الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون يطلب التعزير في اللغة على الرد والضرب والمنع والتأديب والتعظيم ، وقال الراغب : التعزير النصرة مع التعظيم ، وروي عن ابن عباس : عزروه : عظموه ووقروه . لكن ورد في سورة الفتح لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا ( 48 : 9 ) والأقرب إلى فقه اللغة ما حققه الزمخشري في الكشاف هنا قال : ( وعزروه ) ومنعوه حتى لا يقوى عليه عدو ، وأصل العزر المنع ، ومنه التعزير للضرب دون الحد ؛ لأنه منع عن معاودة القبيح ألا ترى إلى تسميته الحد ، والحد هو المنع اهـ . جاء في لسان العرب - بعد نقل الأقوال وجعله من قبيل الأضداد . والعزر النصر بالسيف . وعزروه عزرا ، وعزره ( تعزيرا ) أعانه وقواه ونصره ، قال الله - تعالى - : وتعزروه وتوقروه وقال - تعالى - : وعزرتموهم ( 5 : 12 ) جاء في التفسير : لتنصروه بالسيف ، ومن نصر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالسيف فقد نصر الله - عز وجل - ، وعزرتموهم : عظمتموهم ، وقيل : نصرتموهم . قال إبراهيم بن السري : وهذا هو الحق ، و الله - تعالى - أعلم - وذلك أن العزر في اللغة الرد والمنع ، وتأويل عزرت فلانا ؛ أي : أدبته ، إنما تأويله فعلت به ما يردعه عن القبيح ، كما إذا نكلت به ؛ تأويله : فعلت به ما يجب أن ينكل معه عن المعاودة ، فتأويل عزرتموهم نصرتموهم بأن تردوا عنهم أعداءهم ، ولو كان التعزير هو التوقير لكان الأجود في اللغة الاستغناء به ، والنصرة إذا وجبت فالتعظيم داخل فيها ؛ لأن نصرة الأنبياء هي المدافعة عنهم أو الذب عن دينهم وتعظيمهم وتوقيرهم ، انتهى المراد منه .

                          والمعنى : إن الذين آمنوا - أي : يؤمنون - بالرسول النبي الأمي عند مبعثه ؛ أي : من قوم موسى ، ومن كل قوم - فإنه لم يقل : فالذين آمنوا به منهم ؛ بل أطلق - ويعزرونه بأن يمنعوه ويحموه من كل من يعاديه مع التعظيم والإجلال ، لا كما يحمون بعض ملوكهم مع الكره والاشمئزاز ونصروه باللسان والسنان ، واتبعوا النور الأعظم الذي أنزل مع رسالته وهو القرآن ، أولئك هم المفلحون ؛ أي الفائزون بالرحمة العظمى والرضوان ، دون سواهم من أهل كل زمان ومكان ، فمنهم الفائزون بدون ما يفوز به هؤلاء ، كأتباع سائر الأنبياء ، ومنهم الخائبون المخذولون ؛ أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية