97 - والمسند المرفوع أو ما قد وصل لو مع وقف وهو في هذا يقل 98 - والثالث الرفع مع الوصل معا
شرط به الحاكم فيه قطعا
وقدم على ما بعده نظرا للقول الأول والأخير فيه ، ( والمسند ) كما قاله أبو عمر [ ص: 133 ] بن عبد البر في التمهيد : هو ( المرفوع ) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة ، وقد يكون متصلا ; كمالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو منقطعا ; كمالك ، عن الزهري ، عن ابن عباس ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فهو وإن كان منقطعا - لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس - فهو مسند ; لأنه قد أسند إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قلت : ونحوه قول ابن أبي حاتم : سئل أبي : أسمع زرارة بن أوفى عبد الله بن سلام ؟ فقال : ما أراه سمع منه ، ولكنه يدخل في المسند ، وعلى هذا فهما - أعني المسند والمرفوع - على القول المعتمد فيه ، كما صرح به ابن عبد البر - شيء واحد ، والانقطاع يدخل عليهما جميعا ، ويلزم من ذلك أيضا شموله المرسل والمعضل ، قال شيخنا : وهو مخالف للمستفيض من عمل أئمة الحديث في مقابلتهم بين المرسل والمسند ، فيقولون : أسنده فلان ، وأرسله فلان . انتهى .
ويأتي فيه ما سلف قريبا في مقابلة المرفوع بالمرسل ، وممن اقتضى صنيعه أن المسند المرفوع ، الدارقطني ، فقد نقل الحاكم عنه أنه قال في سعيد بن عبيد الله بن جبير بن حية الثقفي : إنه ليس بالقوي ، يحدث بأحاديث يسندها ، وغيره يوقفها .
( أو ) المسند ( ما قد وصل ) إسناده و ( لو ) كان الوصل ( مع وقف ) على الصحابي أو غيره ، وهذا هو القول الثاني ، وعليه فالمسند والمتصل سواء ; لإطلاقهما على كل من المرفوع والموقوف ، ولكن الأكثر استعمالا المسند في الأول .
كما قاله الخطيب ، فإنه بعد أن عزا في الكفاية ، لأهل الحديث أنه الذي [ ص: 134 ] اتصل إسناده بين راويه وبين من أسند عنه ، قال : إلا أن أكثر استعمالهم له فيما أسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة .
( وهو ) أي : المسند ( في هذا ) أي : فيما وقف على الصحابة وغيرهم ( يقل ) أي : قليل ، وحينئذ فافتراقهما من جهة أن استعمال المتصل في المرفوع والموقوف على حد سواء ، بخلاف المسند فاستعماله في المرفوع أكثري دون الموقوف .
ثم إن في كلام الخطيب الذي قد أقره ابن الصلاح عليه إشعارا باستعمال المسند قليلا في المقطوع ، بل وفي قول من بعد التابعي ، وصريح كلامهم يأباه .
( و ) القول ( الثالث ) إنه ( الرفع ) أي : المرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ( مع الوصل ) أي : مع اتصال إسناده ( معا ) كما حكاه ابن عبد البر في التمهيد عن قوم وهو ( شرط به ) الحافظ أبو عبد الله النيسابوري ( الحاكم ) صاحب ( المستدرك ) في كتابه ( علوم الحديث ) ، ( فيه ) أي : في المسند ( قطعا ) حيث لم يحك فيه - كما قال ابن الصلاح - غيره ، وكأن الناظم إنما أخره تبعا لأصله لا لضعفه ; فإنه هو الصحيح كما قال شيخنا ، وأشعر به تمريض ابن دقيق العيد للأول ، وتقديمه لهذا عليه .
وقال المحب الطبري في " المعتصر " أيضا : إنه أصح ; إذ لا تمييز إلا به ، [ ص: 135 ] يعني لكون قائله لحظ فيه الفرق بينه وبين المتصل والمرفوع ، من حيثية أن المرفوع ينظر فيه إلى حال المتن ، مع قطع النظر عن الإسناد اتصل أم لا ، والمتصل ينظر فيه إلى حال الإسناد ، مع قطع النظر عن المتن مرفوعا كان أو موقوفا ، والمسند ينظر فيه إلى الحالين معا ، فيجمع شرطي الاتصال والرفع ، فيكون بينه وبين كل من الرفع والاتصال عموم وخصوص مطلق ، فكل مسند مرفوع ، وكل مسند متصل ، ولا عكس فيهما .
هذا مع أن شيخنا قال ما نصه : والذي يظهر لي بالاستقراء من كلام أئمة الحديث وتصرفهم أن المسند هوما أضافه من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه بسند ظاهره الاتصال .
قال : فـ " من سمع " أعم من أن يكون صحابيا ، أو تحمل في كفره وأسلم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لكنه يخرج من لم يسمع ; كالمرسل ، والمعضل .
و " بسند " يخرج ما كان بلا سند ، كقول القائل من المصنفين : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإن هذا من قبيل المعلق .
و " ظهور الاتصال " يخرج المنقطع ، لكن يدخل فيه الانقطاع الخفي كعنعنة المدلس ، والنوع المسمى بالمرسل الخفي ، ونحوهما مما ظاهره الاتصال ، وقد يفتش فيوجد منقطعا .
واستشهد للأخير بأن لفظ الحاكم : المسند ما رواه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه ليس يحتمله ، وكذلك سماع شيخه من شيخه متصلا إلى صحابي مشهور إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه نظر .
فالظاهر أن قوله : " ليس يحتمله " يخرج عنعنة المدلس ، خصوصا وقد صرح الحاكم بعد باشتراط عدم التدليس في رواته .
ولكن الواقع أن أصحاب المسانيد من الأئمة لا يتحامون فيها تخريج معنعنات المدلسين ، ولا أحاديث من ليس له من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا مجرد الرؤية ، من غير نكير ، بل عبارة الخطيب : " واتصال الإسناد فيه أن يكون كل واحد من رواته سمعه ممن فوقه ، حتى ينتهي إلى آخره ، وإن لم يبين فيه السماع ، بل اقتصر على العنعنة " .


