[ ص: 137 ] ( خلاصة وتتمة تزيد المسألة وضوحا ، ومذهب السلف ثبوتا )
( 1 )
nindex.php?page=treesubj&link=28725الرؤية ليست من أصول الإيمان القطعية :
قد علم مما تقدم أنه ليس في الرؤية البصرية نص أصولي ولا لغوي متواتر قطعي الرواية والدلالة يجعلها من العقائد المجمع عليها المعلومة من الدين بالضرورة ، وليست مما كان يدعى إليه في تبليغ الدين من التوحيد والرسالة بحيث يكون من يجهلها أو ينكرها كافرا ، وإنما هي من غريب العلم إلا على الذي يستنبطه من القرآن كبار العارفين ، وربما كان فتنة لمن دونهم - وكذلك كان - حتى إن كبار النظار وعلماء البيان قد اختلفوا في كل من الآيات الثلاث الواردة فيها : في سورة الأنعام والأعراف والقيامة . فجعلها بعضهم مثبتة وبعضهم نافية ، والقاعدة في دين الرحمة والشريعة السمحة أن الحجة لا تقوم على جميع المكلفين إلا فيما كان قطعي الدلالة لغة ، وأنهم يعذرون باختلاف الأفهام في غيره ، كما علم من واقعة تحريم الخمر والميسر ، فإن آية البقرة تدل على التحريم بمقتضى القاعدة المعروفة عند الفقهاء ، وهي تحريم
nindex.php?page=treesubj&link=29450ما تغلب المفسدة فيه على المصلحة ، ويرجح الضرر فيه على النفع ، وقد نطقت الآية بهذا الترجيح في الخمر والميسر
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219وإثمهما أكبر من نفعهما ( 2 : 219 ) وهو ما فهمه بعض خواص الصحابة فتركوهما ، ولم يكلف جميع المسلمين تركهما إلا بعد نزول آية المائدة التي هي نص قطعي لا يحتمل التأويل ؛ إذ نطقت بأنهما رجس من عمل الشيطان ، وصرحت بالأمر باجتنابه ، وهو أبلغ من الأمر بالترك .
nindex.php?page=treesubj&link=32208وما من مسألة ذكرت في القرآن بنص غير قطعي الدلالة إلا ولله تعالى حكمة في عدم القطع بها ، وقد بين حكماء العلماء حكمة ذلك في الخمر والميسر بأن شدة افتتان الناس بهما كانت تقتضي أن يشق على الناس تركهما دفعة واحدة حتى يتعذر على بعض المؤمنين من ضعاف الإيمان تركهما ، ويتعسر على بعض ، وينفر غير المسلمين من الإسلام ، فكان من حكمة الرب ورحمته جل جلاله أن يحرمهما بالتدريج ولا سيما الخمر ، فإنه أنزل آية تقتضي ترك الخمر في عامة النهار وناشئة الليل وهي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ( 4 : 43 ) فراجع تفسيرها البليغ في سورة النساء - وآية يفهم منها دقيق العلم قوي الإيمان التحريم فيتركها في كل وقت وهي آية سورة البقرة ، ثم صرح بعد ذلك بسنين بالاجتناب على سبيل القطع .
لولا غفلة العلماء الذين طعن بعضهم في علم المخالف له في
nindex.php?page=treesubj&link=28725مسألة الرؤية وفي دينه عن هذه الحكمة وتلك القاعدة ، لعذر كل منهم الآخر ، ولم يجعلوا الخلاف فيها عصبية مذهبية ، ولعلم المثبتون لها منهم أن الله - تعالى - لو أراد أن تكون عقيدة عامة وركنا من أركان الإيمان لبين
[ ص: 138 ] ذلك في آية صريحة لا تحتمل التأويل ، ناطقة بأنه يرى بالأبصار عيانا بلا كيف ولا إحاطة ولا تمثيل ، ولقال النبي - صلى الله عليه وسلم - حين عرف الإيمان في حديث
جبريل بعد قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920000 " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر " : وأن
nindex.php?page=treesubj&link=28725المؤمنين يرون ربهم في الآخرة بأبصارهم عيانا بلا كيف ولا تشبيه ، ولأمر بتلقين هذا لكل من يدخل في الإسلام ، ولتواتر عنه وعن أصحابه الجري على ذلك حتى يكون معلوما من الدين بالضرورة ، وإذا لما وقع فيه خلاف ، ولما استنكرت
عائشة سؤال
مسروق إياها عن
nindex.php?page=treesubj&link=28725_30639رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - لربه حتى قف شعرها من استعظام ذلك ، ولو كانت تعتقد أن الرؤية تكون في الآخرة لجميع المؤمنين لما استنكرت واستكبرت حصولها للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا امتيازا له ؛ لأن روحه فيها أقوى من أرواح سائر المؤمنين في الآخرة فيطيق ما لا يطيقه غيره حتى
موسى - صلى الله عليه وسلم - ولقاست هذا الامتياز على الناس بامتيازه - عليه صلوات الله - عليهم بالوحي ورؤية الملائكة وغير الملائكة من عالم الغيب ؛ على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان ليلة المعراج في ذلك العالم لا في عالم الأرض .
فالحكمة الظاهرة لعدم النص القطعي في القرآن على المسألة أنها مما تتحير فيه العقول ، وربما كانت مما يدخل في عموم ما رواه
مسلم في مقدمة صحيحه عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود "
ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة " وعموم ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتاب العلم عن
علي كرم الله وجهه "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003352حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله ؟ " ورويا مرفوعين ولكن بسندين ضعيفين - والمراد بالمعرفة في الثاني ما يقابل المنكر ، وما لا يعقد لا ما يقابل الجهل ؛ إذ يكون من تحصيل الحاصل ، وقد زاد فيه
nindex.php?page=showalam&ids=11790آدم بن أبي إياس وأبو نعيم في المستخرج " ودعوا ما ينكرون " ذكره الحافظ في الفتح واستشهد له بأثر
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود آنفا ، واستدل به على أن
nindex.php?page=treesubj&link=26460_32022_34056المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة ، وفسر ما لا ينكرون بما لا يشتبه عليهم فهمه ، ولا يسلم قوله هذا على إطلاقه ، فإنه يجب استثناء ما في القرآن منه ، إذ لا يجوز كتمانه عن أحد ؛ على أنه كله من قبيل آيات الرؤية ، ليس فيها مثار للفتنة ، مع
nindex.php?page=treesubj&link=26460_29442_28716_28725عقيدة التنزيه ونفي المماثلة ، وقاعدة التفويض التي جرى عليها السلف ، فهذا هو الذي يحول دون
nindex.php?page=treesubj&link=26460اتباع المتشابه إلا لمن في قلبه زيغ ، كما نص في آية المحكم والمتشابه من أول سورة آل عمران . وهذا يؤيد قولنا إن
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد لم يكفر
nindex.php?page=treesubj&link=28725منكري الرؤية إلا لأنه كان يعتقد أن الحامل لهم على الإنكار هو الزيغ والزندقة .
ثم قال الحافظ : وممن كره التحديث ببعض دون بعض
أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان ،
ومالك في أحاديث الصفات ،
وأبو يوسف في الغرائب ، ومن قبلهم
[ ص: 139 ] nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين ، وأن المراد ( أي : بالثاني ) ما يقع من الفتن ونحوه عن
حذيفة وعن
الحسن أنه أنكر تحديث
أنس للحجاج بقصة العرنيين ؛ لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي ، وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة ، وظاهره في الأصل غير مراد . فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب والله أعلم ا هـ .
( أقول ) : هذه مسألة كبيرة من مسائل الاجتهاد تدخل في باب
nindex.php?page=treesubj&link=22403التعارض والترجيح من الأصول ، أعني التعارض بين ما أوجب الله - تعالى - من بيان العلم ، وإظهار الشرع وما حرم من الكتمان في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=187لتبيننه للناس ولا تكتمونه ( 3 : 187 ) وبين ما حرم من الظلم والفساد والفتنة ، وما وجب من سد ذرائعها مما هو مجمع عليه ، ولم أر لأحد من العلماء تحقيقا لهذا البحث وليس هذا محله .
[ ص: 137 ] ( خُلَاصَةٌ وَتَتِمَّةٌ تَزِيدُ الْمَسْأَلَةَ وُضُوحًا ، وَمَذْهَبَ السَّلَفِ ثُبُوتًا )
( 1 )
nindex.php?page=treesubj&link=28725الرُّؤْيَةُ لَيْسَتْ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ الْقَطْعِيَّةِ :
قَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الرُّؤْيَةِ الْبَصَرِيَّةِ نَصٌّ أُصُولِيٌّ وَلَا لُغَوِيٌّ مُتَوَاتِرٌ قَطْعِيُّ الرِّوَايَةِ وَالدَّلَالَةِ يَجْعَلُهَا مِنَ الْعَقَائِدِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا الْمَعْلُومَةِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ ، وَلَيْسَتْ مِمَّا كَانَ يُدْعَى إِلَيْهِ فِي تَبْلِيغِ الدِّينِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ مَنْ يَجْهَلُهَا أَوْ يُنْكِرُهَا كَافِرًا ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ غَرِيبِ الْعِلْمِ إِلَّا عَلَى الَّذِي يَسْتَنْبِطُهُ مِنَ الْقُرْآنِ كِبَارُ الْعَارِفِينَ ، وَرُبَّمَا كَانَ فِتْنَةً لِمَنْ دُونَهُمْ - وَكَذَلِكَ كَانَ - حَتَّى إِنَّ كِبَارَ النُّظَّارِ وَعُلَمَاءَ الْبَيَانِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي كُلٍّ مِنَ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ الْوَارِدَةِ فِيهَا : فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَالْأَعْرَافِ وَالْقِيَامَةِ . فَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ مُثْبِتَةً وَبَعْضُهُمْ نَافِيَةً ، وَالْقَاعِدَةُ فِي دِينِ الرَّحْمَةِ وَالشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ أَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَقُومُ عَلَى جَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ إِلَّا فِيمَا كَانَ قَطْعِيَّ الدَّلَالَةِ لُغَةً ، وَأَنَّهُمْ يُعْذَرُونَ بِاخْتِلَافِ الْأَفْهَامِ فِي غَيْرِهِ ، كَمَا عُلِمَ مِنْ وَاقِعَةِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ، فَإِنَّ آيَةَ الْبَقَرَةِ تَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ بِمُقْتَضَى الْقَاعِدَةِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ ، وَهِيَ تَحْرِيمُ
nindex.php?page=treesubj&link=29450مَا تَغْلِبُ الْمَفْسَدَةُ فِيهِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ ، وَيُرَجَّحُ الضَّرَرُ فِيهِ عَلَى النَّفْعِ ، وَقَدْ نَطَقَتِ الْآيَةُ بِهَذَا التَّرْجِيحِ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ( 2 : 219 ) وَهُوَ مَا فَهِمَهُ بَعْضُ خَوَاصِّ الصَّحَابَةِ فَتَرَكُوهُمَا ، وَلَمْ يُكَلِّفْ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ تَرْكَهُمَا إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ الَّتِي هِيَ نَصٌّ قَطْعِيٌّ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ ؛ إِذْ نَطَقَتْ بِأَنَّهُمَا رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ، وَصَرَّحَتْ بِالْأَمْرِ بِاجْتِنَابِهِ ، وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْأَمْرِ بِالتَّرْكِ .
nindex.php?page=treesubj&link=32208وَمَا مِنْ مَسْأَلَةٍ ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ بِنَصٍّ غَيْرِ قَطْعِيِّ الدَّلَالَةِ إِلَّا وَلِلَّهِ تَعَالَى حِكْمَةٌ فِي عَدَمِ الْقَطْعِ بِهَا ، وَقَدْ بَيَّنَ حُكَمَاءُ الْعُلَمَاءِ حِكْمَةُ ذَلِكَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ بِأَنَّ شِدَّةَ افْتِتَانِ النَّاسِ بِهِمَا كَانَتْ تَقْتَضِي أَنْ يَشُقَّ عَلَى النَّاسِ تَرْكَهُمَا دُفْعَةً وَاحِدَةً حَتَّى يَتَعَذَّرَ عَلَى بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ضِعَافِ الْإِيمَانِ تَرْكُهُمَا ، وَيَتَعَسَّرُ عَلَى بَعْضٍ ، وَيَنْفِرُ غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْإِسْلَامِ ، فَكَانَ مِنْ حِكْمَةِ الرَّبِّ وَرَحْمَتِهِ جَلَّ جَلَالُهُ أَنْ يُحَرِّمَهُمَا بِالتَّدْرِيجِ وَلَا سِيَّمَا الْخَمْرَ ، فَإِنَّهُ أَنْزَلَ آيَةً تَقْتَضِي تَرْكَ الْخَمْرِ فِي عَامَّةِ النَّهَارِ وَنَاشِئَةِ اللَّيْلِ وَهِيَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ( 4 : 43 ) فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهَا الْبَلِيغَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ - وَآيَةً يَفْهَمُ مِنْهَا دَقِيقُ الْعِلْمِ قَوِيُّ الْإِيمَانِ التَّحْرِيمَ فَيَتْرُكُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ وَهِيَ آيَةُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، ثُمَّ صَرَّحَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسِنِينَ بِالِاجْتِنَابِ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ .
لَوْلَا غَفْلَةُ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ طَعَنَ بَعْضُهُمْ فِي عِلْمِ الْمُخَالِفِ لَهُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28725مَسْأَلَةِ الرُّؤْيَةِ وَفِي دِينِهِ عَنْ هَذِهِ الْحِكْمَةِ وَتِلْكَ الْقَاعِدَةِ ، لَعَذَرَ كُلٌّ مِنْهُمُ الْآخَرَ ، وَلَمْ يَجْعَلُوا الْخِلَافَ فِيهَا عَصَبِيَّةً مَذْهَبِيَّةً ، وَلَعَلِمَ الْمُثْبِتُونَ لَهَا مِنْهُمْ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَوْ أَرَادَ أَنْ تَكُونَ عَقِيدَةً عَامَّةً وَرُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الْإِيمَانِ لَبَيَّنَ
[ ص: 138 ] ذَلِكَ فِي آيَةٍ صَرِيحَةٍ لَا تَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ ، نَاطِقَةٌ بِأَنَّهُ يُرَى بِالْأَبْصَارِ عِيَانًا بِلَا كَيْفٍ وَلَا إِحَاطَةٍ وَلَا تَمْثِيلٍ ، وَلَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ عَرَّفَ الْإِيمَانَ فِي حَدِيثِ
جِبْرِيلَ بَعْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920000 " أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ " : وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28725الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ بِأَبْصَارِهِمْ عِيَانًا بِلَا كَيْفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ ، وَلَأَمَرَ بِتَلْقِينِ هَذَا لِكُلِّ مَنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ ، وَلَتَوَاتَرَ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ الْجَرْيُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ ، وَإِذًا لَمَا وَقَعَ فِيهِ خِلَافٌ ، وَلَمَا اسْتَنْكَرَتْ
عَائِشَةُ سُؤَالَ
مَسْرُوقٍ إِيَّاهَا عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28725_30639رُؤْيَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَبِّهِ حَتَّى قَفَّ شَعْرُهَا مِنِ اسْتِعْظَامِ ذَلِكَ ، وَلَوْ كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّ الرُّؤْيَةَ تَكُونُ فِي الْآخِرَةِ لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ لَمَا اسْتَنْكَرَتْ وَاسْتَكْبَرَتْ حُصُولَهَا لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الدُّنْيَا امْتِيَازًا لَهُ ؛ لِأَنَّ رُوحَهُ فِيهَا أَقْوَى مِنْ أَرْوَاحِ سَائِرِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ فَيَطِيقُ مَا لَا يُطِيقُهُ غَيْرُهُ حَتَّى
مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَقَاسَتْ هَذَا الِامْتِيَازَ عَلَى النَّاسِ بِامْتِيَازِهِ - عَلَيْهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ - عَلَيْهِمْ بِالْوَحْيِ وَرُؤْيَةِ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ عَالَمِ الْغَيْبِ ؛ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ فِي ذَلِكَ الْعَالَمِ لَا فِي عَالَمِ الْأَرْضِ .
فَالْحِكْمَةُ الظَّاهِرَةُ لِعَدَمِ النَّصِّ الْقَطْعِيِّ فِي الْقُرْآنِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا مِمَّا تَتَحَيَّرُ فِيهِ الْعُقُولُ ، وَرُبَّمَا كَانَتْ مِمَّا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ مَا رَوَاهُ
مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ "
مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً " وَعُمُومُ مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ عَنْ
عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003352حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكْذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ؟ " وَرُوِيَا مَرْفُوعَيْنِ وَلَكِنْ بِسَنَدَيْنِ ضَعِيفَيْنِ - وَالْمُرَادُ بِالْمَعْرِفَةِ فِي الثَّانِي مَا يُقَابِلُ الْمُنْكَرُ ، وَمَا لَا يَعْقِدُ لَا مَا يُقَابِلُ الْجَهْلَ ؛ إِذْ يَكُونُ مِنْ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ ، وَقَدْ زَادَ فِيهِ
nindex.php?page=showalam&ids=11790آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ " وَدَعُوا مَا يُنْكِرُونَ " ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِأَثَرِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ آنِفًا ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=26460_32022_34056الْمُتَشَابِهَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ عِنْدَ الْعَامَّةِ ، وَفَسَّرَ مَا لَا يُنْكِرُونَ بِمَا لَا يَشْتِبِهُ عَلَيْهِمْ فَهْمُهُ ، وَلَا يَسْلَمُ قَوْلُهُ هَذَا عَلَى إِطْلَاقِهِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ اسْتِثْنَاءُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْهُ ، إِذْ لَا يَجُوزُ كِتْمَانُهُ عَنْ أَحَدٍ ؛ عَلَى أَنَّهُ كُلُّهُ مِنْ قَبِيلِ آيَاتِ الرُّؤْيَةِ ، لَيْسَ فِيهَا مَثَارٌ لِلْفِتْنَةِ ، مَعَ
nindex.php?page=treesubj&link=26460_29442_28716_28725عَقِيدَةِ التَّنْزِيهِ وَنَفْيِ الْمُمَاثَلَةِ ، وَقَاعِدَةِ التَّفْوِيضِ الَّتِي جَرَى عَلَيْهَا السَّلَفُ ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَحُولُ دُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=26460اتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهِ إِلَّا لِمَنْ فِي قَلْبِهِ زَيْغٌ ، كَمَا نَصَّ فِي آيَةِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ . وَهَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَنَا إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=12251الْإِمَامَ أَحْمَدَ لَمْ يُكَفِّرْ
nindex.php?page=treesubj&link=28725مُنْكِرِي الرُّؤْيَةِ إِلَّا لِأَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الْحَامِلَ لَهُمْ عَلَى الْإِنْكَارِ هُوَ الزَّيْغُ وَالزَّنْدَقَةُ .
ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ : وَمِمَّنْ كَرِهَ التَّحْدِيثَ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ
أَحْمَدُ فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي ظَاهِرُهَا الْخُرُوجُ عَلَى السُّلْطَانِ ،
وَمَالِكٌ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ ،
وَأَبُو يُوسُفَ فِي الْغَرَائِبِ ، وَمِنْ قَبْلِهِمْ
[ ص: 139 ] nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الْجِرَابَيْنِ ، وَأَنَّ الْمُرَادَ ( أَيْ : بِالثَّانِي ) مَا يَقَعُ مِنَ الْفِتَنِ وَنَحْوُهُ عَنْ
حُذَيْفَةَ وَعَنِ
الْحَسَنِ أَنَّهُ أَنْكَرَ تَحْدِيثَ
أَنَسٍ لِلْحَجَّاجِ بِقِصَّةٍ الْعُرَنِيِّينَ ؛ لِأَنَّهُ اتَّخَذَهَا وَسِيلَةً إِلَى مَا كَانَ يَعْتَمِدُهُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي سَفْكِ الدِّمَاءِ بِتَأْوِيلِهِ الْوَاهِي ، وَضَابِطُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يُقَوِّي الْبِدْعَةَ ، وَظَاهِرُهُ فِي الْأَصْلِ غَيْرُ مُرَادٍ . فَالْإِمْسَاكُ عَنْهُ عِنْدَ مَنْ يُخْشَى عَلَيْهِ الْأَخْذُ بِظَاهِرِهِ مَطْلُوبٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .
( أَقُولُ ) : هَذِهِ مَسْأَلَةٌ كَبِيرَةٌ مِنْ مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ تَدْخُلُ فِي بَابِ
nindex.php?page=treesubj&link=22403التَّعَارُضِ وَالتَّرْجِيحِ مِنَ الْأُصُولِ ، أَعْنِي التَّعَارُضَ بَيْنَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ بَيَانِ الْعِلْمِ ، وَإِظْهَارِ الشَّرْعِ وَمَا حَرَّمَ مِنَ الْكِتْمَانِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=187لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ( 3 : 187 ) وَبَيَّنَ مَا حَرَّمَ مِنَ الظُّلْمِ وَالْفَسَادِ وَالْفِتْنَةِ ، وَمَا وَجَبَ مِنْ سَدِّ ذَرَائِعِهَا مِمَّا هُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، وَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ تَحْقِيقًا لِهَذَا الْبَحْثِ وَلَيْسَ هَذَا مَحَلَّهُ .