الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ثم بين تعالى أن هذا الإمداد أمر روحاني يؤثر في القلوب فيزيد في قوتها المعنوية فقال : وما جعله الله إلا بشرى أي: وما جعل عز شأنه هذا الإمداد إلا بشرى لكم بأنه ينصركم كما وعدكم ولتطمئن به قلوبكم أي: تسكن بعد ذلك الزلزال والخوف الذي عرض لكم في جملتكم من مجادلتكم للرسول في أمر القتال ما كان . فتلقون أعداءكم ثابتين موقنين بالنصر ، وسيأتي في مقابلة هذا إلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا وما النصر إلا من عند الله دون غيره من الملائكة أو غيرهم كالأسباب الحسية ، فهو عز وجل الفاعل للنصر كغيره مهما تكن أسبابه المادية أو المعنوية ، إذ هو المسخر لها ، وناهيك بما لا كسب للبشر فيه كتسخير الملائكة تخالط المؤمنين فتستفيد أرواحهم منها الثبات والاطمئنان إن الله عزيز حكيم عزيز غالب على أمره ، حكيم لا يضع شيئا في غير موضعه .

                          وفي التفسير المأثور عن ابن عباس رضي الله عنه أنه فسر " مردفين " بالمدد ، وبقوله : " ملك وراء ملك " وعن الشعبي قال : كان ألفا مردفين وثلاثة آلاف منزلين ، فكانوا أربعة آلاف ، وهم مدد المسلمين في ثغورهم ، وعن قتادة متتابعين أمدهم الله تعالى بألف ثم بثلاثة ثم أكملهم خمسة آلاف وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم قال : يعني نزول الملائكة عليهم السلام . ( قال ) : وذكر لنا أن عمر رضي الله عنه قال : أما يوم بدر فلا نشك أن الملائكة عليهم السلام كانوا معنا ، وأما بعد ذلك فالله أعلم . وعن ابن زيد : " مردفين " قال : بعضهم على أثر بعض ، وعن مجاهد في قوله : وما جعله الله إلا بشرى قال : إنما جعلهم الله يستبشر بهم . هذا جملة ما جمعه في الدر المنثور من المأثور في الآيتين . وظاهر نص القرآن أن إنزال الملائكة ، وإمداد المسلمين بهم فائدته معنوية كما تقدم ، وأنهم لم يكونوا محاربين . وهنالك روايات أخرى في أنهم قاتلوا ، وسيأتي بحثها . وما قاله الشعبي وقتادة من العدد لا يقبل إلا بنص من الشارع قطعي الرواية والدلالة ; لأنه خبر عن الغيب .

                          وقد خلطت بعض الروايات بين الملائكة المردفين الذين أيد الله بهم المؤمنين في غزوة بدر ، وبين الملائكة المنزلين والمسومين الذين ذكر خبرهم في سياق غزوة أحد من سورة آل عمران ، وقد حققنا هذا المبحث في تفسير تلك الآيات فيها ، واعتمدنا في جله على تحقيق ابن جرير ، وذكرنا فيه ما جاء هنا ، وجملته أن الله تعالى أمد المؤمنين يوم بدر بألف من الملائكة فكان قوة معنوية لهم ، وأما يوم أحد فقد حدثهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمداد ووعدهم به وعدا معلقا على الصبر والتقوى ، ولكن انتفى الشرط فانتفى المشروط . ويراجع تفصيل ذلك في [ ص90 - 97 ج 4 ط الهيئة ] . فإنه مفيد في تحقيق ما هنا ، ولذلك لم نطل الكلام فيه .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية