[ ص: 276 ] القول في أنواع هذا النسك  
والمحرمون إما محرم بعمرة مفردة ، أو محرم بحج فرد ، أو جامع بين الحج والعمرة ، وهذان ضربان : إما متمتع ، وإما قارن . فينبغي أولا أن نجرد أصناف هذه المناسك الثلاث ثم نقول ما يفعل المحرم في كلها ، وما يخص واحدا واحدا منها إن كان هنالك ما يخص ، وكذلك نفعل فيما يعد الإحرام من أفعال الحج - إن شاء الله تعالى .  
القول في شرح أنواع هذه المناسك  
فنقول : إن الإفراد هو ما يتعرى عن صفات التمتع والقران ، فلذلك يجب أن نبدأ أولا بصفة التمتع ، ثم نردف ذلك بصفة القران .  
القول في  التمتع   
فنقول : إن العلماء اتفقوا على أن هذا النوع من النسك الذي هو المعنى بقوله - سبحانه - : (  فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي      ) هو أن يهل الرجل بالعمرة في أشهر الحج من الميقات ، وذلك إذا كان مسكنه خارجا عن الحرم ، ثم يأتي حتى يصل البيت فيطوف لعمرته ويسعى ويحلق في تلك الأشهر بعينها ، ثم يحل بمكة ، ثم ينشئ الحج في ذلك العام بعينه وفي تلك الأشهر بعينها من غير أن ينصرف إلى بلده ، إلا ما روي عن الحسن أنه كان يقول : هو متمتع وإن عاد إلى بلده ولم يحج ; أي عليه هدي المتمتع المنصوص عليه في قوله - تعالى - : (  فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي      ) لأنه كان يقول : عمرة في أشهر الحج متعة . وقال   طاوس     : من اعتمر في غير أشهر الحج ثم أقام حتى الحج وحج من عامه أنه متمتع .  
واتفق العلماء على أن من لم يكن من حاضري المسجد الحرام فهو متمتع . واختلفوا في المكي هل يقع منه التمتع أم لا يقع ؟ والذين قالوا إنه يقع منه اتفقوا على أنه ليس عليه دم لقوله - تعالى - : (  ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام      ) . واختلفوا فيمن هو حاضر  المسجد الحرام   ممن ليس هو ، فقال  مالك     : حاضرو  المسجد الحرام   هم أهل  مكة   وذي طوى   ، وما كان مثل ذلك من  مكة      . وقال  أبو حنيفة     : هم أهل المواقيت فمن دونهم إلى  مكة      . وقال   الشافعي  بمصر      : من كان بينه وبين مكة ليلتان وهو أكمل المواقيت . وقال أهل الظاهر : من كان ساكن  الحرم      . وقال   الثوري     : هم أهل  مكة   فقط .  وأبو حنيفة  يقول : إن حاضري  المسجد الحرام   لا يقع منهم التمتع ، وكره ذلك  مالك     .  
وسبب الاختلاف : اختلاف ما يدل عليه اسم حاضري  المسجد الحرام   بالأقل والأكثر ، ولذلك لا يشك أن أهل  مكة   هم حاضري  المسجد الحرام   كما لا يشك أن من خارج المواقيت ليس منهم .  
فهذا هو نوع التمتع المشهور - ومعنى التمتع : أنه تمتع بتحلله بين النسكين وسقوط السفر عنه مرة ثانية إلى النسك الثاني الذي هو الحج - .  
وهنا نوعان من التمتع اختلف العلماء فيهما :  
أحدهما :  فسخ الحج في عمرة      - وهو تحويل النية من الإحرام بالحج إلى العمرة - : فجمهور العلماء      [ ص: 277 ] يكرهون ذلك من الصدر الأول وفقهاء الأمصار . وذهب   ابن عباس  إلى جواز ذلك ، وبه قال  أحمد  وداود  وكلهم متفقون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أصحابه عام حج بفسخ الحج في العمرة ، وهو قوله - عليه الصلاة والسلام - : "  لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة     " . وأمره لمن لم يسق الهدي من أصحابه أن يفسخ إهلاله في العمرة ، وبهذا تمسك أهل الظاهر .  
والجمهور رأوا ذلك من باب الخصوص لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، واحتجوا بما روي عن   ربيعة بن أبي عبد الرحمن  عن  الحارث بن بلال بن الحارث المدني  عن أبيه قال : "  قلت : يا رسول الله أفسخ لنا خاصة أم لمن بعدنا ؟ قال : لنا خاصة     " . وهذا لم يصح عند أهل الظاهر صحة يعارض بها العمل المتقدم . وروي عن  عمر  أنه قال : "  متعتان كانتا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ، ومتعة الحج     " . وروي عن  عثمان  أنه قال : متعة الحج كانت لنا وليست لكم . وقال  أبو ذر     : ما كان لأحد بعدنا أن يحرم بالحج ثم يفسخه في عمرة هذا كله مع ظاهر قوله - تعالى - : (  وأتموا الحج والعمرة لله      ) .  
والظاهرية على أن الأصل اتباع فعل الصحابة حتى يدل الدليل من كتاب الله أو سنة ثابتة على أنه خاص .  
فسبب الاختلاف : هل فعل الصحابة محمول على العموم أو على الخصوص .  
وأما النوع الثاني من التمتع : فهو ما كان يذهب إليه  ابن الزبير  من أن التمتع الذي ذكره الله هو تمتع المحصر بمرض أو عدو ، وذلك إذا خرج الرجل حاجا فحبسه عدو أو أمر تعذر به عليه الحج حتى تذهب أيام الحج ، فيأتي البيت فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ، ويحل ثم يتمتع بحله إلى العام المقبل ، ثم يحج ويهدي ، وعلى هذا القول ليس يكون التمتع المشهور إجماعا . وشذ   طاوس  أيضا فقال : إن المكي إذا تمتع من بلد غير  مكة   كان عليه الهدي .  
واختلف العلماء فيمن أنشأ عمرة في غير أشهر الحج ثم عملها في أشهر الحج ثم حج من عامه ذلك ، فقال مالك     : عمرته في الشهر الذي حل فيه ، فإن كان حل في أشهر الحج فهو متمتع ، وإن كان في غير أشهر الحج فليس بمتمتع ، وبقريب منه قال  أبو حنيفة   والشافعي   والثوري  ، إلا أن   الثوري  اشترط أن يوقع طوافه كله في شوال ، وبه قال   الشافعي     . وقال  أبو حنيفة     : إن طاف ثلاثة أشواط في رمضان وأربعة في شوال كان متمتعا ، وإن كان عكس ذلك لم يكن متمتعا - أعني : أن يكون طاف أربعة أشواط في رمضان وثلاثة في شوال - . وقال   أبو ثور     : إذا دخل العمرة في غير أشهر الحج فسواء طاف لها في غير أشهر الحج أو في أشهر الحج لا يكون متمتعا .  
وسبب الاختلاف : هل يكون متمتعا بإيقاع إحرام العمرة في أشهر الحج فقط أم بإيقاع الطواف معه ؟ ثم إن كان بإيقاع الطواف معه فهل بإيقاعه كله أم أكثره  فأبو ثور  يقول : لا يكون متمتعا إلا بإيقاع الإحرام في أشهر الحج ؛ لأن بالإحرام تنعقد العمرة .   والشافعي  يقول : الطواف هو أعظم أركانها ، فوجب أن يكون به متمتعا; فالجمهور على أن من أوقع بعضها في أشهر الحج كمن أوقعها كلها .  
وشروط التمتع عند  مالك  ستة :  
أحدها : أن يجمع بين الحج والعمرة في شهر واحد .  
والثاني : أن يكون ذلك في عام واحد .  
 [ ص: 278 ] والثالث : أن يفعل شيئا من العمرة في أشهر الحج .  
والرابع : أن يقدم العمرة على الحج .  
والخامس : أن ينشئ الحج بعد الفراغ من العمرة وإحلاله منها .  
والسادس : أن يكون وطنه غير مكة .  
فهذه هي صورة التمتع ، والاختلاف المشهور فيه والاتفاق .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					