[ ص: 431 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189nindex.php?page=treesubj&link=28978_32404هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=190فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=191أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=192ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=193وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون افتتحت هذه السورة بدعوة القرآن إلى دين التوحيد ، والأمر باتباع ما أنزل الله ، والنهي عن اتباع أولياء من دونه ، وتلاه التذكير بنشأة الإنسان الأولى في الخلق والتكوين ، والعداوة بينه وبين الشيطان ، ثم اختتمت بهذه المعاني وهو التذكير بالنشأة الأولى . والنهي عن الشرك ، واتباع وسوسة الشيطان ، والأمر بالتوحيد واتباع القرآن ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هو الذي خلقكم من نفس واحدة أي: خلقكم من جنس واحد أو حقيقة واحدة ، صورها بشرا سويا
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189وجعل منها زوجها ليسكن إليها سكونا زوجيا ، أي: جعل لها زوجا من جنسها فكانا زوجين ذكرا وأنثى كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ( 49 : 13 ) كما أنه خلق من كل جنس وكل نوع من الأحياء زوجين اثنين ، قال عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=49ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ( 51 : 49 ) وإننا نشاهد أن كل خلية من الخلايا التي ينمى بها الجسم الحي تنطوي على نويتين ذكر وأنثى ، يقترنان فيولد بينهما خلية أخرى ، وهلم جرا ، ونعلم أيضا كيف يتكون في الأرحام كل من الزوجين كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=45وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=46من نطفة إذا تمنى ( 53 : 45 ، 46 ) ولكننا لا ندري كيف ازدوجت النفس الأولى بعد وحدتها فكانت ذكرا وأنثى ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم ( 18 : 51 ) وفي التوراة التي عند أهل
[ ص: 432 ] الكتاب أن
حواء خلقت من ضلع من أضلاع
آدم ، وقد أمرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - ألا نصدق
أهل الكتاب ولا نكذبهم ، أي فيما لا نص فيه عندنا لاحتماله ، فنحن نعمل بأمره - صلى الله عليه وسلم - في هذا الخبر ، وإن حمل علينا بعض المفسرين وغيرهم حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=920101استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج ، فاستوصوا بالنساء رواه الشيخان من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا . فإن المتبادر منه الذي اعتمده الشراح في تفسيره أن المراد بخلقها منه أنها ذات اعوجاج وشذوذ تخالف به الرجل ، كما يشير إليه ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابن حبان عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003410إن المرأة خلقت من ضلع أعوج " فهو على حد قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37خلق الإنسان من عجل ( 21 : 37 ) وقال الحافظ في شرحه من الفتح : قيل فيه إشارة إلى أن
حواء خلقت من ضلع
آدم الأيسر ، وقيل من ضلعه القصير . أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق وزاد
اليسرى من قبل أن يدخل الجنة ، وجعل مكانه لحم ، ومعنى خلقت أي أخرجت كما تخرج النخلة من النواة اهـ . فتأمل جعل الحافظ المسألة من باب الإشارة ، وحكايته لها بصيغة التضعيف ، وما ذكره من تفسيرها الغريب بتشبيه خلق الإنسان بخلق النبات ، وظاهره أنه لم يطلع - على سعة حفظه - على قول لمن لم يعتد بأقوالهم من علماء السلف ومحققي الخلف في المسألة ، ونذكر أن الله تعالى خاطب الناس في عصر التنزيل بمثل ما حكاه في هذه الآية عن نشأة جنسهم في كونه تعالى خلق لهم أزواجا من أنفسهم ، فقال في بيان آياته في سورة الروم :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ( 30 : 21 ) فهذا المعنى عام لا خاص بالإنسان الأول .
عبر التنزيل عن ميل الزوج الجنسي إلى جنسه هنا ، وفي سورة الروم بالسكون ، وذلك أن المرء إذا بلغ سن الحياة الزوجية يجد في نفسه اضطرابا خاصا ، لا يسكن إلا إذا اقترن بزوج من جنسه واتحدا ، ذلك الاقتران والاتحاد الذي لا تكمل حياتهما الجنسية المنتجة إلا به ، ولذلك قال بعده :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فلما تغشاها إلخ . الغشاء غطاء الشيء الذي يستره من فوقه ، والغاشية الظلة تظله من سحابة وغيرها
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=1والليل إذا يغشى ( 92 : 1 ) أي يحجب الأشياء ويسترها بظلامه ، وتغشاها أتاها كغشيها ويزيد ما تعطيه صيغة التفعل من جهد ، وهو كناية نزيهة عن أداء وظيفة الزوجية ، تشير إلى أن مقتضى الفطرة وأدب الشريعة فيها الستر ، ولفظ النفس مؤنث فأنث في أول الآية ، ولفظ الزوج يطلق على الذكر والأنثى ، ولهذا ذكر هنا فاعل التغشي وأنث مفعوله . أي فلما تغشى الزوج الذي هو الذكر الزوج التي هي الأنثى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189حملت حملا خفيفا أي علقت منه وهو الحبل ، والحمل بالفتح يطلق على المصدر وعلى المحمول ، والمشهور أنه خاص بما كان في بطن أو على شجرة ، وأن ما حمل على ظهر ونحوه يسمى حملا بكسر الحاء . والحمل هاهنا يحتمل المعنيين ، وهو يكون في أول العهد خفيفا
[ ص: 433 ] لا تكاد المرأة تشعر به . وقد تستدل عليه بارتفاع حيضتها
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فمرت به أي فمضت به إلى وقت ميلاده من غير إخداج ولا إزلاق كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ، أو استمرت في أعمالها وقضاء حاجتها من غير مشقة ولا استثقال
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فلما أثقلت أي حان وقت ثقل حملها وقرب وضعها
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين أي: توجها إلى الله تعالى ربهما يدعوانه فيما انحصر همهما فيه بعد تمام الحمل على سلامة بأن يعطيهما ولدا صالحا ، أي سويا تام الخلق يصلح للقيام بالأعمال البشرية النافعة - ولا ينبغي أن يدعو العبد غير ربه ، فيما لا يملك هو ولا غيره من العبيد أسبابه ، دعواه مخلصين مقسمين له على ما وطنا عليه أنفسهما من الشكر له على هذه النعمة ، قائلين لئن أعطيتنا ولدا صالحا لنكونن من القائمين لك بحق الشكر قولا وعملا واعتقادا وإخلاصا ، كما يدل عليه الوصف المعرف .
[ ص: 431 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189nindex.php?page=treesubj&link=28978_32404هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=190فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=191أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=192وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=193وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ افْتُتِحَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِدَعْوَةِ الْقُرْآنِ إِلَى دِينِ التَّوْحِيدِ ، وَالْأَمْرِ بِاتِّبَاعِ مَا أَنْزِلَ اللَّهُ ، وَالنَّهْيِ عَنِ اتِّبَاعِ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ ، وَتَلَاهُ التَّذْكِيرُ بِنَشْأَةِ الْإِنْسَانِ الْأُولَى فِي الْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ ، وَالْعَدَاوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ ، ثُمَّ اخْتُتِمَتْ بِهَذِهِ الْمَعَانِي وَهُوَ التَّذْكِيرُ بِالنَّشْأَةِ الْأُولَى . وَالنَّهْيُ عَنِ الشِّرْكِ ، وَاتِّبَاعِ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ ، وَالْأَمْرُ بِالتَّوْحِيدِ وَاتِّبَاعُ الْقُرْآنِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ أَيْ: خَلَقَكُمْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ حَقِيقَةٍ وَاحِدَةٍ ، صَوَّرَهَا بَشَرًا سَوِيًّا
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا سُكُونًا زَوْجِيًّا ، أَيْ: جَعَلَ لَهَا زَوْجًا مِنْ جِنْسِهَا فَكَانَا زَوْجَيْنِ ذَكَرًا وَأُنْثَى كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ( 49 : 13 ) كَمَا أَنَّهُ خَلَقَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ وَكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْأَحْيَاءِ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=49وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( 51 : 49 ) وَإِنَّنَا نُشَاهِدُ أَنَّ كُلَّ خَلِيَّةٍ مِنَ الْخَلَايَا الَّتِي يُنَمَّى بِهَا الْجِسْمُ الْحَيُّ تَنْطَوِي عَلَى نُوَيَّتَيْنِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ، يَقْتَرِنَانِ فَيُوَلَّدُ بَيْنَهُمَا خَلِيَّةٌ أُخْرَى ، وَهَلُمَّ جَرَّا ، وَنَعْلَمُ أَيْضًا كَيْفَ يَتَكَوَّنُ فِي الْأَرْحَامِ كُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=45وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=46مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ( 53 : 45 ، 46 ) وَلَكِنَّنَا لَا نَدْرِي كَيْفَ ازْدَوَجَتِ النَّفْسُ الْأُولَى بَعْدَ وَحْدَتِهَا فَكَانَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=51مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ ( 18 : 51 ) وَفِي التَّوْرَاةِ الَّتِي عِنْدَ أَهْلِ
[ ص: 432 ] الْكِتَابِ أَنَّ
حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ مِنْ أَضْلَاعِ
آدَمَ ، وَقَدْ أَمَرَنَا نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَّا نُصَدِّقَ
أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا نُكَذِّبَهُمْ ، أَيْ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ عِنْدَنَا لِاحْتِمَالِهِ ، فَنَحْنُ نَعْمَلُ بِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْخَبَرِ ، وَإِنْ حَمَلَ عَلَيْنَا بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرُهُمْ حَدِيثَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=920101اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلْعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمَهُ كَسَرْتَهُ ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا . فَإِنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الشُّرَّاحُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِخَلْقِهَا مِنْهُ أَنَّهَا ذَاتُ اعْوِجَاجٍ وَشُذُوذٍ تُخَالِفُ بِهِ الرَّجُلَ ، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ مَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13053ابْنُ حِبَّانَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003410إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ أَعْوَجَ " فَهُوَ عَلَى حَدِّ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=37خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ( 21 : 37 ) وَقَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِهِ مِنَ الْفَتْحِ : قِيلَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ
حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعِ
آدَمَ الْأَيْسَرِ ، وَقِيلَ مِنْ ضِلْعِهِ الْقَصِيرِ . أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ وَزَادَ
الْيُسْرَى مِنْ قَبْلِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ، وَجُعِلَ مَكَانَهُ لَحْمٌ ، وَمَعْنَى خُلِقَتْ أَيْ أُخْرِجَتْ كَمَا تَخْرُجُ النَّخْلَةُ مِنَ النَّوَاةِ اهـ . فَتَأَمَّلْ جَعْلَ الْحَافِظِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ ، وَحِكَايَتَهُ لَهَا بِصِيغَةِ التَّضْعِيفِ ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ تَفْسِيرِهَا الْغَرِيبِ بِتَشْبِيهِ خَلْقِ الْإِنْسَانِ بِخَلْقِ النَّبَاتِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ - عَلَى سِعَةِ حِفْظِهِ - عَلَى قَوْلٍ لِمَنْ لَمْ يُعْتَدَّ بِأَقْوَالِهِمْ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَمُحَقِّقِي الْخَلَفِ فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَنَذْكُرُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ النَّاسَ فِي عَصْرِ التَّنْزِيلِ بِمِثْلِ مَا حَكَاهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ نَشْأَةِ جِنْسِهِمْ فِي كَوْنِهِ تَعَالَى خَلَقَ لَهُمْ أَزْوَاجًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَقَالَ فِي بَيَانِ آيَاتِهِ فِي سُورَةِ الرُّومِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=21وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ( 30 : 21 ) فَهَذَا الْمَعْنَى عَامٌّ لَا خَاصٌّ بِالْإِنْسَانِ الْأَوَّلِ .
عَبَّرَ التَّنْزِيلُ عَنْ مَيْلِ الزَّوْجِ الْجِنْسِيِّ إِلَى جِنْسِهِ هُنَا ، وَفِي سُورَةِ الرُّومِ بِالسُّكُونِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَرْءَ إِذَا بَلَغَ سِنَّ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ اضْطِرَابًا خَاصًّا ، لَا يَسْكُنُ إِلَّا إِذَا اقْتَرَنَ بِزَوْجٍ مِنْ جِنْسِهِ وَاتَّحَدَا ، ذَلِكَ الِاقْتِرَانُ وَالِاتِّحَادُ الَّذِي لَا تَكْمُلُ حَيَاتُهُمَا الْجِنْسِيَّةُ الْمُنْتِجَةُ إِلَّا بِهِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْدَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فَلَمَّا تَغَشَّاهَا إِلَخْ . الْغِشَاءُ غِطَاءُ الشَّيْءِ الَّذِي يَسْتُرُهُ مِنْ فَوْقِهِ ، وَالْغَاشِيَةُ الظُّلَّةُ تُظِلُّهُ مِنْ سَحَابَةٍ وَغَيْرِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=1وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ( 92 : 1 ) أَيْ يَحْجُبُ الْأَشْيَاءَ وَيَسْتُرُهَا بِظَلَامِهِ ، وَتَغَشَّاهَا أَتَاهَا كَغَشِيَهَا وَيَزِيدُ مَا تُعْطِيهِ صِيغَةُ التَّفَعُّلِ مِنْ جُهْدٍ ، وَهُوَ كِنَايَةٌ نَزِيهَةٌ عَنْ أَدَاءِ وَظِيفَةِ الزَّوْجِيَّةِ ، تُشِيرُ إِلَى أَنَّ مُقْتَضَى الْفِطْرَةِ وَأَدَبَ الشَّرِيعَةِ فِيهَا السِّتْرُ ، وَلَفْظُ النَّفْسِ مُؤَنَّثٌ فَأُنِّثَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ ، وَلَفْظُ الزَّوْجِ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ، وَلِهَذَا ذُكِرَ هُنَا فَاعِلُ التَّغَشِّي وَأُنِّثَ مَفْعُولُهُ . أَيْ فَلَمَّا تَغَشَّى الزَّوْجُ الَّذِي هُوَ الذَّكَرُ الزَّوْجَ الَّتِي هِيَ الْأُنْثَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا أَيْ عَلِقَتْ مِنْهُ وَهُوَ الْحَبَلُ ، وَالْحَمْلُ بِالْفَتْحِ يُطْلَقُ عَلَى الْمَصْدَرِ وَعَلَى الْمَحْمُولِ ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِمَا كَانَ فِي بَطْنٍ أَوْ عَلَى شَجَرَةٍ ، وَأَنَّ مَا حُمِلَ عَلَى ظَهْرٍ وَنَحْوِهِ يُسَمَّى حِمْلًا بِكَسْرِ الْحَاءِ . وَالْحَمْلُ هَاهُنَا يَحْتَمِلُ الْمَعْنَيَيْنِ ، وَهُوَ يَكُونُ فِي أَوَّلِ الْعَهْدِ خَفِيفًا
[ ص: 433 ] لَا تَكَادُ الْمَرْأَةُ تَشْعُرُ بِهِ . وَقَدْ تَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ بِارْتِفَاعِ حَيْضَتِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فَمَرَّتْ بِهِ أَيْ فَمَضَتْ بِهِ إِلَى وَقْتِ مِيلَادِهِ مِنْ غَيْرِ إِخْدَاجٍ وَلَا إِزْلَاقٍ كَمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ، أَوِ اسْتَمَرَّتْ فِي أَعْمَالِهَا وَقَضَاءِ حَاجَتِهَا مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ وَلَا اسْتِثْقَالٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189فَلَمَّا أَثْقَلَتْ أَيْ حَانَ وَقْتُ ثِقَلِ حَمْلِهَا وَقَرُبَ وَضْعُهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=189دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ أَيْ: تَوَجَّهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى رَبِّهُمَا يَدْعُوَانِهِ فِيمَا انْحَصَرَ هَمُّهُمَا فِيهِ بَعْدَ تَمَامِ الْحَمْلِ عَلَى سَلَامَةٍ بِأَنْ يُعْطِيَهُمَا وَلَدًا صَالِحًا ، أَيْ سَوِيًّا تَامَّ الْخَلْقِ يَصْلُحُ لِلْقِيَامِ بِالْأَعْمَالِ الْبَشَرِيَّةِ النَّافِعَةِ - وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ الْعَبْدُ غَيْرَ رَبِّهِ ، فِيمَا لَا يَمْلِكُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الْعَبِيدِ أَسْبَابَهُ ، دَعَوَاهُ مُخْلِصَيْنِ مُقْسِمَيْنِ لَهُ عَلَى مَا وَطَّنَا عَلَيْهِ أَنْفُسَهُمَا مِنَ الشُّكْرِ لَهُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ ، قَائِلَيْنِ لَئِنْ أَعْطَيْتَنَا وَلَدًا صَالِحًا لَنَكُونُنَّ مِنَ الْقَائِمِينَ لَكَ بِحَقِّ الشُّكْرِ قَوْلًا وَعَمَلًا وَاعْتِقَادًا وَإِخْلَاصًا ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْوَصْفُ الْمُعَرَّفُ .