النوع التاسع : الجماع  ، والأصل في تحريمه وإفساده الحج قوله تعالى : ( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج    ) [ البقرة 197 ] والرفث : الجماع لقوله تعالى : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم    ) [ البقرة 187 ] وفي ( الموطأ ) : قال عليه السلام : ( لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب   ) وإن  عمر  رضي الله عنه ،   وأبا هريرة     - رضي الله عنه - كانوا يسألون عن الرجل يصيب أهله وهو محرم بالحج ، فيقولون : ينفران إلى وجههما حتى يقضيا حجهما ، ثم عليهما الحج قابلا والهدي ، وقال  علي  رضي الله عنه : إذا أهلا بالحج من قابل يفترقان إلى وجههما حتى يقضيا حجهما ، ثم عليهما الحج قابلا والهدي ، وقال  علي  رضي الله عنه : إذا أهلا بالحج من قابل يفترقان حتى يقضيا حجهما   . 
وفي هذا النوع فصلان : الأول في الجماع نفسه ، والثاني في مقدماته . 
 [ ص: 340 ] الفصل الأول في الجماع ، وفي ( الجواهر ) : يستوي في الإفساد الجماع في الفرج والمحل المكروه من الرجال والنساء  ، كان معه إنزال أم لا ، وهو يوجب الإفساد والقضاء والهدي إن وقع قبل الوقوف ، فإن وقع بعد النحر قبل الرمي فعليه عمرة والهدي وهدي آخر لتأخير الرمي ، وقيل : يفسده وفي يوم النحر قبل الرمي والتقصير المشهور الفساد ، وروي عدمه ، وإن أفاض ولم يرم ، ثم وطئ فليس عليه إلا الهدي ولا عمرة عليه ، وقال  ابن وهب     : إن وطئ يوم النحر فسد حجه إذا لم يرم ، وإن أفاض ، قال  ابن القاسم     : فإن وطئ يوم النحر بعد الرمي قبل الإفاضة فعليه عمرة والهدي حلق أم لا وتفسد العمرة قبل الركوع ، وبعد السعي روايتان ، وقد تقدمت قواعد هذه الفروع في الرمي ، قال : ويجب تتميم فاسده كصحيحه ثم يقضي ويهدي بدنة فإن لم يجد فبقرة ، فإن لم يجد فشاة ، قال  أبو الحسن     : ولو أخرج الشاة مع القدرة على البدنة كره ، ويتأدى بالقضاء ما يتأدى بالأداء من فرض الإسلام وغيره ، والقضاء واجب على الفور ، وفي جواز تقديم الهدي عليه خلاف ولو قدم هدي قران القضاء لم يجزئه ، وفي إجزائه إذا قلده وأخر نحره إلى حجه القضاء خلاف قال  ابن يونس     : ولا خلاف أن الإيلاج بغير إنزال ، أو الإنزال بأي أنواع الاستمتاع كان يفسد الحج والعمرة ، خلافا ل ( ح ) و ( ش ) في الإنزال ; لأنه المقصود من الوطء . 
تفريعات أربعة : الأول في ( الكتاب ) : إذا جامع زوجته في الحج  فليفترقا إذا أحرما بحجة القضاء ، ولا يجتمعان حتى يحلا سدا للذريعة ، وخصصه   الشافعي   وابن حنبل  من الموضع الذي وطئها فيه ; لأن  مالكا  رواه عن  عثمان  وعلي   وابن عباس     - رضي الله عنهم - لأنهما يتداركان ما كان بينهما حينئذ ، وقال ( ح ) : لا يجب ذلك كما لا يجب في قضاء رمضان ولا في بقية الإحرام ،   [ ص: 341 ] قال  ابن يونس     : الافتراق مروي عنه عليه السلام ، ولا خلاف فيه في العمد ، وكذلك الناسي خلافا ل ( ش ) ، قال  سند     : وهذا الافتراق مستحب خلافا  لابن حنبل  وبعض الشافعية ; لأنه لو وجب لوجب بتركه الدم ولا دم فلا يجب ، قال : ولا يشكل بعقد النكاح ; لأن تركه يجب ولا يجب بفعله دم ، وكلاهما ذريعة ; لأن أثر تحريم العقد في عدم الانعقاد وههنا لا أثر إلا وجوب الدم لو كان واجبا ، بل استصحاب الزوجة كاستصحاب الطيب والمخيط . 
الثاني : في ( الكتاب ) : يحرم في قضاء الحج والعمرة من حيث أحرم أولا  إلا أن يكون الأول أبعد من الميقات فيحرم من الميقات ، ووافقنا ( ح ) في الحج ، وقال في العمرة : يحرم بها من أدنى الحل ; لأن عائشة    - رضي الله عنها - قضت عمرتها من التنعيم  ، وجوابه : أنها كانت قارنة فأرادت إفراد العمرة ، وقال ( ش )   وابن حنبل     : إن أحرم أولا قبل الميقات وكذلك ثانيا أو بعد الميقات أحرم ثانيا منه ; لأن كل مسافة وجب قطعها في الأداء وجب في القضاء أو ما أوجبه الإحرام . لنا : قياس المكان على الزمان ، وقد سلمه الجميع ، قال : فإن تعدى الميقات في القضاء وكان أحرم في القضاء قبل ذلك أجزأه وعليه دم ; لتجاوز الميقات ، وإذا طاف القارن أول دخوله مكة  وسعى ثم جامع قضى قارنا ; لأن طوافه وسعيه للحج والعمرة جميعا ، وقال الأئمة : له أن يقضي مفردا ; لأنه أتى بأفعال العمرة ، وجوابهم : لو كان كذلك لوجب الدم لتأخير خلافها ، قال : وإن أحرم بحجة القضاء قبل تتمة الأداء فالثاني لغو ، ولا يقضي ويتم الفاسد ; لأن الحج لا يقبل الرفض ، ولو جامع في عمرته ثم أحرم بالحج لم يكن قارنا ; لأنه إن انعقد صحيحا لا يمكن امتزاجه مع   [ ص: 342 ] العمرة الفاسدة ، أو فاسدا فمحال ; لأنه لم يقارنه مفسد فلا ينعقد إحرامه بالحج مطلقا ، وإن أحرم بالحج قبل قضاء عمرته لزمه ، وقضاها بعد حجه ، قال  سند     : قال  عبد الملك     : يلزمه الإحرام بالحج بعد فساد العمرة فيصير قارنا ; لأن أعلى مراتب الفاسد أن يكون كالصحيح ، والعمرة الصحيحة لا تمنع الحج فالفاسدة أولى ، وإذا قلنا ينعقد فلا يجزئه عن حجة الإسلام أو النذر أو التطوع وعليه هدي في العام الأول لقرانه ، ويقضي قابلا قارنا ويهدي هديين لقران القضاء والفساد ، وإن أتم عمرته الفاسدة فلا يحرم بالحج حتى يقضيها ، فإن أخر القضاء ، وأحرم بالحج صح إحرامه ، قال  محمد     : فإن كانت في أشهر الحج فحل منها ، وحج من عامه قبل القضاء فهو متمتع ، وعليه قضاء عمرته بعد حله من الحج . 
الثالث : في ( الكتاب ) : إذا أفسد المتمتع حجه  فعليه دم المتعة وهدي الفساد عند حجة القضاء ، ومن أفسد حجه فأصاب صيدا أو حلق أو تطيب أو وطئ مرة بعد مرة تعددت الفدية والجزاء . واتحد هدي الوطء ; لأنه للفساد ، وإفساد الفاسد محال فإن كان متأولا سقط إحرامه أو جاهلا بوجوب إتمامه اتحدت الفدية ; لأنه لم توجد منه الجرأة على محرم ، وعليه الهدي لما تقدم ويتعدد الجزاء ; لأنه إتلاف غير فتوقف على الإثم ، ويتحد الجزاء عند ( ح ) بالتأويل ، وعذره ( ش ) فلم يوجب عليه شيئا مطلقا كالوطء في رمضان ناسيا ، وألحق الناسي بالجاهل . 
قاعدة : انعقد الإجماع على أن العلم  قسمان : فرض كفاية وفرض عين ، وهو علم الإنسان بحالته التي يلابسها ، وقد تقدم تقرير ذلك في مقدمة أصول   [ ص: 343 ] الفقه في أول الكتاب ، فكل من قدم على فعل يجب عليه التوقف حتى يعلم حكم الله فيه ، فإن لم يفعل ذلك عصى معصيتين : بترك التعلم وبترك العمل ، ولا يعذر بجهله ، ولذلك أجراه  مالك  في الصلاة مجرى العامد لاشتراكهما في العصيان ، ولم يلحقه بالناسي ، وههنا عذره بالجهل فينبغي أن يعلم أن الجهل قسمان : ما لا يشق دفعه عادة فلا يعذر به ، وما يشق فيعذر به ، كمن وطئ أجنبية يظنها زوجته أو شرب خمرا يظنه خلا فيعذر إجماعا ، ومشاق الحج كثيرة فناسب التخفيف والعجب : أن النسيان في الحج لا يمنع الفدية وهو مسقط للإثم إجماعا ، وأسقطها بالجهل والتأويل الفاسد الذي يثبت الإثم معهما .
الرابع : في ( الكتاب ) : إن أكره نساءه محرمات أحجهن وكفر عن كل واحدة كفارة  ، وإن بن منه وتزوجن ; لأن الحج تدخله النيابة . والإكراه يوجب الضمان كوطئها صائمة مكرهة ، فإن طاوعنه فذلك عليهن دونه ، وقال  ابن يونس     : وإذا تزوجت جبر الثاني على الإذن لها ، ومن وطئ أمته ، وقد أذن لها في الحج فعليه أن يحج بها ويهدي عنها ، قال  ابن القاسم     : وطوعها له كالإكراه ، قال  عبد الملك     : ولو باعها كان ذلك عليه لها . قال  محمد     : وهو عيب ترد به ، قال  عبد الملك     : ويهدي عنها ولا يصوم ، وإذا لم يكن عند الزوج ما يحج زوجته المكرهة فلتفعل هي ذلك من مالها وترجع عليه ، وإذا أفلس الزوج وقف لها ما يحج به ويهدى ، فإذا ماتت قبل ذلك رجع إلى الغرماء إلا الهدي فيبعث به إلى مكة  ، وقال  سند     : الخلاف الذي في كفارة الإكراه على الوطء في الصوم لا يأتي ههنا ; لأن الوطء في الحج يوجب الكفارة بخلاف الصوم ، وقال  عبد الملك     : إذا لم يجد الهدي لا يصوم ،  ولابن القاسم  في وجوب ذلك عليها إذا أعسر الزوج قولان ،   [ ص: 344 ] نظرا إلى أن أصل الوجوب متعلق بها ، وإنما هو يحمل عنها الإكراه أو يقال وجود ماله شرط في الوجوب . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					