nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=130ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون هذه الآيات تفصيل لمقدمات الهلاك الموعود به فيما قبلها ، وإنجاز وعد الله تعالى
لبني إسرائيل بالاستخلاف في الأرض .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=130nindex.php?page=treesubj&link=28978_31911ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون صدرت الجملة بالقسم الدالة عليه لامه ؛ لتأكيد مضمونها وتعظيم شأنه ، وكيف لا ؟ وهو من أظهر آياته سبحانه على تأييد رسله وقدرته على الإدالة للمظلومين المستضعفين من الأقوياء الظالمين ، وقد كثر استعمال مادة " الأخذ " في العذاب وما في معناه كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=102وكذلك أخذ ربك إذ أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ( 11 : 102 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=42فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر ( 54 : 42 )
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=16فأخذناه أخذا وبيلا ( 73 : 16 ) يعني
فرعون موسى nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=10فأخذهم أخذة رابية ( 69 : 10 )
وآل فرعون : قومه ، كما أطلقه المفسرون ، أو خاصته وأعوانه في أمور الدولة ، وهم الملأ من قومه الذين كثر ذكرهم في قصته ، ووجهه أنهم هم المذنبون المعاندون
لموسى ، وإنما وقوع العذاب على غيرهم بالتبع لهم ؛ لأنهم كانوا موافقين ومقرين لهم على ظلمهم . وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=25واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ( 8 : 25 ) وهذه سنة من سنن الاجتماع العامة ، وسيأتي توجيه القول الأول .
وأصل اللغة أن آل الرجل أهل بيته وأقاربه الذين يضافون إلى اسمه ، وهو لا يضاف إلا إلى أعلام شرفاء قومهم وكبرائهم كالأنبياء والملوك والرؤساء ، ثم أطلق على أهل الاختصاص بهم أو وجميع أتباعهم ، ومن هنا قال بعض العلماء : إن
آل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يطلق على جميع أتباعه ، وإن هذا هو
nindex.php?page=treesubj&link=1539المراد بالصلاة على آل النبي في التشهد وغيره . قال
الراغب : الآل
[ ص: 75 ] قيل : مقلوب عن الأهل ، ويصغر على أهيل إلا أنه خص بالإضافة إلى أعلام الناطقين دون النكرات ، ودون الأزمنة والأمكنة . يقال : آل فلان ، ولا يقال : آل رجل ، ولا آل زمان كذا أو موضع كذا ، ولا يقال : آل الخياط ، بل يضاف إلى الأشرف الأفضل ، يقال : آل الله وآل السلطان ، والأهل يضاف إلى الكل ، يقال : أهل الله وأهل الخياط ، كما يقال : أهل زمن كذا وبلد كذا . وقيل : هو في الأصل اسم الشخص ، ويصغر أويلا ، ويستعمل فيمن يختص بالإنسان اختصاصا ذاتيا إما بقرابة قريبة أو بموالاة قال عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=33وآل إبراهيم وآل عمران ( 3 : 33 ) وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46أدخلوا آل فرعون أشد العذاب 40 : 46 ) قيل :
وآل النبي عليه الصلاة والسلام أقاربه ، وقيل : المختصون به من حيث العلم ، وذلك أن أهل الدين ضربان : ضرب متخصص بالعلم المتقن والعمل المحكم ، فيقال لهم :
آل النبي وأمته ، وضرب يختصون بالعلم على سبيل التقليد ، ويقال لهم : أمة
محمد عليه الصلاة والسلام ، ولا يقال لهم : آله ، فكل
آل للنبي أمة له ، وليس كل أمة له آله . وقيل
nindex.php?page=showalam&ids=15639لجعفر الصادق ـ رضي الله عنه ـ : الناس يقولون : المسلمون كلهم آل ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : كذبوا وصدقوا ، فقيل : ما معنى ذلك ؟ فقال : كذبوا في أن الأمة كافتهم آله ، وصدقوا في أنهم إذا قاموا بشرائط شريعته آله ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28رجل مؤمن من آل فرعون ( 40 : 28 ) أي : من المختصين به وبشريعته وجعله منهم من حيث النسب أو المسكن ، أو من حيث تقدير القوم أنه على شريعتهم ا هـ .
بعد هذا نقول : إن
آل فرعون أطلق في القرآن على أهل بيته خاصة في موضع واحد لا يحتمل غيرهم ، وفي موضع آخر محتمل لغيرهم ، فالأول قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=8فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ( 28 : 8 ) والثاني قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وقال رجل مؤمن من آل فرعون ( 40 : 28 ) وأطلق كثيرا بمعنى ملئه ، وخاصة أتباعه أو جملتهم كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=50وأغرقنا آل فرعون ( 2 : 50 )
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ( 40 : 46 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=49وإذ نجيناكم من آل فرعون ( 2 : 49 )
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45وحاق بآل فرعون سوء العذاب ( 40 : 45 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=41ولقد جاء آل فرعون النذر ( 54 : 41 ) كذلك كثر ذكر ملأ
فرعون في إرسال
موسى إليهم ، وما دار بين
فرعون وبين الملأ ، وهم أشراف قومه ورجال دولته كما تقدم ، ولولا أن ورد ذكر قومه في بعض الآيات لحملنا الآل في الآية التي نحن بصدد تفسيرها ، وفي أمثالها عليهم دون سائر قومه ، فقد قال تعالى في أول قصة
موسى من سورة الشعراء :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=10وإذ نادى ربك موسى أن ائت القوم الظالمين قوم فرعون ألا يتقون ( 26 : 10 ، 11 ) وقال في سورة الدخان :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=17ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم ( 44 : 17 ) إلخ . ومن الواضح أن عامة قوم
فرعون ينالهم من عذاب الأخذ بالسنين ونقص الثمرات ما لا ينال
[ ص: 76 ] فرعون وأهل بيته وخاصة ملئه ، فالمراد بآله قومه ، وهم أهل
مصر في عهده ، وهم مؤاخذون بظلمه وطغيانه ؛ لأن قوته المالية والجندية منهم ، وقد خلقهم الله أحرارا وكرمهم بالعقل والفطرة التي تكره الظلم والطغيان بالغريزة ، فكان حقا عليهم ألا يقبلوا استعباده لهم ، وجعلهم آلة لطغيانه وإرضاء كبريائه وشهواته ، ولا سيما بعد بعثة
موسى ووصول دعوته إليهم ورؤيتهم ، لما أيده الله به من الآيات .
وأما السنون فهي جمع سنة ، وهي بمعنى الحول ، ولكن أكثر ما استعمل في الحول الذي فيه الجدب ، كما قال
الراغب وغيره ؛ أي : إلا إذا ذكرت في مقام العدد والإحصاء ، والأخذ بالسنين صريح في إرادة العقاب بالجدب والضيق ، ويؤيده نقص الثمرات ، وهل يدخل نقص الثمرات في عموم المراد من السنين ، أم هي خاصة بنقص الغلال التي عليها مدار الأقوات دون الفاكهة التي لا تكفي القوت ، وإن كان منها النخيل والأعناب ؟ وجهان : ونقص الثمرات نص على شدة الضيق في كل حال ، وهذا إجمال يفسره قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=133فأرسلنا عليهم الطوفان ( 7 : 133 ) وما هو ببعيد .
وجملة معنى الآية أنه تعالى
nindex.php?page=treesubj&link=31911_32016أخذ آل فرعون بالجدب وضيق المعيشة ؛ لعلهم يتذكرون ضعفهم أمام قوة الله وعجز ملكهم الجبار المتغطرس وعجز آلهتهم ، ولعلهم إذا تذكروا اعتبروا واتعظوا فرجعوا عن ظلمهم
لبني إسرائيل ، وأجابوا دعوة
موسى عليه السلام ؛ فإن الشدائد من شأنها أن ترقق القلوب ، وتهذب الطباع ، وتوجه الأنفس إلى مرضاة رب العالمين والتضرع له دون غيره من المعبودات التي اتخذت في الأصل وسائل إليه وشفعاء عنده ، ثم صار ينسى في وقت الرخاء ؛ لأنه غيب لا يرى ، وتذكر هي ؛ لأنها مشاهدة مجانسة لعابديها ، بل هي أو أكثرها دونهم لو كانوا يعقلون ، فإذا بلغ الشرك من الناس أن ينسوا الله تعالى حتى في أوقات الشدائد فذلك هو الضلال البعيد .
كذلك كان دأب
آل فرعون بعد إنذار
موسى إياهم
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131فإذا جاءتهم الحسنة من خصب ورخاء وهو الغالب قالوا لنا هذه دون غيرنا ، ونحن المستحقون لها بما لنا من التفوق على الناس
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه أي : وإن اتفق أن أصابتهم سيئة - أي : حالة تسوؤهم كجدب أو جائحة أو مصيبة أخرى في الأبدان أو الأرزاق - تشاءموا
بموسى ومن معه من الأنصار كأخيه
هارون أو جميع قومه ، ويرون أنهم إنما أصيبوا بشؤمه وشؤمهم ، ويغفلون عن سيئات أنفسهم وظلمهم لقوم
موسى ؛ لأن هذا عندهم من الحقوق ، كما هو شأن الإفرنج في ظلمهم لمن يستضعفونهم من أهل الشرق .
أصل " يطيروا " يتطيروا فأدغمت التاء في الطاء ، وسبب استعمال التطير بمعنى التشاؤم : أن العرب كانت تتوقع الخير والشر مما تراه من حركة الطير ، حتى إنها تزجرها إذا
[ ص: 77 ] لم تمر من تلقاء نفسها ، فإذا طارت من جهة اليمين تيمنت ؛ أي : رجت وقوع اليمين والبركة والخير ، وإذا طارت من جهة الشمال تشاءمت ، وتوقعت الشر والمصيبة ، ويسمى الطائر الأول السانح ، والآخر البارح ، ثم إنهم سموا الشؤم طيرا وطائرا ، والتشاؤم تطيرا ؛ ولذلك قال تعالى في رد خرافتهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون ابتدأ الرد عليهم بأداة الافتتاح ( ألا ) للاهتمام به ؛ إذ المراد بها توجيه ذهن القارئ لما يلقى بعدها حتى لا يفوته شيء منه ، أي : ألا فليعلموا أن الشؤم الذي نسبوه إلى
موسى ، وعدوه من آثار وجوده فيهم هو عند الله تعالى لا عند
موسى ومن معه ، فهو تعالى قد جعل لكل شيء قدرا من حسنة وسيئة ، بمعنى أنه وضع لنظام الكون سننا تكون فيها المسببات على قدر الأسباب ، ولكل منها حكم ، فبمقتضى هذه السنن والأقدار ينزل البلاء عليهم ، وهو امتحان واختبار لهم بما يسوؤهم ليثوبوا ويرجعوا عن ظلمهم وبغيهم على
بني إسرائيل وطغيانهم وإسرافهم في كل أمورهم ، ولكن أكثرهم لا يعلمون حكم التصرف الرباني في الخلق ، ولا أسباب الخير والشر الصورية ولا المعنوية ، وكون كل شيء في هذا الكون بمشيئته تعالى وتدبيره .
وفي الآية من نكت البلاغة أنه عبر عن مجيء الحسنة بـ " إذا " الدالة على تحقق الوقوع ، وعرفها لإفادة أنها الأصل الثابت بغلبة رحمة الله وفضله على سخطه وعقابه ، وعبر بإصابة السيئة بـ " إن " التي هي أداة الشك - أي : إن شرطها إما مشكوك في وقوعه ، وإما منزل منزلة المشكوك فيه لندرته أو لسبب آخر - وذكر السيئة ؛ لإفادة أن وقوعها قليل وخلاف الأصل الغالب ، وأفاد بالتعبيرين أن القوم لم يتربوا بالحسنات ولا بالسيئات ، وأن الحسنة على عظمتها وكثرتها ما زادتهم إلا غرورا بحالهم ، وتماديا في ظلمهم ، وإصرارا على بغيهم ، وأن السيئة لم تفدهم عظة ولا عبرة ، ولم تحدث لهم توبة ، وهاك تفصيل ذلك :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=130وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ هَذِهِ الْآيَاتُ تَفْصِيلٌ لِمُقَدِّمَاتِ الْهَلَاكِ الْمَوْعُودِ بِهِ فِيمَا قَبْلَهَا ، وَإِنْجَازُ وَعْدِ اللَّهِ تَعَالَى
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بِالِاسْتِخْلَافِ فِي الْأَرْضِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=130nindex.php?page=treesubj&link=28978_31911وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ صُدِّرَتِ الْجُمْلَةُ بِالْقَسَمِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ لَامُهُ ؛ لِتَأْكِيدِ مَضْمُونِهَا وَتَعْظِيمِ شَأْنِهِ ، وَكَيْفَ لَا ؟ وَهُوَ مِنْ أَظْهَرِ آيَاتِهِ سُبْحَانَهُ عَلَى تَأْيِيدِ رُسُلِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِدَالَةِ لِلْمَظْلُومِينَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْأَقْوِيَاءِ الظَّالِمِينَ ، وَقَدْ كَثُرَ اسْتِعْمَالُ مَادَّةِ " الْأَخْذِ " فِي الْعَذَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=102وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذْ أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ( 11 : 102 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=42فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ ( 54 : 42 )
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=16فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا ( 73 : 16 ) يَعْنِي
فِرْعَوْنَ مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=10فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً ( 69 : 10 )
وَآلُ فِرْعَوْنَ : قَوْمُهُ ، كَمَا أَطْلَقَهُ الْمُفَسِّرُونَ ، أَوْ خَاصَّتُهُ وَأَعْوَانُهُ فِي أُمُورِ الدَّوْلَةِ ، وَهُمُ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَثُرَ ذِكْرُهُمْ فِي قِصَّتِهِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُمْ هُمُ الْمُذْنِبُونَ الْمُعَانِدُونَ
لِمُوسَى ، وَإِنَّمَا وُقُوعُ الْعَذَابِ عَلَى غَيْرِهِمْ بِالتَّبَعِ لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُوَافِقِينَ وَمُقِرِّينَ لَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=25وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ( 8 : 25 ) وَهَذِهِ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنٍ الِاجْتِمَاعِ الْعَامَّةِ ، وَسَيَأْتِي تَوْجِيهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ .
وَأَصْلُ اللُّغَةِ أَنَّ آلَ الرَّجُلِ أَهْلُ بَيْتِهِ وَأَقَارِبُهُ الَّذِينَ يُضَافُونَ إِلَى اسْمِهِ ، وَهُوَ لَا يُضَافُ إِلَّا إِلَى أَعْلَامِ شُرَفَاءِ قَوْمِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُلُوكِ وَالرُّؤَسَاءِ ، ثُمَّ أَطْلَقَ عَلَى أَهْلِ الِاخْتِصَاصِ بِهِمْ أَوْ وَجَمِيعِ أَتْبَاعِهِمْ ، وَمِنْ هُنَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّ
آلَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ يُطْلَقُ عَلَى جَمِيعِ أَتْبَاعِهِ ، وَإِنَّ هَذَا هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=1539الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ عَلَى آلِ النَّبِيِّ فِي التَّشَهُّدِ وَغَيْرِهِ . قَالَ
الرَّاغِبُ : الْآلُ
[ ص: 75 ] قِيلَ : مَقْلُوبٌ عَنِ الْأَهْلِ ، وَيُصَغَّرُ عَلَى أُهَيْلٍ إِلَّا أَنَّهُ خُصَّ بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَعْلَامِ النَّاطِقِينَ دُونَ النَّكِرَاتِ ، وَدُونَ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ . يُقَالُ : آلُ فُلَانٍ ، وَلَا يُقَالُ : آلُ رَجُلٍ ، وَلَا آلُ زَمَانِ كَذَا أَوْ مَوْضِعِ كَذَا ، وَلَا يُقَالُ : آلُ الْخَيَّاطِ ، بَلْ يُضَافُ إِلَى الْأَشْرَفِ الْأَفْضَلِ ، يُقَالُ : آلُ اللَّهِ وَآلُ السُّلْطَانِ ، وَالْأَهْلُ يُضَافُ إِلَى الْكُلِّ ، يُقَالُ : أَهْلُ اللَّهِ وَأَهْلُ الْخَيَّاطِ ، كَمَا يُقَالُ : أَهْلُ زَمَنِ كَذَا وَبَلَدِ كَذَا . وَقِيلَ : هُوَ فِي الْأَصْلِ اسْمُ الشَّخْصِ ، وَيُصَغَّرُ أُوَيْلًا ، وَيُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ يَخْتَصُّ بِالْإِنْسَانِ اخْتِصَاصًا ذَاتِيًّا إِمَّا بِقِرَابَةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بِمُوَالَاةٍ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=33وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ ( 3 : 33 ) وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ 40 : 46 ) قِيلَ :
وَآلُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَقَارِبُهُ ، وَقِيلَ : الْمُخْتَصُّونَ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْعِلْمُ ، وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الدِّينِ ضَرْبَانِ : ضَرْبٌ مُتَخَصِّصٌ بِالْعِلْمِ الْمُتْقَنِ وَالْعَمَلِ الْمُحْكَمِ ، فَيُقَالُ لَهُمْ :
آلُ النَّبِيِّ وَأُمَّتُهُ ، وَضَرْبٌ يَخْتَصُّونَ بِالْعِلْمِ عَلَى سَبِيلِ التَّقْلِيدِ ، وَيُقَالُ لَهُمْ : أُمَّةُ
مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ، وَلَا يُقَالُ لَهُمْ : آلُهُ ، فَكُلُّ
آلٍ لِلنَّبِيِّ أُمَّةٌ لَهُ ، وَلَيْسَ كُلُّ أُمَّةٍ لَهُ آلَهُ . وَقِيلَ
nindex.php?page=showalam&ids=15639لِجَعْفَرٍ الصَّادِقِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ : النَّاسُ يَقُولُونَ : الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ آلُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ : كَذَبُوا وَصَدَقُوا ، فَقِيلَ : مَا مَعْنَى ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : كَذَبُوا فِي أَنَّ الْأُمَّةَ كَافَّتَهُمْ آلُهُ ، وَصَدَقُوا فِي أَنَّهُمْ إِذَا قَامُوا بِشَرَائِطِ شَرِيعَتِهِ آلُهُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ( 40 : 28 ) أَيْ : مِنَ الْمُخْتَصِّينَ بِهِ وَبِشَرِيعَتِهِ وَجَعَلَهُ مِنْهُمْ مَنْ حَيْثُ النَّسَبُ أَوِ الْمَسْكَنُ ، أَوْ مِنْ حَيْثُ تَقْدِيرُ الْقَوْمِ أَنَّهُ عَلَى شَرِيعَتِهِمْ ا هـ .
بَعْدَ هَذَا نَقُولُ : إِنَّ
آلَ فِرْعَوْنَ أُطْلِقَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ خَاصَّةً فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُمْ ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مُحْتَمِلٍ لِغَيْرِهِمْ ، فَالْأَوَّلُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=8فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ( 28 : 8 ) وَالثَّانِي قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ( 40 : 28 ) وَأُطْلِقَ كَثِيرًا بِمَعْنَى مَلَئِهِ ، وَخَاصَّةً أَتْبَاعُهُ أَوْ جُمْلَتُهُمْ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=50وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ ( 2 : 50 )
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=46أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ( 40 : 46 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=49وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ ( 2 : 49 )
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=45وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ( 40 : 45 )
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=41وَلَقَدْ جَاءَ آلُ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ ( 54 : 41 ) كَذَلِكَ كَثُرَ ذِكْرُ مَلَأِ
فِرْعَوْنَ فِي إِرْسَالِ
مُوسَى إِلَيْهِمْ ، وَمَا دَارَ بَيْنَ
فِرْعَوْنَ وَبَيْنَ الْمَلَأِ ، وَهُمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِ وَرِجَالُ دَوْلَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَلَوْلَا أَنْ وَرَدَ ذِكْرُ قَوْمِهِ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ لَحَمَلْنَا الْآلَ فِي الْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا ، وَفِي أَمْثَالِهَا عَلَيْهِمْ دُونَ سَائِرِ قَوْمِهِ ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ قِصَّةِ
مُوسَى مِنْ سُورَةِ الشُّعَرَاءِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=10وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ ( 26 : 10 ، 11 ) وَقَالَ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=44&ayano=17وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ ( 44 : 17 ) إِلَخْ . وَمِنَ الْوَاضِحِ أَنَّ عَامَّةَ قَوْمِ
فِرْعَوْنَ يَنَالُهُمْ مِنْ عَذَابِ الْأَخْذِ بِالسِّنِينَ وَنَقْصِ الثَّمَرَاتِ مَا لَا يَنَالُ
[ ص: 76 ] فِرْعَوْنَ وَأَهْلَ بَيْتِهِ وَخَاصَّةً مَلَئِهِ ، فَالْمُرَادُ بِآلِهِ قَوْمُهُ ، وَهُمْ أَهْلُ
مِصْرَ فِي عَهْدِهِ ، وَهُمْ مُؤَاخَذُونَ بِظُلْمِهِ وَطُغْيَانِهِ ؛ لِأَنَّ قُوَّتَهُ الْمَالِيَّةَ وَالْجُنْدِيَّةَ مِنْهُمْ ، وَقَدْ خَلَقَهُمُ اللَّهُ أَحْرَارًا وَكَرَّمَهُمْ بِالْعَقْلِ وَالْفِطْرَةِ الَّتِي تَكْرَهُ الظُّلْمَ وَالطُّغْيَانَ بِالْغَرِيزَةِ ، فَكَانَ حَقًّا عَلَيْهِمْ أَلَّا يَقْبَلُوا اسْتِعْبَادَهُ لَهُمْ ، وَجَعْلَهُمْ آلَةً لِطُغْيَانِهِ وَإِرْضَاءِ كِبْرِيَائِهِ وَشَهَوَاتِهِ ، وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ بِعْثَةِ
مُوسَى وَوُصُولِ دَعْوَتِهِ إِلَيْهِمْ وَرُؤْيَتِهِمْ ، لَمَّا أَيَّدَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْآيَاتِ .
وَأَمَّا السُّنُونَ فَهِيَ جَمْعُ سَنَةٍ ، وَهِيَ بِمَعْنَى الْحَوْلِ ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ مَا اسْتُعْمِلَ فِي الْحَوْلِ الَّذِي فِيهِ الْجَدْبُ ، كَمَا قَالَ
الرَّاغِبُ وَغَيْرُهُ ؛ أَيْ : إِلَّا إِذَا ذُكِرَتْ فِي مَقَامِ الْعَدَدِ وَالْإِحْصَاءِ ، وَالْأَخْذُ بِالسِّنِينَ صَرِيحٌ فِي إِرَادَةِ الْعِقَابِ بِالْجَدْبِ وَالضِّيقِ ، وَيُؤَيِّدُهُ نَقْصُ الثَّمَرَاتِ ، وَهَلْ يَدْخُلُ نَقْصُ الثَّمَرَاتِ فِي عُمُومِ الْمُرَادِ مِنَ السِّنِينَ ، أَمْ هِيَ خَاصَّةٌ بِنَقْصِ الْغِلَالِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْأَقْوَاتِ دُونَ الْفَاكِهَةِ الَّتِي لَا تَكْفِي الْقُوتَ ، وَإِنْ كَانَ مِنْهَا النَّخِيلُ وَالْأَعْنَابُ ؟ وَجْهَانِ : وَنَقْصُ الثَّمَرَاتِ نَصٌّ عَلَى شِدَّةِ الضِّيقِ فِي كُلِّ حَالٍ ، وَهَذَا إِجْمَالٌ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=133فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ ( 7 : 133 ) وَمَا هُوَ بِبَعِيدٍ .
وَجُمْلَةُ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=treesubj&link=31911_32016أَخَذَ آلَ فِرْعَوْنَ بِالْجَدْبِ وَضِيقِ الْمَعِيشَةِ ؛ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ضَعْفَهُمْ أَمَامَ قُوَّةِ اللَّهِ وَعَجْزِ مَلِكِهِمُ الْجَبَّارِ الْمُتَغَطْرِسِ وَعَجْزِ آلِهَتِهِمْ ، وَلَعَلَّهُمْ إِذَا تَذَكَّرُوا اعْتَبَرُوا وَاتَّعَظُوا فَرَجَعُوا عَنْ ظُلْمِهِمْ
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَأَجَابُوا دَعْوَةَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ؛ فَإِنَّ الشَّدَائِدَ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُرَقِّقَ الْقُلُوبَ ، وَتُهَذِّبَ الطِّبَاعَ ، وَتُوَجِّهَ الْأَنْفُسَ إِلَى مَرْضَاةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالتَّضَرُّعِ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَعْبُودَاتِ الَّتِي اتُّخِذَتْ فِي الْأَصْلِ وَسَائِلَ إِلَيْهِ وَشُفَعَاءَ عِنْدَهُ ، ثُمَّ صَارَ يُنْسَى فِي وَقْتِ الرَّخَاءِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْبٌ لَا يُرَى ، وَتُذْكُرُ هِيَ ؛ لِأَنَّهَا مُشَاهَدَةٌ مُجَانِسَةٌ لِعَابِدِيهَا ، بَلْ هِيَ أَوْ أَكْثَرُهَا دُونَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْقِلُونَ ، فَإِذَا بَلَغَ الشِّرْكُ مِنَ النَّاسِ أَنْ يَنْسُوا اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى فِي أَوْقَاتِ الشَّدَائِدِ فَذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ .
كَذَلِكَ كَانَ دَأْبُ
آلِ فِرْعَوْنَ بَعْدَ إِنْذَارِ
مُوسَى إِيَّاهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ مِنْ خِصْبٍ وَرَخَاءٍ وَهُوَ الْغَالِبُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ دُونَ غَيْرِنَا ، وَنَحْنُ الْمُسْتَحِقُّونَ لَهَا بِمَا لَنَا مِنَ التَّفَوُّقِ عَلَى النَّاسِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَيْ : وَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ أَصَابَتْهُمْ سَيِّئَةٌ - أَيْ : حَالَةٌ تَسُوؤُهُمْ كَجَدْبٍ أَوْ جَائِحَةٍ أَوْ مُصِيبَةٍ أُخْرَى فِي الْأَبْدَانِ أَوِ الْأَرْزَاقِ - تَشَاءَمُوا
بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْأَنْصَارِ كَأَخِيهِ
هَارُونَ أَوْ جَمِيعِ قَوْمِهِ ، وَيَرَوْنَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا أُصِيبُوا بِشُؤْمِهِ وَشُؤْمِهِمْ ، وَيَغْفُلُونَ عَنْ سَيِّئَاتِ أَنْفُسِهِمْ وَظُلْمِهِمْ لِقَوْمِ
مُوسَى ؛ لِأَنَّ هَذَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْحُقُوقِ ، كَمَا هُوَ شَأْنُ الْإِفْرِنْجِ فِي ظُلْمِهِمْ لِمَنْ يَسْتَضْعِفُونَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّرْقِ .
أَصْلُ " يَطَّيَّرُوا " يَتَطَيَّرُوا فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الطَّاءِ ، وَسَبَبُ اسْتِعْمَالِ التَّطَيُّرِ بِمَعْنَى التَّشَاؤُمِ : أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَتَوَقَّعُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ مِمَّا تَرَاهُ مِنْ حَرَكَةِ الطَّيْرِ ، حَتَّى إِنَّهَا تَزْجُرُهَا إِذَا
[ ص: 77 ] لَمْ تَمُرَّ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهَا ، فَإِذَا طَارَتْ مِنْ جِهَةِ الْيَمِينِ تَيَمَّنَتْ ؛ أَيْ : رَجَتْ وُقُوعَ الْيَمِينِ وَالْبَرْكَةِ وَالْخَيْرِ ، وَإِذَا طَارَتْ مِنْ جِهَةِ الشَّمَالِ تَشَاءَمَتْ ، وَتَوَقَّعَتِ الشَّرَّ وَالْمُصِيبَةَ ، وَيُسَمَّى الطَّائِرُ الْأَوَّلُ السَّانِحَ ، وَالْآخَرُ الْبَارِحَ ، ثُمَّ إِنَّهُمْ سَمُّوا الشُّؤْمَ طَيْرًا وَطَائِرًا ، وَالتَّشَاؤُمَ تَطَيُّرًا ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى فِي رَدِّ خُرَافَتِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=131أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ابْتَدَأَ الرَّدَّ عَلَيْهِمْ بِأَدَاةِ الِافْتِتَاحِ ( أَلَا ) لِلِاهْتِمَامِ بِهِ ؛ إِذِ الْمُرَادُ بِهَا تَوْجِيهُ ذِهْنِ الْقَارِئِ لِمَا يُلْقَى بَعْدَهَا حَتَّى لَا يَفُوتَهُ شَيْءٌ مِنْهُ ، أَيْ : أَلَا فَلْيَعْلَمُوا أَنَّ الشُّؤْمَ الَّذِي نَسَبُوهُ إِلَى
مُوسَى ، وَعَدُّوهُ مِنْ آثَارِ وُجُودِهِ فِيهِمْ هُوَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لَا عِنْدَ
مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ ، فَهُوَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدَرًا مِنْ حَسَنَةٍ وَسَيِّئَةٍ ، بِمَعْنَى أَنَّهُ وَضَعَ لِنِظَامِ الْكَوْنِ سُنَنًا تَكُونُ فِيهَا الْمُسَبِّبَاتُ عَلَى قَدْرِ الْأَسْبَابِ ، وَلِكُلٍّ مِنْهَا حِكَمٌ ، فَبِمُقْتَضَى هَذِهِ السُّنَنِ وَالْأَقْدَارِ يَنْزِلُ الْبَلَاءُ عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ امْتِحَانٌ وَاخْتِبَارٌ لَهُمْ بِمَا يَسُوؤُهُمْ لِيَثُوبُوا وَيَرْجِعُوا عَنْ ظُلْمِهِمْ وَبَغْيِهِمْ عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَطُغْيَانِهِمْ وَإِسْرَافِهِمْ فِي كُلِّ أُمُورِهِمْ ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ حِكَمَ التَّصَرُّفِ الرَّبَّانِيِّ فِي الْخَلْقِ ، وَلَا أَسْبَابَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ الصُّورِيَّةَ وَلَا الْمَعْنَوِيَّةَ ، وَكَوْنَ كُلِّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْكَوْنِ بِمَشِيئَتِهِ تَعَالَى وَتَدْبِيرِهِ .
وَفِي الْآيَةِ مِنْ نُكَتِ الْبَلَاغَةِ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ مَجِيءِ الْحَسَنَةِ بِـ " إِذَا " الدَّالَّةِ عَلَى تَحَقُّقِ الْوُقُوعِ ، وَعَرَّفَهَا لِإِفَادَةِ أَنَّهَا الْأَصْلُ الثَّابِتُ بِغَلَبَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ عَلَى سُخْطِهِ وَعِقَابِهِ ، وَعَبَّرَ بِإِصَابَةِ السَّيِّئَةِ بِـ " إِنَّ " الَّتِي هِيَ أَدَاةُ الشَّكِّ - أَيْ : إِنَّ شَرْطَهَا إِمَّا مَشْكُوكٌ فِي وُقُوعِهِ ، وَإِمَّا مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْمَشْكُوكِ فِيهِ لِنُدْرَتِهِ أَوْ لِسَبَبٍ آخَرَ - وَذَكَرَ السَّيِّئَةَ ؛ لِإِفَادَةِ أَنَّ وُقُوعَهَا قَلِيلٌ وَخِلَافُ الْأَصْلِ الْغَالِبِ ، وَأَفَادَ بِالتَّعْبِيرَيْنِ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَتَرَبُّوا بِالْحَسَنَاتِ وَلَا بِالسَّيِّئَاتِ ، وَأَنَّ الْحَسَنَةَ عَلَى عَظَمَتِهَا وَكَثْرَتِهَا مَا زَادَتْهُمْ إِلَّا غُرُورًا بِحَالِهِمْ ، وَتَمَادِيًا فِي ظُلْمِهِمْ ، وَإِصْرَارًا عَلَى بَغْيِهِمْ ، وَأَنَّ السَّيِّئَةَ لَمْ تُفِدْهُمْ عِظَةً وَلَا عِبْرَةً ، وَلَمْ تُحْدِثْ لَهُمْ تَوْبَةً ، وَهَاكَ تَفْصِيلُ ذَلِكَ :