209 - مضطرب الحديث ما قد وردا مختلفا من واحد فأزيدا 210 - في متن أو في سند إن اتضح فيه
تساوي الخلف أما إن رجح 211 - بعض الوجوه لم يكن مضطربا
والحكم للراجح منها وجبا 212 - كالخط للسترة جم الخلف
والاضطراب موجب للضعف
[ التعريف بالحديث المضطرب ] : لما انتهى من المعل الذي شرطه ترجيح جانب العلة ، ناسب إردافه بما لم يظهر فيه ترجيح ( مضطرب الحديث ) بكسر الراء ، اسم فاعل من اضطرب ( ما قد وردا ) حال كونه ( مختلفا من ) راو ( واحد ) بأن رواه مرة على وجه ، وأخرى على آخر مخالف له ( فأزيدا ) بأن يضطرب فيه كذلك راويان فأكثر .
( في ) لفظ ( متن أو في ) صورة ( سند ) رواته ثقات ، إما باختلاف في وصل وإرسال ، أو في إثبات راو وحذفه ، أو غير ذلك ، وربما يكون في السند والمتن معا ، هذا كله ( إن اتضح فيه تساوي الخلف ) أي : الاختلاف في الجهتين أو الجهات ; بحيث لم يترجح منه شيء ، ولم يمكن الجمع .
( أما إن رجح بعض الوجوه ) أو الوجهين على غيره بأحفظية أو أكثرية ملازمة للمروي عنه ، أو غيرهما من وجوه الترجيح - ( لم يكن ) حينئذ ( مضطربا والحكم للراجح منها ) أي : من الوجوه أو من الوجهين ( وجبا ) ; إذ المرجوح لا يكون مانعا من التمسك بالراجح ، وكذا لا اضطراب إن أمكن الجمع ; بحيث يمكن أن يكون المتكلم معبرا باللفظين فأكثر عن معنى واحد ، ولو لم يترجح شيء .
ولمضطربي المتن والسند أمثلة كثيرة ، فالذي في السند ، وهو الأكثر ، يؤخذ من العلل للدارقطني .
ومما التقطه شيخنا منها مع زوائد ، وسماه المقترب في بيان المضطرب .
[ أمثلة لاضطراب السند ] : ( كـ ) حديث ( الخط ) ، من المصلي ( للسترة ) الذي [ ص: 291 ] لفظه : إذا لم يجد عصا ينصبها بين يديه ، فليخط خطا ; أي يدير دارة منعطفة كالهلال فيما قاله أحمد ، أو يجعله بالطول فيما قاله مسدد ، فإن إسناد هذا الحديث ( جم ) بفتح الجيم وتشديد الميم ، أي : كثير ( الخلف ) أي الاختلاف على راويه ، وهو إسماعيل بن أمية ; فإنه قيل : عنه ، عن أبي عمرو بن محمد بن حريث ، عن جده حريث ، عن أبي هريرة .
وقيل : عنه ، عن أبي عمرو بن حريث ، عن أبيه ، عن أبي هريرة .
وقيل : عنه ، عن أبي عمرو بن محمد بن عمرو بن حريث ، عن جده حريث بن سليم ، عن أبي هريرة .
وقيل : عنه ، عن أبي محمد بن عمرو بن حريث ، عن جده حريث رجل من بني عذرة ، عن أبي هريرة .
وقيل : عنه ، عن أبي محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبيه عن جده ، عن أبي هريرة .
وقيل : عنه ، عن محمد بن عمرو بن حريث ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة .
وقيل : عنه ، عن حريث بن عمار ، عن أبي هريرة .
وقيل : عنه ، عن أبي عمرو بن محمد ، عن جده حريث بن سليمان ، عن أبي هريرة .
وقيل : عنه ، عن أبي عمرو بن حريث ، عن جده حريث ، عن أبي هريرة . وقيل غير ذلك .
ولذا حكم غير واحد من الحفاظ ; كالنووي في الخلاصة ، وابن عبد الهادي وغيره من المتأخرين باضطراب سنده ، بل عزاه النووي للحفاظ .
[ ص: 292 ] وقال الدارقطني : لا يثبت . وقال الطحاوي : لا يحتج بمثله . وتوقف الشافعي فيه في الجديد بعد أن اعتمده في القديم ; لأنه مع اضطراب سنده ، زعم ابن عيينة أنه لم يجئ إلا من هذا الوجه ، ولم يجد شيئا يشده به .
لكن قد صححه ابن المديني ، وأحمد ، وجماعة منهم : ابن حبان ، والحاكم ، وابن المنذر ، وكذا ابن خزيمة ، وعمد إلى الترجيح ، فرجح القول الأول من هذا الاختلاف ، ونحوه حكاية ابن أبي حاتم عن أبي زرعة ، ولا ينافيه القول الثاني ; لإمكان أن يكون نسب الراوي فيه إلى جده ، وسمي أبا لظاهر السياق ، وكذا لا ينافيه الثالث والتاسع والثامن إلا في سليمان مع سليم ، وكأن أحدهما تصحف ، أو سليما لقب ، كما لا ينافيه الرابع إلا بالقلب .
بل قال شيخنا : إن هذه الطرق كلها قابلة لترجيح بعضها على بعض ، والراجحة منها يمكن التوفيق بينها ، وحينئذ فينتفي الاضطراب عن السند أصلا ورأسا ، ولذلك أسنده الشافعي محتجا به في المبسوط للمزني ، وما تقدم عزوه إليه ، ففيه نظر .
وقال البيهقي : لا بأس بهذا الحديث في مثل هذا الحكم إن شاء الله .
قال النووي : وهذا الذي اختاره هو المختار ، ثم إن اختلاف الرواة في اسم رجل ، أو نسبه لا يؤثر ; ذلك لأنه إن كان الرجل ثقة - كما هو مقتضى صنيع من صحح هذا [ ص: 293 ] الحديث - فلا ضير ; كما تقدم في كل من المعل والمنكر .
لا سيما وفي الصحيحين مما اختلف فيه على راويه جملة أحاديث ، وبذلك يرد على من ذهب من أهل الحديث إلى أن الاختلاف يدل على عدم الضبط في الجملة ، فيضر ذلك ، ولو كانت رواته ثقات ، إلا أن يقوم دليل على أنه عند الراوي المختلف عليه عنهما جميعا أو بالطريقين جميعا ، والحق أنه لا يضر ، فإنه كيف ما دار كان على ثقة .
وقد قال النووي في آخر الكلام على المجهول من تقريبه : ومن عرفت عينه وعدالته وجهل اسمه ، احتج به ، وإن كان ضعيفا ، كما هو الحق هنا ; لجزم شيخنا في تقريبه بأن شيخ إسماعيل مجهول ، فضعف الحديث إنما هو من قبل ضعفه ، لا من قبل اختلاف الثقات في اسمه .
هذا مع أن دعوى ابن عيينة الفردية في المتن منتقضة بما روينا في " فوائد عبدان الجواليقي " قال : ثنا داهر بن نوح ، ثنا يوسف بن خالد ، عن أبي معاذ الخراساني ، عن عطاء بن ميناء ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ليصل أحدكم إلى ما يستره ، فإن لم يجد فليخط خطا .
وكذا روينا في أول جزء ابن فيل قال : ثنا عيسى بن عبد الله العسقلاني ثنا رواد بن الجراح ، عن الأوزاعي ، عن أيوب بن موسى ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا صلى أحدكم فليصل إلى مسجد ، أو إلى شجرة ، أو إلى بعير ، فإن لم يجد ، فليخط خطا بين يديه ، ولا يضره من مر بين يديه ) .
ورواه أبو مالك النخعي عن أيوب ، فقال : عن المقبري ، بدل أبي سلمة ، وادعى [ ص: 294 ] الدارقطني في الأفراد تفرد أبي مالك بهذا الحديث ، بل في الباب أيضا ، عن غير أبي هريرة .
فعند أبي يعلى الموصلي في مسنده من حديث إبراهيم بن أبي محذورة ، عن أبيه ، عن جده قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد من قبل باب بني شيبة ، حتى جاء إلى وجه الكعبة ، فاستقبل القبلة ، فخط من بين يديه خطا عرضا ، ثم كبر فصلى ، والناس يطوفون بين الخط والكعبة .
وكذا عند الطبراني من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، وفي سندهما ضعف ، لكنهما مع طريقين : إحداهما مرسلة ، والأخرى مقطوعة ، يتقوى بها حديث أبي هريرة .
وإذ قد ظهر أن الاضطراب الواقع في هذا السند غير مؤثر ، فلنذكر مثالا لا خدش فيه ، مما اختلف فيه الثقات مع تساويهم ، وتعذر الجمع بين ما أتوا به ; وهو حديث : شيبتني هود وأخواتها فإنه اختلف فيه على أبي إسحاق السبيعي ، فقيل : عنه عن عكرمة عن أبي بكر ، ومنهم من زاد بينهما ابن عباس .
وقيل : عنه عن أبي جحيفة ، عن أبي بكر .
وقيل : عنه عن البراء ، عن أبي بكر .
وقيل : عنه عن أبي ميسرة عن أبي بكر .
وقيل : عنه عن مسروق عن أبي بكر .
وقيل : عنه عن مسروق عن عائشة عن أبي بكر .
وقيل : عنه عن علقمة عن أبي بكر .
وقيل : عنه عن عامر بن سعد البجلي ، عن أبي بكر .
وقيل : عنه عن عامر بن سعد ، عن أبيه ، عن أبي بكر .
وقيل : عنه عن مصعب بن سعد ، عن أبيه ، عن أبي بكر .
وقيل : عنه عن أبي الأحوص ، عن ابن مسعود . ذكره الدارقطني مبسوطا .
[ ص: 295 ] [ أمثلة لاضطراب المتن ] وأما أمثلة الاضطراب في المتن - وقل أن يوجد مثال سالم له - كحديث نفي البسملة ; حيث زال الاضطراب عنه بالجمع المتقدم في النوع قبله ، وحديث ابن جريج في وضع الخاتم ; حيث زال بما تقدم في المنكر ، وحديث فاطمة : إن في المال لحقا سوى الزكاة ، الذي ذكره الشارح ; حيث زال بإمكان سماعها للفظين ، وحمل المثبت على التطوع والنافي على الواجب ، ويتأيد بزيادة : ثم قرأ - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - : وآتى المال على حبه [ البقرة : 177 ] في بعض طرقه .
وفي لفظ آخر : قال أبو حمزة : قلت للشعبي : إذا زكى الرجل ماله ، أيطيب له ماله ؟ فقرأ : ليس البر . . . . الآية . هذا مع ضعفه بغير الاضطراب ; فإن أبا حمزة شيخ شريك فيه ضعيف ، ووراء هذا نفى بعضهم الاضطراب عنه بأن لفظ الحديث في الترمذي وابن ماجه سواء ، وهو الإثبات ، لكنه لم يصب ، وإن سبقه لنحوه البيهقي .
فمنها الاختلاف في الصلاة في قصة ذي اليدين : فمرة شك الراوي أهي الظهر ، [ ص: 296 ] أو العصر ؟ ومرة قال : إحدى صلاتي العشي ، إما الظهر وإما العصر ، ومرة جزم بالظهر ، وأخرى بالعصر ، وأخرى قال : وأكبر ظني أنها العصر .
وعند النسائي ما يشهد لأن الشك فيها كان من أبي هريرة ، ولفظه : صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إحدى صلاتي العشي " ، قال أبو هريرة : " ولكني نسيت .
قال شيخنا : فالظاهر أن أبا هريرة رواه كثيرا على الشك ، وكان ربما غلب على ظنه أنها الظهر فجزم بها ، وتارة غلب على ظنه أنها العصر فجزم بها ، ثم طرأ الشك في تعيينها على ابن سيرين أيضا ; لما ثبت عنه أنه قال : سماها أبو هريرة ، ولكن نسيت أنا ، وكان السبب في ذلك الاهتمام بما في القصة من الأحكام الشرعية .
وأبعد من جمع بأن القصة وقعت مرتين ، ولكن كثيرا ما يسلك الحفاظ ; كالنووي رحمه الله - ذلك في الجمع بين المختلف ; توصلا إلى تصحيح كل من الروايات ; صونا للرواة الثقات أن يتوجه الغلط إلى بعضهم ، وقد لا يكون الواقع التعدد ، نعم قد رجح شيخنا في هذا المثال الخاص رواية من عين العصر في حديث أبي هريرة .
( والاضطراب ) حيث وقع في سند أو متن ( موجب للضعف ) لإشعاره بعدم ضبط راويه أو رواته .


