قال : ( وعصير العنب إذا طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه  حلال وإن اشتد ) وهذا عند  أبي حنيفة   وأبي يوسف  ، وقال  محمد   ومالك   والشافعي  رحمهم الله: حرام ، وهذا الخلاف فيما إذا قصد به التقوي : أما إذا قصد به التلهي فلا يحل بالاتفاق . 
وعن  محمد  مثل قولهما وعنه أنه كره ذلك ، وعنه أنه توقف فيه ، لهم في إثبات الحرمة قوله عليه الصلاة والسلام : { كل مسكر خمر   }"  [ ص: 232 ] وقوله عليه الصلاة والسلام : { ما أسكر كثيره فقليله حرام   }"  [ ص: 233 ] ويروى عنه عليه الصلاة والسلام { ما أسكر الجرة منه فالجرعة منه حرام   }" ولأن المسكر يفسد العقل فيكون حراما قليله وكثيره كالخمر  [ ص: 234  -  235 ] ولهما قوله عليه الصلاة والسلام : { حرمت الخمر لعينها   }" ويروى " { بعينها قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب   }" خص السكر بالتحريم في غير الخمر إذ العطف للمغايرة ، ولأن المفسد هو القدح المسكر ، وهو حرام عندنا ، وإنما يحرم القليل منه ; لأنه يدعو لرقته ولطافته إلى الكثير ، فأعطي حكمه والمثلث لغلظه لا يدعو وهو في نفسه غذاء فبقي على الإباحة . 
والحديث الأول غير ثابت على ما بيناه ، ثم هو محمول على القدح الأخير ، إذ هو المسكر حقيقة ، والذي يصب عليه الماء بعد ما ذهب ثلثاه بالطبخ حتى يرق ، ثم يطبخ طبخة حكمه حكم المثلث ; لأن صب الماء لا يزيده إلا ضعفا ; بخلاف ما إذا صب الماء على العصير ، ثم يطبخ حتى يذهب ثلثا الكل ; لأن الماء يذهب أولا للطافته أو يذهب منهما ، فلا يكون الذاهب ثلثي ماء العنب ، ولو طبخ العنب  [ ص: 236 ] كما هو ثم يعصر يكتفى بأدنى طبخة في رواية عن  أبي حنيفة  رحمه الله . 
وفي رواية عنه : لا يحل ما لم يذهب ثلثاه بالطبخ وهو الأصح ; لأن العصير قائم فيه من غير تغير ، فصار كما بعد العصر ، ولو جمع في الطبخ بين العنب والتمر أو بين التمر والزبيب  لا يحل ، حتى يذهب ثلثاه ; لأن التمر إن كان يكتفى فيه بأدنى طبخة فعصير العنب لا بد أن يذهب ثلثاه ، فيعتبر جانب العنب احتياطا ; وكذا إذا جمع بين عصر العنب ونقيع التمر لما قلنا ، ولو طبخ نقيع التمر والزبيب أدنى طبخة ، ثم أنقع فيه تمر أو زبيب ، إن كان ما أنقع فيه شيئا يسيرا لا يتخذ النبيذ من مثله لا بأس به ، وإن كان يتخذ النبيذ من مثله لم يحل كما إذا صب في المطبوخ قدح من النقيع ، والمعنى تغليب جهة الحرمة ولا حد في شربه ; لأن التحريم للاحتياط وهو للحد في درئه ولو طبخ الخمر أو غيره بعد الاشتداد حتى يذهب ثلثاه  لم يحل ; لأن الحرمة قد تقررت فلا ترتفع بالطبخ . 
     	
		 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					