nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=129nindex.php?page=treesubj&link=28978_31913قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون أي : قال
موسى عليه السلام : إن المرجو من فضل ربكم أن يهلك عدوكم الذي سخركم وآذاكم بظلمه ، ويجعلكم خلفاء في الأرض التي وعدكم إياها ، ويمنعكم
فرعون من الخروج إليها ، فينظر سبحانه كيف تعملون بعد استخلافه إياكم فيها ؛ هل تشكرون النعمة أم تكفرون ؟ وهل تصلحون في الأرض أم تفسدون ؟ ليجازيكم في الدنيا والآخرة بما تعملون .
وقد عبر بـ " عسى " ولم يقطع بالوعد لئلا يتكلوا ويتركوا ما يجب من العمل ، أو لئلا يكذبوه لضعف أنفسهم بما طال عليهم من الذل والاستخذاء
لفرعون وقومه ، واستعظامهم لملكه وقوته ، وفي التوراة ما يؤيد هذا وما قبله .
جاء في آخر الفصل الخامس من سفر الخروج بعد ما نقلناه آنفا ما نصه : ( 22 ) فرجع
موسى إلى الرب ، وقال يا رب : لماذا ابتليت هؤلاء الشعب لماذا بعثتني ؟ ( 23 ) فإني منذ دخلت على
فرعون ؛ لأتكلم باسمك إلى هؤلاء الشعب وأنت لم تنقذ شعبك " .
وفي أول الفصل السادس منه فقال الرب
لموسى : " الآن ترى ما أصنع
بفرعون ، إنه بيد قديرة سيطلقهم ، وبيد قديرة سيطردهم من أرضه " - وأعلمه بأنه أعطى
إبراهيم وإسحاق عهدا بأن يعطيهم
أرض كنعان ، وأنه سمع أنين
إسرائيل الذين استعبدهم المصريون فذكر عهده - ثم قال : ( 6 ) لذلك قل
لبني إسرائيل : أنا الرب لأخرجكم من تحت أثقال المصريين ، وأخلصكم من عبوديتهم ، وأفديكم بذراع مبسوطة ، وأحكام عظيمة ، ( 7 ) وأتخذكم لي شعبا ، وأكون لكم إلها ، وتعلمون أنني أنا الرب إلهكم المخرج لكم من تحت أثقال المصريين ( 8 ) وسأدخلكم الأرض التي رفعت يدي مقسما أن أعطيها
لإبراهيم وإسحاق ويعقوب فأعطيها لكم ميراثا ، أنا الرب ( 9 ) فكلم
موسى بذلك
بني إسرائيل فلم يسمعوا
لموسى لضيق أرواحهم وعبوديتهم الشاقة " انتهى المراد منه .
وهو من ترجمة اليسوعيين كالذي قبله ، ويليه عودة
موسى إلى
فرعون ، ومطالبته بإخراج
بني إسرائيل وامتناعه ، وإظهار الرب الآيات له واحدة بعد أخرى كما يأتي مجملا في الآيات التالية .
( فإن قيل ) : ظاهر ترتيب الآيات هنا يفيد أن هذه المراجعة بين
فرعون وملئه من جهة ، وبين
موسى وبني إسرائيل من جهة أخرى وقعت بعد قصة السحرة ، وسياق التوراة صريح في وقوعها قبلها ، وبعد تبليغ أصل الدعوة - فهل يجب أن نقول : إن ظاهر السياق هنا غير مراد ، وهو معطوف بالواو التي لا تدل على الترتيب - أعني قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه [ ص: 73 ] إلخ ؛ ليوافق التوراة ، وتتم به الحجة على رسالة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ من هذا الوجه ، وهو أنه كان أميا لا اطلاع له على التوراة ولا غيرها من كتب
أهل الكتاب ولا غيرهم ، وأنه لم يعلمه إلا بوحي الله إليه ؟ كما قال له تعالى عقب قصة
نوح :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=49ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا ( 11 : 49 ) وما في معناه من قصة
موسى في سورة القصص ؟
( قلنا ) : إنه لا مانع من هذا الجمع ، ولا تتوقف الحجة عليه ؛ فإن القرآن مشتمل على حجج كثيرة من هذا النوع ومن غيره تدل على كونه وحيا من الله تعالى لا يقدر على مثله
محمد الأمي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا غيره من القارئين الكاتبين أيضا ، وهو على كونه كما قال مصدقا لكون تلك الكتب من عند الله تعالى - أي : في الأصل ، قد قال أيضا : إن أهل التوراة أوتوا نصيبا منها ، ونسوا حظا ونصيبا آخر ، وأنهم حرفوا بعض ما عندهم منها ، وأنه هو - أي : القرآن ، مهيمن عليها ، فما أقره منها فهو الذي لا شك فيه ، وما صححه بإيراده مخالفا لما عندهم فهو الصحيح ، سواء كان بإيراده مخالفا لما فيها من بعض الوجوه ، ككون
موسى هو الذي ألقى العصا فإذا هي حية ، وإذا هي تلقف ما يأفكون لا
هارون كما في التوراة ، أو دلت قواعده أو نصوصه على امتناعه كما جاء في أول الفصل الثامن من سفر الخروج من أن الرب جعل
موسى إلها
لفرعون ، ويكون أخوه
هارون نبيه ! ! فأصول القرآن وكذا التوراة التي كتبها
موسى عليه السلام قد فقدت ، وأن
عزرا الكاتب هو الذي كتب الأسفار المقدسة بعد السبي البابلي في القرن الخامس قبل الميلاد ، وهو الذي استبدل الحروف الكلدانية بالعبرانية ، على أن ما كتبه
عزرا قد فقد أيضا ، ولكن جميع نسخ التوراة الموجودة في العالم مستمدة مما كتبه ، وفيها تحريف كثير لا يمكن أن يكون من الأصل ، ويسمونه مشكلات يتكلفون الأجوبة عنها . وقد بينا نموذجا منها من قبل ، ومنها أن الفصل الأخير من سفر التثنية ، وهو الأخير من التوراة قد ذكر فيه وفاة
موسى عليه السلام ، وأنه لم يقم بعده نبي مثله ، والمرجح عندهم أن
يشوع هو الذي كتبه على أن فيه ذكر
يشوع .
ومما يوضح
nindex.php?page=treesubj&link=18626_32238معجزة القرآن فيما أخبر به عن التوراة ويؤكدها خطأ المفسرين الكثيرين من المتقدمين والمتأخرين في تفسير بعضه ، وتعيين المراد منه ؛ لعدم اطلاعهم على ما عند أهل الكتاب منها ، ومن سائر كتبهم المقدسة وغيرها من التواريخ والعاديات المتسخرجة من آثار قدماء المصريين والبابليين ، وإنما كان جل ما يعرفون عن
بني إسرائيل ما سمعوه ممن أسلم منهم ، وما كل من أسلم منهم بحفيظ عليم ، ولا بصادق أمين . ثم ما أخذوه عن كتب تاريخية غير موثوق بها ، فكان أكثر ما كتبوه في التفسير منها مشوها له ، وحجة
لأهل الكتاب علينا - فإذا كان هذا حال علمائنا في أخبار
أهل الكتاب بعد انتشار العلوم في الإسلام ، فكيف حال
أهل مكة عند ظهوره ، ولم يكن فيها كتاب يقرأ ، ولا أحد يقرأ ويكتب ، قيل : إلا ستة نفر من التجار كانوا
[ ص: 74 ] ممن يقال فيهم اليوم " يفكون الخط " فأنى لمن كان أبعدهم عن ذلك ، وهو
محمد بن عبد الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يعرف هذه الدقائق المفصلة السالمة من الشوائب التي لا يصدقها العقل ، أو لا تتفق مع توحيد الأنبياء وفضائلهم لولا ما أنزل عليه من الوحي الإلهي ؟ !
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=129nindex.php?page=treesubj&link=28978_31913قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ أَيْ : قَالَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : إِنَّ الْمَرْجُوَّ مِنْ فَضْلِ رَبِّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمُ الَّذِي سَخَّرَكُمْ وَآذَاكُمْ بِظُلْمِهِ ، وَيَجْعَلَكُمْ خُلَفَاءَ فِي الْأَرْضِ الَّتِي وَعَدَكُمْ إِيَّاهَا ، وَيَمْنَعَكُمْ
فِرْعَوْنُ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَيْهَا ، فَيَنْظُرَ سُبْحَانَهُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ بَعْدَ اسْتِخْلَافِهِ إِيَّاكُمْ فِيهَا ؛ هَلْ تَشْكُرُونَ النِّعْمَةَ أَمْ تَكْفُرُونَ ؟ وَهَلْ تُصْلِحُونَ فِي الْأَرْضِ أَمْ تُفْسِدُونَ ؟ لِيُجَازِيَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِمَا تَعْمَلُونَ .
وَقَدْ عَبَّرَ بِـ " عَسَى " وَلَمْ يَقْطَعْ بِالْوَعْدِ لِئَلَّا يَتَّكِلُوا وَيَتْرُكُوا مَا يَجِبُ مِنَ الْعَمَلِ ، أَوْ لِئَلَّا يُكَذِّبُوهُ لِضَعْفِ أَنْفُسِهِمْ بِمَا طَالَ عَلَيْهِمْ مِنَ الذُّلِّ وَالِاسْتِخْذَاءِ
لِفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ، وَاسْتِعْظَامِهِمْ لِمُلْكِهِ وَقُوَّتِهِ ، وَفِي التَّوْرَاةِ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا وَمَا قَبْلَهُ .
جَاءَ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الْخَامِسِ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ بَعْدَ مَا نَقَلْنَاهُ آنِفًا مَا نَصُّهُ : ( 22 ) فَرَجَعَ
مُوسَى إِلَى الرَّبِّ ، وَقَالَ يَا رَبِّ : لِمَاذَا ابْتَلَيْتَ هَؤُلَاءِ الشَّعْبَ لِمَاذَا بَعَثْتَنِي ؟ ( 23 ) فَإِنِّي مُنْذُ دَخَلْتُ عَلَى
فِرْعَوْنَ ؛ لِأَتَكَلَّمَ بِاسْمِكَ إِلَى هَؤُلَاءِ الشَّعْبِ وَأَنْتَ لَمْ تُنْقِذْ شَعْبَكَ " .
وَفِي أَوَّلِ الْفَصْلِ السَّادِسِ مِنْهُ فَقَالَ الرَّبُّ
لِمُوسَى : " الْآنَ تَرَى مَا أَصْنَعُ
بِفِرْعَوْنَ ، إِنَّهُ بِيَدٍ قَدِيرَةٍ سَيُطْلِقُهُمْ ، وَبِيَدٍ قَدِيرَةٍ سَيَطْرُدُهُمْ مِنْ أَرْضِهِ " - وَأَعْلَمَهُ بِأَنَّهُ أَعْطَى
إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ عَهْدًا بِأَنْ يُعْطِيَهُمْ
أَرْضَ كَنْعَانَ ، وَأَنَّهُ سَمِعَ أَنِينَ
إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ اسْتَعْبَدَهُمُ الْمِصْرِيُّونَ فَذَكَرَ عَهْدَهُ - ثُمَّ قَالَ : ( 6 ) لِذَلِكَ قُلْ
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ : أَنَا الرَّبُّ لِأُخْرِجَكُمْ مِنْ تَحْتِ أَثْقَالِ الْمِصْرِيِّينَ ، وَأُخَلِّصَكُمْ مِنْ عُبُودِيَّتِهِمْ ، وَأَفْدِيَكُمْ بِذِرَاعٍ مَبْسُوطَةٍ ، وَأَحْكَامٍ عَظِيمَةٍ ، ( 7 ) وَأَتَّخِذَكُمْ لِي شَعْبًا ، وَأَكُونَ لَكُمْ إِلَهًا ، وَتَعْلَمُونَ أَنَّنِي أَنَا الرَّبُّ إِلَهُكُمُ الْمُخْرِجُ لَكُمْ مِنْ تَحْتِ أَثْقَالِ الْمِصْرِيِّينَ ( 8 ) وَسَأُدْخِلُكُمُ الْأَرْضَ الَّتِي رَفَعْتُ يَدِي مُقْسِمًا أَنْ أُعْطِيَهَا
لِإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فَأُعْطِيهَا لَكُمْ مِيرَاثًا ، أَنَا الرَّبُّ ( 9 ) فَكَلَّمَ
مُوسَى بِذَلِكَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يَسْمَعُوا
لِمُوسَى لِضِيقِ أَرْوَاحِهِمْ وَعُبُودِيَّتِهِمُ الشَّاقَّةِ " انْتَهَى الْمُرَادُ مِنْهُ .
وَهُوَ مِنْ تَرْجَمَةِ الْيَسُوعِيِّينَ كَالَّذِي قَبْلَهُ ، وَيَلِيهِ عَوْدَةُ
مُوسَى إِلَى
فِرْعَوْنَ ، وَمُطَالَبَتُهُ بِإِخْرَاجِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَامْتِنَاعِهِ ، وَإِظْهَارِ الرَّبِّ الْآيَاتِ لَهُ وَاحِدَةٌ بَعْدَ أُخْرَى كَمَا يَأْتِي مُجْمَلًا فِي الْآيَاتِ التَّالِيَةِ .
( فَإِنْ قِيلَ ) : ظَاهِرُ تَرْتِيبِ الْآيَاتِ هُنَا يُفِيدُ أَنَّ هَذِهِ الْمُرَاجَعَةَ بَيْنَ
فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ مِنْ جِهَةٍ ، وَبَيْنَ
مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَقَعَتْ بَعْدَ قِصَّةِ السَّحَرَةِ ، وَسِيَاقُ التَّوْرَاةِ صَرِيحٌ فِي وُقُوعِهَا قَبْلَهَا ، وَبَعْدَ تَبْلِيغِ أَصْلِ الدَّعْوَةِ - فَهَلْ يَجِبُ أَنْ نَقُولَ : إِنَّ ظَاهِرَ السِّيَاقِ هُنَا غَيْرُ مُرَادٍ ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ بِالْوَاوِ الَّتِي لَا تَدُلُّ عَلَى التَّرْتِيبِ - أَعْنِي قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=127وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ [ ص: 73 ] إِلَخْ ؛ لِيُوَافِقَ التَّوْرَاةَ ، وَتَتِمُّ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى رِسَالَةِ نَبِيِّنَا ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ أُمِّيًّا لَا اطِّلَاعَ لَهُ عَلَى التَّوْرَاةِ وَلَا غَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ
أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا غَيْرِهِمْ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْهُ إِلَّا بِوَحْيِ اللَّهِ إِلَيْهِ ؟ كَمَا قَالَ لَهُ تَعَالَى عَقِبَ قِصَّةِ
نُوحٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=49مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ( 11 : 49 ) وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ قِصَّةِ
مُوسَى فِي سُورَةِ الْقَصَصِ ؟
( قُلْنَا ) : إِنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ هَذَا الْجَمْعِ ، وَلَا تَتَوَقَّفُ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْقُرْآنَ مُشْتَمِلٌ عَلَى حُجَجٍ كَثِيرَةٍ مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَمِنْ غَيْرِهِ تَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ وَحْيًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ عَلَى مَثَلِهِ
مُحَمَّدٌ الْأُمِّيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الْقَارِئِينَ الْكَاتِبِينَ أَيْضًا ، وَهُوَ عَلَى كَوْنِهِ كَمَا قَالَ مُصَدِّقًا لِكَوْنِ تِلْكَ الْكُتُبِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى - أَيْ : فِي الْأَصْلِ ، قَدْ قَالَ أَيْضًا : إِنَّ أَهْلَ التَّوْرَاةِ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْهَا ، وَنَسُوا حَظًّا وَنَصِيبًا آخَرَ ، وَأَنَّهُمْ حَرَّفُوا بَعْضَ مَا عِنْدَهُمْ مِنْهَا ، وَأَنَّهُ هُوَ - أَيِ : الْقُرْآنُ ، مُهَيْمِنٌ عَلَيْهَا ، فَمَا أَقَرَّهُ مِنْهَا فَهُوَ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ ، وَمَا صَحَّحَهُ بِإِيرَادِهِ مُخَالِفًا لِمَا عِنْدَهُمْ فَهُوَ الصَّحِيحُ ، سَوَاءٌ كَانَ بِإِيرَادِهِ مُخَالِفًا لِمَا فِيهَا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ، كَكَوْنِ
مُوسَى هُوَ الَّذِي أَلْقَى الْعَصَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ ، وَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ لَا
هَارُونَ كَمَا فِي التَّوْرَاةِ ، أَوْ دَلَّتْ قَوَاعِدُهُ أَوْ نُصُوصُهُ عَلَى امْتِنَاعِهِ كَمَا جَاءَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الثَّامِنِ مِنْ سِفْرِ الْخُرُوجِ مِنْ أَنَّ الرَّبَّ جَعَلَ
مُوسَى إِلَهًا
لِفِرْعَوْنَ ، وَيَكُونُ أَخُوهُ
هَارُونَ نَبِيَّهُ ! ! فَأُصُولُ الْقُرْآنِ وَكَذَا التَّوْرَاةِ الَّتِي كَتَبَهَا
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ فُقِدَتْ ، وَأَنَّ
عَزْرَا الْكَاتِبَ هُوَ الَّذِي كَتَبَ الْأَسْفَارَ الْمُقَدَّسَةَ بَعْدَ السَّبْيِ الْبَابِلِيِّ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ قَبْلَ الْمِيلَادِ ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَبْدَلَ الْحُرُوفَ الْكِلْدَانِيَّةِ بِالْعِبْرَانِيَّةِ ، عَلَى أَنَّ مَا كَتَبَهُ
عَزْرَا قَدْ فُقِدَ أَيْضًا ، وَلَكِنَّ جَمِيعَ نُسَخِ التَّوْرَاةِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْعَالَمِ مُسْتَمَدَّةٌ مِمَّا كَتَبَهُ ، وَفِيهَا تَحْرِيفٌ كَثِيرٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْأَصْلِ ، وَيُسَمُّونَهُ مُشْكِلَاتٍ يَتَكَلَّفُونَ الْأَجْوِبَةَ عَنْهَا . وَقَدْ بَيَّنَّا نَمُوذَجًا مِنْهَا مِنْ قَبْلُ ، وَمِنْهَا أَنَّ الْفَصْلَ الْأَخِيرَ مِنْ سِفْرِ التَّثْنِيَةِ ، وَهُوَ الْأَخِيرُ مِنَ التَّوْرَاةِ قَدْ ذُكِرَ فِيهِ وَفَاةُ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بَعْدَهُ نَبِيٌّ مِثْلُهُ ، وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَهُمْ أَنَّ
يَشُوعَ هُوَ الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى أَنَّ فِيهِ ذِكْرَ
يَشُوعَ .
وَمِمَّا يُوَضِّحُ
nindex.php?page=treesubj&link=18626_32238مُعْجِزَةَ الْقُرْآنِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ التَّوْرَاةِ وَيُؤَكِّدُهَا خَطَأُ الْمُفَسِّرِينَ الْكَثِيرِينَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِهِ ، وَتَعْيِينِ الْمُرَادِ مِنْهُ ؛ لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى مَا عِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْهَا ، وَمِنْ سَائِرِ كُتُبِهِمُ الْمُقَدَّسَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ التَّوَارِيخِ وَالْعَادِيَاتِ الْمُتَسْخَرَجَةِ مِنْ آثَارِ قُدَمَاءِ الْمِصْرِيِّينَ وَالْبَابِلِيِّينَ ، وَإِنَّمَا كَانَ جُلُّ مَا يَعْرِفُونَ عَنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ مَا سَمِعُوهُ مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ ، وَمَا كُلُّ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بِحَفِيظٍ عَلِيمٍ ، وَلَا بِصَادِقٍ أَمِينٍ . ثُمَّ مَا أَخَذُوهُ عَنْ كُتُبٍ تَارِيخِيَّةٍ غَيْرِ مَوْثُوقٍ بِهَا ، فَكَانَ أَكْثَرُ مَا كَتَبُوهُ فِي التَّفْسِيرِ مِنْهَا مُشَوَّهًا لَهُ ، وَحُجَّةً
لِأَهْلِ الْكِتَابِ عَلَيْنَا - فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَ عُلَمَائِنَا فِي أَخْبَارِ
أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْدَ انْتِشَارِ الْعُلُومِ فِي الْإِسْلَامِ ، فَكَيْفَ حَالُ
أَهْلِ مَكَّةَ عِنْدَ ظُهُورِهِ ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا كِتَابٌ يُقْرَأُ ، وَلَا أَحَدَ يَقْرَأُ وَيَكْتُبُ ، قِيلَ : إِلَّا سِتَّةَ نَفَرٍ مِنَ التُّجَّارِ كَانُوا
[ ص: 74 ] مِمَّنْ يُقَالُ فِيهِمُ الْيَوْمَ " يَفُكُّونَ الْخَطَّ " فَأَنَّى لِمَنْ كَانَ أَبْعَدَهُمْ عَنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنْ يَعْرِفَ هَذِهِ الدَّقَائِقَ الْمُفَصَّلَةَ السَّالِمَةَ مِنَ الشَّوَائِبِ الَّتِي لَا يُصَدِّقُهَا الْعَقْلُ ، أَوْ لَا تَتَّفِقُ مَعَ تَوْحِيدِ الْأَنْبِيَاءِ وَفَضَائِلِهِمْ لَوْلَا مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ ؟ !