[ ص: 534 ] الباب التاسع في الاعتكاف    . 
وأصله الاحتباس ، والعكف الحبس ، ومنه قوله تعالى : ( والهدي معكوفا    ) . ( وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا    ) . ( وأنتم عاكفون في المساجد    ) . وعكف يعكف - بضم الكاف وكسرها - وهو في الشرع : الاحتباس في المساجد للعبادة على وجه مخصوص ، وفيه خمسة فصول : 
الفصل الأول : في شروطه . 
وهي ثلاثة : 
الشرط الأول : اللبث في المسجد  خلافا  لابن لبابة     ; لما في  أبي داود     : قالت عائشة    - رضي الله عنها - : السنة على المعتكف ألا يعود مريضا ، ولا يشهد جنازة ، ولا يمس امرأة ولا يباشرها ، ولا يخرج لحاجة إلا لما بذمته ، ولا اعتكاف إلا بصوم   [ ص: 535 ] ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع ، وفي الكتاب : يخرج لغسل الجمعة وغسل الجنابة ، ولا يغسل ثوبه إذا خرج ، ويخرج لشراء الطعام ثم يرجع عنه لأنه يمكنه إعداد ذلك والاستنابة فيه . قال  سند     : وإذا قلنا يخرج فلا يتحدث مع أحد ، فإن فعل وطال قطع التتابع ، وإن تحدث من غير وقوف لم يضر ، قال  ابن القاسم  في الكتاب : إن خرج لدين له أو غلبه أحد فسد اعتكافه ; لإعراضه عن ملازمة العبادة التي هي رفيقة الاعتكاف ، قال  سند     : وروى  ابن نافع  إن أكرهه القاضي أحب إلي أن يستأنف ، فإن بنى أجزأه لعجزه عن دفع الإكراه كقضاء حاجة الإنسان . قالمالك     : ( . . . . . . . . ) - الإمام أطلقه حتى يخرج إذا لم يعتكف فرارا ، فإن نفد صبر صاحب الدين أو طالت المدة ، أحضره أو وكيله ، ويؤخره في الحد لأنه يسقط بالشبهة ، فإن أخرجه جاز لوجوبه ، قال  مالك     : ويؤدي الشهادة في المسجد ولا يخرج ، وفي الكتاب : ليس له أن يشترط ما يغير سنة الاعتكاف ولا أنه متى شاء خرج ، ولا تعتكف المرأة في مسجد بيتها    - وقاله   ابن حنبل  خلافا ل ( ح ) ، و ( ش ) محتجين بما في الموطأ أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يعتكف ، فلما انصرف إلى المكان الذي أراد أن يعتكف فيه ، وجد أخبية : خباء عائشة  ، وخباء حفصة  ، وخباء زينب  ، فلما رآها سأل عنها فقيل له : هذا خباء عائشة   وحفصة  وزينب  ، فقال : - صلى الله عليه وسلم - : " ألبر تقولون بهن " ، ثم انصرف فلم يعتكف حتى اعتكف عشرا من شوال   . 
وجوابه : أنه حجة لنا من جهة فعلهن لذلك ، فدل على أنه معلوم عندهم ، وإنكاره - صلى الله عليه وسلم - لم يصرح فيه بأنه للمسجد ، بل لكونهن قصدن القرب منه غيرة عليها ، فخشي عليهن ذهاب الأجر ، ولأنه شرط للرجال فيكون للنساء كالجمعة . وفي الكتاب : من تلزمه الجمعة لا يعتكف إلا في المسجد الجامع ، وإلا ففي أي   [ ص: 536 ] مسجد شاء . قال   ابن حنبل  ، و ( ح ) : لا يعتكف إلا في مسجد تقام فيه الجماعة ; لوجوبها عند   ابن حنبل  وترك فضيلتها عند ( ح ) . 
لنا عموم قوله تعالى : ( وأنتم عاكفون في المساجد    ) . قال  سند     : فإن اعتكف في غير الجامع فأتت الجمعة  خرج اتفاقا ، ويبطل على المشهور ; لأنه أدخله على نفسه بغير ضرورة - وقاله ( ش ) ، وروي عن  مالك  الصحة - وقاله ( ح ) ; لأن الخروج إليها مستثنى شرعا ، كما استثني للغائط طبعا ، فإن لم يخرج يختلف في بطلان اعتكافه بالمعصية الصغيرة ، أو لا يبطل إلا بالكبيرة ، وإذا خرج قال  مالك     : يتم اعتكافه بالجامع ، وقال  عبد الملك     : يعود إلى مسجده لتعينه باعتكافه ، ولأنه لو خرج إلى البول لا يدخل مسجدا هو أقرب من الأول ، ولو كانت الأيام لا تأتي فيها الجمعة فمرض فخرج ثم رجع لتكميل الاعتكاف فأتت الجمعة فيه . . . بينه ، وبين الأول لذهاب المتابعة ، وفرق  عبد الملك     . . . ولو كانت الأيام تأتي فيها الجمعة فحدث له عذر يسقطها صح اعتكافه ، وفي الكتاب : يعتكف في عجز المسجد ورحابه ، واختلف قوله في صعود المؤذن السطح والمنار  بالكراهة والإباحة ، والأول المشهور . قال  سند     : الرحبة ما كان مضافا إلى المسجد وإن كان خارجه ، ويكون لها حكم المسجد ، وقال  الباجي     : معناه داخل المسجد ، ولا يصح خارجه ، وظاهر قول  مالك  خلافه ، وأجاز  مالك  لمن اعتكف بمكة  دخول الكعبة    ; لأنها في حكم المسجد . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					