nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204nindex.php?page=treesubj&link=28978_32240_948_32813وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=206إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون [ ص: 461 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون هذه دلالة على الطريقة الموصلة لنيل الرحمة بالقرآن ، والحصانة من نزغ الشيطان ، وهي الاستماع له إذا قرئ ، والإنصات مدة القراءة ، والاستماع أبلغ من السمع ، ولأنه إنما يكون بقصد ونية وتوجيه الحاسة إلى الكلام لإدراكه ، والسمع ما يحصل ولو بغير قصد ، والإنصات: السكوت لأجل الاستماع حتى لا يكون شاغلا عن الإحاطة بكل ما يقرأ . فمن استمع وأنصت كان جديرا بأن يفهم ويتدبر ، وهو الذي يرجى أن يرحم . والآية تدل على وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=32240الاستماع والإنصات للقرآن إذا قرئ ، قيل مطلقا سواء كانت القراءة في الصلاة أو خارجها ، وهو مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، وعليه أهل الظاهر ، وخصه الجمهور بقراءة الرسول صلى الله عليه وسلم في عهده ، وبقراءة الصلاة والخطبة من بعده ، وزعم بعضهم أن الآية نزلت في خطبة الجمعة وهو غلط ; فإن الآية مكية وصلاة الجمعة شرعت بعد الهجرة ، وقال بعضهم : إن الأمر للندب لا للوجوب ، ولكن روي أنهم كانوا يتكلمون في الصلاة فحرم بنزولها الكلام فيها .
وحكى
ابن المنذر الإجماع على عدم وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=948_32813الاستماع والإنصات في غير الصلاة والخطبة . وذلك أن إيجابهما على كل من يسمع أحدا يقرأ ، فيه حرج عظيم; لأنه يقتضي أن يترك له المشتغل بالعلم علمه ، والمشتغل بالحكم حكمه ، والمبتاعان مساومتهما وتعاقدهما وكل ذي شغل شغله . فأما قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فكان بعضها تبليغا للتنزيل وبعضها وعظا وإرشادا ، فلا يسع أحدا من المسلمين يسمعه يقرأ أن يعرض عن الاستماع أو يتكلم بما يشغله أو يشغل غيره عنه . وهذا شأن المصلي مع إمامه وخطيبه ; إذ هو موضوع الصلاة والواجب فيها ; ولهذا استدلوا بالآية على امتناع القراءة خلف الإمام في الصلاة الجهرية ، واستثنى بعضهم الفاتحة لما ورد في الأحاديث الصحيحة من أن الصلاة لا تجزئ بدونها جمعا بين النصوص . وورد في السنة سكوت الإمام بقدر ما يقرأ المأموم الفاتحة . على أنه إذا قرأ الفاتحة مع الإمام أو بعده آية آية لا يعد غير مستمع للقرآن ، ولا غير منصت ، وقد بينا تحقيق الحق في قراءة الفاتحة للمأموم كغيره في متممات تفسيرها من الجزء الأول .
ومن فروع طلب الاستماع والإنصات أن القارئ لا يطلب منه ترك قراءته للاستماع لقارئ آخر ، بل يختار لنفسه ما يراه خيرا لها من الأمرين ، فقد يخشع بعض الناس بقراءة نفسه ، ويخشع آخر بالاستماع من غيره ، أو من بعض القراء دون بعض ، وإذا تعدد القراء في مكان استمع كل حاضر لمن كان أقرب إليه أو لمن يرى قراءته أشد تأثيرا في نفسه . وما يفعله جماهير الناس في المحافل التي يقرأ فيها القرآن
بمصر كالمآتم وغيرها من ترك الاستماع والاشتغال بالأحاديث المختلفة مكروه كراهة شديدة ، وتكون على أشدها لمن كانوا على مقربة من التالي ، وأما تعمد الإعراض عن السماع للقرآن فلا يكاد يفعله مؤمن به ، وكذلك
[ ص: 462 ] nindex.php?page=treesubj&link=32240رفع الصوت بالكلام على صوت القارئ عمدا ، فإذا كان الله تعالى قد أدب المؤمنين مع رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ( 49 : 2 ) فرفع أصواتهم على صوت التالي لكلامه عز وجل أولى بأن ينهى عنه ، والأدب معه فوق الأدب مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم بالضرورة . وقد كان الصحابة وغيرهم من فصحاء العرب يعبرون عن سماع القرآن بقولهم : سمعت الله تعالى يقول كذا . ولا يجوز لقارئ أن يقرأ على قوم لا يستمعون له ، فإن كان في المجلس كثير من الناس يستمعون وينصتون ، فشذ بعضهم بمناجاة صاحبه بالجنب من غير تهويش على القارئ ، ولا على المستمعين ، كان الخطب في هذا هينا لا يقتضي ترك القراءة ولا ينافي الاستماع .
ويجب على كل مؤمن بالقرآن أن يحرص على استماعه عند قراءته كما يحرص على تلاوته ، وأن يتأدب في مجلس التلاوة ، وملاك هذا الأدب للقارئ ، ألا يكون منه ، ولا من غيره ، ولا من حال المكان ، ما يعد في اعتقاده أو في عرف الناس منافيا للأدب ، وقد ذكر الفقهاء في المسألة آدابا وأحكاما قد يختلف بعضها باختلاف الاعتقاد والعرف ، وصرحوا بقراءة القرآن في كل حال من قيام وقعود واضطجاع ومشي وركوب فلا تكره في الطريق نصا ، ولا مع حدث أصغر ونجاسة بدن وثوب ، ولكن يمسك عن القراءة في حال الحدث ، ويستحب الوضوء لها استحبابا ، ولا سيما للقارئ في المصحف ، وتكره مع الجنازة جهرا; لأنه بدعة ، وفي المواضع القذرة بأن يجلس فيها للقراءة ، وأما من مر بمكان منها وهو يقرأ فلا يطلب منه ترك القراءة ، وكذلك من عرض له الجلوس في بعض الملاهي غير المباحة لا يكره له التلاوة سرا ، وصرحوا بأنه لا يكره له أن يتلو في بيته إذا كانت زوجه غير مستورة عورة الصلاة .
وتستحب
nindex.php?page=treesubj&link=18651_18649القراءة بالترتيل والتغني بالنغم المفيد للتأثير والخشوع من غير تكلف صناعي . وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا
nindex.php?page=hadith&LINKID=920111 " ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي ، حسن الصوت يتغنى بالقرآن - زاد غيره في رواية - يجهر به " رواه الشيخان . وأذن هنا بمعنى استمع أو سمع . ومصدره بفتحتين ، وروى
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحيحه
والحاكم والبيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16789فضالة بن عبيد مرفوعا
nindex.php?page=hadith&LINKID=920112لله أشد أذنا للرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته والقينة الأمة المغنية ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920113ليس منا من لم يتغن بالقرآن ويستحب
nindex.php?page=treesubj&link=18650البكاء مع القراءة والخشوع ، وإلا فالتباكي والتخشع ، وأن يستعيذ بالله قبلها ، ويدعو الله في أثنائها بحسب معاني الآيات ، كسؤال الرحمة عند ذكرها والاستعاذة من العذاب عند ذكره . وكان
أنس رضي الله عنه يجمع أهله وولده عند ختم القرآن فاستحبوا الاقتداء به .
[ ص: 463 ] واعلم أن قوة الدين وكمال الإيمان واليقين لا يحصلان إلا بكثرة قراءة القرآن واستماعه ، مع التدبر بنية الاهتداء به والعمل بأمره ونهيه . فالإيمان الإذعاني الصحيح يزداد ويقوى وينمى وتترتب عليه آثاره من الأعمال الصالحة ، وترك المعاصي والفساد بقدر تدبر القرآن ، وينقص ويضعف على هذه النسبة من ترك تدبره ، وما آمن أكثر العرب إلا بسماعه وفهمه ، ولا فتحوا الأقطار ، ومصروا الأمصار ، واتسع عمرانهم ، وعظم سلطانهم ، إلا بتأثير هدايته ، وما كان الجاحدون المعاندون من زعماء
مكة يجاهدون النبي ويصدونه عن تبليغ دعوة ربه إلا بمنعه من قراءة القرآن على الناس :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ( 41 : 26 ) وما ضعف الإسلام منذ القرون الوسطى حتى زال أكثر ملكه إلا بهجر تدبر القرآن ، وجعله كالرقى والتعاويذ التي تتخذ للتبرك أو لشفاء أمراض الأبدان ، وجل فائدة الصلاة - وهي عماد الدين - بتلاوة القرآن مع التدبر والتخشع ، فإذا زال منها هذا صارت عادة قليلة الفائدة . والآيات الدالة على ذلك فيه كثيرة تقدم بعضها مع تفسيرها ، فمن التطويل في غير محله إيراد شيء منها هنا .
وإنني أختم هذا البحث بأول حديث
عائشة رضي الله عنها الطويل في الهجرة من رواية صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، للاستشهاد به على ما كان من تأثير سماع القرآن عند مشركي العرب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17320يحيى بن بكير حدثنا
الليث عن
عقيل قال
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير أن
عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : " لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية ، فلما ابتلي المسلمون خرج
أبو بكر مهاجرا نحو أرض
الحبشة حتى بلغ
برك الغماد لقيه
ابن الدغنة وهو سيد القارة ، فقال : أين تريد يا
أبا بكر ؟ فقال
أبو بكر : أخرجني قومي فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي ، قال
ابن الدغنة : فإن مثلك يا
أبا بكر لا يخرج ولا يخرج ، إنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ، فأنا لك جار ، ارجع واعبد ربك ببلدك . فرجع وارتحل معه
ابن الدغنة ، فطاف
ابن الدغنة عشية في أشراف
قريش فقال لهم : إن
أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج ، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ، ويصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويقري الضيف ، ويعين على نوائب الحق ؟ ، فلم تكذب
قريش بجوار
ابن الدغنة ، وقالوا
لابن الدغنة : مر
أبا بكر فليعبد ربه في داره فليصل فيها وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا بذلك ، ولا يستعلن به ، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبناءنا ، فقال ذلك
ابن الدغنة لأبي بكر ، فلبث
أبو بكر ذلك يعبد ربه في داره
[ ص: 464 ] ولا يستعلن بصلاته ، ولا يقرأ في غير داره ، ثم بدا
لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقذف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه ، وكان
أبو بكر رجلا بكاء لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن ، وأفزع ذلك أشراف
قريش من المشركين ، فأرسلوا إلى
ابن الدغنة فقدم عليهم ، فقالوا : إنا كنا أجرنا
أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره فقد جاوز ذلك ، فابتنى مسجدا بفناء داره فأعلن بالصلاة والقراءة فيه ، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا فانهه ، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل ، وإن أبى إلا أن يعلن ذلك فسله أن يرد إليك ذمتك ، فإنا قد كرهنا أن نخفرك ، ولسنا مقرين
لأبي بكر الاستعلان : قالت
عائشة : فأتى
ابن الدغنة إلى
أبي بكر ، فقال : قد علمت الذي عاقدت لك عليه ، فإما أن تقتصر على ذلك ، وإما أن ترجع إلى ذمتي فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجل عقدت له ، فقال
أبو بكر : فإني أرد إليك جوارك ، وأرضى بجوار الله عز وجل " اهـ المراد منه .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204nindex.php?page=treesubj&link=28978_32240_948_32813وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=205وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=206إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ [ ص: 461 ] nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=204وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ هَذِهِ دَلَالَةٌ عَلَى الطَّرِيقَةِ الْمُوصِّلَةِ لِنَيْلِ الرَّحْمَةِ بِالْقُرْآنِ ، وَالْحَصَانَةِ مِنْ نَزْغِ الشَّيْطَانِ ، وَهِيَ الِاسْتِمَاعُ لَهُ إِذَا قُرِئَ ، وَالْإِنْصَاتُ مُدَّةَ الْقِرَاءَةِ ، وَالِاسْتِمَاعُ أَبْلَغُ مِنَ السَّمْعِ ، وَلِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ بِقَصْدٍ وَنِيَّةٍ وَتَوْجِيهِ الْحَاسَّةِ إِلَى الْكَلَامِ لِإِدْرَاكِهِ ، وَالسَّمْعُ مَا يَحْصُلُ وَلَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ ، وَالْإِنْصَاتُ: السُّكُوتُ لِأَجْلِ الِاسْتِمَاعِ حَتَّى لَا يَكُونَ شَاغِلًا عَنِ الْإِحَاطَةِ بِكُلِّ مَا يُقْرَأُ . فَمَنِ اسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ كَانَ جَدِيرًا بِأَنْ يَفْهَمَ وَيَتَدَبَّرَ ، وَهُوَ الَّذِي يُرْجَى أَنْ يُرْحَمَ . وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=32240الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ لِلْقُرْآنِ إِذَا قُرِئَ ، قِيلَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَعَلَيْهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ ، وَخَصَّهُ الْجُمْهُورُ بِقِرَاءَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَهْدِهِ ، وَبِقِرَاءَةِ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ مِنْ بَعْدِهِ ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ غَلَطٌ ; فَإِنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ شُرِعَتْ بَعْدَ الْهِجْرَةِ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ لَا لِلْوُجُوبِ ، وَلَكِنْ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ فَحُرِّمَ بِنُزُولِهَا الْكَلَامُ فِيهَا .
وَحَكَى
ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=948_32813الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ . وَذَلِكَ أَنَّ إِيجَابَهُمَا عَلَى كُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَحَدًا يَقْرَأُ ، فِيهِ حَرَجٌ عَظِيمٌ; لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَتْرُكَ لَهُ الْمُشْتَغِلُ بِالْعِلْمِ عِلْمَهُ ، وَالْمُشْتَغِلُ بِالْحُكْمِ حُكْمَهُ ، وَالْمُبْتَاعَانِ مُسَاوَمَتَهُمَا وَتَعَاقُدَهُمَا وَكُلُّ ذِي شُغْلٍ شَغْلَهُ . فَأَمَّا قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ بَعْضُهَا تَبْلِيغًا لِلتَّنْزِيلِ وَبَعْضُهَا وَعْظًا وَإِرْشَادًا ، فَلَا يَسَعُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَسْمَعُهُ يَقْرَأُ أَنْ يُعْرِضَ عَنِ الِاسْتِمَاعِ أَوْ يَتَكَلَّمَ بِمَا يَشْغَلُهُ أَوْ يَشْغَلُ غَيْرَهُ عَنْهُ . وَهَذَا شَأْنُ الْمُصَلِّي مَعَ إِمَامِهِ وَخَطِيبِهِ ; إِذْ هُوَ مَوْضُوعُ الصَّلَاةِ وَالْوَاجِبُ فِيهَا ; وَلِهَذَا اسْتَدَلُّوا بِالْآيَةِ عَلَى امْتِنَاعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ ، وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمُ الْفَاتِحَةَ لِمَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُجْزِئُ بِدُونِهَا جَمْعًا بَيْنَ النُّصُوصِ . وَوَرَدَ فِي السُّنَّةِ سُكُوتُ الْإِمَامِ بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ . عَلَى أَنَّهُ إِذَا قَرَأَ الْفَاتِحَةَ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ آيَةً آيَةً لَا يُعَدُّ غَيْرَ مُسْتَمِعٍ لِلْقُرْآنِ ، وَلَا غَيْرَ مُنْصِتٍ ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَحْقِيقَ الْحَقِّ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لِلْمَأْمُومِ كَغَيْرِهِ فِي مُتَمِّمَاتِ تَفْسِيرِهَا مِنَ الْجُزْءِ الْأَوَّلِ .
وَمِنْ فُرُوعِ طَلَبِ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ أَنَّ الْقَارِئَ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ تَرْكُ قِرَاءَتِهِ لِلِاسْتِمَاعِ لِقَارِئٍ آخَرَ ، بَلْ يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ مَا يَرَاهُ خَيْرًا لَهَا مِنَ الْأَمْرَيْنِ ، فَقَدْ يَخْشَعُ بَعْضُ النَّاسِ بِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ ، وَيَخْشَعُ آخَرُ بِالِاسْتِمَاعِ مَنْ غَيْرِهِ ، أَوْ مِنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ دُونَ بَعْضٍ ، وَإِذَا تَعَدَّدَ الْقُرَّاءُ فِي مَكَانٍ اسْتَمَعَ كُلُّ حَاضِرٍ لِمَنْ كَانَ أَقْرَبَ إِلَيْهِ أَوْ لِمَنْ يَرَى قِرَاءَتَهُ أَشَدَّ تَأْثِيرًا فِي نَفْسِهِ . وَمَا يَفْعَلُهُ جَمَاهِيرُ النَّاسِ فِي الْمَحَافِلِ الَّتِي يُقْرَأُ فِيهَا الْقُرْآنُ
بِمِصْرَ كَالْمَآتِمِ وَغَيْرِهَا مِنْ تَرْكِ الِاسْتِمَاعِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةً شَدِيدَةً ، وَتَكُونُ عَلَى أَشَدِّهَا لِمَنْ كَانُوا عَلَى مَقْرُبَةٍ مِنَ التَّالِي ، وَأَمَّا تَعَمُّدُ الْإِعْرَاضِ عَنِ السَّمَاعِ لِلْقُرْآنِ فَلَا يَكَادُ يَفْعَلُهُ مُؤْمِنٌ بِهِ ، وَكَذَلِكَ
[ ص: 462 ] nindex.php?page=treesubj&link=32240رَفْعُ الصَّوْتِ بِالْكَلَامِ عَلَى صَوْتِ الْقَارِئِ عَمْدًا ، فَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَدَّبَ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=2يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ( 49 : 2 ) فَرَفْعُ أَصْوَاتِهِمْ عَلَى صَوْتِ التَّالِي لِكَلَامِهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْلَى بِأَنْ يُنْهَى عَنْهُ ، وَالْأَدَبُ مَعَهُ فَوْقَ الْأَدَبِ مَعَ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالضَّرُورَةِ . وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ يُعَبِّرُونَ عَنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِمْ : سَمِعْتُ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ كَذَا . وَلَا يَجُوزُ لِقَارِئٍ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى قَوْمٍ لَا يَسْتَمِعُونَ لَهُ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَجْلِسِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَسْتَمِعُونَ وَيُنْصِتُونَ ، فَشَذَّ بَعْضُهُمْ بِمُنَاجَاةِ صَاحِبِهِ بِالْجَنْبِ مِنْ غَيْرِ تَهْوِيشٍ عَلَى الْقَارِئِ ، وَلَا عَلَى الْمُسْتَمِعِينَ ، كَانَ الْخَطْبُ فِي هَذَا هَيِّنًا لَا يَقْتَضِي تَرْكَ الْقِرَاءَةِ وَلَا يُنَافِي الِاسْتِمَاعَ .
وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ بِالْقُرْآنِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى اسْتِمَاعِهِ عِنْدَ قِرَاءَتِهِ كَمَا يَحْرِصَ عَلَى تِلَاوَتِهِ ، وَأَنْ يَتَأَدَّبَ فِي مَجْلِسِ التِّلَاوَةِ ، وَمِلَاكُ هَذَا الْأَدَبِ لِلْقَارِئِ ، أَلَّا يَكُونَ مِنْهُ ، وَلَا مِنْ غَيْرِهِ ، وَلَا مِنْ حَالِ الْمَكَانِ ، مَا يُعَدُّ فِي اعْتِقَادِهِ أَوْ فِي عُرْفِ النَّاسِ مُنَافِيًا لِلْأَدَبِ ، وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ آدَابًا وَأَحْكَامًا قَدْ يَخْتَلِفُ بَعْضُهَا بِاخْتِلَافِ الِاعْتِقَادِ وَالْعُرْفِ ، وَصَرَّحُوا بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ قِيَامٍ وَقُعُودٍ وَاضْطِجَاعٍ وَمَشْيٍ وَرُكُوبٍ فَلَا تُكْرَهُ فِي الطَّرِيقِ نَصًّا ، وَلَا مَعَ حَدَثٍ أَصْغَرَ وَنَجَاسَةِ بَدَنٍ وَثَوْبٍ ، وَلَكِنْ يُمْسَكُ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي حَالِ الْحَدَثِ ، وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لَهَا اسْتِحْبَابًا ، وَلَا سِيَّمَا لِلْقَارِئِ فِي الْمُصْحَفِ ، وَتُكْرَهُ مَعَ الْجِنَازَةِ جَهْرًا; لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ ، وَفِي الْمَوَاضِعِ الْقَذِرَةِ بِأَنْ يُجْلَسَ فِيهَا لِلْقِرَاءَةِ ، وَأَمَّا مَنْ مَرَّ بِمَكَانٍ مِنْهَا وَهُوَ يَقْرَأُ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَرَضَ لَهُ الْجُلُوسُ فِي بَعْضِ الْمَلَاهِي غَيْرِ الْمُبَاحَةِ لَا يُكْرَهُ لَهُ التِّلَاوَةُ سِرًّا ، وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَتْلُوَ فِي بَيْتِهِ إِذَا كَانَتْ زَوْجُهُ غَيْرَ مَسْتُورَةِ عَوْرَةِ الصَّلَاةِ .
وَتُسْتَحَبُّ
nindex.php?page=treesubj&link=18651_18649الْقِرَاءَةُ بِالتَّرْتِيلِ وَالتَّغَنِّي بِالنَّغَمِ الْمُفِيدِ لِلتَّأْثِيرِ وَالْخُشُوعِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ صِنَاعِيٍّ . وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا
nindex.php?page=hadith&LINKID=920111 " مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ ، حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ - زَادَ غَيْرُهُ فِي رِوَايَةٍ - يَجْهَرُ بِهِ " رَوَاهُ الشَّيْخَانِ . وَأَذِنَ هُنَا بِمَعْنَى اسْتَمَعَ أَوْ سَمِعَ . وَمَصْدَرُهُ بِفَتْحَتَيْنِ ، وَرَوَى
أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=13478وَابْنُ مَاجَهْ nindex.php?page=showalam&ids=13053وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ
وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16789فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ مَرْفُوعًا
nindex.php?page=hadith&LINKID=920112لَلَّهُ أَشَدُّ أَذَنًا لِلرَّجُلِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إِلَى قَيْنَتِهِ وَالْقَيْنَةُ الْأَمَةُ الْمُغَنِّيَةُ ، وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920113لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ وَيُسْتَحَبُّ
nindex.php?page=treesubj&link=18650الْبُكَاءُ مَعَ الْقِرَاءَةِ وَالْخُشُوعِ ، وَإِلَّا فَالتَّبَاكِي وَالتَّخَشُّعِ ، وَأَنْ يَسْتَعِيذَ بِاللَّهِ قَبْلَهَا ، وَيَدْعُوَ اللَّهَ فِي أَثْنَائِهَا بِحَسَبِ مَعَانِي الْآيَاتِ ، كَسُؤَالِ الرَّحْمَةِ عِنْدَ ذِكْرِهَا وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْعَذَابِ عِنْدَ ذِكْرِهِ . وَكَانَ
أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجْمَعُ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ عِنْدَ خَتْمِ الْقُرْآنِ فَاسْتَحَبُّوا الِاقْتِدَاءَ بِهِ .
[ ص: 463 ] وَاعْلَمْ أَنَّ قُوَّةَ الدِّينِ وَكَمَالَ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ لَا يَحْصُلَانِ إِلَّا بِكَثْرَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَاسْتِمَاعِهِ ، مَعَ التَّدَبُّرِ بِنِيَّةِ الِاهْتِدَاءِ بِهِ وَالْعَمَلِ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ . فَالْإِيمَانُ الْإِذْعَانِيُّ الصَّحِيحُ يَزْدَادُ وَيَقْوَى وَيَنْمَى وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارُهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَتَرْكِ الْمَعَاصِي وَالْفَسَادِ بِقَدْرِ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ ، وَيَنْقُصُ وَيَضْعُفُ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ مَنْ تَرَكَ تَدَبُّرَهُ ، وَمَا آمَنَ أَكْثَرُ الْعَرَبِ إِلَّا بِسَمَاعِهِ وَفَهْمِهِ ، وَلَا فَتَحُوا الْأَقْطَارَ ، وَمَصَّرُوا الْأَمْصَارَ ، وَاتَّسَعَ عُمْرَانُهُمْ ، وَعَظُمَ سُلْطَانُهُمْ ، إِلَّا بِتَأْثِيرِ هِدَايَتِهِ ، وَمَا كَانَ الْجَاحِدُونَ الْمُعَانِدُونَ مِنْ زُعَمَاءِ
مَكَّةَ يُجَاهِدُونَ النَّبِيَّ وَيَصُدُّونَهُ عَنْ تَبْلِيغِ دَعْوَةِ رَبِّهِ إِلَّا بِمَنْعِهِ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى النَّاسِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=26وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغُوَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ( 41 : 26 ) وَمَا ضَعُفَ الْإِسْلَامُ مُنْذُ الْقُرُونِ الْوُسْطَى حَتَّى زَالَ أَكْثَرُ مُلْكِهِ إِلَّا بِهَجْرِ تَدَبُّرِ الْقُرْآنِ ، وَجَعْلِهِ كَالرُّقَى وَالتَّعَاوِيذِ الَّتِي تُتَّخَذُ لِلتَّبَرُّكِ أَوْ لِشِفَاءِ أَمْرَاضِ الْأَبْدَانِ ، وَجُلُّ فَائِدَةِ الصَّلَاةِ - وَهِيَ عِمَادُ الدِّينِ - بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ مَعَ التَّدَبُّرِ وَالتَّخَشُّعِ ، فَإِذَا زَالَ مِنْهَا هَذَا صَارَتْ عَادَةً قَلِيلَةَ الْفَائِدَةِ . وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ فِيهِ كَثِيرَةٌ تَقَدَّمَ بَعْضُهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا ، فَمِنَ التَّطْوِيلِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ إِيرَادُ شَيْءٍ مِنْهَا هُنَا .
وَإِنَّنِي أَخْتِمُ هَذَا الْبَحْثَ بِأَوَّلِ حَدِيثِ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الطَّوِيلِ فِي الْهِجْرَةِ مِنْ رِوَايَةِ صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ ، لِلِاسْتِشْهَادِ بِهِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ تَأْثِيرِ سَمَاعِ الْقُرْآنِ عِنْدَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17320يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ
عُقَيْلٍ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : " لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلَّا وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلَّا يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ بِكُرَةً وَعَشِيَّةً ، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ
أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا نَحْوَ أَرْضِ
الْحَبَشَةِ حَتَّى بَلَغَ
بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ
ابْنُ الدُّغُنَّةِ وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ ، فَقَالَ : أَيْنَ تُرِيدُ يَا
أَبَا بَكْرٍ ؟ فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ : أَخْرَجَنِي قَوْمِي فَأُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الْأَرْضِ وَأَعْبُدَ رَبِّي ، قَالَ
ابْنُ الدُّغُنَّةِ : فَإِنَّ مِثْلَكَ يَا
أَبَا بَكْرٍ لَا يَخْرُجُ وَلَا يُخْرَجُ ، إِنَّكَ تُكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتُقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ، فَأَنَا لَكَ جَارٌ ، ارْجِعْ وَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبَلَدِكَ . فَرَجَعَ وَارْتَحَلَ مَعَهُ
ابْنُ الدُّغُنَّةِ ، فَطَافَ
ابْنُ الدُّغُنَّةِ عَشِيَّةً فِي أَشْرَافِ
قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ : إِنَّ
أَبَا بَكْرٍ لَا يُخْرَجُ مِثْلُهُ وَلَا يَخْرُجُ ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ ، وَيَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ؟ ، فَلَمْ تُكَذِّبْ
قُرَيْشٌ بِجِوَارِ
ابْنِ الدُّغُنَّةِ ، وَقَالُوا
لِابْنِ الدُّغُنَّةِ : مُرْ
أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَلْيُصَلِّ فِيهَا وَلِيَقْرَأَ مَا شَاءَ وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ ، وَلَا يَسْتَعْلِنْ بِهِ ، فَإِنَّا نَخْشَى أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا ، فَقَالَ ذَلِكَ
ابْنُ الدُّغُنَّةِ لِأَبِي بَكْرٍ ، فَلَبِثَ
أَبُو بَكْرٍ ذَلِكَ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ
[ ص: 464 ] وَلَا يَسْتَعْلِنُ بِصَلَاتِهِ ، وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ دَارِهِ ، ثُمَّ بَدَا
لِأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَتَقَذَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ ، وَكَانَ
أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لَا يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ ، وَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافُ
قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَأَرْسَلُوا إِلَى
ابْنِ الدُّغُنَّةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالُوا : إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا
أَبَا بَكْرٍ بِجِوَارِكَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَقَدْ جَاوَزَ ذَلِكَ ، فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ فَأَعْلَنَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِ ، وَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا فَانْهَهُ ، فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ ، وَإِنْ أَبَى إِلَّا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ ، فَإِنَّا قَدْ كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرُكَ ، وَلَسْنَا مُقِرِّينَ
لِأَبِي بَكْرٍ الِاسْتِعْلَانَ : قَالَتْ
عَائِشَةُ : فَأَتَى
ابْنُ الدُّغُنَّةِ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ ، فَقَالَ : قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَاقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ ، فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَرْجِعَ إِلَى ذِمَّتِي فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ ، فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ : فَإِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ ، وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " اهـ الْمُرَادُ مِنْهُ .