوك
مصر القدماء ، كلقب " قيصر " لملوك
الروم ، و " كسرى " لملوك
الفرس الأولين ، و " الشاه " لملوك الإيرانيين في هذا العصر ، وكانوا يطلقون على فرعون لقب الملك أيضا ، واختلف في اشتقاق كلمة فرعون ومعناه ، وفي اسم
فرعون موسى وزمنه ، وليس في الآثار المصرية ما يبين هذا ، وأما ملؤه فهم أشراف قومه ورجال دولته ، ولم يقل إلى
فرعون وقومه ؛ لأن الملك ورجال الدولة هم الذين كانوا مستعبدين
لبني إسرائيل وبيدهم أمرهم ، وليس لسائر المصريين من الأمر شيء ، ولأنهم كانوا
[ ص: 36 ] مستعبدين أيضا ، ولكن الظلم على
بني إسرائيل الغرباء كان أشد ، وإنما
nindex.php?page=treesubj&link=31913_31920بعث الله تعالى موسى ؛ لإنقاذ قومه بني إسرائيل من فرعون ورجال دولته ، وإقامة دين الله تعالى بهم في بلاد أجدادهم ، ولو آمن
فرعون وملؤه لآمن سائر قومهم ؛ لأنهم كانوا تبعا لهم بل كان هذا شأن جميع الأقوام مع ملوكهم المستبدين الجائرين ، وقد علم الله تعالى أن
فرعون وملأه لا يؤمنون
بموسى ، وأن قومه تبع له لا اختيار لهم ، وأكثرهم مقلدون ، ولذلك قتل السحرة لما آمنوا
بموسى ، وإنما آمنوا ؛ لأنهم كانوا علماء ، مستقلي العقل ، أصحاب فهم ورأي ، وكان السحر من علومهم وفنونهم الصناعية التي تتلقى بالتعليم ، وليس كالآيات التي جاء بها
موسى فإنها من خوارق العادات التي لا يقدر عليها إلا الله تعالى .
وقد أقام الله تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=31942الحجة بآيات موسى على فرعون وملئه nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103فظلموا بها أي : فظلموا أنفسهم وقومهم بالكفر بها كبرا وجحودا ، فكان عليهم إثم ذلك ، وإثم قومهم الذين حرموا من الإيمان باتباعهم لهم ، كما كان يكون لهم مثل أجورهم لو آمنوا بالتبع لهم ، وجملة القول : أن
موسى عليه السلام كان مرسلا إلى قومه
بني إسرائيل بالذات ، وإلى
فرعون وملئه بالتبع ، ولك أن تقول : إن الإرسال إلى
بني إسرائيل مقصد ، وإلى
فرعون وملئه وسيلة ، وقد عدي الظلم في الجملة بالباء لتضمينه معنى الكفر فصار جامعا للمعنيين ، ولا يصح تفسيره بأحدهما إذ لو أريد أحدهما لعبر به ، ولم يكن للتضمين فائدة ، وقيل : إن الباء في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103فظلموا بها للسببية ؛ أي : فظلموا أنفسهم وقومهم ؛ بسبب هذه الآيات ظلما جديدا ، وهو ما ترتب على الجحود من العذاب بالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ثم بالغرق كما سيجيء في محله ، والأول أظهر وأبلغ ، على أنه لا تنافي بينهما في المعنى .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103فانظر كيف كان عاقبة المفسدين أي : فانظر أيها الرسول ، أو أيها السامع ، والتالي بعين العقل والفكر ، كيف كان
nindex.php?page=treesubj&link=31916عاقبة فرعون وملئه المفسدين في الأرض بالظلم واستعباد البشر حين جحدوا آيات الله ، وظلموا بها عملا بمقتضى فسادهم ، وهذا تشويق لتوجيه النظر لما سيقصه تعالى من عاقبة أمرهم إذ نصر عبده ورسوله
موسى عليهم ، وهو فرد من شعب مستضعف مستعبد لهم ، وهم أعظم أهل الأرض دولة وصولة وقوة ، نصره عليهم أولا بإبطال سحرهم ، وإقناع علمائهم وسحرتهم بصحة رسالته ، وكون آياته من الله تعالى ، ثم نصره بإرسال أنواع العذاب على البلاد ثم بإنقاذ قومه وإغراق
فرعون ومن اتبعه من ملئه وجنوده ، وهذه عبرة ظاهرة ، وحجة قائمة مدة الدهر ، على القائلين إنما الغلب للقوة المادية على الحق ، ولا سيما المغرورين بعظمة دول
أوربة الظالمة لمن استضعفتهم من أهل الشرق ، وعلى أولئك الباغين بالأولى ، فأولى لهم أولى ، ثم أولى لهم أولى .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=104وَقَالَ مُوسَى يَافِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=105حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=106قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=107فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=108وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=109قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=110يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=111قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=112يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (
nindex.php?page=treesubj&link=31907قِصَّةُ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ )
هُوَ
مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ - بِكَسْرِ الْعَيْنِ - وَأَهْلُ الْكِتَابِ يَضْبُطُونَ اسْمَ وَالِدِهِ بِالْمِيمِ فِي آخِرِهِ (
عَمْرَامُ ) وَبِفَتْحِ أَوَّلِهِ ، وَجَمِيعُ الْأُمَمِ الْقَدِيمَةِ وَالْحَدِيثَةِ تَتَصَرَّفُ فِي نَقْلِ الْأَسْمَاءِ مِنْ لُغَاتِ غَيْرِهَا إِلَى لُغَتِهَا ، وَمَعْنَى كَلِمَةِ ( مُوسَى ) الْمِنْتَاشُ مِنَ الْمَاءِ ؛ أَيْ : الَّذِي أُنْقِذَ مِنْهُ ، وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : إِنَّمَا سُمِّيَ "
مُوسَى ؛ لِأَنَّهُ أُلْقِيَ بَيْنَ مَاءٍ وَشَجَرٍ ،
[ ص: 34 ] فَالْمَاءُ بِالْقِبْطِيَّةِ " مُو " وَالشَّجَرُ " سَى " وَذَلِكَ أَنَّ أُمَّهُ وَضَعَتْهُ بَعْدَ وِلَادَتِهِ فِي تَابُوتٍ ( صُنْدُوقٍ ) أَقْفَلَتْهُ إِقْفَالًا مُحْكَمًا ، وَأَلْقَتْهُ فِي الْيَمِّ ( بَحْرِ النِّيلِ ) خَوْفًا مِنْ
فِرْعَوْنَ وَحُكُومَتِهِ أَنْ يَعْلَمُوا بِهِ فَيَقْتُلُوهُ ؛ إِذْ كَانُوا يَذْبَحُونَ ذُكُورَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ وِلَادَتِهِمْ ، وَيَتْرُكُونَ إِنَاثَهُمْ ، وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ : قُصِّيهِ ؛ أَيْ : تَتَبَّعِيهِ ؛ لِتَعْلَمَ أَيْنَ يَنْتَهِي ؟ وَمَنْ يَلْتَقِطُهُ ؟ حَتَّى لَا يَخْفَى عَلَيْهَا أَمْرُهُ ، فَمَا زَالَتْ أُخْتُهُ تُرَاقِبُ التَّابُوتَ عَلَى ضِفَافِ الْيَمِّ حَتَّى رَأَتْ
آلَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ
مِصْرَ يَلْتَقِطُونَهُ إِلَى آخِرِ مَا قَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ خَبَرِهِ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ .
وَقَدْ ذُكِرَتْ قِصَّتُهُ فِي عِدَّةِ سُوَرٍ مَكِّيَّةٍ بَيْنَ مُطَوَّلَةٍ وَمُخْتَصَرَةٍ أَوَّلُهَا هَذِهِ السُّورَةُ ( الْأَعْرَافُ ) فَهِيَ أَوَّلُ السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ فِي تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِيهَا قِصَّتُهُ ، وَمِثْلُهَا فِي اسْتِقْصَاءِ قِصَّتِهِ طَهَ وَيَلِيهَا سَائِرُ الطَّوَاسِينِ الثَّلَاثَةِ ( الشُّعَرَاءِ وَالنَّمْلِ وَالْقَصَصِ ) وَقَدْ ذُكِرَ بَعْضُ الْعِبَرِ مِنْ قِصَّتِهِ فِي سُوَرٍ أُخْرَى كَيُونُسَ وَهُودٍ وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَذُكِرَ اسْمُهُ فِي سُوَرٍ كَثِيرَةٍ غَيْرِهَا بِالِاخْتِصَارِ وَلَا سِيَّمَا الْمَكِّيَّةِ ، وَتَكَرَّرَ ذِكْرُهُ فِي خِطَابِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ الْمَدَنِيَّةِ ، وَذُكِرَ فِي غَيْرِهَا مِنَ الطُّولِ وَالْمِئِينَ وَالْمُفَصَّلِ حَتَّى زَادَ ذِكْرُ اسْمِهِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى 130 مَرَّةً فَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ نَبِيٌّ وَلَا مَلِكٌ كَمَا ذُكِرَ اسْمُهُ .
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ قِصَّتَهُ أَشْبَهُ قَصَصِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِقِصَّةِ خَاتَمِهِمْ
مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أُوتِيَ شَرِيعَةً دِينِيَّةً دُنْيَوِيَّةً ، وَكَوَّنَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أُمَّةً عَظِيمَةً ذَاتَ مِلْكٍ وَمَدَنِيَّةٍ ، وَسَنُبَيِّنُ مَا فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا مِنْ حُكْمِ التَّكْرَارِ ، وَاخْتِلَافِ التَّعْبِيرِ فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنِ وَمَلَئِهِ هَذِهِ الْقِصَّةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ مَا قَبْلَهَا مِنَ الْقَصَصِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=59لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=85وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا الْقِصَّةَ ، فَهِيَ نَوْعٌ وَهُنَّ نَوْعٌ آخَرُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ أَنَّ تِلْكَ الْقَصَصَ مُتَشَابِهَةٌ فِي تَكْذِيبِ الْأَقْوَامِ فِيهَا لِرُسُلِهِمْ وَمُعَانَدَتِهِمْ إِيَّاهُمْ وَإِيذَائِهِمْ لَهُمْ ، وَفِي عَاقِبَةِ ذَلِكَ بِإِهْلَاكِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ بِعَذَابِ الِاسْتِئْصَالِ ، وَلِذَلِكَ عَطَفَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى الْأُولَى بِدُونِ إِعَادَةِ ذِكْرِ الْإِرْسَالِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهَا نَوْعٌ وَاحِدٌ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=65وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=73وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا وَلُوطًا
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=85وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا وَقَدْ أَعَادَ فِي قِصَّةِ
مُوسَى ذِكْرَ الْإِرْسَالِ لِلتَّفْرِقَةِ ، وَلَكِنْ بِلَفْظِ الْبَعْثِ ، وَهُوَ أَخَصُّ وَأَبْلَغُ مِنْ لَفْظِ الْإِرْسَالِ ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ مَعْنَى الْإِثَارَةِ وَالْإِزْعَاجِ إِلَى الشَّيْءِ الْمُهِمِّ ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِي بَعْثِ الْمَوْتَى ، وَفِي الرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ ؛ أَيْ : بَعْثُ عِدَّةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَفِي بَعْثَةِ نَبِيِّنَا
وَمُوسَى خَاصَّةً ، وَكَذَا فِي بَعْثِ نُقَبَاءِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَبَعْثِ مَنِ انْتَقَمَ مِنْهُمْ وَعَذَّبَهُمْ وَسَبَاهُمْ حِينَ أَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ ، فَالتَّعْبِيرُ بِلَفْظِ الْبَعْثِ هُنَا يُؤَكِّدُ مَا أَفَادَتْهُ إِعَادَةُ الْعَامِلِ مِنَ التَّفْرِقَةِ
[ ص: 35 ] بَيْنَ نَوْعَيِ الْإِرْسَالِ ، أَعْنِي أَنَّ لَفْظَهُ الْخَاصَّ مُؤَكِّدٌ لِمَعْنَاهُ الْعَامِّ ، كَمَا يُؤَكِّدُهَا عَطْفُ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى أُولَئِكَ بِـ " ثُمَّ " الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْفَصْلِ وَالتَّرَاخِي إِمَّا فِي الزَّمَانِ ، وَإِمَّا فِي النَّوْعِ أَوِ الرُّتْبَةِ ، وَالْأَخِيرُ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا ، وَبَيَانُهُ أَنَّ هَذَا الْإِرْسَالَ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ وَأَعْقَبَهُ فِي
قَوْمِ مُوسَى مُخَالِفٌ لِجُمْلَةِ مَا قَبْلَهُ مُخَالَفَةَ تَضَادٍّ ، فَقَدْ أُنْقِذَتْ بِهِ أُمَّةٌ مِنْ عَذَابِ الدُّنْيَا ، وَهُوَ تَعْبِيدُ
فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ لَهَا وَسَوْمُهُمْ إِيَّاهَا أَنْوَاعَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ ، وَاهْتَدَتْ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ وَإِقَامَةِ شَرْعِهِ ، فَأَعْطَاهَا فِي الدُّنْيَا مُلْكًا عَظِيمًا ، وَجَعَلَ مِنْهَا أَنْبِيَاءَ وَمُلُوكًا ، وَأَعَدَّ بِذَلِكَ الْمُهْتَدِينَ مِنْهَا لِسَعَادَةِ الْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ فَأَيْنَ هَذَا الْإِرْسَالُ مِنْ ذَلِكَ الْإِرْسَالِ ، الَّذِي أَعْقَبَ أَقْوَامَ أُولَئِكَ الرُّسُلِ فِي الدُّنْيَا عَذَابَ الِاسْتِئْصَالِ ، وَفِي الْآخِرَةِ مَا هُوَ أَشَدُّ وَأَبْقَى مِنَ الْخِزْيِ وَالنَّكَالِ ؟ وَقَدْ يَظْهَرُ لِلتَّرَاخِي الزَّمَانِيِّ وَجْهٌ بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْعَطْفِ عَلَى قِصَّةِ
نُوحٍ ؛ فَإِنَّ مَا عُطِفَ عَلَيْهَا مِنْ قَصَصِ مَنْ بَعْدَهُ قَدْ جُعِلَ تَابِعًا وَمُتَمِّمًا لَهَا بِعَدَمِ إِعَادَةِ الْعَامِلِ " أَرْسَلْنَا " كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا ، وَإِلَّا فَإِنَّ
شُعَيْبًا ، وَهُوَ آخِرُ أُولَئِكَ الرُّسُلِ كَانَ فِي زَمَنِ
مُوسَى وَهُوَ حَمُوهُ ، وَقَدْ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى
مُوسَى وَهُوَ لَدَيْهِ مَعَ زَوْجِهِ وَأَوْلَادِهِ فِي
سَيْنَاءَ ، وَأَرْسَلَهُ مِنْهَا إِلَى
فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ لِإِنْقَاذِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ حُكْمِهِ وَظُلْمِهِ ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ كُلَّهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ إِرْسَالَ
نُوحٍ فِي سُورَةِ يُونُسَ وَقَفَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=74ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ ( 10 : 74 ) إِلَخْ ، وَقَالَ بَعْدَ هَذَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=75ثُمَّ بَعَثْنَا مَنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ( 10 : 75 ) وَمِنَ الْمَعْلُومِ عَقْلًا وَاسْتِنْبَاطًا أَنَّ التَّرَاخِيَ بَيْنَ بَعْثَةِ
نُوحٍ وَمَنْ بَعْدَهُ مِنَ الرُّسُلِ زَمَانِيٌّ ؛ إِذْ كَانَ بَعْدَ تَنَاسُلِ الَّذِينَ نَجَوْا مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ ، وَتَكَاثُرِهِمْ وَصَيْرُورَتِهِمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ ، وَهَذَا الْإِجْمَالُ فِي سُورَةِ يُونُسَ فِي الرُّسُلِ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي سَبَقَهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ الَّتِي نَزَلَتْ قَبْلَهَا أَوْ هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ ؛ فَإِنَّ الْأُمَمَ قَدْ كَثُرَتْ بَيْنَ
نُوحٍ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=36وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا ( 16 : 36 ) وَقَالَ لِخَاتَمِ رُسُلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=78مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ( 40 : 78 ) وَقَدْ بَيَّنَّا حِكْمَةَ تَخْصِيصِ مَنْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْهُمْ بِالذِّكْرِ ، وَكَذَا مَنْ ذُكِرَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِهَا .
وَالْمَعْنَى : ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِ أُولَئِكَ الرُّسُلِ
مُوسَى بِآيَاتِنَا الَّتِي تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا يُبَلِّغُهُ عَنَّا إِلَى
فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ، أَمَّا " فِرْعَوْنُ " فَهُوَ لَقَبُ مُلُوكِ
مِصْرَ الْقُدَمَاءِ ، كَلَقَبِ " قَيْصَرَ " لِمُلُوكِ
الرُّومِ ، وَ " كِسْرَى " لِمُلُوكِ
الْفُرْسِ الْأَوَّلِينَ ، وَ " الشَّاهْ " لِمُلُوكِ الْإِيرَانِيِّينَ فِي هَذَا الْعَصْرِ ، وَكَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَى فِرْعَوْنَ لَقَبَ الْمَلِكِ أَيْضًا ، وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِ كَلِمَةِ فِرْعَوْنَ وَمَعْنَاهُ ، وَفِي اسْمِ
فِرْعَوْنَ مُوسَى وَزَمَنِهِ ، وَلَيْسَ فِي الْآثَارِ الْمِصْرِيَّةِ مَا يُبَيِّنُ هَذَا ، وَأَمَّا مَلَؤُهُ فَهُمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِ وَرِجَالُ دَوْلَتِهِ ، وَلَمْ يَقُلْ إِلَى
فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ؛ لِأَنَّ الْمَلِكَ وَرِجَالَ الدَّوْلَةِ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا مُسْتَعْبِدِينَ
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَبِيَدِهِمْ أَمْرُهُمْ ، وَلَيْسَ لِسَائِرِ الْمِصْرِيِّينَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ، وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا
[ ص: 36 ] مُسْتَعْبَدِينَ أَيْضًا ، وَلَكِنَّ الظُّلْمَ عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ الْغُرَبَاءِ كَانَ أَشَدَّ ، وَإِنَّمَا
nindex.php?page=treesubj&link=31913_31920بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُوسَى ؛ لِإِنْقَاذِ قَوْمِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ فِرْعَوْنَ وَرِجَالِ دَوْلَتِهِ ، وَإِقَامَةِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِمْ فِي بِلَادِ أَجْدَادِهِمْ ، وَلَوْ آمَنَ
فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ لَآمَنَ سَائِرُ قَوْمِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا تَبَعًا لَهُمْ بَلْ كَانَ هَذَا شَأْنَ جَمِيعِ الْأَقْوَامِ مَعَ مُلُوكِهِمُ الْمُسْتَبِدِّينَ الْجَائِرِينَ ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ
فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ لَا يُؤْمِنُونَ
بِمُوسَى ، وَأَنَّ قَوْمَهُ تَبَعٌ لَهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُمْ ، وَأَكْثَرُهُمْ مُقَلِّدُونَ ، وَلِذَلِكَ قَتَلَ السَّحَرَةَ لَمَّا آمَنُوا
بِمُوسَى ، وَإِنَّمَا آمَنُوا ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا عُلَمَاءَ ، مُسْتَقِلِّي الْعَقْلِ ، أَصْحَابَ فَهْمٍ وَرَأْيٍ ، وَكَانَ السِّحْرُ مِنْ عُلُومِهِمْ وَفُنُونِهِمُ الصِّنَاعِيَّةِ الَّتِي تُتَلَقَّى بِالتَّعْلِيمِ ، وَلَيْسَ كَالْآيَاتِ الَّتِي جَاءَ بِهَا
مُوسَى فَإِنَّهَا مِنْ خَوَارِقِ الْعَادَاتِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى .
وَقَدْ أَقَامَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=31942الْحُجَّةَ بِآيَاتِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103فَظَلَمُوا بِهَا أَيْ : فَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَقَوْمَهُمْ بِالْكُفْرِ بِهَا كِبْرًا وَجُحُودًا ، فَكَانَ عَلَيْهِمْ إِثْمُ ذَلِكَ ، وَإِثْمُ قَوْمِهِمُ الَّذِينَ حُرِمُوا مِنَ الْإِيمَانِ بِاتِّبَاعِهِمْ لَهُمْ ، كَمَا كَانَ يَكُونُ لَهُمْ مِثْلُ أُجُورِهِمْ لَوْ آمَنُوا بِالتَّبَعِ لَهُمْ ، وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ : أَنَّ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مُرْسَلًا إِلَى قَوْمِهِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالذَّاتِ ، وَإِلَى
فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِالتَّبَعِ ، وَلَكَ أَنْ تَقُولَ : إِنَّ الْإِرْسَالَ إِلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ مَقْصِدٌ ، وَإِلَى
فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ وَسِيلَةٌ ، وَقَدْ عُدِّيَ الظُّلْمُ فِي الْجُمْلَةِ بِالْبَاءِ لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى الْكُفْرِ فَصَارَ جَامِعًا لِلْمَعْنَيَيْنِ ، وَلَا يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِأَحَدِهِمَا إِذْ لَوْ أُرِيدَ أَحَدُهُمَا لَعَبَّرَ بِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ لِلتَّضْمِينِ فَائِدَةٌ ، وَقِيلَ : إِنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103فَظَلَمُوا بِهَا لِلسَّبَبِيَّةِ ؛ أَيْ : فَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَقَوْمَهُمْ ؛ بِسَبَبِ هَذِهِ الْآيَاتِ ظُلْمًا جَدِيدًا ، وَهُوَ مَا تَرَتَّبَ عَلَى الْجُحُودِ مِنَ الْعَذَابِ بِالطُّوفَانِ وَالْجَرَادِ وَالْقُمَّلِ وَالضَّفَادِعِ وَالدَّمِ ثُمَّ بِالْغَرَقِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي مَحَلِّهِ ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَبْلَغُ ، عَلَى أَنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=103فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ أَيْ : فَانْظُرْ أَيُّهَا الرَّسُولُ ، أَوْ أَيُّهَا السَّامِعُ ، وَالتَّالِي بِعَيْنِ الْعَقْلِ وَالْفِكْرِ ، كَيْفَ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=31916عَاقِبَةُ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ الْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ بِالظُّلْمِ وَاسْتِعْبَادِ الْبَشَرِ حِينَ جَحَدُوا آيَاتِ اللَّهِ ، وَظَلَمُوا بِهَا عَمَلًا بِمُقْتَضَى فَسَادِهِمْ ، وَهَذَا تَشْوِيقٌ لِتَوْجِيهِ النَّظَرِ لِمَا سَيَقُصُّهُ تَعَالَى مِنْ عَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ إِذْ نَصَرَ عَبْدَهُ وَرَسُولَهُ
مُوسَى عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ فَرْدٌ مِنْ شَعْبٍ مُسْتَضْعَفٍ مُسْتَعْبَدٍ لَهُمْ ، وَهُمْ أَعْظَمُ أَهْلِ الْأَرْضِ دَوْلَةً وَصَوْلَةً وَقُوَّةً ، نَصَرَهُ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا بِإِبْطَالِ سِحْرِهِمْ ، وَإِقْنَاعِ عُلَمَائِهِمْ وَسَحَرَتِهِمْ بِصِحَّةِ رِسَالَتِهِ ، وَكَوْنِ آيَاتِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، ثُمَّ نَصَرَهُ بِإِرْسَالِ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ عَلَى الْبِلَادِ ثُمَّ بِإِنْقَاذِ قَوْمِهِ وَإِغْرَاقِ
فِرْعَوْنَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ مِنْ مَلَئِهِ وَجُنُودِهِ ، وَهَذِهِ عِبْرَةٌ ظَاهِرَةٌ ، وَحُجَّةٌ قَائِمَةٌ مُدَّةَ الدَّهْرِ ، عَلَى الْقَائِلِينَ إِنَّمَا الْغَلَبُ لِلْقُوَّةِ الْمَادِّيَّةِ عَلَى الْحَقِّ ، وَلَا سِيَّمَا الْمَغْرُورِينَ بِعَظَمَةِ دُوَلِ
أُورُبَّةَ الظَّالِمَةِ لِمَنِ اسْتَضْعَفَتْهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّرْقِ ، وَعَلَى أُولَئِكَ الْبَاغِينَ بِالْأَوْلَى ، فَأَوْلَى لَهُمْ أَوْلَى ، ثُمَّ أَوْلَى لَهُمْ أَوْلَى .