nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127nindex.php?page=treesubj&link=28978_31913وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=128قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=129قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون خاف ملأ
فرعون عاقبة تركه
لموسى حرا مطلقا في
مصر ، فكلموه في ذلك ، وقد أخبرنا الله تعالى بما قالوه له ، وما أجابهم به ، وما كان من تأثير جوابه في
موسى وقومه من نصحه لهم ، وما دار بين
موسى وبينهم في ذلك فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك ؟ أي : قالوا له : أتترك
موسى وقومه أحرارا آمنين لتكون عاقبتهم أن يفسدوا قومك عليك في أرض
مصر بإدخالهم في دينهم ، أو جعلهم تحت سلطتهم ورياستهم ، ويتركك مع آلهتك كالشيء اللقا ، فيظهر للمصريين عجزك وعجزها ، وقد رأيت ما كان من أمر إيمان السحرة - إذ الظاهر من السياق أن هذا القول كان بعد قصة السحرة - وسيأتي ما فيه ، وجمهور المفسرين على أن المراد بتركه وآلهته : عدم عبادته وعبادتها ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ( وإلاهتك ) أي : عبادتك . ومن المعلوم من التاريخ المستمد من العاديات المستخرجة من أرض
مصر أنه كان
[ ص: 70 ] للمصريين آلهة كثيرة منها الشمس ، واسمها في لغتهم ( رع ) وهو متضمن في لقب
فرعون فهو عندهم سليل الشمس وابنها ، وسننقل بعد جوابه لهم أثرا يدل على ذلك ، ويذكر فيه بعض هذه الآلهة .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم أي : قال مجيبا للملأ : سنقتل أبناء قومه تقتيلا ما تناسلوا - فتعبيره بالتقتيل يدل على التكثير والتدريج - ونستبقي نساءهم أحياء كما كنا نفعل من قبل ولادته حتى ينقرضوا
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127وإنا فوقهم قاهرون وإنا مستعلون عليهم بالغلبة والسلطان ، قاهرون لهم كما كنا من قبل ، فلا يستطيعون إفسادا في أرضنا ، ولا خروجا من حظيرة تعبيدنا ، وفي سورة المؤمن :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد ( 40 : 26 ) وهو يدل على أنه كان لديه من يدافع عن
موسى ممن آمن به سرا ، وممن كان يحبه ، وإن لم يؤمن به فقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39وألقيت عليك محبة مني ( 20 : 39 ) وفيه تصريح بما كان له في أنفس المصريين من المحبة والاحترام . وقد حكى الله تعالى لنا دفاع واحد ممن آمن به فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب ( 40 : 28 ) .
والمرجح عند المتأخرين من المؤرخين الواقفين على العاديات المصرية أن
nindex.php?page=treesubj&link=31913فرعون موسى هو الملك ( منفتاح ) وكان يلقب بسليل الإله ( رع ) وقد جاء في آخر الأثر المصري الوحيد الذي ذكر فيه
بنو إسرائيل ( وهو المعروف برقم 34025 المحفوظ في
متحف مصر ) أن
مصر هي السليلة الوحيدة للمعبود ( رع ) منذ وجود الآلهة وأن "
منفتاح " سليلة أيضا ، وهو الجالس على سدة المعبود " شو " وأن الإله " رع " التفت إلى
مصر فولد "
منفتاح " ملك
مصر ، وشيء له أن يكون مناضلا عنها فتخنع له الولاة ، ولا يرفع أحد من البدو رأسه ، فخضع له
القيروانيون والحيثيون والكنعانيون وعسقلان وجزال وينعمام .
وفيه : وانفك
الإسرائيليون فلا بزر لهم ، وأصبحت
فلسطين خلية
لمصر والأراضي كلها مضمومة في حفظه ، وكل اسم وعفه " أضعفه وأذله " الصيدن لقب (
منفتاح ) سليل الشمس معطى المعيشة كل نهار مثل الشمس ا هـ ، وما ذكر لا ينافي ادعاءه الانفراد بالألوهية والربوبية العليا بعد . وقوله : فلا بزر لهم ، هو بمعنى قولنا : انقطع دابرهم ، يستعمل في الحقيقة ، وفي المجاز من باب المبالغة أو بالنظر إلى المآل .
[ ص: 71 ] ومن البديهي أن يخاف
بنو إسرائيل هذا الوعيد ، وأن يطمئنهم
موسى عليه السلام ، وهو ما بينه تعالى بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=128قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين أي : اطلبوا معونة الله تعالى ، وتأييده لكم على ما سمعتم من الوعيد واصبروا ، ولا تجزعوا ، فإن سألتم لماذا وإلى متى ؟ أقل لكم : إن الأرض - جنسها ، أو الأرض التي وعدكم ربكم إياها ، وهي
فلسطين - لله تعالى الذي بيده ملكوت كل شيء يورثها من يشاء من عباده لا
لفرعون ، فهي بحسب سنته تعالى دول ، والعاقبة الحسنة التي ينتهي إليها التنازع بين الأمم للمتقين ، أي : الذين يتقون الله بمراعاة سننه في
nindex.php?page=treesubj&link=30478أسباب إرث الأرض كالاتحاد ، وجمع الكلمة ، والاعتصام بالحق ، وإقامة العدل ، والصبر على المكاره ، والاستعانة بالله ، ولا سيما عند الشدائد ، ونحو ذلك مما هدى إليه وحيه ، وأيدته التجارب ، ومراده عليه السلام أن العاقبة ستكون لكم بإرث الأرض ، ولكن بشرط أن تكونوا من المتقين له تعالى بإقامة شرعه ، والسير على سنته في نظام خلقه ، وليس الأمر كما تتوهمون ويتوهم
فرعون وقومه من بقاء القوي على قوته ، والضعيف على ضعفه ، أو أن الآلهة الباطلة ضمنت
لفرعون بقاء ملكه ، على عظمته وجبروته وظلمه .
ماذا كان من
nindex.php?page=treesubj&link=31931_31940تأثير وصية موسى عليه السلام لقومه ؟ وهل فهموها وقدروها قدرها ؟ وبم أجابوه ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=129قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا يعنون أنهم لم يستفيدوا من إرساله لإنقاذهم من ظلم
فرعون شيئا ، فهو يؤذيهم ويظلمهم بعد إرساله كما كان يؤذيهم من قبله أو أشد ، وهذا الإيذاء مبين في الفصل الخامس من سفر الخروج من التوراة ، ففيه أن
موسى وهارون لما طلبا من
فرعون إطلاق
بني إسرائيل لكي يعبدوا ربهم له في البرية ويذبحوا له ، قال لهما : لماذا تعطلان الشعب عن أعماله ؟ وأمر
فرعون في ذلك اليوم مسخري الشعب ومدبريه أن يمتنعوا من إعطائه التبن الذي كانوا يعطونه إياه ليعمل به اللبن ( الطوب الني ) الذي كان مفروضا عليهم كل يوم ، وأن يكلفوه جمع التبن من البلاد ، ولا ينقصوا من عدد اللبن المفروض عليهم شيئا ، فتفرق الشعب في جميع أرض
مصر ؛ ليجمعوا جذامه عوض التبن ، فعجزوا عن تمام المقدار المفروض عليهم من اللبن ، والمسخرون يلحون عليهم : أكملوا فريضة كل يوم كما كانت عندما كنتم تعطون التبن ، فجاء مدبرو
بني إسرائيل الذين ولاهم عليهم المسخرون لهم من قبل
فرعون ، واستغاثوا
فرعون نفسه قائلين : لماذا تصنع ( 15 ) بعبيدك هكذا ؟ ( 16 ) إنه لا يعطى لعبيدك تبن ، وهم يقولون لنا : اعملوا لبنا ، وها أن عبيدك يضربون وشعبك يعاملون كمذنبين ( 17 ) قال : إنما أنتم مترفهون ، ولذلك تقولون نمضي ونذبح للرب ( 18 ) والآن فامضوا اعملوا ، وتبن لا يعطى لكم ، ومقدار اللبن تقدمونه ( 19 ) فرأى مدبرو
بني إسرائيل نفوسهم في شقاء .
[ ص: 72 ] إذ قيل : لا تنقصوا من لبنكم شيئا بل فريضة كل يوم في يومها ( 20 ) وصادفوا
موسى وهارون وهما واقفان للقائهم عند خروجهم من عند
فرعون ( 21 ) فقالوا لهما : ينظر الرب ويحكم عليكما كما أفسدتما أمرنا عند
فرعون وعند عبيده ، وجعلتما في أيديهم سيفا ليقتلونا " انتهى المراد منه .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127nindex.php?page=treesubj&link=28978_31913وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=128قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=129قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ خَافَ مَلَأُ
فِرْعَوْنَ عَاقِبَةَ تَرْكِهِ
لِمُوسَى حُرًّا مُطْلَقًا فِي
مِصْرَ ، فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ ، وَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِمَا قَالُوهُ لَهُ ، وَمَا أَجَابَهُمْ بِهِ ، وَمَا كَانَ مِنْ تَأْثِيرِ جَوَابِهِ فِي
مُوسَى وَقَوْمِهِ مِنْ نُصْحِهِ لَهُمْ ، وَمَا دَارَ بَيْنَ
مُوسَى وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ ؟ أَيْ : قَالُوا لَهُ : أَتَتْرُكُ
مُوسَى وَقَوْمَهُ أَحْرَارًا آمِنِينَ لِتَكُونَ عَاقِبَتَهُمْ أَنْ يُفْسِدُوا قَوْمَكَ عَلَيْكَ فِي أَرْضِ
مِصْرَ بِإِدْخَالِهِمْ فِي دِينِهِمْ ، أَوْ جَعْلِهِمْ تَحْتَ سُلْطَتِهِمْ وَرِيَاسَتِهِمْ ، وَيَتْرُكَكَ مَعَ آلِهَتِكَ كَالشَّيْءِ اللَّقَا ، فَيَظْهَرُ لِلْمِصْرِيِّينَ عَجْزُكَ وَعَجْزُهَا ، وَقَدْ رَأَيْتُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ إِيمَانِ السَّحَرَةِ - إِذِ الظَّاهِرُ مِنَ السِّيَاقِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كَانَ بَعْدَ قِصَّةِ السَّحَرَةِ - وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ ، وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِتَرْكِهِ وَآلِهَتِهِ : عَدَمُ عِبَادَتِهِ وَعِبَادَتِهَا ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : ( وَإِلَاهَتَكَ ) أَيْ : عِبَادَتَكَ . وَمِنَ الْمَعْلُومِ مِنَ التَّارِيخِ الْمُسْتَمَدِّ مِنَ الْعَادِيَاتِ الْمُسْتَخْرَجَةِ مِنْ أَرْضِ
مِصْرَ أَنَّهُ كَانَ
[ ص: 70 ] لِلْمِصْرِيِّينَ آلِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا الشَّمْسُ ، وَاسْمُهَا فِي لُغَتِهِمْ ( رَعْ ) وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ فِي لَقَبِ
فِرْعَوْنَ فَهُوَ عِنْدَهُمْ سَلِيلُ الشَّمْسِ وَابْنُهَا ، وَسَنَنْقُلُ بَعْدَ جَوَابِهِ لَهُمْ أَثَرًا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ، وَيُذْكَرُ فِيهِ بَعْضُ هَذِهِ الْآلِهَةِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ أَيْ : قَالَ مُجِيبًا لِلْمَلَأِ : سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَ قَوْمِهِ تَقْتِيلًا مَا تَنَاسَلُوا - فَتَعْبِيرُهُ بِالتَّقْتِيلِ يَدُلُّ عَلَى التَّكْثِيرِ وَالتَّدْرِيجِ - وَنَسْتَبْقِي نِسَاءَهُمْ أَحْيَاءً كَمَا كُنَّا نَفْعَلُ مِنْ قَبْلِ وِلَادَتِهِ حَتَّى يَنْقَرِضُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ وَإِنَّا مُسْتَعْلُونَ عَلَيْهِمْ بِالْغَلَبَةِ وَالسُّلْطَانِ ، قَاهِرُونَ لَهُمْ كَمَا كُنَّا مِنْ قَبْلُ ، فَلَا يَسْتَطِيعُونَ إِفْسَادًا فِي أَرْضِنَا ، وَلَا خُرُوجًا مِنْ حَظِيرَةِ تَعْبِيدِنَا ، وَفِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=26وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ( 40 : 26 ) وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لَدَيْهِ مَنْ يُدَافِعُ عَنْ
مُوسَى مِمَّنْ آمَنَ بِهِ سِرًّا ، وَمِمَّنْ كَانَ يُحِبُّهُ ، وَإِنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=39وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ( 20 : 39 ) وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِمَا كَانَ لَهُ فِي أَنْفُسِ الْمِصْرِيِّينَ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالِاحْتِرَامِ . وَقَدْ حَكَى اللَّهُ تَعَالَى لَنَا دِفَاعَ وَاحِدٍ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ( 40 : 28 ) .
وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ الْوَاقِفِينَ عَلَى الْعَادِيَاتِ الْمِصْرِيَّةِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31913فِرْعَوْنَ مُوسَى هُوَ الْمَلِكُ ( مِنْفِتَاحُ ) وَكَانَ يُلَقَّبُ بِسَلِيلِ الْإِلَهِ ( رَعْ ) وَقَدْ جَاءَ فِي آخِرِ الْأَثَرِ الْمِصْرِيِّ الْوَحِيدِ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ
بَنُو إِسْرَائِيلَ ( وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِرَقْمِ 34025 الْمَحْفُوظُ فِي
مَتْحَفِ مِصْرَ ) أَنَّ
مِصْرَ هِيَ السَّلِيلَةُ الْوَحِيدَةُ لِلْمَعْبُودِ ( رَعْ ) مُنْذُ وُجُودِ الْآلِهَةِ وَأَنَّ "
مِنْفِتَاحَ " سَلِيلَةٌ أَيْضًا ، وَهُوَ الْجَالِسُ عَلَى سُدَّةِ الْمَعْبُودِ " شُو " وَأَنَّ الْإِلَهَ " رَعْ " الْتَفَتَ إِلَى
مِصْرَ فَوَلَدَ "
مِنْفِتَاحَ " مَلِكَ
مِصْرَ ، وَشَيْءٌ لَهُ أَنْ يَكُونَ مُنَاضِلًا عَنْهَا فَتَخَنَّعَ لَهُ الْوُلَاةُ ، وَلَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنَ الْبَدْوِ رَأْسَهُ ، فَخَضَعَ لَهُ
الْقَيْرَوَانِيُّونَ وَالْحَيْثِيُّونَ وَالْكَنْعَانِيُّونَ وَعَسْقَلَانُ وَجِزَالُ وَيَنْعِمَامُ .
وَفِيهِ : وَانْفَكَّ
الْإِسْرَائِيلِيُّونَ فَلَا بَزْرَ لَهُمْ ، وَأَصْبَحَتْ
فَلَسْطِينُ خَلِيَّةً
لِمِصْرَ وَالْأَرَاضِي كُلُّهَا مَضْمُومَةٌ فِي حِفْظِهِ ، وَكُلُّ اسْمٍ وَعَفَهُ " أَضْعَفَهُ وَأَذَلَّهُ " الصَّيْدَنُ لَقَبُ (
مِنْفِتَاحَ ) سَلِيلِ الشَّمْسِ مُعْطَى الْمَعِيشَةِ كُلَّ نَهَارٍ مِثْلَ الشَّمْسِ ا هـ ، وَمَا ذُكِرَ لَا يُنَافِي ادِّعَاءَهُ الِانْفِرَادَ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ الْعُلْيَا بَعْدُ . وَقَوْلُهُ : فَلَا بَزْرَ لَهُمْ ، هُوَ بِمَعْنَى قَوْلِنَا : انْقَطَعَ دَابِرُهُمْ ، يُسْتَعْمَلُ فِي الْحَقِيقَةِ ، وَفِي الْمَجَازِ مِنْ بَابِ الْمُبَالَغَةِ أَوْ بِالنَّظَرِ إِلَى الْمَآلِ .
[ ص: 71 ] وَمِنَ الْبَدِيهِيِّ أَنْ يَخَافَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ هَذَا الْوَعِيدَ ، وَأَنْ يُطَمْئِنَهُمْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَهُوَ مَا بَيَّنَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=128قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ أَيْ : اطْلُبُوا مَعُونَةَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَتَأْيِيدَهُ لَكُمْ عَلَى مَا سَمِعْتُمْ مِنَ الْوَعِيدِ وَاصْبِرُوا ، وَلَا تَجْزَعُوا ، فَإِنْ سَأَلْتُمْ لِمَاذَا وَإِلَى مَتَى ؟ أَقُلْ لَكُمْ : إِنَّ الْأَرْضَ - جِنْسَهَا ، أَوِ الْأَرْضَ الَّتِي وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ إِيَّاهَا ، وَهِيَ
فَلَسْطِينُ - لِلَّهِ تَعَالَى الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لَا
لِفِرْعَوْنَ ، فَهِيَ بِحَسَبِ سُنَّتِهِ تَعَالَى دُوَلٌ ، وَالْعَاقِبَةُ الْحَسَنَةُ الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا التَّنَازُعُ بَيْنَ الْأُمَمِ لِلْمُتَّقِينَ ، أَيِ : الَّذِينَ يَتَّقُونَ اللَّهَ بِمُرَاعَاةِ سُنَنِهِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30478أَسْبَابِ إِرْثِ الْأَرْضِ كَالِاتِّحَادِ ، وَجَمْعِ الْكَلِمَةِ ، وَالِاعْتِصَامِ بِالْحَقِّ ، وَإِقَامَةِ الْعَدْلِ ، وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَكَارِهِ ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ ، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ الشَّدَائِدِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هَدَى إِلَيْهِ وَحَيُّهُ ، وَأَيَّدَتْهُ التَّجَارِبُ ، وَمُرَادُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ الْعَاقِبَةَ سَتَكُونُ لَكُمْ بِإِرْثِ الْأَرْضِ ، وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونُوا مِنَ الْمُتَّقِينَ لَهُ تَعَالَى بِإِقَامَةِ شَرْعِهِ ، وَالسَّيْرِ عَلَى سُنَّتِهِ فِي نِظَامِ خَلْقِهِ ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَتَوَهَّمُونَ وَيَتَوَهَّمُ
فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ مِنْ بَقَاءِ الْقَوِيِّ عَلَى قُوَّتِهِ ، وَالضَّعِيفِ عَلَى ضَعْفِهِ ، أَوْ أَنَّ الْآلِهَةَ الْبَاطِلَةَ ضَمِنَتْ
لِفِرْعَوْنَ بَقَاءَ مُلْكِهِ ، عَلَى عَظَمَتِهِ وَجَبَرُوتِهِ وَظُلْمِهِ .
مَاذَا كَانَ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=31931_31940تَأْثِيرِ وَصِيَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لِقَوْمِهِ ؟ وَهَلْ فَهِمُوهَا وَقَدَّرُوهَا قَدْرَهَا ؟ وَبِمَ أَجَابُوهُ ؟
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=129قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا يَعْنُونَ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْتَفِيدُوا مِنْ إِرْسَالِهِ لِإِنْقَاذِهِمْ مِنْ ظُلْمِ
فِرْعَوْنَ شَيْئًا ، فَهُوَ يُؤْذِيهِمْ وَيَظْلِمُهُمْ بَعْدَ إِرْسَالِهِ كَمَا كَانَ يُؤْذِيهِمْ مِنْ قَبْلِهِ أَوْ أَشَدُّ ، وَهَذَا الْإِيذَاءُ مُبَيَّنٌ فِي الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ مِنَ التَّوْرَاةِ ، فَفِيهِ أَنَّ
مُوسَى وَهَارُونَ لَمَّا طَلَبَا مِنْ
فِرْعَوْنَ إِطْلَاقَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ لِكَيْ يَعْبُدُوا رَبَّهُمْ لَهُ فِي الْبَرِّيَّةِ وَيَذْبَحُوا لَهُ ، قَالَ لَهُمَا : لِمَاذَا تُعَطِّلَانِ الشَّعْبَ عَنْ أَعْمَالِهِ ؟ وَأَمَرَ
فِرْعَوْنُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مُسَخِّرِي الشَّعْبَ وَمُدَبِّرِيهِ أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ إِعْطَائِهِ التِّبْنَ الَّذِي كَانُوا يُعْطُونَهُ إِيَّاهُ لِيَعْمَلَ بِهِ اللَّبَنَ ( الطُّوبَ النَّيَّ ) الَّذِي كَانَ مَفْرُوضًا عَلَيْهِمْ كُلَّ يَوْمٍ ، وَأَنْ يُكَلِّفُوهُ جَمْعَ التِّبْنِ مِنَ الْبِلَادِ ، وَلَا يَنْقُصُوا مِنْ عَدَدِ اللَّبَنِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِمْ شَيْئًا ، فَتَفَرَّقَ الشَّعْبُ فِي جَمِيعِ أَرْضِ
مِصْرَ ؛ لِيَجْمَعُوا جُذَامَهُ عِوَضَ التِّبْنِ ، فَعَجَزُوا عَنْ تَمَامِ الْمِقْدَارِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهِمْ مِنَ اللَّبَنِ ، وَالْمُسَخَّرُونَ يُلِحُّونَ عَلَيْهِمْ : أَكْمِلُوا فَرِيضَةَ كُلِّ يَوْمٍ كَمَا كَانَتْ عِنْدَمَا كُنْتُمْ تُعْطُونَ التِّبْنَ ، فَجَاءَ مُدَبِّرُو
بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ وَلَّاهُمْ عَلَيْهِمُ الْمُسَخَّرُونَ لَهُمْ مِنْ قِبَلِ
فِرْعَوْنَ ، وَاسْتَغَاثُوا
فِرْعَوْنَ نَفْسَهُ قَائِلِينَ : لِمَاذَا تَصْنَعُ ( 15 ) بِعَبِيدِكَ هَكَذَا ؟ ( 16 ) إِنَّهُ لَا يُعْطَى لِعَبِيدِكَ تِبْنٌ ، وَهُمْ يَقُولُونَ لَنَا : اعْمَلُوا لَبَنًا ، وَهَا أَنَّ عَبِيدَكَ يُضْرَبُونَ وَشَعْبَكَ يُعَامَلُونَ كَمُذْنِبِينَ ( 17 ) قَالَ : إِنَّمَا أَنْتُمْ مُتَرَفِّهُونَ ، وَلِذَلِكَ تَقُولُونَ نَمْضِي وَنَذْبَحُ لِلرَّبِّ ( 18 ) وَالْآنَ فَامْضُوا اعْمَلُوا ، وَتِبْنٌ لَا يُعْطَى لَكُمْ ، وَمِقْدَارُ اللَّبَنِ تُقَدِّمُونَهُ ( 19 ) فَرَأَى مُدَبِّرُو
بَنِي إِسْرَائِيلَ نُفُوسَهُمْ فِي شَقَاءٍ .
[ ص: 72 ] إِذْ قِيلَ : لَا تَنْقُصُوا مِنْ لَبِنِكُمْ شَيْئًا بَلْ فَرِيضَةُ كُلِّ يَوْمٍ فِي يَوْمِهَا ( 20 ) وَصَادَفُوا
مُوسَى وَهَارُونَ وَهُمَا وَاقِفَانِ لِلِقَائِهِمْ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ عِنْدِ
فِرْعَوْنَ ( 21 ) فَقَالُوا لَهُمَا : يَنْظُرُ الرَّبُّ وَيَحْكُمُ عَلَيْكُمَا كَمَا أَفْسَدْتُمَا أَمْرَنَا عِنْدَ
فِرْعَوْنَ وَعِنْدَ عَبِيدِهِ ، وَجَعَلْتُمَا فِي أَيْدِيهِمْ سَيْفًا لِيَقْتُلُونَا " انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ .