ثم ذكر حال المكذبين من أمة الدعوة فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=182nindex.php?page=treesubj&link=28978_30550_29468والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون الاستدراج مأخوذ من الدرج مصدر درج ، أو من الدرجة وهي المرقاة ، يقال : درج الكتاب والثوب وأدرجه إذا طواه ، ويعبر بالدرج - وهو المصدر - عن المدرج أي المطوي ، ويقال : درج فلان بمعنى مات ، وهذه آثار قوم درجوا أي انقرضوا ، جعله الراغب مجازا بالاستعارة ، ولكن
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ذكره في حقيقة الأساس وقال واستدرجه : رقاه من درجة إلى درجة ، وقيل : استدعى هلكته من درج إذا مات . وقال
الراغب في " سنستدرجهم " من الآية : قيل معناه سنطويهم طي الكتاب ، عبارة عن إغفالهم نحو :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=28ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ( 18 : 28 ) وقيل معناه : سنأخذهم درجة بعد درجة ، وذلك إدناؤهم من الشيء شيئا فشيئا كالمراقي والمنازل في ارتقائها ونزولها اهـ .
أقول : والمراد على هذا أنهم يسترسلون في غيهم وضلالهم من حيث لا يدرون شيئا من عاقبة أمرهم ; لجهلهم سنن الله تعالى في المنازعة بين الحق والباطل والمصارعة بين الضار والنافع ، وكون الحق يدمغ الباطل ، وما ينفع الناس يصرع ما يضرهم ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=18بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ( 21 : 18 ) وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ( 13 : 17 ) وأما المعنى على القول الأول فهو إنذارهم بهذه العاقبة ، وهو أن الله تعالى سيأخذهم بالعقاب وينصر رسوله عليهم ، ولكن بالتدريج وكذلك كان .
والجمع بين معنيي الاستدراج جائز هنا لظهوره فيمن نزل فيهم أولا ، وبالذات وهم كفار
قريش الجاحدون والمبالغون في عداوة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كانوا مغترين بكثرتهم وثروتهم لا يعتدون به ولا بغيره ممن آمن به أولا ، وأكثرهم من الضعفاء الفقراء فما زالوا يتدرجون في عداوتهم له وقتالهم إياه حتى أظهره الله تعالى عليهم في غزوة
بدر فلم يعتبروا ، ثم زادهم غرورا ظهورهم في آخر معركة
أحد وقال قائدهم
أبو سفيان " يوم بيوم
بدر " - إلى أن كان الفتح الأعظم ، فهذا كله استدراج بمعنى التنقل في مدارج الغرور ، وبمعنى أخذ الله إياهم ، وإظهار رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومن اتبعه عليهم من حيث لا يعلمون سننه تعالى في هذا ولا ذاك .
[ ص: 378 ] وقد فسر
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي الاستدراج بالمعنى الثاني ، فجعله خاصا بأخذهم في غزوة
بدر . وفسر بعض المتقدمين الاستدراج بمعناه العام في اللغة ، كاغترار العصاة بالنعم التي تنسيهم التوبة ، وتلهيهم عن شكر النعم ، واقتصارهم عليه غفلة عن سبب النزول ، ومن أنزل فيهم فهو كقوله تعالى في سورة القلم :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=44فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ( 68 : 44 ) وقفى عليها بمثل ما هنا - والسورتان مكيتان - وهو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=183وأملي لهم إن كيدي متين الإملاء : الإمداد في الزمن والإمهال والتأخير ، مشتق من الملوة والملاوة ، وهي الطائفة الطويلة من الزمن ، والملوان : الليل والنهار . قال
الراغب : وحقيقته تكررهما وامتدادهما ، يقال : أملى له إذا أمهله طويلا ، وأملى للبعير إذا أرخى له الزمام ، ووسع له في القيد; ليتسع له المرعى .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46واهجرني مليا ( 19 : 46 ) أي زمنا طويلا والملا بالقصر المفازة الواسعة الممتدة ، وأما الإملاء للكاتب بمعنى تلقينه ما يكتب فأصله أملل ، فهو ليس من هذه المادة .
nindex.php?page=treesubj&link=32533والكيد كالمكر هو التدبير الذي يقصد به غير ظاهره ، بحيث ينخدع المكيد له بمظهره فلا يفطن له حتى ينتهي إلى ما يسوءه من مخبره وغايته ، وأكثره احتيال مذموم ، ومنه المحمود الذي يقصد به المصلحة ، ككيد
يوسف لأخذ أخيه الشقيق من إخوته لأبيه برضاهم ومقتضى شريعتهم ; ولذلك أسند وأضيف إلى الله عز وجل في مثل هذين الموضعين ، والجمهور على أن إضافة الكيد والمكر أو إسنادهما إليه تعالى في القرآن من باب المشاكلة ، أو متأول بمعنى العقاب والجزاء ، وما بيناه أدق . والمتين القوي الشديد .
ومعنى الآية : وأمهل هؤلاء المكذبين المستدرجين في العمر ، وأمد لهم في أسباب المعيشة ، والقدرة على الحرب بمقتضى سنتي في نظام الاجتماع للبشر كيدا لهم ومكرا بهم لا حبا فيهم ونصرا لهم
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=54فذرهم في غمرتهم حتى حين nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ( 23 : 54 - 56 ) وإن تسأل عن كيدي فهو قوي متين . قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الشيخان وغيرهما من حديث
أبي موسى :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920069إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته فمعنى هذا الإملاء أن سنة الله تعالى في الأمم والأفراد قد مضت بألا يكون عقابهم بمقتضى الأسباب التي قام بها نظام الخلق ، فالمخذول إذا بغى وظلم ولم ينزل به العقاب الإلهي عقب ظلمه يزداد بغيا وظلما ، ولا يحسب للعواقب حسابا ، فيسترسل في ظلمه إلى أن تحيق به عاقبة ذلك ، بأخذ الحكام له أو بتورطه في مهلكة أخرى ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى .
وقد نقلنا في أوائل هذا التفسير عن شيخنا الأستاذ الإمام أن عذاب الأمم في الدنيا
[ ص: 379 ] مطرد ، وأما عذاب الأفراد فقد يتخلف ويرجأ إلى الآخرة . وحققنا في مواضع أخرى أن عقاب الأمم وبعض عقاب الأفراد أثر طبيعي لذنوبهم ، فالأمم والشعوب الباغية الظالمة لا بد أن يزول سلطانها وتدول دولتها ، والسكير والزناء لا يسلمان من الأمراض التي سببها السكر والزنا ، والمقامر قلما يموت إلا فقيرا معدما إلخ .
وقد سردنا الشواهد في مواضع أخرى على عقاب الأمم من الآيات التي صدقتها شواهد التاريخ الماضي والحاضر ، وستصدقها في المستقبل ، وما كانت الحرب الأخيرة العظمى إلا بعض عقاب الله تعالى للذين صلوا نارها ببغيهم وفسوقهم ، وسيرون ما هو شر منها إذا لم يرجعوا عن غيهم .
ثُمَّ ذَكَرَ حَالَ الْمُكَذِّبِينَ مِنْ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=182nindex.php?page=treesubj&link=28978_30550_29468وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ الِاسْتِدْرَاجُ مَأْخُوذٌ مِنَ الدَّرْجِ مَصْدَرِ دَرَجَ ، أَوْ مِنَ الدَّرَجَةِ وَهِيَ الْمِرْقَاةُ ، يُقَالُ : دَرَجَ الْكِتَابَ وَالثَّوْبَ وَأَدْرَجَهُ إِذَا طَوَاهُ ، وَيُعَبَّرُ بِالدَّرْجِ - وَهُوَ الْمَصْدَرُ - عَنِ الْمُدْرَجِ أَيِ الْمَطْوِيِّ ، وَيُقَالُ : دَرَجَ فُلَانٌ بِمَعْنَى مَاتَ ، وَهَذِهِ آثَارُ قَوْمٍ دَرَجُوا أَيِ انْقَرَضُوا ، جَعَلَهُ الرَّاغِبُ مَجَازًا بِالِاسْتِعَارَةِ ، وَلَكِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيَّ ذَكَرَهُ فِي حَقِيقَةِ الْأَسَاسِ وَقَالَ وَاسْتَدْرَجَهُ : رَقَّاهُ مِنْ دَرَجَةٍ إِلَى دَرَجَةٍ ، وَقِيلَ : اسْتَدْعَى هَلَكَتَهُ مِنْ دَرَجَ إِذَا مَاتَ . وَقَالَ
الرَّاغِبُ فِي " سَنَسْتَدْرِجُهُمْ " مِنَ الْآيَةِ : قِيلَ مَعْنَاهُ سَنَطْوِيهِمْ طَيَّ الْكِتَابِ ، عِبَارَةً عَنْ إِغْفَالِهِمْ نَحْوَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=28وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ( 18 : 28 ) وَقِيلَ مَعْنَاهُ : سَنَأْخُذُهُمْ دَرَجَةً بَعْدَ دَرَجَةٍ ، وَذَلِكَ إِدْنَاؤُهُمْ مِنَ الشَّيْءِ شَيْئًا فَشَيْئًا كَالْمَرَاقِي وَالْمَنَازِلِ فِي ارْتِقَائِهَا وَنُزُولِهَا اهـ .
أَقُولُ : وَالْمُرَادُ عَلَى هَذَا أَنَّهُمْ يَسْتَرْسِلُونَ فِي غَيِّهِمْ وَضَلَالِهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرُونَ شَيْئًا مِنْ عَاقِبَةِ أَمْرِهِمْ ; لِجَهْلِهِمْ سُنَنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمُنَازَعَةِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالْمُصَارَعَةِ بَيْنَ الضَّارِّ وَالنَّافِعِ ، وَكَوْنِ الْحَقِّ يَدْمَغُ الْبَاطِلَ ، وَمَا يَنْفَعُ النَّاسَ يَصْرَعُ مَا يَضُرُّهُمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=18بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ( 21 : 18 ) وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=17فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ( 13 : 17 ) وَأَمَّا الْمَعْنَى عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَهُوَ إِنْذَارُهُمْ بِهَذِهِ الْعَاقِبَةِ ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَأْخُذُهُمْ بِالْعِقَابِ وَيَنْصُرُ رَسُولَهُ عَلَيْهِمْ ، وَلَكِنْ بِالتَّدْرِيجِ وَكَذَلِكَ كَانَ .
وَالْجَمْعُ بَيْنَ مَعْنَيَيْ الِاسْتِدْرَاجِ جَائِزٌ هُنَا لِظُهُورِهِ فِيمَنْ نَزَلَ فِيهِمْ أَوَّلًا ، وَبِالذَّاتِ وَهُمْ كُفَّارُ
قُرَيْشٍ الْجَاحِدُونَ وَالْمُبَالِغُونَ فِي عَدَاوَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَدْ كَانُوا مُغْتَرِّينَ بِكَثْرَتِهِمْ وَثَرْوَتِهِمْ لَا يَعْتَدُّونَ بِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ أَوَّلًا ، وَأَكْثَرُهُمْ مِنَ الضُّعَفَاءِ الْفُقَرَاءِ فَمَا زَالُوا يَتَدَرَّجُونَ فِي عَدَاوَتِهِمْ لَهُ وَقِتَالِهِمْ إِيَّاهُ حَتَّى أَظْهَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فِي غَزْوَةِ
بَدْرٍ فَلَمْ يَعْتَبِرُوا ، ثُمَّ زَادَهُمْ غُرُورًا ظُهُورُهُمْ فِي آخِرِ مَعْرَكَةِ
أُحُدٍ وَقَالَ قَائِدُهُمْ
أَبُو سُفْيَانَ " يَوْمٌ بِيَوْمِ
بَدْرٍ " - إِلَى أَنْ كَانَ الْفَتْحُ الْأَعْظَمُ ، فَهَذَا كُلُّهُ اسْتِدْرَاجٌ بِمَعْنَى التَّنَقُّلِ فِي مَدَارِجِ الْغُرُورِ ، وَبِمَعْنَى أَخْذِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ ، وَإِظْهَارِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنِ اتَّبَعَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ سُنَنَهُ تَعَالَى فِي هَذَا وَلَا ذَاكَ .
[ ص: 378 ] وَقَدْ فَسَّرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ الِاسْتِدْرَاجَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي ، فَجَعَلَهُ خَاصًّا بِأَخْذِهِمْ فِي غَزْوَةِ
بَدْرٍ . وَفَسَّرَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ الِاسْتِدْرَاجَ بِمَعْنَاهُ الْعَامِّ فِي اللُّغَةِ ، كَاغْتِرَارِ الْعُصَاةِ بِالنِّعَمِ الَّتِي تُنْسِيهِمُ التَّوْبَةَ ، وَتُلْهِيهِمْ عَنْ شُكْرِ النِّعَمِ ، وَاقْتِصَارِهِمْ عَلَيْهِ غَفْلَةً عَنْ سَبَبِ النُّزُولِ ، وَمَنْ أُنْزِلَ فِيهِمْ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْقَلَمِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=44فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ( 68 : 44 ) وَقَفَّى عَلَيْهَا بِمِثْلِ مَا هُنَا - وَالسُّورَتَانِ مَكِّيَّتَانِ - وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=183وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ الْإِمْلَاءُ : الْإِمْدَادُ فِي الزَّمَنِ وَالْإِمْهَالُ وَالتَّأْخِيرُ ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْمَلْوَةِ وَالْمُلَاوَةِ ، وَهِيَ الطَّائِفَةُ الطَّوِيلَةُ مِنَ الزَّمَنِ ، وَالْمَلَوَانِ : اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ . قَالَ
الرَّاغِبُ : وَحَقِيقَتُهُ تَكَرُّرُهُمَا وَامْتِدَادُهُمَا ، يُقَالُ : أَمْلَى لَهُ إِذَا أَمْهَلَهُ طَوِيلًا ، وَأَمْلَى لِلْبَعِيرِ إِذَا أَرْخَى لَهُ الزِّمَامَ ، وَوَسَّعَ لَهُ فِي الْقَيْدِ; لِيَتَّسِعَ لَهُ الْمَرْعَى .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=46وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا ( 19 : 46 ) أَيْ زَمَنًا طَوِيلًا وَالْمَلَا بِالْقَصْرِ الْمَفَازَةُ الْوَاسِعَةُ الْمُمْتَدَّةُ ، وَأَمَّا الْإِمْلَاءُ لِلْكَاتِبِ بِمَعْنَى تَلْقِينِهِ مَا يَكْتُبُ فَأَصْلُهُ أَمْلَلَ ، فَهُوَ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=32533وَالْكَيْدُ كَالْمَكْرِ هُوَ التَّدْبِيرُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ غَيْرُ ظَاهِرِهِ ، بِحَيْثُ يَنْخَدِعُ الْمَكِيدُ لَهُ بِمَظْهَرِهِ فَلَا يَفْطِنُ لَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى مَا يَسُوءُهُ مِنْ مَخْبَرِهِ وَغَايَتِهِ ، وَأَكْثَرُهُ احْتِيَالٌ مَذْمُومٌ ، وَمِنْهُ الْمَحْمُودُ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْمَصْلَحَةُ ، كَكَيْدِ
يُوسُفَ لِأَخْذِ أَخِيهِ الشَّقِيقِ مِنْ إِخْوَتِهِ لِأَبِيهِ بِرِضَاهُمْ وَمُقْتَضَى شَرِيعَتِهِمْ ; وَلِذَلِكَ أُسْنِدَ وَأُضِيفَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي مِثْلِ هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ إِضَافَةَ الْكَيْدِ وَالْمَكْرِ أَوْ إِسْنَادَهُمَا إِلَيْهِ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ ، أَوْ مُتَأَوَّلٌ بِمَعْنَى الْعِقَابِ وَالْجَزَاءِ ، وَمَا بَيَّنَّاهُ أَدَقُّ . وَالْمَتِينُ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ .
وَمَعْنَى الْآيَةِ : وَأُمْهِلُ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ الْمُسْتَدْرَجِينَ فِي الْعُمْرِ ، وَأَمُدُّ لَهُمْ فِي أَسْبَابِ الْمَعِيشَةِ ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْحَرْبِ بِمُقْتَضَى سُنَّتِي فِي نِظَامِ الِاجْتِمَاعِ لِلْبَشَرِ كَيْدًا لَهُمْ وَمَكْرًا بِهِمْ لَا حُبًّا فِيهِمْ وَنَصْرًا لَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=54فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=55أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ( 23 : 54 - 56 ) وَإِنْ تَسْأَلْ عَنْ كَيْدِي فَهُوَ قَوِيٌّ مَتِينٌ . قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ
أَبِي مُوسَى :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920069إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ فَمَعْنَى هَذَا الْإِمْلَاءِ أَنَّ سُنَّةَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأُمَمِ وَالْأَفْرَادِ قَدْ مَضَتْ بِأَلَّا يَكُونَ عِقَابُهُمْ بِمُقْتَضَى الْأَسْبَابِ الَّتِي قَامَ بِهَا نِظَامُ الْخَلْقِ ، فَالْمَخْذُولُ إِذَا بَغَى وَظَلَمَ وَلَمْ يَنْزِلْ بِهِ الْعِقَابُ الْإِلَهِيُّ عَقِبَ ظُلْمِهِ يَزْدَادُ بَغْيًا وَظُلْمًا ، وَلَا يَحْسِبُ لِلْعَوَاقِبِ حِسَابًا ، فَيَسْتَرْسِلُ فِي ظُلْمِهِ إِلَى أَنْ تَحِيقَ بِهِ عَاقِبَةُ ذَلِكَ ، بِأَخْذِ الْحُكَّامِ لَهُ أَوْ بِتَوَرُّطِهِ فِي مَهْلَكَةٍ أُخْرَى ، وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى .
وَقَدْ نَقَلْنَا فِي أَوَائِلِ هَذَا التَّفْسِيرِ عَنْ شَيْخِنَا الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ أَنَّ عَذَابَ الْأُمَمِ فِي الدُّنْيَا
[ ص: 379 ] مُطَّرِدٌ ، وَأَمَّا عَذَابُ الْأَفْرَادِ فَقَدْ يَتَخَلَّفُ وَيُرْجَأُ إِلَى الْآخِرَةِ . وَحَقَّقْنَا فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى أَنَّ عِقَابَ الْأُمَمِ وَبَعْضَ عِقَابِ الْأَفْرَادِ أَثَرٌ طَبِيعِيٌّ لِذُنُوبِهِمْ ، فَالْأُمَمُ وَالشُّعُوبُ الْبَاغِيَةُ الظَّالِمَةُ لَا بُدَّ أَنْ يَزُولَ سُلْطَانُهَا وَتَدُولَ دَوْلَتُهَا ، وَالسِّكِّيرُ وَالزَّنَّاءُ لَا يَسْلَمَانِ مِنَ الْأَمْرَاضِ الَّتِي سَبَّبَهَا السُّكْرُ وَالزِّنَا ، وَالْمُقَامِرُ قَلَّمَا يَمُوتُ إِلَّا فَقِيرًا مُعْدَمًا إِلَخْ .
وَقَدْ سَرَدْنَا الشَّوَاهِدَ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى عَلَى عِقَابِ الْأُمَمِ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي صَدَّقَتْهَا شَوَاهِدُ التَّارِيخِ الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ ، وَسَتُصَدِّقُهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَمَا كَانَتِ الْحَرْبُ الْأَخِيرَةُ الْعُظْمَى إِلَّا بَعْضَ عِقَابِ اللَّهِ تَعَالَى لِلَّذِينِ صُلُوا نَارَهَا بِبَغْيِهِمْ وَفُسُوقِهِمْ ، وَسَيَرَوْنَ مَا هُوَ شَرٌّ مِنْهَا إِذَا لَمْ يَرْجِعُوا عَنْ غَيِّهِمْ .