( البشارة الثانية )
الآية 21 من الباب 32 من سفر الاستثناء ( التثنية ) هكذا ( هم أغاروني بغير إله وأغضبوني بمعبوداتهم الباطلة وأنا أيضا
nindex.php?page=treesubj&link=30588أغيرهم بغير شعب وبشعب جاهل أغضبهم ) والمراد بشعب جاهل العرب ؛ لأنهم كانوا في غاية الجهل والضلال ، وما كان عندهم علم لا من العلوم الشرعية ، ولا من العلوم العقلية ، وما كانوا يعرفون سوى عبادة الأوثان والأصنام ، وكانوا محقرين عند
اليهود لكونهم من
هاجر الجارية ، فمقصود الآية أن
بني إسرائيل أغاروني بعبادة المعبودات الباطلة فأغيرهم باصطفاء الذين هم عندهم محقرون وجاهلون ، فأوفى بما وعد ، فبعث من العرب النبي - صلى الله عليه وسلم - فهداهم إلى الصراط المستقيم ، كما قال الله - تعالى - في سورة الجمعة :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=2هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ( 62 : 2 ) وليس المراد بالشعب الجاهل
اليونانيين [ ص: 223 ] كما يفهم من ظاهر كلام مقدسهم
بولس في الباب العاشر من الرسالة الرومية ؛ لأن
اليونانيين قبل ظهور
عيسى - عليه السلام - بأزيد من ثلاثمائة سنة كانوا فائقين على أهل العالم كلهم في العلوم والفنون ، وكان منهم جميع الحكماء المشهورين مثل
سقراط وبقراط وفيثاغورس وأفلاطون وأرسطاطاليس وأرشميدس وبليناس وأقليدس وجالينوس وغيرهم الذين كانوا أئمة الإلهيات والرياضيات والطبيعيات وفروعها قبل
عيسى - عليه السلام - ، وكان
اليونانيون في عهده على غاية درجة الكمال في فنونهم ، وكانوا واقفين على أحكام التوراة وقصصها ، وعلى سائر كتب العهد العتيق أيضا بواسطة ترجمة سبتوجنت التي ظهرت باللسان اليوناني قبل
المسيح بمقدار مائتين وست وثمانين سنة ، لكنهم ما كانوا معتقدين للملة الموسوية ، وكانوا متفحصين عن الأشياء الحكمية الجديدة كما قال مقدسهم هذا في الباب الأول من الرسالة الأولى إلى
أهل قورنيثوس هكذا : ( 22 لأن
اليهود يسألون آية
واليونانيين يطلبون حكمة 23 ولكننا نحن نكرز
بالمسيح مصلوبا
لليهود عثرة
ولليونانيين جهالة ) فلا يجوز أن يكون المراد بالشعب الجاهل
اليونانيين ، فكلام مقدسهم في الرسالة الرومية إما مؤول أو مردود - وقد عرفت في الأمر الثامن أن قوله ساقط عن الاعتبار عندنا .
( الْبِشَارَةُ الثَّانِيَةُ )
الْآيَةُ 21 مِنَ الْبَابِ 32 مِنْ سِفْرِ الِاسْتِثْنَاءِ ( التَّثْنِيَةِ ) هَكَذَا ( هُمْ أَغَارُونِي بِغَيْرِ إِلَهٍ وَأَغْضَبُونِي بِمَعْبُودَاتِهِمُ الْبَاطِلَةِ وَأَنَا أَيْضًا
nindex.php?page=treesubj&link=30588أُغَيِّرُهُمْ بِغَيْرِ شَعْبٍ وَبِشَعْبٍ جَاهِلٍ أُغْضِبُهُمْ ) وَالْمُرَادُ بِشَعْبٍ جَاهِلٍ الْعَرَبُ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي غَايَةِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ ، وَمَا كَانَ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ لَا مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَلَا مِنَ الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ ، وَمَا كَانُوا يَعْرِفُونَ سِوَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَالْأَصْنَامِ ، وَكَانُوا مُحَقَّرَينَ عِنْدَ
الْيَهُودِ لِكَوْنِهِمْ مِنْ
هَاجَرَ الْجَارِيَةِ ، فَمَقْصُودُ الْآيَةِ أَنَّ
بَنِي إِسْرَائِيلَ أَغَارُونِي بِعِبَادَةِ الْمَعْبُودَاتِ الْبَاطِلَةِ فَأُغَيِّرُهُمْ بِاصْطِفَاءِ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَهُمْ مُحَقَّرُونَ وَجَاهِلُونَ ، فَأَوْفَى بِمَا وَعَدَ ، فَبَعَثَ مِنَ الْعَرَبِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهَدَاهُمْ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي سُورَةِ الْجُمُعَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=2هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ( 62 : 2 ) وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالشَّعْبِ الْجَاهِلِ
الْيُونَانِيِّينَ [ ص: 223 ] كَمَا يُفْهَمُ مِنْ ظَاهِرِ كَلَامِ مُقَدِّسِهِمْ
بُولُسَ فِي الْبَابِ الْعَاشِرِ مِنَ الرِّسَالَةِ الرُّومِيَّةِ ؛ لِأَنَّ
الْيُونَانِيِّينَ قَبْلَ ظُهُورِ
عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَزْيَدَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ كَانُوا فَائِقِينَ عَلَى أَهْلِ الْعَالَمِ كُلِّهِمْ فِي الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ ، وَكَانَ مِنْهُمْ جَمِيعُ الْحُكَمَاءِ الْمَشْهُورِينَ مِثْلَ
سُقْرَاطَ وَبِقِرَاطَ وَفَيثَاغُورْسَ وَأَفْلَاطُونَ وَأَرَسْطَاطَالِيسَ وَأَرْشَمِيدِسَ وَبِلِينَاسَ وَأَقْلِيدِسَ وَجَالِينُوسَ وَغَيْرِهِمِ الَّذِينَ كَانُوا أَئِمَّةَ الْإِلَهِيَّاتِ وَالرِّيَاضِيَّاتِ وَالطَّبِيعِيَّاتِ وَفُرُوعِهَا قَبْلَ
عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَكَانَ
الْيُونَانِيُّونَ فِي عَهْدِهِ عَلَى غَايَةِ دَرَجَةِ الْكَمَالِ فِي فُنُونِهِمْ ، وَكَانُوا وَاقِفِينَ عَلَى أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ وَقَصَصِهَا ، وَعَلَى سَائِرِ كُتُبِ الْعَهْدِ الْعَتِيقِ أَيْضًا بِوَاسِطَةِ تَرْجَمَةِ سبتوجنت الَّتِي ظَهَرَتْ بِاللِّسَانِ الْيُونَانِيِّ قَبْلَ
الْمَسِيحِ بِمِقْدَارِ مِائَتَيْنِ وَسِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً ، لَكِنَّهُمْ مَا كَانُوا مُعْتَقِدِينَ لِلْمِلَّةِ الْمُوسَوِيَّةِ ، وَكَانُوا مُتَفَحِّصِينَ عَنِ الْأَشْيَاءِ الْحِكَمِيَّةِ الْجَدِيدَةِ كَمَا قَالَ مُقَدِّسُهُمْ هَذَا فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنَ الرِّسَالَةِ الْأُولَى إِلَى
أَهْلِ قورنيثوس هَكَذَا : ( 22 لِأَنَّ
الْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً
وَالْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً 23 وَلَكِنَّنَا نَحْنُ نُكَرِّزُ
بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا
لِلْيَهُودِ عَثْرَةً
وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً ) فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشَّعْبِ الْجَاهِلِ
الْيُونَانِيِّينَ ، فَكَلَامُ مُقَدِّسِهِمْ فِي الرِّسَالَةِ الرُّومِيَّةِ إِمَّا مُؤَوَّلٌ أَوْ مَرْدُودٌ - وَقَدْ عَرَفْتَ فِي الْأَمْرِ الثَّامِنِ أَنَّ قَوْلَهُ سَاقِطٌ عَنِ الِاعْتِبَارِ عِنْدَنَا .