الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 347 - 348 ] ( و ) يستحب ( تعجيل المغرب ) لأن تأخيرها مكروه لما فيه من التشبه باليهود ، وقال عليه الصلاة والسلام { لا تزال أمتي بخير ما عجلوا المغرب وأخروا العشاء }. [ ص: 349 ] قال ( وتأخير العشاء إلى ما قبل ثلث الليل ) لقوله عليه الصلاة والسلام { لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل }. [ ص: 350 - 351 ] ولأن فيه قطع السمر المنهي عنه بعده ، وقيل : في الصيف تعجيل كي لا تتقلل الجماعة ، والتأخير إلى نصف الليل مباح ، لأن دليل الكراهة وهو تقليل الجماعة عارضه دليل الندب وهو قطع السمر بواحدة فتثبت الإباحة ، وإلى النصف الأخير مكروه ، لما فيه من تقليل الجماعة ، وقد انقطع السمر قبله .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        { الحديث الرابع عشر } : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تزال أمتي بخير ما عجلوا المغرب وأخروا العشاء } ، قلت : غريب ، وروى أبو داود في " سننه " من حديث محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله عن أبي أيوب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تزال أمتي بخير ، أو قال : على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم } ، مختصر ، وتمامه : عن مرثد بن عبد الله ، قال : قدم علينا أبو أيوب غازيا ، وعقبة بن عامر يومئذ على مصر ، فأخر المغرب ، فقام إليه أبو أيوب ، فقال له : ما هذه الصلاة يا عقبة ؟ قال : شغلنا ، قال : أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لا تزال أمتي بخير }إلى آخره ، ورواه الحاكم في " المستدرك " ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، قال الشيخ في " الإمام " : وقد خولف ابن إسحاق في هذا الحديث ، قال ابن أبي حاتم : ورواه حيوة . وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران التجيبي عن أبي أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { بادروا بصلاة المغرب قبل طلوع النجوم ، }قال أبو زرعة ، وحديث حيوة أصح انتهى كلامه . [ ص: 349 ] وأخرج ابن ماجه عن عباد بن العوام عن عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب حتى يشتبك النجوم }انتهى .

                                                                                                        ومن أحاديث الباب ما أخرجه البخاري ، ومسلم عن { رافع بن خديج ، قال كنا نصلي المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فينصرف أحدنا ، وأنه ليبصر مواقع نبله }انتهى .

                                                                                                        ورواه أبو داود من حديث أنس ، ولفظه : { ثم يرمي ، فيرى أحدنا موضع نبله }.

                                                                                                        { حديث آخر } أخرجه البخاري ، ومسلم عن سلمة بن الأكوع قال : { كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب إذا توارت بالحجاب } ، وفي لفظة : { إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب }انتهى . ولفظ أبي داود فيه . { كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس إذا غاب حاجبها }.

                                                                                                        { الحديث الخامس عشر } : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل } ، قلت : روي من حديث أبي هريرة ، ومن حديث زيد بن خالد الجهني ، فحديث أبي هريرة ، رواه الترمذي وابن ماجه من حديث عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لولا أن أشق على أمتي لأخرت العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه }انتهى . قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } أخرجه البزار عن ابن إسحاق حدثني عبد الرحمن بن يسار عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ، ولأخرت العشاء الأخيرة إلى ثلث الليل } ، وقال : لا نعلمه يروى عن علي إلا بهذا الإسناد انتهى . [ ص: 350 ] وأما حديث زيد بن خالد ، فرواه الترمذي في " الطهارة " والنسائي في " الصوم " من حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن زيد بن خالد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ، ولأخرت العشاء إلى ثلث الليل فكان زيد بن خالد يشهد الصلوات في المسجد ، وسواكه على أذنه موضع القلم من أذن الكاتب ، لا يقوم إلى الصلاة إلا استن ، ثم رده إلى موضعه }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن صحيح انتهى . وذهل شيخنا علاء الدين في عزوه هذا الحديث بتمامه ، لأبي داود ، وأبو داود لم يخرج منه إلا فضل السواك ، لم يذكر فيه تأخير العشاء ، وعجبت من أصحاب " الأطراف " إذ لم يبينوا ذلك : مع أنه من عادتهم ، كابن عساكر وشيخنا الحافظ جمال الدين المزي ، وقد أحسن المنذري في " مختصره " إذ بين ذلك لما ذكر لفظ أبي داود ، فعزاه للترمذي . والنسائي ، ثم قال : وحديث الترمذي مشتمل على الفضيلتين : " يعني فضل السواك . وفضل الصلاة " ، وأعجب من ذلك ما ذكره النووي في " الخلاصة " مقتصرا على فضل تأخير العشاء ، وعزاه لأبي داود ; والترمذي ، ثم إن أصحاب " الأطراف " عزوه للنسائي في " الصوم " ولم أجده في " الصغرى " فلينظر " الكبرى " .

                                                                                                        { حديث آخر } أخرجه مسلم عن الحكم عن نافع عن ابن عمر ، قال : { مكثنا ذات ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة ، فخرج إلينا حين ذهب الليل أو بعضه . فلا ندري أشيء شغله في أهله أو غير ذلك ، فقال حين خرج : إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم ، ولولا أن يثقل على أمتي لصليت بهم هذه الساعة ، ثم أمر المؤذن فأقام الصلاة ، وصلى }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : قال ابن أبي حاتم : سمعت أبي ، وذكر حدثنا مروان الفزاري عن محمد بن عبد الرحمن بن مهران عن سعيد المقبري عن أبي سعيد الخدري . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لولا أن يثقل على أمتي لأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل }.

                                                                                                        قال [ ص: 351 ] أبي : إنما هو عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الشيخ في " الإمام " : محمد بن عبد الرحمن بن مهران المزني ، قال أبو حاتم : روى عن أبيه ، والمقبري روى عنه مروان الفزاري ، وأبو عامر العقدي محله الصدق ، ولا أرى بحديثه بأسا ، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين ، وقد روى ابن ماجه هذا الحديث من رواية داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى المغرب ، ثم لم يخرج حتى ذهب شطر الليل ، ثم خرج فصلى بهم ، وقال : لولا الضعيف والسقيم لأحببت أن أؤخر هذه الصلاة إلى شطر الليل }انتهى كلامه .

                                                                                                        { الحديث السادس عشر } : حديث السمر المنهي عنه بعد العشاء ، أشار إليه في " الكتاب " قوله : ولأن فيه قطع السمر المنهي عنه بعدها ، قلت : رواه الأئمة الستة في " كتبهم " من حديث أبي برزة { عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يكره النوم قبلها يعني العشاء }والحديث بعدها ، انتهى .

                                                                                                        رووه في " المواقيت " مطولا ومختصرا ، ولفظ مسلم : كان لا يحب ، ورواه أبو داود في " الأدب " أيضا ، ولفظه : كان ينهى عن النوم قبلها . والحديث بعدها انتهى .

                                                                                                        وروى ابن ماجه في " سننه " حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة ، قالت : { ما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العشاء ، ولا سمر بعدها } ، انتهى . وقد أجاز العلماء السمر بعد العشاء في الخير ، واستدلوا على ذلك بما أخرجه البخاري ، ومسلم عن سالم عن ابن عمر ، قال : { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته ، فلما سلم قام ، فقال : أرأيتكم ليلتكم هذه ، فإن على [ ص: 352 ] رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد }انتهى .

                                                                                                        وبوب عليه النسائي في " سننه باب السمر في العلم " .

                                                                                                        وروى الترمذي في " الصلاة " والنسائي في " المناقب " عن إبراهيم عن علقمة عن عمر ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر عند أبي بكر الليلة في الأمر من أمر المسلمين ، وأنا معه }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن ، وقد رواه الحسن بن عبد الله عن إبراهيم عن علقمة عن رجل من جعفي ، يقال له : قيس ، أو ابن قيس عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة طويلة انتهى .

                                                                                                        وقال ابن عساكر في " أطرافه " علقمة لم يسمع من عمر ، وقال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : روى أوس بن حذيفة ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتينا بعد العشاء يحدثنا ، وكان أكثر حديثه تشكية قريش ، }ولم يذكر من رواه . فائدة :

                                                                                                        استدل الشيخ في " الإمام " على جواز تسمية العشاء بالعتمة بحديث رواه مالك في " موطئه " عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا }مختصر ، وينبغي الجمع بينه ، وبين حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم { لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا إنها العشاء ، وهم يعتمون بالإبل }أخرجه مسلم .




                                                                                                        الخدمات العلمية