( تتمة السياق في الرؤية والكلام )
أخبرنا الله - تعالى - في الآيات السابقة بأنه منع
موسى رؤيته - يعني في الدنيا - وبشره بأنه اصطفاه على أهل زمانه برسالته وبكلامه ، ثم أخبرنا فيها بما آتاه يومئذ بالإجمال فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=145وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء أي : أننا أعطيناه ألواحا كتبنا له فيها من كل نوع من أنواع الهداية موعظة من شأنها أن تؤثر في القلوب ترغيبا ، وترهيبا وتفصيلا لكل نوع من أصول التشريع ، وهي أصول العقائد والآداب ، وأحكام الحلال والحرام وتفصيلها ، ذكرها معدودة مفصولا بعضها من بعض ، وإسناد الكتابة إليه تعالى إما على
[ ص: 164 ] معنى أن ذلك كان بقدرته تعالى وصنعه لا كسب لأحد فيه ، وإما على معنى أنها كتبت بأمره ووحيه ، سواء كان الكاتب لها
موسى أو الملك ( - عليهما السلام - ) قال بعض المفسرين : إن
nindex.php?page=treesubj&link=31749_28782الألواح كانت مشتملة على التوراة ، وقال بعضهم بل كانت قبل التوراة ، والراجح أنها كانت أول ما أوتيه من وحي التشريع فكانت أصل التوراة الإجمالي ، وكانت سائر الأحكام التفصيلية من العبادات والمعاملات الحربية والمدنية والعقوبات تنزل عليه ، ويخاطبه الرب تعالى بها في أوقات الحاجة إليها كالقرآن ، واختلفوا في عدد الألواح فقيل كانت عشرة ، وقيل : سبعة ، وقيل : اثنين ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : يجوز أن يقال في اللغة للوحين ألواح ، وهذا كل ما يصح أن يذكر من خلافهم فيها ، وأما تلك الروايات الكثيرة في جوهرها مقدارها وطولها وعرضها وكتابتها وما كتب فيها ؛ كلها من الإسرائيليات الباطلة ، التي بثها في المسلمين أمثال
nindex.php?page=showalam&ids=16850كعب الأحبار nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه فاغتر بها بعض الصحابة والتابعين إن صحت الروايات عنهم ، وقد لخص
السيوطي منها في الدر المنثور ثلاث ورقات - أي : ست صفحات - واسعات من القطع الكبير ، وليس منها شيء يصح أن يسمى درة ، وإن كان منها أن الألواح من الياقوت أو من الزمرد أو من الزبرجد ، كما أن منها أنها من الحجر ومن الخشب ، وقد تبع في هذا عمدته في التفسير
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير رحمهما الله - تعالى - ، ولكن ذكر بعضها
الألوسي من المتأخرين تبعا لغيره كرواية
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني والبيهقي في الدلائل ، عن
محمد بن يزيد الثقفي ، قال : اصطحب
قيس بن خرشة nindex.php?page=showalam&ids=16850وكعب الأحبار حتى إذا بلغا
صفين وقف
كعب ثم نظر ساعة ثم قال : ليهراقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لا يهراق ببقعة من الأرض مثله ، فقال
قيس ما يدريك ؟ فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله به ، فقال
كعب : ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة التي أنزل الله على
موسى ، ما يكون عليه ، وما يخرج منه إلى يوم القيامة ، واستدل به
الألوسي على أن قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=145من كل شيء على أوسع ما يحمله اللفظ من العموم ، وأنا أظن أن هذا القول موضوع على
كعب ، وإن كنت أخالف الجمهور في مسألة تعديله ، وتأول
الألوسي له هذا القول الظاهر بطلانه بالبداهية بقوله : ولعل ذلك من باب الرمز كما ندعيه في القرآن ا هـ .
وما ذكرت هذا إلا للتعجيب من فتنة هذه الروايات الباطلة إلى أي حد وأي زمن وصل تأثيرها السيء ، حتى إن هذا النقادة قد اغتر بمثل هذا منها ، وتأويله بما هو باطل مثله ، فإنه لم يصح عن أحد من أئمة المسلمين الذين يعتد بعلمهم بكتاب الله - تعالى - أنه ليس في العالم أو في الأرض شبر إلا وقد كتب فيه ( أي : القرآن ) ما يقع فيه وما يخرج منه ، وإنما قال مثل هذا بعض المجازفين والخياليين من الصوفية على أنه من الكشف الذي يدعونه ، راجع تفسير
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38ما فرطنا في الكتاب من شيء ( 9 : 38 ) في 329 وما بعدها ج 7 ط الهيئة .
هذا ، وأما ما ورد في التوراة الحاضرة في شأن الألواح فمنه ما جاء في سفر الخروج من
[ ص: 165 ] ( 23 : 12 وقال الرب
لموسى اصعد إلى الجبل ، وكن هناك فأعطيك لوحي الحجارة والشريعة والوصية التي كتبتها لتعلمهم الكلمات العشر ) وجاء في وصف اللوحين منه ( 32 : 15 ثم انثنى
موسى ونزل من الجبل ولوحا الشهادة في يده : لوحان مكتوبان على جانبيهما ، من هنا ومن هناك كانا مكتوبين واللوحان هما صنعة الله ، والكتابة هي كتابة الله منقوشة على اللوحين ) وفيه أن
موسى رمى باللوحين من يديه عندما رأى العجل الذي عبده قومه في أيام مناجاته لله تعالى ، وفي أول الفصل ( 34 : 1 ثم قال الرب
لموسى أنحت لك لوحي حجر كالأولين فاكتب عليها الكلام الذي كان على الحجرين الأولين اللذين كسرتهما - فنحت لوحي حجر كالأولين ، وبكر
موسى في الغداة ، وصعد إلى جبل
سيناء كما أمره الرب ، وأخذ في يده لوحي الحجر ) ويليه أن الرب هبط في الغمام ، ووقف عنده هناك ومر قدامه ووعده ووصاه وأمره بأوامر ونهاه عن أمور ويلي ذلك ( وقال الرب
لموسى أكتب لك هذا الكلام لأني بحسبه عقدت عهدا معك ومع
بني إسرائيل ، وأقام هناك عند الرب أربعين يوما وأربعين ليلة لم يأكل خبزا ، ولم يشرب ماء فكتب على اللوحين كلام العهد الكلمات العشر ) - وهاهنا يحتمل أن يرجع ضمير - " فكتب " إلى الرب - تعالى - ، وأن يرجع إلى
موسى ، ولو لم يرد ما تقدم عن ( 32 : 16 ) لكان هذا متعينا بقرينة قول الرب له قبله : أكتب لك هذا الكلام ، وله نظائر ، وأما الوصايا العشر فقد نقلنا نصها في تفسير
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=154ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن ( 6 : 154 ) من سورة الأنعام عقب وصايا القرآن التي هي أجمع وأكمل منها .
ومن هذا الذي نقلناه هنا يعلم ما في تلك الإسرائيليات التي أوردها
السيوطي في التفسير المأثور من المخالفة للتوراة ، إذ من المعلوم أن ما كان من
nindex.php?page=treesubj&link=32422التحريف اللفظي في التوراة من نقص وزيادة وغلط قد كان قبل الإسلام ، ولم يكن بعده إلا التحريف المعنوي - فما في تلك الروايات من تعيين جوهر الألواح ومساحتها وكتابتها ، وما كتب فيها من وصف أمة
محمد - صلى الله عليه وسلم - وغيره مما يخالف هذه التوراة فهو باطل ، أراد به واضعوه أن يذكر المسلمون في تفسير القرآن وغيره من كتبهم ما يصد
اليهود وغيرهم عن الإسلام ، بأن دعوته مبنية على الكذب والبهتان ، ولم يدر أولئك الذين كانوا يكتبون كل ما يسمعون شيئا من هذا الكيد والمكر اليهودي ، ونحمد الله أنه لم يرج منه على جهابذة نقد الحديث إلا القليل .
( تَتِمَّةُ السِّيَاقِ فِي الرُّؤْيَةِ وَالْكَلَامِ )
أَخْبَرَنَا اللَّهُ - تَعَالَى - فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ بِأَنَّهُ مَنَعَ
مُوسَى رُؤْيَتَهُ - يَعْنِي فِي الدُّنْيَا - وَبَشَّرَهُ بِأَنَّهُ اصْطَفَاهُ عَلَى أَهْلِ زَمَانِهِ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ ، ثُمَّ أَخْبَرَنَا فِيهَا بِمَا آتَاهُ يَوْمَئِذٍ بِالْإِجْمَالِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=145وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ أَيْ : أَنَّنَا أَعْطَيْنَاهُ أَلْوَاحًا كَتَبْنَا لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْهِدَايَةِ مَوْعِظَةً مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُؤَثِّرَ فِي الْقُلُوبِ تَرْغِيبًا ، وَتَرْهِيبًا وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ أُصُولِ التَّشْرِيعِ ، وَهِيَ أُصُولُ الْعَقَائِدِ وَالْآدَابِ ، وَأَحْكَامُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَتَفْصِيلُهَا ، ذَكَرَهَا مَعْدُودَةً مَفْصُولًا بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ، وَإِسْنَادُ الْكِتَابَةِ إِلَيْهِ تَعَالَى إِمَّا عَلَى
[ ص: 164 ] مَعْنَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِقُدْرَتِهِ تَعَالَى وَصُنْعِهِ لَا كَسْبَ لِأَحَدٍ فِيهِ ، وَإِمَّا عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا كُتِبَتْ بِأَمْرِهِ وَوَحْيِهِ ، سَوَاءً كَانَ الْكَاتِبُ لَهَا
مُوسَى أَوِ الْمَلَكُ ( - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - ) قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31749_28782الْأَلْوَاحَ كَانَتْ مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّوْرَاةِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ كَانَتْ قَبْلَ التَّوْرَاةِ ، وَالرَّاجِحُ أَنَّهَا كَانَتْ أَوَّلَ مَا أُوتِيَهُ مِنْ وَحْيِ التَّشْرِيعِ فَكَانَتْ أَصْلَ التَّوْرَاةِ الْإِجْمَالِيَّ ، وَكَانَتْ سَائِرُ الْأَحْكَامِ التَّفْصِيلِيَّةِ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ الْحَرْبِيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ وَالْعُقُوبَاتِ تَنْزِلُ عَلَيْهِ ، وَيُخَاطِبُهُ الرَّبُّ تَعَالَى بِهَا فِي أَوْقَاتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا كَالْقُرْآنِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الْأَلْوَاحِ فَقِيلَ كَانَتْ عَشْرَةً ، وَقِيلَ : سَبْعَةً ، وَقِيلَ : اثْنَيْنِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي اللُّغَةِ لِلَّوْحَيْنِ أَلْوَاحٌ ، وَهَذَا كُلُّ مَا يَصِحُّ أَنْ يُذْكَرَ مِنْ خِلَافِهِمْ فِيهَا ، وَأَمَّا تِلْكَ الرِّوَايَاتُ الْكَثِيرَةُ فِي جَوْهَرِهَا مِقْدَارُهَا وَطُولُهَا وَعَرْضُهَا وَكِتَابَتُهَا وَمَا كُتِبَ فِيهَا ؛ كُلُّهَا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الْبَاطِلَةِ ، الَّتِي بَثَّهَا فِي الْمُسْلِمِينَ أَمْثَالُ
nindex.php?page=showalam&ids=16850كَعْبِ الْأَحْبَارِ nindex.php?page=showalam&ids=17285وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فَاغْتَرَّ بِهَا بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَاتُ عَنْهُمْ ، وَقَدْ لَخَّصَ
السُّيُوطِيُّ مِنْهَا فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ ثَلَاثَ وَرَقَاتٍ - أَيْ : سِتَّ صَفَحَاتٍ - وَاسِعَاتٍ مِنَ الْقِطَعِ الْكَبِيرِ ، وَلَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَصِحُّ أَنْ يُسَمَّى دُرَّةً ، وَإِنْ كَانَ مِنْهَا أَنَّ الْأَلْوَاحَ مِنَ الْيَاقُوتِ أَوْ مِنَ الزُّمُرُّدِ أَوْ مِنَ الزَّبَرْجَدِ ، كَمَا أَنَّ مِنْهَا أَنَّهَا مِنَ الْحَجَرِ وَمِنَ الْخَشَبِ ، وَقَدْ تَبِعَ فِي هَذَا عُمْدَتَهُ فِي التَّفْسِيرِ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنَ جَرِيرٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ - تَعَالَى - ، وَلَكِنْ ذَكَرَ بَعْضَهَا
الْأَلُوسِيُّ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ كَرِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الدَّلَائِلِ ، عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ الثَّقَفِيِّ ، قَالَ : اصْطَحَبَ
قَيْسُ بْنُ خَرَشَةَ nindex.php?page=showalam&ids=16850وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ حَتَّى إِذَا بَلَغَا
صِفِّينَ وَقَفَ
كَعْبٌ ثُمَّ نَظَرَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ : لَيُهْرَاقَنَّ بِهَذِهِ الْبُقْعَةِ مِنْ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ لَا يُهْرَاقُ بِبُقْعَةٍ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلُهُ ، فَقَالَ
قَيْسٌ مَا يُدْرِيكَ ؟ فَإِنَّ هَذَا مِنَ الْغَيْبِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ ، فَقَالَ
كَعْبٌ : مَا مِنَ الْأَرْضِ شِبْرٌ إِلَّا مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى
مُوسَى ، مَا يَكُونُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ
الْأَلُوسِيُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=145مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى أَوْسَعِ مَا يَحْمِلُهُ اللَّفْظُ مِنَ الْعُمُومِ ، وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَوْضُوعٌ عَلَى
كَعْبٍ ، وَإِنْ كُنْتُ أُخَالِفُ الْجُمْهُورَ فِي مَسْأَلَةِ تَعْدِيلِهِ ، وَتَأَوَّلَ
الْأَلُوسِيُّ لَهُ هَذَا الْقَوْلَ الظَّاهِرَ بُطْلَانُهُ بِالْبَدَاهِيَّةِ بِقَوْلِهِ : وَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الرَّمْزِ كَمَا نَدَّعِيهِ فِي الْقُرْآنِ ا هـ .
وَمَا ذَكَرْتُ هَذَا إِلَّا لِلتَّعْجِيبِ مِنْ فِتْنَةِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْبَاطِلَةِ إِلَى أَيِّ حَدٍ وَأَيِّ زَمَنٍ وَصَلَ تَأْثِيرُهَا السَّيْءِ ، حَتَّى إِنَّ هَذَا النَّقَّادَةَ قَدِ اغْتَرَّ بِمِثْلِ هَذَا مِنْهَا ، وَتَأْوِيلُهُ بِمَا هُوَ بَاطِلٌ مِثْلُهُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَعْتَدُّ بِعِلْمِهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ أَوْ فِي الْأَرْضِ شِبْرٌ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ فِيهِ ( أَيِ : الْقُرْآنِ ) مَا يَقَعُ فِيهِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ ، وَإِنَّمَا قَالَ مِثْلَ هَذَا بَعْضُ الْمُجَازِفِينَ وَالْخَيَالِيِّينَ مِنَ الصُّوفِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْكَشْفِ الَّذِي يَدَّعُونَهُ ، رَاجِعْ تَفْسِيرَ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ( 9 : 38 ) فِي 329 وَمَا بَعْدَهَا ج 7 ط الْهَيْئَةِ .
هَذَا ، وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ الْحَاضِرَةِ فِي شَأْنِ الْأَلْوَاحِ فَمِنْهُ مَا جَاءَ فِي سِفْرِ الْخُرُوجِ مِنْ
[ ص: 165 ] ( 23 : 12 وَقَالَ الرَّبُّ
لِمُوسَى اصْعَدْ إِلَى الْجَبَلِ ، وَكُنْ هُنَاكَ فَأُعْطِيَكَ لَوْحَيِ الْحِجَارَةِ وَالشَّرِيعَةِ وَالْوَصِيَّةِ الَّتِي كَتَبْتُهَا لِتُعَلِّمَهُمُ الْكَلِمَاتِ الْعَشْرَ ) وَجَاءَ فِي وَصْفِ اللَّوْحَيْنِ مِنْهُ ( 32 : 15 ثُمَّ انْثَنَى
مُوسَى وَنَزَلَ مِنَ الْجَبَلِ وَلَوْحَا الشَّهَادَةِ فِي يَدِهِ : لَوْحَانِ مَكْتُوبَانِ عَلَى جَانِبَيْهِمَا ، مِنْ هُنَا وَمِنْ هُنَاكَ كَانَا مَكْتُوبَيْنِ وَاللَّوْحَانِ هُمَا صَنْعَةُ اللَّهِ ، وَالْكِتَابَةُ هِيَ كِتَابَةُ اللَّهِ مَنْقُوشَةٌ عَلَى اللَّوْحَيْنِ ) وَفِيهِ أَنَّ
مُوسَى رَمَى بِاللَّوْحَيْنِ مِنْ يَدَيْهِ عِنْدَمَا رَأَى الْعِجْلَ الَّذِي عَبَدَهُ قَوْمُهُ فِي أَيَّامِ مُنَاجَاتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَفِي أَوَّلِ الْفَصْلِ ( 34 : 1 ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ
لِمُوسَى أَنْحِتُ لَكَ لَوْحَيْ حَجَرٍ كَالْأَوَّلَيْنِ فَاكْتُبُ عَلَيْهَا الْكَلَامَ الَّذِي كَانَ عَلَى الْحَجَرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ اللَّذَيْنِ كَسَرْتَهُمَا - فَنَحَتَ لَوْحَيْ حَجَرٍ كَالْأَوَّلَيْنِ ، وَبَكَّرَ
مُوسَى فِي الْغَدَاةِ ، وَصَعِدَ إِلَى جَبَلِ
سَيْنَاءَ كَمَا أَمَرَهُ الرَّبُّ ، وَأَخَذَ فِي يَدِهِ لَوْحَيِ الْحَجَرِ ) وَيَلِيهِ أَنَّ الرَّبَّ هَبَطَ فِي الْغَمَامِ ، وَوَقَفَ عِنْدَهُ هُنَاكَ وَمَرَّ قُدَّامَهُ وَوَعَدَهُ وَوَصَّاهُ وَأَمَرَهُ بِأَوَامِرَ وَنَهَاهُ عَنْ أُمُورٍ وَيَلِي ذَلِكَ ( وَقَالَ الرَّبُّ
لِمُوسَى أَكْتُبُ لَكَ هَذَا الْكَلَامَ لِأَنِّي بِحَسَبِهِ عَقَدْتُ عَهْدًا مَعَكَ وَمَعَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَأَقَامَ هُنَاكَ عِنْدَ الرَّبِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً لَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا ، وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءً فَكَتَبَ عَلَى اللَّوْحَيْنِ كَلَامَ الْعَهْدِ الْكَلِمَاتِ الْعَشْرَ ) - وَهَاهُنَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ ضَمِيرُ - " فَكَتَبَ " إِلَى الرَّبِّ - تَعَالَى - ، وَأَنْ يَرْجِعَ إِلَى
مُوسَى ، وَلَوْ لَمْ يَرِدْ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ( 32 : 16 ) لَكَانَ هَذَا مُتَعَيَّنًا بِقَرِينَةِ قَوْلِ الرَّبِّ لَهُ قَبْلَهُ : أَكْتُبُ لَكَ هَذَا الْكَلَامَ ، وَلَهُ نَظَائِرُ ، وَأَمَّا الْوَصَايَا الْعَشْرُ فَقَدْ نَقَلْنَا نَصَّهَا فِي تَفْسِيرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=154ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ ( 6 : 154 ) مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ عَقِبَ وَصَايَا الْقُرْآنِ الَّتِي هِيَ أَجْمَعُ وَأَكْمَلُ مِنْهَا .
وَمِنْ هَذَا الَّذِي نَقَلْنَاهُ هُنَا يُعْلَمُ مَا فِي تِلْكَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الَّتِي أَوْرَدَهَا
السُّيُوطِيُّ فِي التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِلتَّوْرَاةِ ، إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَا كَانَ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=32422التَّحْرِيفِ اللَّفْظِيِّ فِي التَّوْرَاةِ مِنْ نَقْصٍ وَزِيَادَةٍ وَغَلَطٍ قَدْ كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، وَلَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ إِلَّا التَّحْرِيفَ الْمَعْنَوِيِّ - فَمَا فِي تِلْكَ الرِّوَايَاتِ مِنْ تَعْيِينِ جَوْهَرِ الْأَلْوَاحِ وَمِسَاحَتِهَا وَكِتَابَتِهَا ، وَمَا كُتِبَ فِيهَا مِنْ وَصْفِ أُمَّةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِ مِمَّا يُخَالِفُ هَذِهِ التَّوْرَاةَ فَهُوَ بَاطِلٌ ، أَرَادَ بِهِ وَاضِعُوهُ أَنْ يَذْكُرَ الْمُسْلِمُونَ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِهِمْ مَا يَصُدُّ
الْيَهُودَ وَغَيْرَهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ ، بِأَنَّ دَعْوَتَهُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ ، وَلَمْ يَدْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَانُوا يَكْتُبُونَ كُلَّ مَا يَسْمَعُونَ شَيْئًا مِنْ هَذَا الْكَيْدِ وَالْمَكْرِ الْيَهُودِيِّ ، وَنَحْمَدُ اللَّهَ أَنَّهُ لَمْ يَرُجْ مِنْهُ عَلَى جَهَابِذَةِ نَقْدِ الْحَدِيثِ إِلَّا الْقَلِيلَ .