nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187nindex.php?page=treesubj&link=28978قل إنما علمها عند ربي قل أيها النذير : إن علم الساعة عند ربي وحده ، ليس عندي ولا عند غيري من الخلق شيء منه - وهذا يدل عليه لفظ " إنما " من الحصر ، كما قال تعالى في الآية التي فسر بها النبي - صلى الله عليه وسلم - مفاتح الغيب :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=34إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ( 31 : 34 ) أي عنده لا عند أحد سواه - ومثله قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=47إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها ( 41 : 47 ) الآية . أي يرد إليه وحده لا إلى غيره . وأشبه الآيات الدالة على
nindex.php?page=treesubj&link=30250استئثار علم الله تعالى بالساعة بآية الأعراف آيتان : آية الأحزاب ( 33 : 63 ) وذكرناها آنفا - وآية أواخر النازعات وما بعدها :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=42يسألونك عن الساعة أيان مرساها nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=43فيم أنت من ذكراها nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=44إلى ربك منتهاها nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=45إنما أنت منذر من يخشاها nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=46كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ( 79 : 42 - 46 ) أي إلى ربك وحده من دونك ، ودون سائر خلقه منتهى أمر الساعة الذي يسألونك عنه ، وإنما أنت منذر لأهل الإيمان الذين يخشونها ، ويستعدون لها لا تعدو وظيفته الإنذار والتعليم والإرشاد .
فهذه الآيات كآية الأعراف سؤالا وجوابا ، فالسؤال عن الساعة من حيث إرساؤها ومنتهى أمرها ، والجواب رد ذلك إلى الرب مضافا إلى ضمير رسوله ، فما أخبره به في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=44إلى ربك منتهاها هو ما أمره أن يجيب به في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187قل إنما علمها عند ربي وفيه إيذان بأن ما هو من شأن الرب ، لا يكون للعبد ، فهو تعالى قد رباه ليكون منذرا ومبشرا
[ ص: 390 ] لا للإخبار عن الغيوب بأعيانها وأوقاتها ، والإنذار إنما يناط بالإعلام بالساعة وأهوالها ، والنار وسلاسلها وأغلالها ، ولا تتم الفائدة منه إلا بإبهام وقتها ; ليخشى أهل كل زمن إتيانها فيه ، والإعلام بوقت إتيانها وتحديد تاريخها ينافي هذه الفائدة بل فيه مفاسد أخرى ، فلو قال الرسول للناس: إن الساعة تأتي بعد ألفي سنة من يومنا هذا ، مثلا - وألفا سنة في تاريخ العالم وآلاف السنين تعد أجلا قريبا - لرأى المكذبين يستهزئون بهذا الخبر ، ويلحون في تكذيبه ، والمرتابين يزدادون ارتيابا ، حتى إذا ما قرب الأجل وقع المؤمنون في رعب عظيم ينغص عليهم حياتهم ، ويوقع الشلل في أعضائهم ، والتشنج في أعصابهم ، حتى لا يستطيعون عملا ولا يسيغون طعاما ولا شرابا ، ومنهم من يخرج من ماله وما يملكه ، من حيث يكون الكافرون آمنين ، يسخرون من المؤمنين ، وقد وقع في أوربة أن أخبر بعض رجال الكنيسة الذين كان يقلدهم الجمهور بأن القيامة تقوم في سنة كذا ، فهلعت القلوب ، واختلت الأعمال ، وأهمل أمر العيال ، ووقف المصدقون ما يملكون على الكنائس والأديار ، ولم تهدأ الأنفس ، ويثب إليها رشدها إلا بعد ظهور كذب النبأ بمجيء أجله دون وقوعه ، فالحكمة البالغة إذا في
nindex.php?page=treesubj&link=30292إبهام أمر الساعة العامة للعالم ، وكذا الساعة الخاصة بأفراد الناس ، أو بالأمم والأجيال ، وجعلها من الغيب الذي استأثر الله تعالى به ، على ما سنذكر في إيضاحه ، فلذلك قال بعد حصر أمرها في علمه : .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187لا يجليها لوقتها إلا هو هذا جواب عن طلب معرفة الوقت الذي يكون إرساؤها فيه ، يقال : جلا لي الأمر وانجلى ، وجلاه فلان تجلية بمعنى: كشفه وأظهره أتم الإظهار . واللام الداخلة على وقتها تسمى لام التوقيت كقولهم : وكتب هذا الكتاب لغرة المحرم أو لعشر مضين أو بقين من صفر . والمعنى : لا يكشف حجاب الخفاء عنها ، ولا يظهرها في وقتها المحدود عند الرب تعالى إلا هو ، فلا وساطة بينه وبين عباده في إظهارها ، ولا الإعلام بميقاتها ، وإنما وساطة الرسل عليهم السلام في الإنذار بها .
وقفى على هذا الإيئاس من علم أمرها ، والإنباء بوقت وقوعها بقوله في تعظيم شأنها وسر إخفاء وقتها :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187ثقلت في السماوات والأرض أي: ثقل وقعها وعظم أمرها في السماوات والأرض على أهلها من الملائكة والإنس والجن ; لأن الله تعالى نبأهم بأهوالها ، ولم يشعرهم بميقاتها ، فهم يتوقعون أمرا عظيما لا يدرون متى يفجؤهم وقوعه .
روي عن
قتادة في تفسير الجملة أنه قال : ثقل علمها على أهل السماوات والأرض أنهم لا يعلمون . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : خفيت في السماوات والأرض فلا يعلم قيامها ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، فهذان القولان تفسير لثقلها بفقد العلم بها ، فإن المجهول ثقيل على النفس ، ولا سيما إذا كان عظيما ، وروي عن
ابن معمر nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج أن ثقلها يكون يوم مجيئها
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=1إذا الشمس كورت [ ص: 391 ] ( 81 : 1 ) و
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=1إذا السماء انفطرت nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=2وإذا الكواكب انتثرت ( 82 : 1 ، 2 ) و
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=4إذا رجت الأرض رجا nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=5وبست الجبال بسا nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=6فكانت هباء منبثا 56 : 4 - 6 وغير ذلك مما وصفه الله تعالى من أمر قيامها . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في ثقلها : ليس شيء من الخلق إلا يصيبه من ضرر يوم القيامة ، ولكل رواية وجه صحيح ، والمتبادر من الجملة ما ذكرناه أولا ، وهو يتفق مع جملة هذه الروايات .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187لا تأتيكم إلا بغتة أي: فجأة على حين غفلة ، من غير توقع ولا انتظار ، ولا إشعار ولا إنذار ، وقد تكرر هذا القول في التنزيل ، وجاء في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة من الصحيحين ، واللفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920071ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ، ولتقومن الساعة ، وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه ، ولتقومن الساعة وقد رفع أحدكم أكلته إلى فيه فلا يطعمها " والمعنى : أنها تبغت الناس وهم منهمكون في أمور معايشهم المعتادة . وأبلغ من هذا قوله تعالى في أول سورة الحج :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=1يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ( 22 : 1 ، 2 ) .
فيجب على المؤمنين أن يخافوا ذلك اليوم ، وأن يحملهم الخوف على مراقبة الله تعالى في أعمالهم فيلتزموا فيها الحق ، ويتحروا الخير ، ويتقوا الشر والمعاصي ، ولا يجعلوا حظهم من أمر الساعة الجدال ، والقيل والقال . وإننا نرى بعض المتأخرين قد شغلوا المسلمين عن ذلك ببحث افتجره بعض الغلاة ، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبق طول عمره لا يعلم متى تقوم الساعة كما تدل عليه آيات القرآن الكثيرة بل أعلمه الله تعالى به بل زعم أنه أطلعه على كل ما في علمه ، فصار علمه كعلم ربه ، أي صار ندا وشريكا لله تعالى في صفة العلم المحيط بالغيوب التي لا نهاية لها ، ومن أصول التوحيد أنه تعالى لا شريك له في ذاته ، ولا في صفة من صفاته ،
nindex.php?page=treesubj&link=30175والرسول عبد الله لا يعلم من الغيب إلا ما أوحاه الله تعالى إليه لأداء وظيفة التبليغ ، وستزداد علما ببطلان هذا الغلو خاصة في تفسير الآية التالية ، ولكن الغلاة يرون من التقصير في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه أن تكون صفاته دون صفات ربه وإلهه وخالق الخلق أجمعين ، فكذبوا كلام الله تعالى ، وشبهوا به بعض عبيده إرضاء لغلوهم ، ومثل هذا الغلو لم يعرف عن أحد من سلف هذه الأمة ، ولو أراد الله
[ ص: 392 ] تعالى أن يعلم رسوله - صلى الله عليه وسلم - بوقت الساعة ، بعد كل ما أنزله عليه في إخفائها واستئثاره بعلمه ، لما أكد كل هذا التأكيد في هذه السورة وغيرها كقوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187يسألونك كأنك حفي عنها إلخ . يسألونك هذا السؤال كأنك حفي مبالغ في سؤال ربك عنها - أو يسألونك عنها كأنك حفي بهم - فعنها متعلق بـ " يسألونك " ، وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187كأنك حفي معترضة . قال في مجاز الأساس : أحفى في السؤال : ألحف . . . وهو حفي عن الأمر : بليغ في السؤال عنه
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187كأنك حفي عنها وقال
الأعشى :
فإن تسألي عني فيا رب سائل حفي عن الأعشى به حيث أصعدا
واستحفيته عن كذا : استخبرته على وجه المبالغة . وتحفى بي فلان ، وحفي بي حفاوة ، إذا تلطف بك ، وبالغ في إكرامك اهـ . أقول : ومنه قوله تعالى حكاية عن خليله
إبراهيم عليه وعلى نبينا وآلهما الصلاة والسلام :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47إنه كان بي حفيا ( 19 : 47 ) .
وفي تفسير
ابن كثير عن
nindex.php?page=showalam&ids=16574العوفي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187يسألونك كأنك حفي عنها يقول : كأن بينك وبينهم مودة كأنك صديق لهم ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لما سأل الناس النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن
محمدا حفي بهم ، فأوحى الله إليه إنما علمها عنده ، استأثر به فلم يطلع عليه ملكا مقربا ولا رسولا . وقال
قتادة : قالت
قريش لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : إن بيننا وبينك قرابة فأشر إلينا متى الساعة ؟ فقال الله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187يسألونك كأنك حفي عنها وكذا روي عن
مجاهد وعكرمة وأبي مالك والسدي ، هذا قول ، والصحيح عن
مجاهد من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابن أبي نجيح وغيره
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187يسألونك كأنك حفي عنها قال : استحفيت عنها السؤال حتى علمت وقتها . وكذا قال
الضحاك عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187يسألونك كأنك حفي عنها يقول : كأنك عالم بها ، لست تعلمها ، قل :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187إنما علمها عند الله وقال
معمر عن بعضهم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187كأنك حفي عنها كأنك عالم بها ، وقد أخفى الله علمها عن خلقه . وقرأ :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=34إن الله عنده علم الساعة ( 31 : 34 ) الآية . قال
ابن كثير : وهذا القول أرجح في المعنى من الأول ، والله أعلم ، ولهذا قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187قل إنما علمها عند الله هذا تكرار للجواب في إثر تكرار السؤال للمبالغة في التأكيد والإيئاس من العلم بوقت مجيئها ، وتخطئة من يسألون عنه ، وقد ذكر هنا اسم الجلالة للإشعار بأنه مما استأثر بعلمه لذاته ، كما أشعر ما قبله بأنه من شئون ربوبيته ، وكل منهما مما يستحيل على خلقه
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187ولكن أكثر الناس لا يعلمون اختصاص علمها به تعالى ولا حكمة ذلك ، ولا أدب السؤال ، ولا غير ذلك مما يتعلق بهذا المقام ، وإنما يعلم ذلك القليلون ، وهم المؤمنون بما جاء من أخبارها في كتاب الله تعالى ، وبالسماع من رسوله - صلى الله عليه وسلم - كالذين حضروا تمثل
جبريل عليه السلام بصفة رجل وسؤاله النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإيمان
[ ص: 393 ] والإسلام والإحسان ثم عن الساعة . وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - له عند السؤال الأخير : " وما المسئول عنها بأعلم من السائل " يعني أننا سواء في هذا الأمر ، لا يعلم أحد منا متى تقوم الساعة .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187nindex.php?page=treesubj&link=28978قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي قُلْ أَيُّهَا النَّذِيرُ : إِنَّ عِلْمَ السَّاعَةِ عِنْدَ رَبِّي وَحْدَهُ ، لَيْسَ عِنْدِي وَلَا عِنْدَ غَيْرِي مِنَ الْخَلْقِ شَيْءٌ مِنْهُ - وَهَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ " إِنَّمَا " مِنَ الْحَصْرِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الَّتِي فَسَّرَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَفَاتِحَ الْغَيْبِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=34إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ( 31 : 34 ) أَيْ عِنْدَهُ لَا عِنْدَ أَحَدٍ سِوَاهُ - وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=47إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا ( 41 : 47 ) الْآيَةَ . أَيْ يُرَدُّ إِلَيْهِ وَحْدَهُ لَا إِلَى غَيْرِهِ . وَأَشْبَهُ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30250اسْتِئْثَارِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالسَّاعَةِ بِآيَةِ الْأَعْرَافِ آيَتَانِ : آيَةُ الْأَحْزَابِ ( 33 : 63 ) وَذَكَرْنَاهَا آنِفًا - وَآيَةُ أَوَاخِرِ النَّازِعَاتِ وَمَا بَعْدَهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=42يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=43فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=44إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=45إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=46كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ( 79 : 42 - 46 ) أَيْ إِلَى رَبِّكَ وَحْدَهُ مِنْ دُونِكِ ، وَدُونِ سَائِرِ خَلْقِهِ مُنْتَهَى أَمْرِ السَّاعَةِ الَّذِي يَسْأَلُونَكَ عَنْهُ ، وَإِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ الَّذِينَ يَخْشَوْنَهَا ، وَيَسْتَعِدُّونَ لَهَا لَا تَعْدُو وَظِيفَتُهُ الْإِنْذَارَ وَالتَّعْلِيمَ وَالْإِرْشَادَ .
فَهَذِهِ الْآيَاتُ كَآيَةِ الْأَعْرَافِ سُؤَالًا وَجَوَابًا ، فَالسُّؤَالُ عَنِ السَّاعَةِ مِنْ حَيْثُ إِرْسَاؤُهَا وَمُنْتَهَى أَمْرِهَا ، وَالْجَوَابُ رَدُّ ذَلِكَ إِلَى الرَّبِّ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ رَسُولِهِ ، فَمَا أَخْبَرَهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=44إِلَى رَبِّكِ مُنْتَهَاهَا هُوَ مَا أَمَرَهُ أَنْ يُجِيبَ بِهِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي وَفِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ مَا هُوَ مِنْ شَأْنِ الرَّبِّ ، لَا يَكُونُ لِلْعَبْدِ ، فَهُوَ تَعَالَى قَدْ رَبَّاهُ لِيَكُونَ مُنْذِرًا وَمُبَشِّرًا
[ ص: 390 ] لَا لِلْإِخْبَارِ عَنِ الْغُيُوبِ بِأَعْيَانِهَا وَأَوْقَاتِهَا ، وَالْإِنْذَارُ إِنَّمَا يُنَاطُ بِالْإِعْلَامِ بِالسَّاعَةِ وَأَهْوَالِهَا ، وَالنَّارِ وَسَلَاسِلِهَا وَأَغْلَالِهَا ، وَلَا تَتِمُّ الْفَائِدَةُ مِنْهُ إِلَّا بِإِبْهَامِ وَقْتِهَا ; لِيَخْشَى أَهْلُ كُلِّ زَمَنٍ إِتْيَانَهَا فِيهِ ، وَالْإِعْلَامُ بِوَقْتِ إِتْيَانِهَا وَتَحْدِيدِ تَارِيخِهَا يُنَافِي هَذِهِ الْفَائِدَةَ بَلْ فِيهِ مَفَاسِدٌ أُخْرَى ، فَلَوْ قَالَ الرَّسُولُ لِلنَّاسِ: إِنَّ السَّاعَةَ تَأْتِي بَعْدَ أَلْفَيْ سَنَةٍ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا ، مَثَلًا - وَأَلْفَا سَنَةٍ فِي تَارِيخِ الْعَالَمِ وَآلَافُ السِّنِينَ تُعَدُّ أَجَلًا قَرِيبًا - لَرَأَى الْمُكَذِّبِينَ يَسْتَهْزِئُونَ بِهَذَا الْخَبَرِ ، وَيُلِحُّونَ فِي تَكْذِيبِهِ ، وَالْمُرْتَابِينَ يَزْدَادُونَ ارْتِيَابًا ، حَتَّى إِذَا مَا قَرُبَ الْأَجَلُ وَقَعَ الْمُؤْمِنُونَ فِي رُعْبٍ عَظِيمٍ يُنَغِّصُ عَلَيْهِمْ حَيَاتَهُمْ ، وَيُوقِعُ الشَّلَلَ فِي أَعْضَائِهِمْ ، وَالتَّشَنُّجَ فِي أَعْصَابِهِمْ ، حَتَّى لَا يَسْتَطِيعُونَ عَمَلًا وَلَا يَسِيغُونَ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ وَمَا يَمْلِكُهُ ، مِنْ حَيْثُ يَكُونُ الْكَافِرُونَ آمِنِينَ ، يَسْخَرُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَقَدْ وَقَعَ فِي أُورُبَّةَ أَنْ أَخْبَرَ بَعْضُ رِجَالِ الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ كَانَ يُقَلِّدُهُمُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْقِيَامَةَ تَقُومُ فِي سَنَةِ كَذَا ، فَهُلِعَتِ الْقُلُوبُ ، وَاخْتَلَّتِ الْأَعْمَالُ ، وَأُهْمِلَ أَمْرُ الْعِيَالِ ، وَوَقَفَ الْمُصَدِّقُونَ مَا يَمْلِكُونَ عَلَى الْكَنَائِسِ وَالْأَدْيَارِ ، وَلَمْ تَهْدَأِ الْأَنْفُسُ ، وَيَثُبْ إِلَيْهَا رُشْدُهَا إِلَّا بَعْدَ ظُهُورِ كَذِبِ النَّبَأِ بِمَجِيءِ أَجَلِهِ دُونَ وُقُوعِهِ ، فَالْحِكْمَةُ الْبَالِغَةُ إِذًا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30292إِبْهَامِ أَمْرِ السَّاعَةِ الْعَامَّةِ لِلْعَالَمِ ، وَكَذَا السَّاعَةِ الْخَاصَّةِ بِأَفْرَادِ النَّاسِ ، أَوْ بِالْأُمَمِ وَالْأَجْيَالِ ، وَجَعْلِهَا مِنَ الْغَيْبِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُ فِي إِيضَاحِهِ ، فَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَ حَصْرِ أَمْرِهَا فِي عِلْمِهِ : .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ هَذَا جَوَابٌ عَنْ طَلَبِ مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ الَّذِي يَكُونُ إِرْسَاؤُهَا فِيهِ ، يُقَالُ : جَلَا لِي الْأَمْرُ وَانْجَلَى ، وَجَلَّاهُ فَلَانٌ تَجْلِيَةً بِمَعْنَى: كَشَفَهُ وَأَظْهَرَهُ أَتَمَّ الْإِظْهَارِ . وَاللَّامُ الدَّاخِلَةُ عَلَى وَقْتِهَا تُسَمَّى لَامُ التَّوْقِيتِ كَقَوْلِهِمْ : وَكُتِبَ هَذَا الْكِتَابُ لِغُرَّةِ الْمُحَرَّمِ أَوْ لِعَشْرٍ مَضَيْنَ أَوْ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ . وَالْمَعْنَى : لَا يُكْشَفُ حِجَابُ الْخَفَاءِ عَنْهَا ، وَلَا يُظْهِرُهَا فِي وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ عِنْدَ الرَّبِّ تَعَالَى إِلَّا هُوَ ، فَلَا وَسَاطَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ فِي إِظْهَارِهَا ، وَلَا الْإِعْلَامِ بِمِيقَاتِهَا ، وَإِنَّمَا وَسَاطَةُ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ فِي الْإِنْذَارِ بِهَا .
وَقَفَّى عَلَى هَذَا الْإِيئَاسِ مِنْ عِلْمِ أَمْرِهَا ، وَالْإِنْبَاءِ بِوَقْتِ وُقُوعِهَا بِقَوْلِهِ فِي تَعْظِيمِ شَأْنِهَا وَسِرِّ إِخْفَاءِ وَقْتِهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَيْ: ثَقُلَ وَقْعُهَا وَعَظُمَ أَمْرُهَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَلَى أَهْلِهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَبَّأَهُمْ بِأَهْوَالِهَا ، وَلَمْ يُشْعِرْهُمْ بِمِيقَاتِهَا ، فَهُمْ يَتَوَقَّعُونَ أَمْرًا عَظِيمًا لَا يَدْرُونَ مَتَّى يَفْجَؤُهُمْ وُقُوعُهُ .
رُوِيَ عَنْ
قَتَادَةَ فِي تَفْسِيرِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ قَالَ : ثَقُلَ عِلْمُهَا عَلَى أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ : خَفِيَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَلَا يَعْلَمُ قِيَامَهَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ ، فَهَذَانِ الْقَوْلَانِ تَفْسِيرٌ لِثِقَلِهَا بِفَقْدِ الْعِلْمِ بِهَا ، فَإِنَّ الْمَجْهُولَ ثَقِيلٌ عَلَى النَّفْسِ ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ عَظِيمًا ، وَرُوِيَ عَنِ
ابْنِ مَعْمَرٍ nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ ثِقَلَهَا يَكُونُ يَوْمَ مَجِيئِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=1إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [ ص: 391 ] ( 81 : 1 ) وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=1إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=2وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ( 82 : 1 ، 2 ) وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=4إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=5وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=6فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا 56 : 4 - 6 وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَمْرِ قِيَامِهَا . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ثِقَلِهَا : لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْخَلْقِ إِلَّا يُصِيبُهُ مِنْ ضَرَرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَلِكُلِّ رِوَايَةٍ وَجْهٌ صَحِيحٌ ، وَالْمُتَبَادِرُ مِنَ الْجُمْلَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا ، وَهُوَ يَتَّفِقُ مَعَ جُمْلَةِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً أَيْ: فَجْأَةً عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ ، مِنْ غَيْرِ تَوَقُّعٍ وَلَا انْتِظَارٍ ، وَلَا إِشْعَارٍ وَلَا إِنْذَارٍ ، وَقَدْ تَكَرَّرَ هَذَا الْقَوْلُ فِي التَّنْزِيلِ ، وَجَاءَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الصَّحِيحَيْنِ ، وَاللَّفْظُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070لِلْبُخَارِيِّ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=920071وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ ، وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهِ فَلَا يَطْعَمُهُ ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلَا يُسْقَى فِيهِ ، وَلَتَقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أَحَدُكُمْ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا " وَالْمَعْنَى : أَنَّهَا تَبْغُتُ النَّاسَ وَهُمْ مُنْهَمِكُونَ فِي أُمُورِ مَعَايِشِهِمُ الْمُعْتَادَةِ . وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا قَوْلَهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْحَجِّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=1يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=2يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ( 22 : 1 ، 2 ) .
فَيَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَخَافُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ ، وَأَنْ يَحْمِلَهُمُ الْخَوْفُ عَلَى مُرَاقَبَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَعْمَالِهِمْ فَيَلْتَزِمُوا فِيهَا الْحَقَّ ، وَيَتَحَرَّوُا الْخَيْرَ ، وَيَتَّقُوا الشَّرَّ وَالْمَعَاصِيَ ، وَلَا يَجْعَلُوا حَظَّهُمْ مِنْ أَمْرِ السَّاعَةِ الْجِدَالَ ، وَالْقِيلَ وَالْقَالَ . وَإِنَّنَا نَرَى بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ قَدْ شَغَلُوا الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ بِبَحْثٍ افْتَجَرَهُ بَعْضُ الْغُلَاةِ ، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَبْقَ طُولَ عُمْرِهِ لَا يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ الْكَثِيرَةُ بَلْ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بَلْ زَعَمَ أَنَّهُ أَطْلَعَهُ عَلَى كُلِّ مَا فِي عِلْمِهِ ، فَصَارَ عِلْمُهُ كَعِلْمِ رَبِّهِ ، أَيْ صَارَ نِدًّا وَشَرِيكًا لِلَّهِ تَعَالَى فِي صِفَةِ الْعِلْمِ الْمُحِيطِ بِالْغُيُوبِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا ، وَمِنْ أَصُولِ التَّوْحِيدِ أَنَّهُ تَعَالَى لَا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَاتِهِ ، وَلَا فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30175وَالرَّسُولُ عَبْدُ اللَّهِ لَا يَعْلَمُ مِنَ الْغَيْبِ إِلَّا مَا أَوْحَاهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ لِأَدَاءِ وَظِيفَةِ التَّبْلِيغِ ، وَسَتَزْدَادُ عِلْمًا بِبُطْلَانِ هَذَا الْغُلُوِّ خَاصَّةً فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ التَّالِيَةِ ، وَلَكِنَّ الْغُلَاةَ يَرَوْنَ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي مَدْحِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَعْظِيمِهِ أَنْ تَكُونَ صِفَاتُهُ دُونَ صِفَاتِ رَبِّهِ وَإِلَهِهِ وَخَالِقِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ ، فَكَذَّبُوا كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَشَبَّهُوا بِهِ بَعْضَ عَبِيدِهِ إِرْضَاءً لِغُلُوِّهِمْ ، وَمِثْلُ هَذَا الْغُلُوِّ لَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ
[ ص: 392 ] تَعَالَى أَنْ يُعْلِمَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِوَقْتِ السَّاعَةِ ، بَعْدَ كُلِّ مَا أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ فِي إِخْفَائِهَا وَاسْتِئْثَارِهِ بِعِلْمِهِ ، لَمَا أَكَّدَ كُلَّ هَذَا التَّأْكِيدِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا إِلَخْ . يَسْأَلُونَكَ هَذَا السُّؤَالَ كَأَنَّكَ حَفِيُّ مُبَالِغٌ فِي سُؤَالِ رَبِّكَ عَنْهَا - أَوْ يَسْأَلُونَكَ عَنْهَا كَأَنَّكَ حَفِيٌّ بِهِمْ - فَعَنْهَا مُتَعَلِّقٌ بِـ " يَسْأَلُونَكَ " ، وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187كَأَنَّكَ حَفِيٌّ مُعْتَرِضَةٌ . قَالَ فِي مَجَازِ الْأَسَاسِ : أَحْفَى فِي السُّؤَالِ : أَلْحَفَ . . . وَهُوَ حَفِيٌّ عَنِ الْأَمْرِ : بَلِيغٌ فِي السُّؤَالِ عَنْهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا وَقَالَ
الْأَعْشَى :
فَإِنْ تَسْأَلِي عَنِّي فَيَا رُبَّ سَائِلٍ حَفِيٍّ عَنِ الْأَعْشَى بِهِ حَيْثُ أَصْعَدَا
واسْتَحْفَيْتُهُ عَنْ كَذَا : اسْتَخْبَرْتُهُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ . وَتَحَفَّى بِي فُلَانٌ ، وَحَفِيَ بِي حَفَاوَةً ، إِذَا تَلَطَّفَ بِكَ ، وَبَالَغَ فِي إِكْرَامِكَ اهـ . أَقُولُ : وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ خَلِيلِهِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا وَآلِهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=47إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ( 19 : 47 ) .
وَفِي تَفْسِيرِ
ابْنِ كَثِيرٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16574الْعَوْفِيِّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا يَقُولُ : كَأَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ مَوَدَّةً كَأَنَّكَ صَدِيقٌ لَهُمْ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا سَأَلَ النَّاسُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ السَّاعَةِ سَأَلُوهُ سُؤَالَ قَوْمٍ كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ
مُحَمَّدًا حَفِيٌّ بِهِمْ ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَهُ ، اسْتَأْثَرَ بِهِ فَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ مَلَكًا مُقَرَّبًا وَلَا رَسُولًا . وَقَالَ
قَتَادَةُ : قَالَتْ
قُرَيْشٌ لِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ قَرَابَةً فَأَشِرْ إِلَيْنَا مَتَى السَّاعَةُ ؟ فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا وَكَذَا رُوِيَ عَنْ
مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَأَبِي مَالِكٍ وَالسُّدِّيِّ ، هَذَا قَوْلٌ ، وَالصَّحِيحُ عَنْ
مُجَاهِدٍ مِنْ رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ وَغَيْرِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قَالَ : اسْتَحْفَيْتُ عَنْهَا السُّؤَالَ حَتَّى عَلِمْتُ وَقْتَهَا . وَكَذَا قَالَ
الضَّحَّاكُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا يَقُولُ : كَأَنَّكَ عَالِمٌ بِهَا ، لَسْتَ تَعْلَمُهَا ، قُلْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَقَالَ
مَعْمَرٌ عَنْ بَعْضِهِمْ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا كَأَنَّكَ عَالِمٌ بِهَا ، وَقَدْ أَخْفَى اللَّهُ عِلْمَهَا عَنْ خَلْقِهِ . وَقَرَأَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=34إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ( 31 : 34 ) الْآيَةَ . قَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ : وَهَذَا الْقَوْلُ أَرْجَحُ فِي الْمَعْنَى مِنَ الْأَوَّلِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ ، وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ هَذَا تَكْرَارٌ لِلْجَوَابِ فِي إِثْرِ تَكْرَارِ السُّؤَالِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّأْكِيدِ وَالْإِيئَاسِ مِنَ الْعِلْمِ بِوَقْتِ مَجِيئِهَا ، وَتَخْطِئَةِ مَنْ يَسْأَلُونَ عَنْهُ ، وَقَدْ ذُكِرَ هُنَا اسْمُ الْجَلَالَةِ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّهُ مِمَّا اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهِ لِذَاتِهِ ، كَمَا أَشْعَرَ مَا قَبْلَهُ بِأَنَّهُ مِنْ شُئُونِ رُبُوبِيَّتِهِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا مِمَّا يَسْتَحِيلُ عَلَى خَلْقِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=187وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ اخْتِصَاصَ عِلْمِهَا بِهِ تَعَالَى وَلَا حِكْمَةَ ذَلِكَ ، وَلَا أَدَبَ السُّؤَالِ ، وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَقَامِ ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُ ذَلِكَ الْقَلِيلُونَ ، وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ بِمَا جَاءَ مِنْ أَخْبَارِهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَبِالسَّمَاعِ مِنْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَالَّذِينِ حَضَرُوا تَمَثُّلَ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِصِفَةِ رَجُلٍ وَسُؤَالَهُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْإِيمَانِ
[ ص: 393 ] وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ ثُمَّ عَنِ السَّاعَةِ . وَقَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ عِنْدَ السُّؤَالِ الْأَخِيرِ : " وَمَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ " يَعْنِي أَنَّنَا سَوَاءٌ فِي هَذَا الْأَمْرِ ، لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنَّا مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ .