الاختلاف والاضطراب في أحاديث المهدي     : 
( منها ) أن أشهر الروايات في اسمه واسم أبيه عند أهل السنة أنه محمد بن عبد الله  ، وفي رواية : أحمد بن عبد الله  ، والشيعة الإمامية  متفقون على أن  محمد بن الحسن العسكري  وهما الحادي عشر والثاني عشر من أئمتهم المعصومين ، ويلقبونه بالحجة والقائم والمنتظر ، ويقولون : إنه دخل السرداب في دار أبيه في مدينة ( سر من رأى    ) التي تسمى الآن " سامرا    " سنة 265 وله من العمر تسع سنين ، وأنه لا يزال في السرداب حيا ، وقد رفع إليه بعض علمائهم المتأخرين أسئلة شرعية في رقاع كانوا يلقونها ، وزعموا أنهم كانوا يجدون فتاواه مدونة فيها ، ومسائل هذه الرقاع عندهم أصح المسائل والأحكام وهم كلما ذكروه يقرنون اسمه بحرفي العين والجيم هكذا ( عج ) وهما مقتطفتان من جملة : عجل الله خلاصه . 
وزعمت الكيسانية  أن المهدي هو محمد بن الحنفية  ، وأنه حي مقيم بجبل رضوى  بين أسدين يحفظانه ، وعنده عينان نضاختان يفيضان ماء وعسلا ومعه أربعون من أصحابه فقولهم فيه كقول الإمامية  في المهدي بن الحسن العسكري ،  ورضوى  بفتح الراء جبل جهينة من أرض الحجاز  على مسيرة يوم من ينبع ،  وسبع مراحل من المدينة المنورة  ويقال : إن السنوسية  يعتقدون أن شيخهم المهدي السنوسي  هو الإمام المنتظر . ومنهم من يقول إنه اختفى ، وقد بلغنا أنهم كانوا إذا سئلوا عن موته يقولون الحي يموت . ولا يقولون إنه قد مات . 
وروي عن  كعب الأحبار  أنه قال : إنما سمي بالمهدي    ; لأنه يهدي إلى أمر خفي وسيخرج التوراة والإنجيل من أرض يقال لها أنطاكية  ، وفي رواية أخرى عنه إنما سمي المهدي    : لأنه يهدي إلى أسفار التوراة فيستخرجها من جبال الشام ،  ويدعو إليها اليهود  فتسلم على تلك الكتب جماعة كثيرة ، رواهما أبو نعيم  في كتاب الفتن ، وروي مثل ذلك عن  أبي عمرو الداني  ، وإنما هو مأخوذ من تضليلات  كعب الأحبار    . 
والمشهور في نسبه : أنه علوي فاطمي من ولد الحسن  ، وفي بعض الروايات : ولد الحسين ،  وهو يوافق قول الشيعة الإمامية  ، وهنالك عدة أحاديث مصرحة بأنه من ولد العباس    . ( منها ) ما رواه الرافعي  عن  ابن عباس  أنه - صلى الله عليه وسلم - قال للعباس    :   " ألا أبشرك يا عم ؟ إن من ذريتك الأصفياء ، ومن عترتك الخلفاء ، ومنك المهدي في آخر   [ ص: 419 ] الزمان ، به ينشر الله الهدى ويطفئ نيران الضلالة ، إن الله فتح بنا هذا الأمر وبذريتك يختم " ومن حديث  ابن عساكر  عنه مرفوعا أيضا " اللهم انصر العباس  وولد العباس    ( ثلاثا ) يا عم أم علمت أن المهدي  من ولدك موفقا مرضيا   " قال ابن حجر    : رجاله ثقات ، وفي معناهما أحاديث أخرى  لأبي هريرة   وأم سلمة  وعلي ،  وفي حديثه التصريح بأن المراد بالمهدي  ثالث خلفاء بني العباس    . 
وفي معناه حديث  أبي هريرة  المعروف عندهم بحديث الرايات ، وذكره ابن خلدون  من حديث  ابن مسعود  مرفوعا إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإن أهل بيتي سيلقون من بعدي بلاء وتشريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود إلخ . وهو من طريق يزيد أبي زياد  وهو من شيعة الكوفة   ضعفه الأكثرون ، وروى له مسلم  مقرونا بغيره ، وقال شعبة  فيه : كان رفاعا ، أي يرفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الأحاديث التي لا تعرف مرفوعة ، وصرحوا بضعف حديثه هذا . وهنالك أحاديث أخرى في نسبة المهدي  إلى العباس ،  وعن  ابن عباس  عند البيهقي  وأبي نعيم   والخطيب البغدادي  روايات في التصريح بأن المهدي  المنتظر هو العباسي ، وذكر قبله  السفاح  والمنصور    . وأهل الرواية يتكلفون الجمع بين هذه الروايات وما يعارضها باحتمال أن يكون لكل من العباس  والحسن  والحسين  فيه ولادة بعضها من جهة الأب وبعضها جهة الأم ، قاله ابن حجر  في القول المختصر ، وتبعه الشوكاني  وغيره ، ولكن ألفاظ الأحاديث لا تتفق مع هذا الجمع ، على أنه لم يرد في أم المهدي  شيء من هذه الروايات على كثرتها . 
وسبب هذا الاختلاف أن الشيعة  كانوا يسعون لجعل الخلافة في آل الرسول - صلى الله عليه وسلم - من ذرية علي  رضوان الله عليهم ، ويضعون الأحاديث تمهيدا لذلك ففطن لهذا الأمر العباسيون  فاستمالوا بعضهم ، ورأى  أبو مسلم الخراساني  وعصبيته أن آل علي   يغلب عليهم الزهد ، وأن بني العباس  كبني أمية  في الطمع في الملك فعمل لهم توسلا بهم إلى تحويل عصبية الخلافة إلى الفرس  ، تمهيدا لإعادة الملك والمجوسية وحينئذ وضعت أحاديث المهدي  مشيرة إلى العباسيين  مصرحة بشارتهم ( السواد ) وأشهرها حديث  ثوبان  المرفوع في سنن  ابن ماجه  يقتتل عند كنزكم هذا ثلاثة كلهم ابن خليفة ، ثم لا تصير إلى أحد منهم ، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونهم قتلا لم يقتله قوم - ثم ذكر شيئا لا أحفظه - فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي قال السندي  في حاشيته على  ابن ماجه ،  وفي مجمع الزوائد هذا إسناد صحيح رجاله ثقات . رواه الحاكم  في المستدرك وقال صحيح على   [ ص: 420 ] شريط الشيخين اهـ . فهو مثال لأصح ما رووه في المهدي  ولكن في إسناده  عبد الرازق بن همام الصنعاني  الشهير وهو معروف بالتشيع ، وعمي في آخر عمره فخلط ، وكان من مشايخه عمه  وهب بن منبه  وناهيك به - وفي سنده إلى  ثوبان   أبو قلابة   وسفيان الثوري  وهما مدلسان ، وقد عنعنا في هذا الحديث ، ولم يقولا إنهما سمعاه فإذا أضفت إلى هذا طعن الطاعنين في عبد الرازق ،  ومنهم  ابن عدي  القائل : إنه حدث بأحاديث في الفضائل لم يوافقه عليها أحد ، وما هو أعظم من ذلك من رمي بعضهم إياه بالكذب على مكانته من هذا الفن . - وإذا تذكرت مع أن أحاديث الفتن والساعة عامة ، وأحاديث المهدي  خاصة ، وأنها كانت مهب رياح الأهواء والبدع ، وميدان فرسان الأحزاب والشيع ، - تبين لك أين تضع هذه الرواية منها . 
ولما انقضى أمر بني العباس  ، وكانت الأحاديث قد دونت ، لم يسع القائلين بظهور المهدي  إلا أن يقولوا : إن الرايات السود المروية فيها غير رايات بني العباس  ، على أن خصومهم كانوا قد رووا في معارضتها روايات ناطقة بأن رايات المهدي  تكون صفرا ، وروايات في أن ظهوره من المغرب لا من المشرق . 
قال محمد بن الصامت    : قلت للحسين بن علي    - رضي الله عنهما - : أما من علامة بين يدي هذا الأمر ؟ - يعني ظهور المهدي     - قال : بلى . قلت : وما هي ؟ قال : هلاك بني العباس  وخروج السفياني والخسف بالبيداء . قلت : جعلني الله فداك ، أخاف أن يطول هذا الأمر . فقال : إنما هو كنظام سلك يتبع بعضه بعضا   . ورووا عن أمير المؤمنين علي    - رضي الله عنه - وكرم وجهه قال : تكون في الشام  رجفة يهلك فيها أكثر من مائة ألف يجعلها الله رحمة للمؤمنين ، وعذابا على المنافقين ، فإن كان كذلك فانظروا إلى أصحاب البراذين الشهب والرايات الصفر تقبل من المغرب  حتى تحل بالشام  ، وذلك عند الجوع الأكبر ، والموت الأحمر ، فإذا كان ذلك فانظروا خسف قرية من قرى دمشق  يقال لها ( حرستا    ) فإذا كان خرج ابن آكلة الأكباد من الوادي اليابس حتى يستوي على منبر دمشق  ، فإذا كان ذلك كله فانظروا خروج المهدي    . انتهى الأثر المروي عن أمير المؤمنين ، ونحن نعلم أن ابن آكلة الأكباد لقب معاوية    ; لأن أمه أخرجت قلب حمزة  سيد الشهداء . رضوان الله عليه يوم قتل في أحد  فمضغته ، وكانت هذه الرواية قد وضعت فيما يظهر بعد أمير المؤمنين; للتبشير بانتقام المهدي  من معاوية    ; ثم حملوها على السفياني الذي كثرت الروايات في خروجه قبل المهدي  ، وقالوا : إنه من ولد خالد بن يزيد بن أبي سفيان  ، وإنه أحد الخوارج  الذين يتقدمونه بل شرهم ، والآخرون هم الملقبون بالأبقع والأصهب والأعرج والكندي والجرهمي والقحطاني ، ولفارس ميدان الخرافات الإسرائيلية  كعب الأحبار  تفصيلات لخروج هؤلاء ، هي كالتفسير للأثر العلوي الموضوع ، تراجع في فوائد الفكر للشيخ مرعي  ، وعقائد السفاريني  وغيرها . 
 [ ص: 421 ] فهذا نموذج من تعارض الروايات وتهافتها في المهدي  ، ولو ذكرنا ما في كتب الشيعة  والمتصوفة  في ذلك لجئنا بالعجب العجاب ، وتمحيص القول فيها لا يتم إلا بسفر مستقل . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					