[ ص: 264 ] الفصل السابع : في الإعادة في جماعة 
وفي الموطأ عنه عليه السلام : صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ، وعنه فيه صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءا   . وقيل في الجمع بينهما : إن الجزء أكبر من الدرجة والتفاوت بحسب الجماعات والأئمة . وفي  مسلم  صلاة مع إمام خير من خمس وعشرين صلاة يصليها وحده   . قال صاحب المنتقى ، والاستذكار ، والإكمال ، وغيرهم : صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ  بخمس وعشرين صلاة فتكون صلاة الجماعة ثمانية وعشرين صلاة واحدة بصلاة الفذ ، وسبعة وعشرين لفضيلة الجماعة على رواية سبع وعشرين ، وعلى ذلك تتخرج بقية الأعداد الواردة في الروايات ، وجعلوا الأعداد الواردة كلها أعداد صلوات لأجزاء ثواب صلاة الفذ فإن هذه الفضيلة قيدت في بعضها بالصلوات ، وأطلقت في بعضها ، وسميت أجزاء ودرجات فيحمل المطلق على القيد ، ويكون الجزء الوارد في بعضها جزء ثواب الجماعات لا جزء ثواب الفذ ، واستقامت الروايات كلها ، وعظمت المنة على العباد ، وعظم الترغيب في صلاة   [ ص: 265 ] الجماعات ، لم يحكوا في ذلك خلافا ، وفي الجواهر : الجماعة سنة مؤكدة  لا تجب إلا في الجمعة ، وحكي عن بعض أصحابنا وجوبها على الكفاية ولا تترك الجماعة إلا لعذر عام كالمطر والريح العاصف بالليل ، أو الخاص كالتمريض ، وخوف السلطان ، أو الغريم مع الإعسار أو القصاص مع رجاء العفو ، والمشهور استواء الجماعات ، وقال  ابن حبيب     : تفضل الجماعة بالكثرة وفضيلة الائتمام . 
تمهيد : 
لا نزاع أن الصلاة مع الصلحاء والعلماء والكثير من أهل الخير  أفضل من غيرهم ; لشمول الدعاء ، وسرعة الإجابة ، وكثرة الرحمة ، وقبول الشفاعة ، وإنما الخلاف في زيادة الفضيلة التي شرع الله تعالى الإعادة لأجلها فالمذهب أن تلك الفضيلة لا تزيد ، وإن حصلت فضائل أخر ، لكن لم يدل دليل على جعلها سببا للإعادة ،  وابن حبيب  يرى ذلك ، قال : ولا تحصل فضيلة الجماعة بأقل من ركعة يدركها مع الإمام  ، وهذا مما تقدم نزاع أن مدرك التشهد له أجر ، وأنه مأمور بذلك ، وإنما تلك الدرجات لا تحصل إلا بركعة ; لأن الشرع أضافها لجملة الصلاة ، ومدرك أقل من ركعة ليس مدركا للصلاة ; بقوله عليه السلام : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة   . قال : ولا يعيد مع الواحد إلا أن يكون إماما . 
سؤال : الاثنان إذا كانا جماعة  وجب أن يعيدا مع الواحد وإلا فيعيد من   [ ص: 266 ] صلى مع الواحد . 
جوابه : هما جماعة إذا كانا مفترضين والمعيد ليس بمفترض ، قال : وإذا أعاد لا يتعرض لتخصيص نية أو ينوي الفرض أو النفل ، أو إكمال الفضيلة : أربعة أقوال تتخرج عليها ثلاثة فروع : 
الأول : إذا ذكر عدم الطهارة في الأولى أجزأته الثانية عند  ابن القاسم  ، خلافا   لابن الماجشون  ، وقال  أشهب     : إن ذكر الأولى حين دخوله في الثانية فلا تجزئه وإلا أجزأته . 
الثاني : إذا أعاد لفضل الجماعة ، ثم تبين له أنه لم يصل ، قال  ابن القاسم     : تجزيه خلافا  لأشهب     . 
الثالث : إذا أحدث في أثناء الثانية ، روى المصريون عدم الإعادة ، وقال  أشهب     : إن قصد بالثانية رفض الأولى فلا إعادة ، وروي عنه الإعادة ، وبه قال   ابن كنانة   وسحنون  ، واختلف في التعليل ، قال   ابن كنانة     : لأنه لا يدري أيتهما فرضه ، وقال   سحنون     : لأنها وجبت بدخوله فيها . 
وفائدة الخلاف إذا كان الحدث علته ، وقال   ابن الماجشون     : إن أحدث بعد ركعة أعاد ; لأنه أدرك صلاة الإمام وإلا فلا ، وفي كتاب   ابن سحنون  إن أراد الثانية فرضه والأولى نافلة ، أو أراد أن يكون الأمر إلى الله تعالى فليعد الثانية . 
 [ ص: 267 ] فروع اثنا عشر : 
الأول : قال في الكتاب : إذا جاء المسجد وقد صلى وحده فليصل مع الناس إلا المغرب  فليخرج ; لما في الموطأ قال عليه السلام  لمحجن  وكان قد صلى في أهله ، ولم يصل معهم : إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت   . وتعاد الصلوات كلها إلا المغرب وإلا الصبح والمغرب عند   ابن عمر  ، وإلا الصبح والعصر عند ح ، وكلها عند ش نظرا لعموم الحديث ، ورأى ح أن الأولى فرضه ، والصبح والعصر لا يتنفل بعدهما ، والمغرب وتر ، وفي  أبي داود  لا وتران في ليلة . وعندنا أن الثانية لم تتعين للنافلة ، وفي  أبي داود  لا تصلوا صلاة في يوم مرتين . فيجمع بين العمومين فيحمل النهي على المغرب وفي جماعتين أو حالة الانفراد ، والأمر بالإعادة على ما عدا ذلك ، وأما خروجه من المسجد فلأن   ابن عمر  كان يفعل ذلك ، ولأن فيه صورة القعود عن طاعة الله تعالى حالة النهوض لها . 
تفريع : فإن أعاد المغرب ، قال في الكتاب : شفع الآخرة وتكون الأولى صلاته . 
 [ ص: 268 ] وفي النوادر عن  ابن وهب  يسلم مع الإمام ويعيدها ; لأنها تقع فرضا على رأي فلا تفسد برابعة فلو دخل في المغرب مع الجماعة ناسيا فذكر قبل ركعة ، قال صاحب الطراز : قال  ابن حبيب  يقطع ; لأنه دخل في نافلة ممنوعة فأشبه القيام في النافلة لثالثة فإنه يرجع عنها ، قال : ويتخرج فيها قول بالإتمام على الخلاف فيمن أقيمت عليه الصلاة بعد إحرامه بها ، فإن ذكر بعد الركوع ، قال  ابن حبيب     : يتمادى ويسلم من اثنتين ، قال : وقال  الباجي     : ومقتضى أصل  ابن القاسم  القطع فإن أراد التخريج على ما إذا أحرم بالمغرب فأقيمت عليه بعد ركعة فإنه يقطع ، فإن الفرق أن الذي أقيمت عليه إن لم يقطع فعل المكروه ; لأنه قد نهى عن صلاتين معا وإن شفع تنفل قبل المغرب بخلاف هذه الصورة ، قال : وإن أتم المغرب مع الإمام ساهيا عن الإشفاع ، فعلى قول  ابن القاسم  إن ذكر بالقرب رجع وأتى بركعة ، وسجد للسهو فإن تطاول فلا شيء عليه . 
الثاني : قال في الكتاب : إذا سمع الإقامة في المسجد وقد صلى في بيته  لا يجب عليه الدخول معهم . وقال   ابن حنبل     : الجماعة فرض على الأعيان وليست شرطا في صحة الصلاة ، وقال بعض الشفعوية : فرض كفاية لما في الصحاح أنه - عليه السلام - فقد ناسا في بعض الصلوات فقال : لقد هممت أن آمر رجلا فيصلي بالناس ، ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فآمر رجالا فيحرقون عليهم بحزم الحطب بيوتهم   . وهو محمول على صدر الإسلام حيث كان   [ ص: 269 ] النفاق والتقاعد عن الدين كثيرا ، وأيضا فالحديث لنا فإنه - عليه السلام - أخبر أنه هم بترك الجماعة وهو لا يهم بترك الواجب ، فإذا صلى وحده ، ثم أتى المسجد فوجدهم في تلك الصلاة  ، المشهور الندب للدخول معهم . وروي عنه الكراهة فلو وجدهم في التشهد فلا يدخل ; لأنه يصير معيدا فذا ، فإن اعتقدهم في الأول فسلموا ، قال  ابن القاسم     : يسلم ولا شيء عليه ، قال : والأمر بالجماعة لم يأت على العموم ، وإنما جاء فيمن حضر الجماعة . 
الثالث : قال صاحب الطراز : من صلى العشاء في بيته وأوتر  فالمذهب أنه لا يعيدها لأجل الوتر ، فإن أعادها ، قال   سحنون     : يعيد الوتر ، وقال  يحي بن عمر     : لا يعيد ; لأنه لا وتران في ليلة . 
الرابع : إذا أمرناه بإعادة الصبح والعصر ، قال : ليس له أن يتنفل بينهما قبل أن يعيد ; لأن التنفل بعدهما مكروه . 
الخامس : قال في الكتاب : من صلى مع الواحد لا يعيد في جماعة  ، وقاله الحنفية ، وقال   ابن حنبل     : يعيد ، وللشافعية ثلاثة أقوال : مثل قولنا يعيد ما عدا الصبح والعصر ، يعيد الجميع ، لنا قوله عليه السلام : لا تصل صلاة في يوم مرتين   . قال  أبو الطاهر     : واختلف الأشياخ في صورتين إذا صلى مع صبي أو مع أهله : هل يعيد أم لا  نظرا إلى تنفل الأول ؟ ولعموم قوله عليه السلام : صل وإن صليت في أهلك في الثانية   . 
 [ ص: 270 ] فرع : 
قال صاحب الطراز : قال  ابن حبيب     : يعيد من صلى مع الواحد في المسجد الحرام  ومسجد المدينة  والمقدس     ; لفضل تلك البقاع ، وظاهر المذهب خلافه ، وإنما الصلاة بها فرادى أفضل من الجماعة في غيرها ، وألزمه اللخمي الإعادة منفردا . 
السادس : لو أقيمت عليه تلك الصلاة بعد أن صلى ركعة منها  ، قال في الكتاب : يضيف إليها ركعة ويسلم ويعيد مع الإمام ، قال صاحب الطراز : إلا أن يخاف أن تفوته ركعة مع الإمام فيقطع بسلام فإن أقيمت عليه بعد ثلاث ، قال في الكتاب : يكملها ويدخل معه ولا يجعل الأولى نافلة ، فإن أقيمت قبل الركوع قطع ودخل معه ، وقال ش : يدخل من غير قطع ويرد عليه أنه أحرم قبل إمامه ، قال صاحب الطراز : بخلاف من أحرم بنافلة فإنه يتمها ، والفرق أنه في الأولى قطعها ; ليكملها وهاهنا القطع لغيرها فكان الجمع بينهما أولى ، وأيضا فإن النافلة إذا قطعها لا يعود إليها بخلاف الفريضة ، فإن أقيمت عليه المغرب ، قال في الكتاب : يقطع وإن صلى ركعة ، وقال  ابن القاسم  في المجموعة : يضيف إليها أخرى ، وجه الأول عدم التنفيل قبل المغرب ، وجه الثاني انعقاد الصلاة ، قال صاحب الطراز : وكذلك لو أقيمت بعد ركعة قطع على مذهب الكتاب ،   [ ص: 271 ] فإن أقيمت بعد ثلاث أتمها ولا يدخل معهم . 
وانعقاد الثالثة بتمكن اليدين من الركعتين عند  ابن القاسم  ، وبالرفع عند  أشهب     . 
السابع : قال في الكتاب : من صلى وحده فأم غيره فيها  أعاد المأموم ; لأنه لا يدري أيتهما فرضه ، وقال ح و ش   وابن حنبل     : الثانية نافلة وهو القياس لبراءة الذمة بالأولى . لنا ما في الموطأ أن رجلا سأل   ابن عمر  عن ذلك فقال : أوذلك إليك ؟ إنما ذلك إلى الله . 
فرع : مرتب : 
قال صاحب الطراز : إن أمهم وقلنا يعيد المأموم أبدا ففي الكتاب لا ينبغي أن يعيدوا في جماعة ; لأن الأولى قد تكون فرضهم ولا جماعتان في يوم ، وهذا الفرع يشكل على ما في الجواهر أنه لا يعيد مع الواحد فإن الواحد هاهنا متنفل وقد حصلت الجماعة وإن وجبت الإعادة ، وثم المعيد متنفل ولا إعادة فكانت أقرب بحصول الجماعة . 
الثامن : لو ذكر المأموم سجدة من إحدى الصلاتين  ، قال صاحب الطراز : لا يعيد ، وقال  عبد الملك     : يعيد ; لأن اعتقاده لم يخلص للفرض . 
التاسع : قال في الكتاب : إذا صلى الإمام وحده ، صلى أهل المسجد   [ ص: 272 ] بعده أفذاذا  ، قال  ابن القاسم     : ولا يعيد في جماعة . وجهه أن المسجد له حق إقامة الصلاة فيه ; لقوله تعالى : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه    ) . وهذا الحق بيد الإمام وليس لغيره إقامته ، فإذا أذن وأقام الصلاة فقد أدى ذلك الحق فهو حينئذ في حكم الجماعة ، قال صاحب الطراز : فلو أذن القوم قبله وصلوا كان له أن يؤذن بعدهم ويصلي ; لأنه صاحب الحق وهم معتدون ، ولو غاب إمامهم فجمع بهم غيره ، قال : قال  مالك     : إن كان بإذن الإمام لا تعاد فيه جماعة ، وإلا أعيدت ، وأما كونهم يصلون أفذاذا فقال به ح و ش ، وأجازه   ابن حنبل  محتجا بما روي عنه - عليه السلام - أنه رأى رجلا يصلي وحده فقال : ألا رجلا يتصدق على هذا فيصلي معه ؟ وجوابه لعله كان لا يحسن الصلاة فأمر من يعلمه كيف يصلي ، أو كان في نفل أو خارج المسجد ، ويروى عن   الحسن البصري  كان أصحابه - عليه السلام - إذا فاتتهم الجماعة صلوا في المسجد فرادى ، قال صاحب الطراز : ويتنزل المكان الذي جرت العادة بالجمع فيه ، وإن لم يكن مسجدا منزلة المسجد ، وقاله  مالك  في العتبية ، ورخص في المساجد التي يجمع فيها بعض الصلوات . 
العاشر : في الجواهر ليس للمأموم أن يصلي فذا ولا بالعكس  ، فإن اضطر كمريض اقتدى بمريض فصح ، قال   سحنون     : يتم لنفسه كما يصير الإمام بالعذر مأموما ، وقال  يحيى بن عمر     : يتمادى ; لأنه دخل بما يجوز له . 
 [ ص: 273 ] الحادي عشر : قال  أبو الطاهر     : لا يجلس أحد والإمام يصلي ، ولا يركع ركعتي الفجر بعد الإقامة في المسجد ولا في رحابه ولا في أفنيته المتصلة به . 
الثاني عشر : قال : لا يجوز تعدي المسجد إلى غيره  إلا أن يكون إمامه لا يصح الاقتداء به ، فإن فعل فلا تبطل صلاته عندنا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					