[ ص: 169 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146nindex.php?page=treesubj&link=28978_18682سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=147والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون انتهى بالآية قبل هاتين الآيتين فصل من فصول قصة
موسى - عليه السلام - ، وهاتان الآيتان استئناف مرتب على جملة ما تقدمه منها ، بين الله فيه بخاتم رسله في الأولى منهما سننه في
nindex.php?page=treesubj&link=32408_32424ضلال البشر بعد مجيء البينات في كل زمان ، ويدخل فيه قوم
فرعون من الغابرين دخولا أوليا ، وينطبق على رؤساء كفار
قريش المعاندين له - صلى الله عليه وسلم - من الحاضرين ، وبين في الثانية جزاءهم على تكذيبهم وكفرهم ، قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق هذا بيان لسنته تعالى في
nindex.php?page=treesubj&link=32408تكذيب البشر لدعاة الحق والخير من الرسل وورثتهم ، وسببه الأول الكبر ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=18682من شأن الكبر أن يصرف أهله عن النظر والاستدلال على الحق والهدى لأجل اتباعه ، فهم يكونون دائما من المكذبين بالآيات الدالة عليه الغافلين عنها ، وتلك حال الملوك والرؤساء والزعماء الضالين
كفرعون وملئه ، وإنما ذكرت هذه السنة عامة من أخلاق البشر بصيغة المستقبل ؛ لإعلام النبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الطاغين المستكبرين من مشيخة قومه لن ينظروا في آيات القرآن الدالة على صدقه - صلى الله عليه وسلم - في دعوى الرسالة من وجوه كثيرة بيناها مرارا ، والدالة على وحدانية الله - تعالى - بما أقامته عليها البراهين الكثيرة ، ولا في غيرها مما أيده ويؤيده به من آياته الكونية ، لتكبرهم في الأرض بالباطل ، فوجهة نظرهم تنحصر في تفضيل أنفسهم عليه - صلى الله عليه وسلم - بأنهم سادة
قريش وكبراؤها وأغنياؤها وأقوياؤها ، فلا يليق بهم أن يتبعوا من هو دونهم سنا وقوة وثروة وعصبية ، والمعنى : سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق من قومك أيها الرسول ، ومن غيرهم في كل زمان ومكان ، كما صرفت
فرعون وملأه عن آياتي التي آتيتها رسولي
[ ص: 170 ] موسى - والتكبر صيغة تكلف أو تكثر من الكبر الذي هو غمط الحق بعدم الخضوع له واحتقار الناس ، فهو شأن من يرى أنه أكبر من أن يخضع لحق ، أو يساوي نفسه بشخص ، والأصل الغالب في التكبر أن يكون بغير الحق ، وقد يتصور أن يتكلف الإنسان إعلاء نفسه على غيره أو إكثاره من الاستعلاء عليه بحق كالترفع عن المبطلين ، وإهانة الجبارين ، واحتقار المحاربين ، فقوله - تعالى - : بغير الحق يكون على هذا صلة للتكبر ، وهو قيد له ، وإلا كان بيانا للواقع ، أو المعنى : أنه يتكبرون حالة كونهم متلبسين بغير الحق أي منغمسين في الباطل ، فأمثال هؤلاء لا قيمة للحق في نفسه عندهم ، فهم لا يطلبونه ولا يبحثون عنه ، وقد تظهر لهم آياته ويجحدونها وهم بها موقنون ، كما قال - تعالى - في
آل فرعون :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا ( 27 : 14 ) وقال في طغاة
قريش :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ( 6 : 33 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها هذا إما عطف على الجملة ( سأصرف ) أي : سأصرفهم عن آياتي المنزلة والكونية فينصرفون ، وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها - وإما عطف على ( يتكبرون ) فيكون هو وما بعده بيانا لصفات المتكبرين وأحوالهم ، وأولها : أنهم إن يروا كل آية من الآيات التي تدل على الحق وتثبت وجوده لا يؤمنون بها ، فإن كثرة الآيات بتعدد أنواعها وأفرادها إنما تفيد من كان طالبا للحق ، ولكنه جاهل أو شاك أو سيء الفهم ، فإذا خفيت عليه دلالة بعضها فقد تظهر له دلالة غيره ، وفي هذا إعلام للنبي - صلى الله عليه وسلم - بأن الذين يقترحون عليه الآيات من قومه إنما يقصدون التعجيز ، لا استبانة الحق بالدليل ، فهم إن أجيبوا إلى طلبهم لا يؤمنون ، ولهذا نظائر تقدم بعضها في سورة الأنعام مفصلا تفصيلا .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146وإن يروا سيبل الرشد لا يتخذوه سبيلا الرشد : الصلاح والاستقامة ، وضده الغي ؛ وهو الفساد ، وفيه ثلاثة لغات : ضم أوله وسكون ثانيه ، وبه قرأ الجمهور هنا - وفتحهما ؛ وبها قرأ
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي -
والرشاد ، وقد وردت في سورة المؤمن - غافر - حكاية عن
فرعون nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ( 40 : 29 ) ومثلها السقم والسقم والسقام - المعنى : أن من صفة هؤلاء الذين مرنوا على الضلال واستمرءوا مرعى الغي والفساد ، أن ينفروا من الهدى والرشاد ، فإن رأى أحدهم سبيله واضحة جلية لا يختار لنفسه ، جعلها سبيلا له بإيثارها وتفضيلها على ما هو عليه ، وكل أحد يصل إلى هذه الدرجة من الغي ؛ لأن من الناس من يسلك الغي على جهل ، فإذا علم بما تنتهي به إليه من الفساد ورأى لنفسه مخرجا منها ، تركها واختار سبيل الرشد عليها .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا وهذه الحالة شر مما قبلها فإن هذه إيجابية وتلك
[ ص: 171 ] سلبية ، وبينهما حال أخرى وهي حال من ليس فيه من نور البصيرة وزكاء النفس ما يحمله على سلوك الرشد إذا رآه لضعف همته ، ولكنه يكره الغي والفساد وإذا لم يصل من اعتلال الفطرة وظلمة البصيرة إلى تفضيله على الرشد ، وإيثار سبيله واختيارها لنفسه إذا رآها ، بحيث لا يصرفه عن الفساد إلا جهل سبيله أو العجز عن سلوكها .
فمن اجتمعت له هذه الأحوال أو الصفات ، فهو الذي أضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه ، وجعل على بصره غشاوة ، فلم تبق له سبيل من أسباب الحق والرشد يسلكها ، وقد علل ذلك سبحانه تعالى بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146nindex.php?page=treesubj&link=28978_30539ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين يعني أن الله - تعالى - لم يخلقهم مطبوعين على شيء مما ذكر طبعا ، ولم يجبرهم ويكرههم عليه إكراها ، بل كان ذلك بكسبهم واختيارهم للتكذيب بآياته الدالة على الحق ، والصدود عن سبيله الموصلة إلى الرشد ، وكانوا غافلين عنها دون أهوائهم لا يعطونها حقها من النظر والتأمل والتفكير والتدبر ، لاشتغالهم عن ذلك بأهوائهم وعصبتهم لأنفسهم ولآبائهم ، وبذلك قطعوا على أنفسهم طريق الهدى ، فالغفلة هنا : هي الغفلة المطبوعة المانعة من أسباب العلم والفطنة ، لا أي نوع من أنواع الغفلة ، بل هي المبينة في قوله - تعالى - من أواخر هذه السورة :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=179ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون
الضالون من هؤلاء الغافلين عن آيات الله - تعالى - ، وما تهدي إليه من معرفته والاستعداد للحياة الأخرى الباقية هم الذين يقول الله - تعالى - في وصفهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3أولئك في ضلال بعيد ( 14 : 3 ) ويقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=167قد ضلوا ضلالا بعيدا ( 4 : 167 ) إذ كان لهم من الانهماك فيما هم فيه والغرور به ، واحتقارهم ما سواه ما يصدهم عن توجيه عقولهم إلى غيره ، ومنهم متفرنجة المسلمين الجغرافيين في هذا العصر ، يحتقرون هداية الدين الروحية ، ولها من التأثير العظيم في تهذيب النفس ، وحملها على الخير ، وصدها عن الشرور من الفواحش والمنكرات ، وإنما غرهم وأضلهم أنهم في عصر وصل فيه الغربيون إلى غاية بعيدة من الفنون والصناعات ، كأنهم يرون أن من عاش في هذا العصر يجب أن يكون مثلهم عبدا لشهواته ، ومقتضى ذلك أنه كان الأفضل
لبني إسرائيل ألا يتبعوا
موسى - عليه السلام - ؛ لأنه لم يكن عنده من زينة الدنيا وقوتها وصناعاتها وفنونها ما كان عند
فرعون وقومه
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فاعتبروا يا أولي الأبصار ( 59 : 2 ) .
ثم قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=147والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون ؟ الآيات ، في الآية التي قبل هذه بمعنى الدلائل والبينات من براهين عقلية
[ ص: 172 ] نظرية كانت أو علمية أو كونية ، كآياته تعالى في الأنفس والآفاق ، ومنها معجزات الأنبياء عليهم السلام وأظهرها وأقواها ؛ القرآن العظيم ، من حيث هو دال على صدق النبي الأمي في دعوى الرسالة من وجوه كثيرة تقدم بيانها ، وأما الآيات المذكورة في هذه الآية فالظاهر المتبادر أنها الآيات المنزلة من حيث اشتمالها على الهداية والإصلاح بتزكية الأنفس من خرافات الشرك وفساد الأخلاق ومنكرات الأعمال ، واللقاء مصدر لقي الشيء أو الشخص ، ولاقاه كالملاقاة إذا صادفه أو قابله أو انتهى إليه ، يقال : لقي زيدا ولاقاه ولقي خيرا أو شرا
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=62لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ( 18 : 62 ) ومن يلق خيرا يحمد الناس أمره ، ولقي جزاءه ، قال
الراغب : وملاقاة الله - عز وجل - عبارة عن القيامة وعن المصير إليه قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223واعلموا أنكم ملاقوه ( 2 : 223 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله ( 2 : 249 ) .
والمعنى : والذين كذبوا بآياتنا المنزلة بالحق والهدى على رسلنا فلم يؤمنوا لهم ولا اهتدوا بها ، وكذبوا بلقاء الآخرة ، وما يكون فيها من الجزاء على الأعمال - على الخير بالثواب ، وعلى الشر بالعقاب - فاتبعوا أهواءهم ، لا يجزون هنالك إلا ما كان من تأثير أعمالهم النفسية والبدنية معا أو النفسية فقط ( كترك الواجبات ) في أرواحهم وأنفسهم من حق وخير زكاها وأصلحها ، أو من باطل وشر دساها وأفسدها - إن
nindex.php?page=treesubj&link=30364الله لا يظلم الناس في الجزاء مثقال ذرة ، وإنما مضت سنته بجعل الجزاء في الآخرة أثرا للعمل مرتبا عليه ترتب المسبب على السبب ، كأنه هو نفسه ، وقد شرحنا هذا المعنى مرارا " تراجع كلمة جزاء في فهارس التفسير " .
[ ص: 169 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146nindex.php?page=treesubj&link=28978_18682سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=147وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ انْتَهَى بِالْآيَةِ قَبْلَ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فَصْلٌ مِنْ فُصُولِ قِصَّةِ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَهَاتَانِ الْآيَتَانِ اسْتِئْنَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى جُمْلَةِ مَا تَقَدَّمَهُ مِنْهَا ، بَيَّنَ اللَّهُ فِيهِ بِخَاتَمِ رُسُلِهِ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا سُنَنَهُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=32408_32424ضَلَالِ الْبَشَرِ بَعْدَ مَجِيءِ الْبَيِّنَاتِ فِي كُلِّ زَمَانٍ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ قَوْمُ
فِرْعَوْنَ مِنَ الْغَابِرِينَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا ، وَيَنْطَبِقُ عَلَى رُؤَسَاءِ كُفَّارِ
قُرَيْشٍ الْمُعَانِدِينَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْحَاضِرِينَ ، وَبَيَّنَ فِي الثَّانِيَةِ جَزَاءَهُمْ عَلَى تَكْذِيبِهِمْ وَكُفْرِهِمْ ، قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ هَذَا بَيَانٌ لِسُنَّتِهِ تَعَالَى فِي
nindex.php?page=treesubj&link=32408تَكْذِيبِ الْبَشَرِ لِدُعَاةِ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ مِنَ الرُّسُلِ وَوَرَثَتِهِمْ ، وَسَبَبُهُ الْأَوَّلُ الْكِبْرُ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18682مِنْ شَأْنِ الْكِبْرِ أَنْ يَصْرِفَ أَهْلَهُ عَنِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى الْحَقِّ وَالْهُدَى لِأَجْلِ اتِّبَاعِهِ ، فَهُمْ يَكُونُونَ دَائِمًا مِنَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ الْغَافِلِينَ عَنْهَا ، وَتِلْكَ حَالُ الْمُلُوكِ وَالرُّؤَسَاءِ وَالزُّعَمَاءِ الضَّالِّينَ
كَفِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ، وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ عَامَّةً مِنْ أَخْلَاقِ الْبَشَرِ بِصِيغَةِ الْمُسْتَقْبَلِ ؛ لِإِعْلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الطَّاغِينَ الْمُسْتَكْبِرِينَ مِنْ مَشْيَخَةِ قَوْمِهِ لَنْ يَنْظُرُوا فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي دَعْوَى الرِّسَالَةِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ بَيَّنَّاهَا مِرَارًا ، وَالدَّالَّةُ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِمَا أَقَامَتْهُ عَلَيْهَا الْبَرَاهِينُ الْكَثِيرَةُ ، وَلَا فِي غَيْرِهَا مِمَّا أَيَّدَهُ وَيُؤَيِّدُهُ بِهِ مِنْ آيَاتِهِ الْكَوْنِيَّةِ ، لِتَكَبُّرِهُمْ فِي الْأَرْضِ بِالْبَاطِلِ ، فَوُجْهَةِ نَظَرِهِمْ تَنْحَصِرُ فِي تَفْضِيلِ أَنْفُسِهِمْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُمْ سَادَةُ
قُرَيْشٍ وَكُبَرَاؤُهَا وَأَغْنِيَاؤُهَا وَأَقْوِيَاؤُهَا ، فَلَا يَلِيقُ بِهِمْ أَنْ يَتَّبِعُوا مَنْ هُوَ دُونَهُمْ سِنًّا وَقُوَّةً وَثَرْوَةً وَعَصَبِيَّةً ، وَالْمَعْنَى : سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ مِنْ قَوَّمِكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ ، وَمِنْ غَيْرِهِمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ ، كَمَا صَرَفْتُ
فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ عَنْ آيَاتِي الَّتِي آتَيْتُهَا رَسُولِي
[ ص: 170 ] مُوسَى - وَالتَّكَبُّرُ صِيغَةُ تَكَلُّفٍ أَوْ تَكَثُّرٍ مِنَ الْكِبْرِ الَّذِي هُوَ غَمْطُ الْحَقِّ بِعَدَمِ الْخُضُوعِ لَهُ وَاحْتِقَارُ النَّاسِ ، فَهُوَ شَأْنُ مَنْ يَرَى أَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يَخْضَعَ لِحَقٍّ ، أَوْ يُسَاوِيَ نَفْسَهُ بِشَخْصٍ ، وَالْأَصْلُ الْغَالِبُ فِي التَّكَبُّرِ أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، وَقَدْ يَتَصَوَّرُ أَنْ يَتَكَلَّفَ الْإِنْسَانُ إِعْلَاءَ نَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ أَوْ إِكْثَارَهُ مِنَ الِاسْتِعْلَاءِ عَلَيْهِ بِحَقٍّ كَالتَّرَفُّعِ عَنِ الْمُبْطِلِينَ ، وَإِهَانَةِ الْجَبَّارِينَ ، وَاحْتِقَارِ الْمُحَارِبِينَ ، فَقَوْلُهُ - تَعَالَى - : بِغَيْرِ الْحَقِّ يَكُونُ عَلَى هَذَا صِلَةً لِلتَّكَبُّرِ ، وَهُوَ قَيْدٌ لَهُ ، وَإِلَّا كَانَ بَيَانًا لِلْوَاقِعِ ، أَوِ الْمَعْنَى : أَنَّهُ يَتَكَبَّرُونَ حَالَةَ كَوْنِهِمْ مُتَلَبِّسِينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ أَيْ مُنْغَمِسِينَ فِي الْبَاطِلِ ، فَأَمْثَالُ هَؤُلَاءِ لَا قِيمَةَ لِلْحَقِّ فِي نَفْسِهِ عِنْدَهُمْ ، فَهُمْ لَا يَطْلُبُونَهُ وَلَا يَبْحَثُونَ عَنْهُ ، وَقَدْ تَظْهَرُ لَهُمْ آيَاتُهُ وَيَجْحَدُونَهَا وَهُمْ بِهَا مُوقِنُونَ ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - فِي
آلِ فِرْعَوْنَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=14وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ( 27 : 14 ) وَقَالَ فِي طُغَاةِ
قُرَيْشٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=33فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ( 6 : 33 ) .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا هَذَا إِمَّا عَطْفٌ عَلَى الْجُمْلَةِ ( سَأَصْرِفُ ) أَيْ : سَأَصْرِفُهُمْ عَنْ آيَاتِي الْمُنَزَّلَةِ وَالْكَوْنِيَّةِ فَيَنْصَرِفُونَ ، وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا - وَإِمَّا عَطْفٌ عَلَى ( يَتَكَبَّرُونَ ) فَيَكُونُ هُوَ وَمَا بَعْدَهُ بَيَانًا لِصِفَاتِ الْمُتَكَبِّرِينَ وَأَحْوَالِهِمْ ، وَأَوَّلُهَا : أَنَّهُمْ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْحَقِّ وَتُثْبِتُ وُجُودَهُ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْآيَاتِ بِتَعَدُّدِ أَنْوَاعِهَا وَأَفْرَادِهَا إِنَّمَا تُفِيدُ مَنْ كَانَ طَالِبًا لِلْحَقِّ ، وَلَكِنَّهُ جَاهِلٌ أَوْ شَاكٌّ أَوْ سَيِّءُ الْفَهْمِ ، فَإِذَا خَفِيَتْ عَلَيْهِ دَلَالَةُ بَعْضِهَا فَقَدْ تَظْهَرُ لَهُ دَلَالَةُ غَيْرِهِ ، وَفِي هَذَا إِعْلَامٌ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الَّذِينَ يَقْتَرِحُونَ عَلَيْهِ الْآيَاتِ مِنْ قَوْمِهِ إِنَّمَا يَقْصِدُونَ التَّعْجِيزَ ، لَا اسْتِبَانَةَ الْحَقِّ بِالدَّلِيلِ ، فَهُمْ إِنْ أُجِيبُوا إِلَى طَلَبِهِمْ لَا يُؤَمِنُونَ ، وَلِهَذَا نَظَائِرُ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ مُفَصَّلًا تَفْصِيلًا .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146وَإِنْ يَرَوْا سَيَبُلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا الرُّشْدُ : الصَّلَاحُ وَالِاسْتِقَامَةُ ، وَضِدَّهُ الْغَيُّ ؛ وَهُوَ الْفَسَادُ ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ لُغَاتٍ : ضَمُّ أَوَّلِهِ وَسُكُونُ ثَانِيهِ ، وَبِهِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ هُنَا - وَفَتْحُهُمَا ؛ وَبِهَا قَرَأَ
حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ -
وَالرَّشَادُ ، وَقَدْ وَرَدَتْ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِ - غَافِرٍ - حِكَايَةً عَنْ
فِرْعَوْنَ nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ( 40 : 29 ) وَمِثْلُهَا السُّقْمُ وَالسَّقَمُ وَالسِّقَامُ - الْمَعْنَى : أَنَّ مِنْ صِفَةٍ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ مَرَنُوا عَلَى الضَّلَالِ وَاسْتَمْرَءُوا مَرْعَى الْغَيِّ وَالْفَسَادِ ، أَنْ يَنْفِرُوا مِنَ الْهُدَى وَالرَّشَادِ ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُهُمْ سَبِيلَهُ وَاضِحَةً جَلِيَّةً لَا يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ ، جَعَلَهَا سَبِيلًا لَهُ بِإِيثَارِهَا وَتَفْضِيلِهَا عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ ، وَكُلُّ أَحَدٍ يَصِلُ إِلَى هَذِهِ الدَّرَجَةِ مِنَ الْغَيِّ ؛ لِأَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَسْلُكُ الْغَيَّ عَلَى جَهْلٍ ، فَإِذَا عَلِمَ بِمَا تَنْتَهِي بِهِ إِلَيْهِ مِنَ الْفَسَادِ وَرَأَى لِنَفْسِهِ مَخْرَجًا مِنْهَا ، تَرَكَهَا وَاخْتَارَ سَبِيلَ الرُّشْدِ عَلَيْهَا .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَهَذِهِ الْحَالَةُ شَرٌّ مِمَّا قَبْلَهَا فَإِنَّ هَذِهِ إِيجَابِيَّةٌ وَتِلْكَ
[ ص: 171 ] سِلْبِيَّةٌ ، وَبَيْنَهُمَا حَالٌ أُخْرَى وَهِيَ حَالُ مَنْ لَيْسَ فِيهِ مِنْ نُورِ الْبَصِيرَةِ وَزَكَاءِ النَّفْسِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَى سُلُوكِ الرُّشْدِ إِذَا رَآهُ لِضَعْفِ هِمَّتِهِ ، وَلَكِنَّهُ يَكْرَهُ الْغَيَّ وَالْفَسَادَ وَإِذَا لَمْ يَصِلْ مِنِ اعْتِلَالِ الْفِطْرَةِ وَظُلْمَةِ الْبَصِيرَةِ إِلَى تَفْضِيلِهِ عَلَى الرُّشْدِ ، وَإِيثَارِ سَبِيلِهِ وَاخْتِيَارِهَا لِنَفْسِهِ إِذَا رَآهَا ، بِحَيْثُ لَا يَصْرِفُهُ عَنِ الْفَسَادِ إِلَّا جَهْلُ سَبِيلِهِ أَوِ الْعَجْزُ عَنْ سُلُوكِهَا .
فَمَنِ اجْتَمَعَتْ لَهُ هَذِهِ الْأَحْوَالُ أَوِ الصِّفَاتُ ، فَهُوَ الَّذِي أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ ، وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةٌ ، فَلَمْ تَبْقَ لَهُ سَبِيلٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحَقِّ وَالرُّشْدِ يَسْلُكُهَا ، وَقَدْ عَلَّلَ ذَلِكَ سُبْحَانَهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=146nindex.php?page=treesubj&link=28978_30539ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - لَمْ يَخْلُقْهُمْ مَطْبُوعِينَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ طَبْعًا ، وَلَمْ يَجْبُرْهُمْ وَيُكْرِهْهُمْ عَلَيْهِ إِكْرَاهًا ، بَلْ كَانَ ذَلِكَ بِكَسْبِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ لِلتَّكْذِيبِ بِآيَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى الْحَقِّ ، وَالصُّدُودِ عَنْ سَبِيلِهِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الرُّشْدِ ، وَكَانُوا غَافِلِينَ عَنْهَا دُونَ أَهْوَائِهِمْ لَا يُعْطُونَهَا حَقَّهَا مِنَ النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ وَالتَّفْكِيرِ وَالتَّدَبُّرِ ، لِاشْتِغَالِهِمْ عَنْ ذَلِكَ بِأَهْوَائِهِمْ وَعُصْبَتِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِآبَائِهِمْ ، وَبِذَلِكَ قَطَعُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ طَرِيقَ الْهُدَى ، فَالْغَفْلَةُ هُنَا : هِيَ الْغَفْلَةُ الْمَطْبُوعَةُ الْمَانِعَةُ مِنْ أَسْبَابِ الْعِلْمِ وَالْفِطْنَةِ ، لَا أَيُّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْغَفْلَةِ ، بَلْ هِيَ الْمُبَيَّنَةُ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - مِنْ أَوَاخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=179وَلَقَدْ ذَرَأَنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ
الضَّالُّونَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْغَافِلِينَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ - تَعَالَى - ، وَمَا تَهْدِي إِلَيْهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِلْحَيَاةِ الْأُخْرَى الْبَاقِيَةِ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي وَصْفِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=3أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ( 14 : 3 ) وَيَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=167قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا ( 4 : 167 ) إِذْ كَانَ لَهُمْ مِنَ الِانْهِمَاكِ فِيمَا هُمْ فِيهِ وَالْغُرُورِ بِهِ ، وَاحْتِقَارِهِمْ مَا سِوَاهُ مَا يَصُدُّهُمْ عَنْ تَوْجِيهِ عُقُولِهِمْ إِلَى غَيْرِهِ ، وَمِنْهُمْ مُتَفَرْنِجَةُ الْمُسْلِمِينَ الْجُغْرَافِيِّينَ فِي هَذَا الْعَصْرِ ، يَحْتَقِرُونَ هِدَايَةَ الدِّينِ الرُّوحِيَّةِ ، وَلَهَا مِنَ التَّأْثِيرِ الْعَظِيمِ فِي تَهْذِيبِ النَّفْسِ ، وَحَمْلِهَا عَلَى الْخَيْرِ ، وَصَدِّهَا عَنِ الشُّرُورِ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ ، وَإِنَّمَا غَرَّهُمْ وَأَضَلَّهُمْ أَنَّهُمْ فِي عَصْرٍ وَصَلَ فِيهِ الْغَرْبِيُّونَ إِلَى غَايَةٍ بَعِيدَةٍ مِنَ الْفُنُونِ وَالصِّنَاعَاتِ ، كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ مَنْ عَاشَ فِي هَذَا الْعَصْرِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُمْ عَبْدًا لِشَهَوَاتِهِ ، وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ الْأَفْضَلُ
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا يَتَّبِعُوا
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا وَقُوَّتِهَا وَصِنَاعَاتِهَا وَفُنُونِهَا مَا كَانَ عِنْدَ
فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ( 59 : 2 ) .
ثُمَّ قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=147وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ؟ الْآيَاتِ ، فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ بِمَعْنَى الدَّلَائِلِ وَالْبَيِّنَاتِ مِنْ بَرَاهِينَ عَقْلِيَّةٍ
[ ص: 172 ] نَظَرِيَّةً كَانَتْ أَوْ عِلْمِيَّةً أَوْ كَوْنِيَّةً ، كَآيَاتِهِ تَعَالَى فِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ ، وَمِنْهَا مُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَأَظْهَرُهَا وَأَقْوَاهَا ؛ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ ، مِنْ حَيْثُ هُوَ دَالٌّ عَلَى صِدْقِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ فِي دَعْوَى الرِّسَالَةِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا ، وَأَمَّا الْآيَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ أَنَّهَا الْآيَاتُ الْمُنَزَّلَةُ مِنْ حَيْثُ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْهِدَايَةِ وَالْإِصْلَاحِ بِتَزْكِيَةِ الْأَنْفُسِ مِنْ خُرَافَاتِ الشِّرْكِ وَفَسَادِ الْأَخْلَاقِ وَمُنْكِرَاتِ الْأَعْمَالِ ، وَاللِّقِاءُ مَصْدَرُ لَقِيَ الشَّيْءَ أَوِ الشَّخْصَ ، وَلَاقَاهُ كَالْمُلَاقَاةِ إِذَا صَادَفَهُ أَوْ قَابَلَهُ أَوِ انْتَهَى إِلَيْهِ ، يُقَالُ : لَقِيَ زَيَدًا وَلَاقَاهُ وَلَقِيَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=62لِقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصْبًا ( 18 : 62 ) وَمَنْ يُلْقِ خَيْرًا يَحْمِدِ النَّاسُ أَمَرَهُ ، وَلَقِيَ جَزَاءَهُ ، قَالَ
الرَّاغِبُ : وَمُلَاقَاةُ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عِبَارَةٌ عَنِ الْقِيَامَةِ وَعَنِ الْمَصِيرِ إِلَيْهِ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ ( 2 : 223 )
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ ( 2 : 249 ) .
وَالْمَعْنَى : وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا الْمُنَزَّلَةِ بِالْحَقِّ وَالْهُدَى عَلَى رُسُلِنَا فَلَمْ يُؤْمِنُوا لَهُمْ وَلَا اهْتَدَوْا بِهَا ، وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ ، وَمَا يَكُونُ فِيهَا مِنَ الْجَزَاءِ عَلَى الْأَعْمَالِ - عَلَى الْخَيْرِ بِالثَّوَابِ ، وَعَلَى الشَّرِّ بِالْعِقَابِ - فَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ، لَا يُجْزَوْنَ هُنَالِكَ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ تَأْثِيرِ أَعْمَالِهِمُ النَّفْسِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ مَعًا أَوِ النَّفْسِيَّةِ فَقَطْ ( كَتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ ) فِي أَرْوَاحِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ مِنْ حَقٍّ وَخَيْرٍ زَكَّاهَا وَأَصْلَحَهَا ، أَوْ مِنْ بَاطِلٍ وَشَرٍّ دَسَّاهَا وَأَفْسَدَهَا - إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30364اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ فِي الْجَزَاءِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ، وَإِنَّمَا مَضَّتْ سُنَّتُهُ بِجَعْلِ الْجَزَاءِ فِي الْآخِرَةِ أَثَرًا لِلْعَمَلِ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ تَرَتُّبَ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ ، كَأَنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ ، وَقَدْ شَرَحْنَا هَذَا الْمَعْنَى مِرَارًا " تُرَاجَعْ كَلِمَةُ جَزَاءٍ فِي فَهَارِسِ التَّفْسِيرِ " .