[ ص: 255 ] فصل
إذا - جاز قطع ما يندفع به الضرر ، إما كلها وإما بعضها . وهل يستقل المالك بقطعها ، أم يحتاج إلى استئذان الإمام أو الساعي ؟ قال أصاب النخل عطش ، ولو تركت الثمار عليها إلى أوان الجداد لأضرت بها الصيدلاني وصاحب التهذيب وطائفة : يستحب الاستئذان . وقال آخرون : ليس له الاستقلال ، فإن استقل عزر إن كان عالما .
قلت : هذا أصح ، وبه قطع العراقيون والسرخسي . والله أعلم .
فأما إذا علم الساعي قبل القطع ، وأراد القسمة بأن يخرص الثمار ويعين حق المساكين في نخلة أو نخلات بأعيانها - فقولان منصوصان . قال الأصحاب : هما بناء على أن القسمة بيع أو إفراز حق . فإن قلنا : إفراز ، جاز ، ثم للساعي أن يبيع نصيب المساكين للمالك أو غيره ، وأن يقطع ويفرقه بينهم ، يفعل ما فيه الحظ لهم ، وإن قلنا : إنها بيع ، لم يجز ، وعلى هذا الخلاف تخرج القسمة بعد قطعها . إن قلنا : إفراز - جازت ، وإلا ، ففي جوازها خلاف مبني على جواز . فإن جوزناه ، جازت القسمة بالكيل ، وإلا فوجهان . أحدهما : تجوز مقاسمة الساعي ؛ لأنها ليست بمعاوضة ، فلا يراعى فيها تعبدات الربا ، ولأن الحاجة داعية إليها ، وأصحهما عند الأكثرين : لا تجوز . فعلى هذا له في الأخذ مسلكان أحدهما : يأخذ قيمة عشر الرطب المقطوع ، وجوز بعضهم القيمة للضرورة كما قدمناه في شقص الحيوان ، والثاني : يسلم عشرا مشاعا إلى الساعي ، ليتعين حق المساكين ، وطريق تسليم العشر تسليم الجميع . فإذا سلمه ، فللساعي بيع نصيب المساكين للمالك أو غيره ، أو يبيع هو والمالك ويقسمان الثمن ، وهذا المسلك جائز بلا خلاف ، وهو متعين عند من لم يجوز القسمة ، وأخذ القيمة . بيع الرطب الذي لا يتتمر بمثله
[ ص: 256 ] وخير بعض الأصحاب الساعي بين القسمة وأخذ القيمة ، وقال كل واحد منهما خلاف القاعدة ، واحتمل للحاجة ، فيفعل ما فيه الحظ للمساكين . ثم ما ذكرناه هنا من الخلاف ، والتفصيل في إخراج الواجب ، يجري بعينه في إخراج الواجب عن الرطب الذي لا يتتمر والعنب الذي لا يتزبب . وفي المسألتين مستدرك حسن . قال : إنما يثور الإشكال على قولنا : المساكين شركاء في النصاب بقدر الزكاة ، وحينئذ ينتظم التخريج على القولين في القسمة . فأما إذا لم نجعلهم شركاء ، فليس تسليم جزء إلى الساعي قسمة حتى يأتي فيه القولان في القسمة ، بل هو توفية حق إلى مستحق . لإمام الحرمين
قلت : لو ، فالقول قول المالك . فإن أقام الساعي شاهدين أو شاهدا وامرأتين ، قضي له ، وإن أقام شاهدا فلا ؛ لأنه لا يحلف معه ، قاله اختلف الساعي والمالك في جنس التمر بعد تلفه تلفا مضمنا الدارمي . وإذا خرص عليه ، فتلف بعضه تلفا يسقط الزكاة ، وأكل بعضه وبقي بعضه ، ولم يعرف الساعي ما تلف ، فإن عرف المالك ما أكل ، زكاه مع ما بقي ، فإن اتهمه ، حلفه استحبابا على الأصح ، ووجوبا على الآخر ، وإن قال : لا أعرف قدر ما أكلته ولا ما تلف . قال الدارمي : قلنا له : إن ذكرت قدرا ألزمناك بما أقررت به ، فإن اتهمناك حلفناك ، وإن ذكرت مجملا ، أخذنا الزكاة بخرصنا . قال أصحابنا : ولو خرص ، فأقر المالك بأنه زاد على المخروص ، أخذنا الزكاة من الزيادة ، سواء كان ضمن أم لا . والله أعلم .