[ ص: 552 ] nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38nindex.php?page=treesubj&link=28979_32482_30531_30532قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=40وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير لما بين الله تعالى حال الكفار الذين يصرون على كفرهم وصدهم عن سبيل الله ، وقتال رسوله والمؤمنين ، وما لهم في الدنيا والآخرة ، قفى عليه ببيان حكم الذين يرجعون عنه ، ويدخلون في الإسلام ; لأن الأنفس صارت تتشوف إلى هذا البيان ، وتتساءل عنه بلسان الحال أو المقال
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38قل للذين كفروا إن ينتهوا أي: قل أيها الرسول لهؤلاء الكفار ، أي لأجلهم وفي شأنهم ، فاللام للتبليغ : إن ينتهوا عما هم عليه من عدوانك وعنادك بالصد عن سبيل الله ، والقتال لأوليائه المؤمنين بالدخول في الإسلام
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38يغفر لهم ما قد سلف منهم من ذلك ، ومن غيره من الذنوب ، يغفر الله لهم ذلك في الآخرة فلا يعاقبهم على شيء منه ، ويغفر لهم الرسول والمؤمنون ما يخصهم من إجرامهم فلا يطالبون قاتلا منهم بدم ، ولا سالبا أو غانما بسلب أو غنم . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود " إن تنتهوا يغفر لكم " بالخطاب ، روى
مسلم من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=59عمرو بن العاص قال : " فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : ابسط يدك أبايعك ، فبسط يمينه فقبضت يدي . قال : ما لك ؟ قلت : أردت أن أشترط . قال : تشترط بماذا ؟ قلت : أن يغفر لي ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920147أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله ، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها ، وأن الحج يهدم ما كان قبله ؟ "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38وإن يعودوا إلى العداء والصد والقتال
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38فقد مضت سنة الأولين أي: تجري عليهم سنته المطردة في أمثالهم من الأولين الذين عادوا وقاتلوهم ، وقال
مجاهد : في
قريش وغيرها يوم
بدر والأمم قبل ذلك ، أقول : وهي السنة التي عبر عنها بمثل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=20إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ( 58 : 20 ، 21 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=51إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ( 40 : 51 ) فإضافة السنة إلى الأولين ، لملابستها لهم وجريانها عليهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39nindex.php?page=treesubj&link=28979_7920_7921وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله أي: وقاتلهم حينئذ أيها الرسول
[ ص: 553 ] أنت ومن معك من المؤمنين حتى تزول الفتنة في الدين بالتعذيب ، وضروب الإيذاء لأجل تركه ، كما فعلوا فيكم عندما كانت لهم القوة والسلطان في
مكة ، حتى أخرجوكم منها لأجل دينكم ثم صاروا يأتون لقتالكم في دار الهجرة ، وحتى يكون الدين كله لله ، لا يستطيع أحد أن يفتن أحدا عن دينه; ليكرهه على تركه إلى دين المكره له فيتقلده تقية ونفاقا - ونقول : إن المعنى بتعبير هذا العصر : ويكون الدين حرا ، أي يكون الناس أحرارا في الدين لا يكره أحد على تركه إكراها ، ولا يؤذى ويعذب لأجله تعذيبا ، ويدل على العموم قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ( 2 : 256 ) وسبب نزول هذه الآية أن بعض
الأنصار كان لهم أولاد تهودوا وتنصروا منذ الصغر فأرادوا إكراههم على الإسلام فنزلت ، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بتخييرهم ، ولكن المسلمين إنما يقاتلون لحرية دينهم ، وإن لم يكرهوا عليه أحدا من دونهم ، وما رضي الله ورسوله في معاهدة
الحديبية بتلك الشروط الثقيلة التي اشترطها المشركون إلا لما فيها من الصلح المانع من الفتنة في الدين ، المبيح لاختلاط المؤمنين بالمشركين وإسماعهم القرآن ، إذ كان هذا إباحة للدعوة إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة ، ولرؤية المشركين حال المؤمنين ومشاهدتهم أنها خير من حالهم ، ولذلك كثر دخولهم في الإسلام بعدها ، وسمى الله هذا الصلح فتحا مبينا . وأما ورود الحديث بقتل المرتد فله وجه آخر من منع العبث بالإسلام كان له سبب سياسي اجتماعي بيناه في موضعه .
هذا هو التفسير المتبادر من اللفظ بحسب اللغة العربية ، وتاريخ ظهور الإسلام ، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس تفسير الفتنة بالشرك ، قال
ابن كثير ، وكذا قال
أبو العالية ومجاهد والسدي ومقاتل nindex.php?page=showalam&ids=16327وزيد بن أسلم . أقول : عليه جمهور مؤلفي التفاسير المشهورة من الخلف ، قالوا : وقاتلوهم حتى لا يبقى شرك وتزول الأديان الباطلة فلا يبقى إلا الإسلام ، ولذلك قال بعضهم : لم يجئ تأويل هذه الآية بعد ، وسيتحقق مضمونها إذا ظهر
المهدي ، فإنه لا يبقى على ظهر الأرض مشرك أصلا على ما روي عن
أبي عبد الله رضي الله عنه كتب هذا
الألوسي ، وهو لا يصح أصلا ولا فرعا ، ويؤيد الأول ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
عبد الله بن عمر " أن رجلا جاءه فقال : يا
أبا عبد الرحمن ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ( 49 : 9 ) إلى آخر الآية ، فما يمنعك ألا تقاتل كما ذكر الله في كتابه ؟ فقال : يا ابن أخي أعير بهذه الآية ، ولا أقاتل أحب إلي من أن أعير بهذه الآية التي يقول الله تعالى فيها :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=93ومن يقتل مؤمنا متعمدا ( 4 : 93 ) إلى آخرها . قال : فإن الله يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة قال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : قد فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كان الإسلام قليلا . فكان الرجل يفتن في دينه ، إما يقتلوه وإما يوثقوه حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة " إلخ
فابن عمر رضي الله عنهما يفسر الفتنة في آية الأنفال هذه بما قلنا إنه المتبادر منهما ويقول :
[ ص: 554 ] إنها قد زالت بكثرة المسلمين وقوتهم ، فلا يقدر المشركون على اضطهادهم وتعذيبهم ، ولو كانت بمعنى الشرك لما قال هذا ، فإن الشرك لم يكن قد زال من الأرض ، ولن يزول
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ( 11 : 118 ) الآية .
وقد ذكر هذه الآية
ابن كثير في تفسير الآية ، وزاد عليها روايات عنه أخرى بمعناها منها " أنه جاءه رجلان في فتنة
ابن الزبير فقالا : إن الناس قد صنعوا ما ترى ، وأنت
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر بن الخطاب وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما يمنعك أن تخرج ؟ قال : يمنعني أن الله حرم علي دم أخي المسلم قالا : أولم يقل الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله قال : قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة ، وكان الدين لله ، وأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة ، ويكون الدين لغير الله " وفي رواية زيادة " وذهب الشرك " وذكر أيضا أن رجلا أورد الآية على
nindex.php?page=showalam&ids=111أسامة بن زيد ، nindex.php?page=showalam&ids=44وسعد بن مالك رضي الله عنهما فقالا : قد قاتلنا حتى لم تكن فتنة ، وكان الدين كله لله . وهذا وما قبله من رواية
ابن مردويه في تفسيره . وقال
محمد بن إسحاق : بلغني عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير وغيره من علمائنا
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39حتى لا تكون فتنة حتى لا يفتن
مسلم عن دينه .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39فإن انتهوا أي: فإن انتهوا عن الكفر وعن قتالكم
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39فإن الله بما يعملون بصير فيجازيهم عليه بحسب علمه . وقرأ
يعقوب ( تعملون ) بالتاء الفوقية بالخطاب . وفي سورة البقرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين ( 2 : 193 )
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=40وإن تولوا وأعرضوا عن سماع تبليغكم ، ولم ينتهوا عن كفرهم وفتنتهم وقتالهم لكم
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=40فاعلموا أن الله مولاكم أي: فأيقنوا أن الله تعالى هو ناصركم ، ومتولي أموركم ، فلا تبالوا بهم ولا تخافوا ، فهو
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=40نعم المولى ونعم النصير هو ، فلا يضيع من تولاه ، ولا يغلب من نصره .
فإن قيل : إن انتصار المسلمين في القرون الأولى كان لأسباب اجتماعية ، فلما تغيرت هذه الأسباب خانهم النصر حتى فقدوا أكثر ممالكهم ، وإننا لنرى الأمم ينتصر بعضها على بعض بالاستعداد المادي من سلاح وعتاد بالنظام الحربي الذي جهله المسلمون بغرورهم بدينهم ، واتكالهم على خوارق العادات ، وقراءة الأحاديث والدعوات ، ولذلك تركه ساسة الترك ، وأسسوا لأنفسهم حكومة مدنية إلحادية تناهض الإسلام ، ويوشك أن يتبعهم ساسة المصريين والأفغان .
قلنا : إن ما ذكره المعترض - وهو واقع لا مفروض - حجة على المسلمين المتأخرين لا على الإسلام ، فالإسلام يأمر بإعداد القوى المادية ، ويضيف إليها القوى المعنوية ، ومنها بل أعظمها الإيمان بالله ودعاؤه ، والاتكال عليه باتفاق العقلاء حتى الماديين منهم ، ولم يشرع للناس الاتكال على خوارق العادات ، حتى في أيام الرسول المؤيد بالآيات البينات ، ولما غلب
[ ص: 555 ] المسلمون في وقعة
أحد لتقصيرهم في الأسباب ، وتعجبوا من ذلك أنزل الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم ( 3 : 165 ) وقد وفينا هذا البحث حقه في تفسير هذه الآية وأمثالها من الآيات التي نزلت في تلك الغزوة من سورة آل عمران ، وسنعود إليه في تفسير آية :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ( 60 ) وغيرها من هذه السورة قريبا إن شاء الله تعالى .
وما أضعف
الترك والمصريين وغيرهم من شعوب المسلمين ، إلا تركهم لهداية القرآن في مثل هذا وغيره من إقامة العدل والفضائل ، وسنن الله في الاجتماع التي انتصر بها السلف الصالح ، واستبداد حكامهم فيهم ، وإنفاق أموال الأمة والدولة فيما حرم الله عليهم من الإسراف في شهواتهم ، وقد اتبع الإفرنج تعاليم الإسلام في الاستعداد في الأمور الروحية من سنن الله في العمران فرجحت بهم كفة الميزان ، وسيتبعونها في الأمور الروحية بعد أن تبرح بهم التعاليم المادية والبلشفية ، ويتفاقم فسادها في أممهم ، حتى تخرب بيوتهم بأيديهم ، من حيث فقد المسلمون الجغرافيون النوعين كليهما من تعاليمه ، وقام الجاهلون منهم يحتجون عليه ، بما أفسدوا وابتدعوا فيه ونسبوه إليه ، وهو حجة عليهم وعلى جميع الخلق .
وأما الأمور الاجتماعية التي مكنت سلف المسلمين من فتح بلاد
nindex.php?page=showalam&ids=16848كسرى وقيصر وغيرهما من الشعوب فهي أكبر حجة للإسلام أيضا ، إذ ليست تلك الأمور إلا ما كان أصاب تلك الشعوب من الشرك وفساد العقائد والآداب ، ومساوئ الأخلاق والعادات ، من فشو الفواحش والمنكرات ، وسلطان البدع والخرافات ، التي جاء الإسلام لإزالتها ، واستبدال التوحيد والفضائل بها ، ولهذا وحده نصرهم الله على الأمم كلها ، إذ لا خلاف بين أهل العلم والتاريخ في أن العرب كانوا دون تلك الشعوب كلها في الاستعداد الحربي المادي ، فلم يبق لهم ما يمتازون به إلا إصلاح الإسلام المعنوي . ولما أضاع جماهير المسلمين هذه العقائد والفضائل ، واتبعوا سنن تلك الأمم من البدع والرذائل - وهو ما حذرهم الإسلام منه - ثم قصروا في الاستعداد المادي للنصر في الحرب ففقدوا النوعين منه ، عاد الغلب لغيرهم عليهم .
فنسأله تعالى هداية هذه الأمة ، وكشف ما هي فيه من غمة ، لتستحق نصره باتباع شرعه ، ومراعاة سننه في خلقه ، وبتقواه المثمرة للفرقان في العلوم والأحكام والأعمال ، فيعود لها ما فقدت من الملك والسلطان اللهم آمين .
تم تفسير الجزء التاسع كتابة وتحريرا بفضل الله ، وحوله وقوته ( في أواخر شهر شعبان سنة 1346 ، ونسأله الإعانة والتوفيق لإتمام ما بعده ) ولله الحمد والشكر أولا وآخرا .
[ ص: 552 ] nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38nindex.php?page=treesubj&link=28979_32482_30531_30532قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=40وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ لَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى حَالَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ يُصِرُّونَ عَلَى كُفْرِهِمْ وَصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، وَقِتَالِ رَسُولِهِ وَالْمُؤْمِنِينَ ، وَمَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، قَفَّى عَلَيْهِ بِبَيَانِ حُكْمِ الَّذِينَ يَرْجِعُونَ عَنْهُ ، وَيَدْخُلُونَ فِي الْإِسْلَامِ ; لِأَنَّ الْأَنْفُسَ صَارَتْ تَتَشَوَّفُ إِلَى هَذَا الْبَيَانِ ، وَتَتَسَاءَلُ عَنْهُ بِلِسَانِ الْحَالِ أَوِ الْمَقَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا أَيْ: قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ ، أَيْ لِأَجْلِهِمْ وَفِي شَأْنِهِمْ ، فَاللَّامُ لِلتَّبْلِيغِ : إِنْ يَنْتَهُوا عَمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عُدْوَانِكَ وَعِنَادِكَ بِالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ، وَالْقِتَالِ لِأَوْلِيَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ ، وَمِنْ غَيْرِهِ مِنَ الذُّنُوبِ ، يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ فَلَا يُعَاقِبُهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ ، وَيَغْفِرُ لَهُمُ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ مَا يَخُصُّهُمْ مِنْ إِجْرَامِهِمْ فَلَا يُطَالِبُونَ قَاتِلًا مِنْهُمْ بِدَمٍ ، وَلَا سَالِبًا أَوْ غَانِمًا بِسَلَبٍ أَوْ غُنْمٍ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ " إِنْ تَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَكُمْ " بِالْخِطَابِ ، رَوَى
مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=59عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : " فَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ : ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ فَقَبَضْتُ يَدِي . قَالَ : مَا لَكَ ؟ قُلْتُ : أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ . قَالَ : تَشْتَرِطُ بِمَاذَا ؟ قُلْتُ : أَنْ يُغْفَرَ لِي ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920147أَمَا عَلِمْتَ يَا عَمْرُو أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا ، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ؟ "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38وَإِنْ يَعُودُوا إِلَى الْعَدَاءِ وَالصَّدِّ وَالْقِتَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=38فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَيْ: تَجْرِي عَلَيْهِمْ سُنَّتُهُ الْمُطَّرِدَةُ فِي أَمْثَالِهِمْ مِنَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ عَادُوا وَقَاتَلُوهُمْ ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : فِي
قُرَيْشٍ وَغَيْرِهَا يَوْمَ
بَدْرٍ وَالْأُمَمِ قَبْلَ ذَلِكَ ، أَقُولُ : وَهِيَ السُّنَّةُ الَّتِي عَبَّرَ عَنْهَا بِمِثْلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=20إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ( 58 : 20 ، 21 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=51إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ( 40 : 51 ) فَإِضَافَةُ السُّنَّةِ إِلَى الْأَوَّلِينَ ، لِمُلَابَسَتِهَا لَهُمْ وَجَرَيَانِهَا عَلَيْهِمْ .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39nindex.php?page=treesubj&link=28979_7920_7921وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ أَيْ: وَقَاتِلْهُمْ حِينَئِذٍ أَيُّهَا الرَّسُولُ
[ ص: 553 ] أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى تَزُولَ الْفِتْنَةُ فِي الدِّينِ بِالتَّعْذِيبِ ، وَضُرُوبِ الْإِيذَاءِ لِأَجْلِ تَرْكِهِ ، كَمَا فَعَلُوا فِيكُمْ عِنْدَمَا كَانَتْ لَهُمُ الْقُوَّةُ وَالسُّلْطَانُ فِي
مَكَّةَ ، حَتَّى أَخْرَجُوكُمْ مِنْهَا لِأَجْلِ دِينِكُمْ ثُمَّ صَارُوا يَأْتُونَ لِقِتَالِكُمْ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ ، وَحَتَّى يَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ، لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَفْتِنَ أَحَدًا عَنْ دِينِهِ; لِيُكْرِهَهُ عَلَى تَرْكِهِ إِلَى دِينِ الْمُكْرِهِ لَهُ فَيَتَقَلَّدُهُ تُقْيَةً وَنِفَاقًا - وَنَقُولُ : إِنَّ الْمَعْنَى بِتَعْبِيرِ هَذَا الْعَصْرِ : وَيَكُونُ الدِّينُ حُرًّا ، أَيْ يَكُونُ النَّاسُ أَحْرَارًا فِي الدِّينِ لَا يُكْرَهُ أَحَدٌ عَلَى تَرْكِهِ إِكْرَاهًا ، وَلَا يُؤْذَى وَيُعَذَّبُ لِأَجْلِهِ تَعْذِيبًا ، وَيَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=256لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ( 2 : 256 ) وَسَبَبُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ بَعْضَ
الْأَنْصَارِ كَانَ لَهُمْ أَوْلَادٌ تَهَوَّدُوا وَتَنَصَّرُوا مُنْذُ الصِّغَرِ فَأَرَادُوا إِكْرَاهَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ فَنَزَلَتْ ، فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَخْيِيرِهِمْ ، وَلَكِنَّ الْمُسْلِمِينَ إِنَّمَا يُقَاتِلُونَ لِحُرِّيَّةِ دِينِهِمْ ، وَإِنْ لَمْ يُكْرِهُوا عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ دُونِهِمْ ، وَمَا رَضِيَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِي مُعَاهَدَةِ
الْحُدَيْبِيَةِ بِتِلْكَ الشُّرُوطِ الثَّقِيلَةِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا الْمُشْرِكُونَ إِلَّا لِمَا فِيهَا مِنَ الصُّلْحِ الْمَانِعِ مِنَ الْفِتْنَةِ فِي الدِّينِ ، الْمُبِيحِ لِاخْتِلَاطِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْمُشْرِكِينَ وَإِسْمَاعِهِمُ الْقُرْآنَ ، إِذْ كَانَ هَذَا إِبَاحَةً لِلدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَلِرُؤْيَةِ الْمُشْرِكِينَ حَالَ الْمُؤْمِنِينَ وَمُشَاهَدَتِهِمْ أَنَّهَا خَيْرٌ مِنْ حَالِهِمْ ، وَلِذَلِكَ كَثُرَ دُخُولُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَهَا ، وَسَمَّى اللَّهُ هَذَا الصُّلْحَ فَتْحًا مُبِينًا . وَأَمَّا وُرُودُ الْحَدِيثِ بِقَتْلِ الْمُرْتَدِّ فَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ مِنْ مَنْعِ الْعَبَثِ بِالْإِسْلَامِ كَانَ لَهُ سَبَبٌ سِيَاسِيٌّ اجْتِمَاعِيٌّ بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ .
هَذَا هُوَ التَّفْسِيرُ الْمُتَبَادِرُ مِنَ اللَّفْظِ بِحَسَبِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ ، وَتَارِيخِ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ ، وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ تَفْسِيرُ الْفِتْنَةِ بِالشِّرْكِ ، قَالَ
ابْنُ كَثِيرٍ ، وَكَذَا قَالَ
أَبُو الْعَالِيَةِ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ nindex.php?page=showalam&ids=16327وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ . أَقُولُ : عَلَيْهِ جُمْهُورُ مُؤَلِّفِي التَّفَاسِيرِ الْمَشْهُورَةِ مِنَ الْخَلَفِ ، قَالُوا : وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا يَبْقَى شِرْكٌ وَتَزُولَ الْأَدْيَانُ الْبَاطِلَةُ فَلَا يَبْقَى إِلَّا الْإِسْلَامُ ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ : لَمْ يَجِئْ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ بَعْدُ ، وَسَيَتَحَقَّقُ مَضْمُونُهَا إِذَا ظَهَرَ
الْمَهْدِيُّ ، فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ مُشْرِكٌ أَصْلًا عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ
أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ هَذَا
الْأَلُوسِيُّ ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ أَصْلًا وَلَا فَرْعًا ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ " أَنَّ رَجُلًا جَاءَهُ فَقَالَ : يَا
أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَا تَسْمَعُ مَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا ( 49 : 9 ) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ، فَمَا يَمْنَعُكَ أَلَّا تُقَاتِلَ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ؟ فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي أُعَيَّرُ بِهَذِهِ الْآيَةِ ، وَلَا أُقَاتِلُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعَيَّرَ بِهَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=93وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ( 4 : 93 ) إِلَى آخِرِهَا . قَالَ : فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ : قَدْ فَعَلْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ كَانَ الْإِسْلَامُ قَلِيلًا . فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ فِي دِينِهِ ، إِمَّا يَقْتُلُوهُ وَإِمَّا يُوثِقُوهُ حَتَّى كَثُرَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ " إِلَخْ
فَابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُفَسِّرُ الْفِتْنَةَ فِي آيَةِ الْأَنْفَالِ هَذِهِ بِمَا قُلْنَا إِنَّهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْهُمَا وَيَقُولُ :
[ ص: 554 ] إِنَّهَا قَدْ زَالَتْ بِكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقُوَّتِهِمْ ، فَلَا يَقْدِرُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى اضْطِهَادِهِمْ وَتَعْذِيبِهِمْ ، وَلَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى الشِّرْكِ لَمَا قَالَ هَذَا ، فَإِنَّ الشِّرْكَ لَمْ يَكُنْ قَدْ زَالَ مِنَ الْأَرْضِ ، وَلَنْ يَزُولَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=118وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ( 11 : 118 ) الْآيَةَ .
وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ
ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ، وَزَادَ عَلَيْهَا رِوَايَاتٍ عَنْهُ أُخْرَى بِمَعْنَاهَا مِنْهَا " أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلَانِ فِي فِتْنَةِ
ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَا : إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَنَعُوا مَا تَرَى ، وَأَنْتَ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَخْرُجَ ؟ قَالَ : يَمْنَعُنِي أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيَّ دَمَ أَخِي الْمُسْلِمِ قَالَا : أَوَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ قَالَ : قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ ، وَكَانَ الدِّينُ لِلَّهِ ، وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تُقَاتِلُوا حَتَّى تَكُونَ فِتْنَةٌ ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِغَيْرِ اللَّهِ " وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةٌ " وَذَهَبَ الشِّرْكُ " وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ رَجُلًا أَوْرَدَ الْآيَةَ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=111أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=44وَسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَا : قَدْ قَاتَلْنَا حَتَّى لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ ، وَكَانَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ . وَهَذَا وَمَا قَبْلَهُ مِنْ رِوَايَةِ
ابْنِ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ . وَقَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ : بَلَغَنِي عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَائِنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ حَتَّى لَا يُفْتَنَ
مُسْلِمٌ عَنْ دِينِهِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39فَإِنِ انْتَهَوْا أَيْ: فَإِنِ انْتَهَوْا عَنِ الْكُفْرِ وَعَنْ قِتَالِكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=39فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ بِحَسَبِ عِلْمِهِ . وَقَرَأَ
يَعْقُوبُ ( تَعْمَلُونَ ) بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ بِالْخِطَابِ . وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=193وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ( 2 : 193 )
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=40وَإِنْ تَوَلَّوْا وَأَعْرَضُوا عَنْ سَمَاعِ تَبْلِيغِكُمْ ، وَلَمْ يَنْتَهُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وَفِتْنَتِهِمْ وَقِتَالِهِمْ لَكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=40فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ أَيْ: فَأَيْقِنُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ نَاصِرُكُمْ ، وَمُتَوَلِّي أُمُورِكُمْ ، فَلَا تُبَالُوا بِهِمْ وَلَا تَخَافُوا ، فَهُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=40نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ هُوَ ، فَلَا يُضَيِّعُ مَنْ تَوَلَّاهُ ، وَلَا يُغْلَبُ مَنْ نَصَرَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : إِنَّ انْتِصَارَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْقُرُونِ الْأُولَى كَانَ لِأَسْبَابٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ ، فَلَمَّا تَغَيَّرَتْ هَذِهِ الْأَسْبَابُ خَانَهُمُ النَّصْرُ حَتَّى فَقَدُوا أَكْثَرَ مَمَالِكِهِمْ ، وَإِنَّنَا لَنَرَى الْأُمَمَ يَنْتَصِرُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِالِاسْتِعْدَادِ الْمَادِّيِّ مِنْ سِلَاحٍ وَعَتَادٍ بِالنِّظَامِ الْحَرْبِيِّ الَّذِي جَهِلَهُ الْمُسْلِمُونَ بِغُرُورِهِمْ بِدِينِهِمْ ، وَاتِّكَالِهِمْ عَلَى خَوَارِقِ الْعَادَاتِ ، وَقِرَاءَةِ الْأَحَادِيثِ وَالدَّعَوَاتِ ، وَلِذَلِكَ تَرَكَهُ سَاسَةُ التُّرْكِ ، وَأَسَّسُوا لِأَنْفُسِهِمْ حُكُومَةً مَدَنِيَّةً إِلْحَادِيَّةً تُنَاهِضُ الْإِسْلَامَ ، وَيُوشِكُ أَنْ يَتْبَعَهُمْ سَاسَةُ الْمِصْرِيِّينَ وَالْأَفْغَانِ .
قُلْنَا : إِنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُعْتَرِضُ - وَهُوَ وَاقِعٌ لَا مَفْرُوضٌ - حُجَّةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا عَلَى الْإِسْلَامِ ، فَالْإِسْلَامُ يَأْمُرُ بِإِعْدَادِ الْقُوَى الْمَادِّيَّةِ ، وَيُضِيفُ إِلَيْهَا الْقُوَى الْمَعْنَوِيَّةَ ، وَمِنْهَا بَلْ أَعْظَمُهَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَدُعَاؤُهُ ، وَالِاتِّكَالُ عَلَيْهِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ حَتَّى الْمَادِّيِّينَ مِنْهُمْ ، وَلَمْ يَشْرَعْ لِلنَّاسِ الِاتِّكَالَ عَلَى خَوَارِقِ الْعَادَاتِ ، حَتَّى فِي أَيَّامِ الرَّسُولِ الْمُؤَيَّدِ بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ ، وَلَمَّا غُلِبَ
[ ص: 555 ] الْمُسْلِمُونَ فِي وَقْعَةِ
أُحُدٍ لِتَقْصِيرِهِمْ فِي الْأَسْبَابِ ، وَتَعَجَّبُوا مِنْ ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ( 3 : 165 ) وَقَدْ وَفَّيْنَا هَذَا الْبَحْثَ حَقَّهُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَأَمْثَالِهَا مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي نَزَلَتْ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، وَسَنَعُودُ إِلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=60وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ( 60 ) وَغَيْرِهَا مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَمَا أَضْعَفَ
التُّرْكَ وَالْمِصْرِيِّينَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ شُعُوبِ الْمُسْلِمِينَ ، إِلَّا تَرْكُهُمْ لِهِدَايَةِ الْقُرْآنِ فِي مِثْلِ هَذَا وَغَيْرِهِ مِنْ إِقَامَةِ الْعَدْلِ وَالْفَضَائِلِ ، وَسُنَنِ اللَّهِ فِي الِاجْتِمَاعِ الَّتِي انْتَصَرَ بِهَا السَّلَفُ الصَّالِحُ ، وَاسْتِبْدَادُ حُكَّامِهِمْ فِيهِمْ ، وَإِنْفَاقُ أَمْوَالِ الْأُمَّةِ وَالدَّوْلَةِ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْإِسْرَافِ فِي شَهَوَاتِهِمْ ، وَقَدِ اتَّبَعَ الْإِفْرِنْجُ تَعَالِيمَ الْإِسْلَامِ فِي الِاسْتِعْدَادِ فِي الْأُمُورِ الرُّوحِيَّةِ مِنْ سُنَنِ اللَّهِ فِي الْعُمْرَانِ فَرَجَحَتْ بِهِمْ كِفَّةُ الْمِيزَانِ ، وَسَيَتَّبِعُونَهَا فِي الْأُمُورِ الرُّوحِيَّةِ بَعْدَ أَنْ تُبَرِّحَ بِهِمُ التَّعَالِيمُ الْمَادِّيَّةُ وَالْبَلْشَفِيَّةُ ، وَيَتَفَاقَمُ فَسَادُهَا فِي أُمَمِهِمْ ، حَتَّى تُخَرَّبَ بُيُوتُهُمْ بِأَيْدِيهِمْ ، مِنْ حَيْثُ فَقَدَ الْمُسْلِمُونَ الْجُغْرَافِيُّونَ النَّوْعَيْنِ كِلَيْهِمَا مِنْ تَعَالِيمِهِ ، وَقَامَ الْجَاهِلُونَ مِنْهُمْ يَحْتَجُّونَ عَلَيْهِ ، بِمَا أَفْسَدُوا وَابْتَدَعُوا فِيهِ وَنَسَبُوهُ إِلَيْهِ ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَعَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ .
وَأَمَّا الْأُمُورُ الِاجْتِمَاعِيَّةُ الَّتِي مَكَّنَتْ سَلَفَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ فَتْحِ بِلَادِ
nindex.php?page=showalam&ids=16848كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الشُّعُوبِ فَهِيَ أَكْبَرُ حُجَّةٍ لِلْإِسْلَامِ أَيْضًا ، إِذْ لَيْسَتْ تِلْكَ الْأُمُورُ إِلَّا مَا كَانَ أَصَابَ تِلْكَ الشُّعُوبَ مِنَ الشِّرْكِ وَفَسَادِ الْعَقَائِدِ وَالْآدَابِ ، وَمَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ وَالْعَادَاتِ ، مِنْ فُشُوِّ الْفَوَاحِشِ وَالْمُنْكَرَاتِ ، وَسُلْطَانِ الْبِدَعِ وَالْخُرَافَاتِ ، الَّتِي جَاءَ الْإِسْلَامُ لِإِزَالَتِهَا ، وَاسْتِبْدَالِ التَّوْحِيدِ وَالْفَضَائِلِ بِهَا ، وَلِهَذَا وَحْدَهُ نَصَرَهُمُ اللَّهُ عَلَى الْأُمَمِ كُلِّهَا ، إِذْ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالتَّارِيخِ فِي أَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا دُونَ تِلْكَ الشُّعُوبِ كُلِّهَا فِي الِاسْتِعْدَادِ الْحَرْبِيِّ الْمَادِّيِّ ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَا يَمْتَازُونَ بِهِ إِلَّا إِصْلَاحُ الْإِسْلَامِ الْمَعْنَوِيِّ . وَلَمَّا أَضَاعَ جَمَاهِيرُ الْمُسْلِمِينَ هَذِهِ الْعَقَائِدَ وَالْفَضَائِلَ ، وَاتَّبَعُوا سُنَنَ تِلْكَ الْأُمَمِ مِنَ الْبِدَعِ وَالرَّذَائِلِ - وَهُوَ مَا حَذَّرَهُمُ الْإِسْلَامُ مِنْهُ - ثُمَّ قَصَّرُوا فِي الِاسْتِعْدَادِ الْمَادِّيِّ لِلنَّصْرِ فِي الْحَرْبِ فَفَقَدُوا النَّوْعَيْنِ مِنْهُ ، عَادَ الْغَلَبُ لِغَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ .
فَنَسْأَلُهُ تَعَالَى هِدَايَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، وَكَشْفَ مَا هِيَ فِيهِ مِنْ غُمَّةٍ ، لِتَسْتَحِقَّ نَصْرَهُ بِاتِّبَاعِ شَرْعِهِ ، وَمُرَاعَاةِ سُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ ، وَبِتَقْوَاهُ الْمُثْمِرَةِ لِلْفُرْقَانِ فِي الْعُلُومِ وَالْأَحْكَامِ وَالْأَعْمَالِ ، فَيَعُودُ لَهَا مَا فَقَدَتْ مِنَ الْمُلْكِ وَالسُّلْطَانِ اللَّهُمَّ آمِينَ .
تَمَّ تَفْسِيرُ الْجُزْءِ التَّاسِعِ كِتَابَةً وَتَحْرِيرًا بِفَضْلِ اللَّهِ ، وَحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ ( فِي أَوَاخِرِ شَهْرِ شَعْبَانَ سَنَةَ 1346 ، وَنَسْأَلُهُ الْإِعَانَةَ وَالتَّوْفِيقَ لِإِتْمَامِ مَا بَعْدَهُ ) وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ أَوَّلًا وَآخِرًا .