الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2442 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج من بيته قال : ( بسم الله ، توكلت على الله ، اللهم إنا نعوذ بك من أن نزل أو نضل أو نظلم أو نظلم ، أو نجهل أو يجهل علينا ) رواه أحمد ، والترمذي ، والنسائي ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وفي رواية أبي داود ، وابن ماجه ، قالت أم سلمة : ما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيتي قط إلا رفع طرفه إلى السماء ، فقال " اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي " .

التالي السابق


2442 - ( وعن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كان إذا خرج من بيته قال ) : وأغرب ابن حجر حيث قال : معلما لأمته ما ينفعهم عند معاشرة الناس ، ( " بسم الله " ) : أي : خرجت أو أستعين به وبذكره في حكمه وأمره وقضائه وقدره ، ( " توكلت على الله " ) : أي : اعتمدت عليه في جميع أموري ، والعجب من ابن حجر أنه قال : الاستعلاء هنا مجاز ، والمقصود طلب الاستعلاء بالله على سائر الأغراض اهـ . لأن الفعل الذي لا يستعمل إلا بعلى لا يقال فيها إنها للاستعلاء لا حقيقة ولا مجازا ، بل هي لمجرد القصد ، وإنما يقال للاستعلاء في فعل يستعمل تارة بعلى وتارة بغيرها ، كقوله تعالى : وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وقوله : " وعليها وعلى الفلك تحملون " ونظيره كون ( على ) للضرر في مثل هذا الفعل ، كما يقال : دعوت له ودعوت عليه ، وشهدت [ ص: 1694 ] له وعليه ، وحكمت له وعليه ، لا في كل فعل يتعدى بعلى ، وبهذا يندفع ما توهم بعضهم من الإشكال ، وأورد فيه السؤال عن قوله تعالي : " صلوا عليه " وتردده له وجه في الجملة لأن الصلاة بمعنى الدعاء ، فتوهم أنها مثله ، ولم يفهم الفرق بينهما مع أنه لا يشترط اتحاد المترادفين في التعدية ، وأن الصلاة دعاء بخير في اللغة ، والاختلاف في المتعلق إنما هو في الدعاء المطلق فتأمل وتحقق ( " اللهم إنا نعوذ بك من أن نزل " ) : أي : عن الحق ، وهو بفتح النون وكسر الزاي وتشديد اللام من الزلة ، وهي ذنب من غير قصد تشبيها بزلة الرجل . وفي الحصن زيادة : أو نزل من الإزلال معلوما ومجهولا ، وأما قول ابن حجر : ويصح ضم النون مع كسر الزاي ومع فتحها ، فهو خارج عن ضبط الكتاب على ما في النسخ المعتمدة والأصول المصححة ، ( أو نضل ) : من الضلالة أي : عن الهدى . وفي المصابيح زيادة : أو نضل على بناء المجهول أي : يضلنا أحد ، وأما قول ابن حجر : نضل من ضل الماء في اللبن إذا غاب ، فهو غير ملائم للمقام سابقا ولاحقا مع الاشتراك في معانيها على ما في القاموس : ضل يضل وبفتح الضاد ضاع ومات وصار ترابا وعظاما وخفي وغاب ، وأما قوله : ويصح هنا الضم مع الكسر والفتح على وزن ما مر في ( نزل ) ثم قوله : ومن ثمة جاء في رواية : ( أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم ) بفتح همزته ، والثاني : بضم فكسر ، أو فتح حجة عليه فتدبر . ( " أو نظلم " ) : أي : أحدا ( " أو نظلم " ) : أي : من أحد ( " أو نجهل " ) : على بناء المعروف أي : أمور الدين ، أو حقوق الله ، أو حقوق الناس ، أو معرفة الله ، أو في المعاشرة والمخالطة مع الأصحاب ، أو نفعل بالناس فعل الجهال من الإيذاء وإيصال الضرر إليهم ( " أو يجهل علي " ) بصيغة المجهول أي : يفعل الناس بنا أفعال الجهال من إيصال الضرر إلينا ، قال الطيبي : الزلة السيئة بلا قصد ، استعاذ من أن يصدر عنه ذنب بغير قصد أو قصد ، ومن أن يظلم الناس في المعاملات ، أو يؤذيهم في المخالطات ، أو يجهل أي : يفعل بالناس فعل الجهال من الإيذاء . ( رواه أحمد ، والترمذي ، والنسائي ) : وكذا الحاكم وابن السني . ( وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وفي رواية أبي داود ، وابن ماجه ) : أي : في الحديث السابق ( قالت أم سلمة : ما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بيتي ) وفي رواية : من بيته ( قط إلا رفع طرفه ) : بسكون الراء أي : نظره ( إلى السماء فقال : ( اللهم إني أعوذ بك أن أضل ) : أي : عن الحق ، من الضلال ، وهو ضد الرشاد والهداية . قال ابن حجر : بفتح أوله أي : غيري وهو خطأ معنى صواب لفظا أو ( " أو أضل " ) : مجهول من الإضلال ، كذا في بعض الشروح ، وعليه أكثر النسخ أي : يضلني أحد ، وقال ابن حجر : بضم فكسر أو بفتح والله أعلم . ( " أو أظلم " ) على بناء المعلوم أي : أحدا ( " أو أظلم " ) : على بناء المجهول أي : يظلمني أحد ( " أو أجهل " ) : على بناء المعلوم ومعناه سبق ، وقول ابن حجر أي : غيري غير صحيح ( " أو يجهل علي " ) على بناء المجهول .

قال الطيبي : إن الإنسان إذا خرج من منزله لابد أن يعاشر الناس ، ويزاول الأمر ، فيخاف أن يعدل عن الصراط المستقيم ، فإما أن يكون في أمر الدين فلا يخلو من يضل أو يضل ، وإما يكون في أمر الدنيا فإما بسبب جريان المعاملة معهم بأن يظلم أو يظلم ، وإما بسبب الاختلاط والمصاحبة فإما أن يجهل أو يجهل ، فاستعيذ من هذه الأحول كلها بلفظ سلس موجز ، وروعي المطابقة المعنوية والمشاكلة اللفظية ، كقول الشاعر :

ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا



ويعضد هذا التأويل الحديث الآتي . فقوله : هديت مطابق بقوله : ( " أو أضل " ) وقوله : كفيت لقوله : ( " أظلم أو أظلم " ) وقوله : وقيت لقوله : ( " أن نجهل أو يجهل علينا " ) .

[ ص: 1695 ]



الخدمات العلمية