الباب الرابع
في حقوق الزوجية [ حقوق الزوجة على زوجها ] .
- واتفقوا على أن من
nindex.php?page=treesubj&link=17945حقوق الزوجة على الزوج النفقة والكسوة لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) الآية . ولما ثبت من قوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006512ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " . ولقوله
لهند : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006513خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " .
[ 1 - النفقة ]
فأما النفقة : فاتفقوا على وجوبها ، واختلفوا في أربعة مواضع : في
nindex.php?page=treesubj&link=13025_13023_27815وقت وجوبها ، ومقدارها ، ولمن تجب ؟ ، وعلى من تجب ؟ .
فأما وقت وجوبها : فإن
مالكا قال : لا تجب النفقة على الزوج حتى يدخل بها أو يدعى إلى الدخول بها ، وهي ممن توطأ ، وهو بالغ . وقال
أبو حنيفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : يلزم غير البالغ النفقة إذا كانت هي بالغا ، وأما إذا كان هو بالغا والزوجة صغيرة : فللشافعي قولان : أحدهما : مثل قول
مالك ، والقول الثاني : أن لها النفقة بإطلاق .
وسبب اختلافهم : هل النفقة لمكان الاستمتاع ، أو لمكان أنها محبوسة على الزوج كالغائب والمريض .
وأما مقدار النفقة : فذهب
مالك إلى أنها غير مقدرة بالشرع ، وأن ذلك راجع إلى ما يقتضيه حال الزوج وحال الزوجة ، وأن ذلك يختلف بحسب اختلاف الأمكنة والأزمنة والأحوال ، وبه قال
أبو حنيفة . وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلى أنها مقدرة ، فعلى الموسر : مدان ، وعلى الأوسط : مد ونصف ، وعلى المعسر : مد .
وسبب اختلافهم : تردد حمل النفقة في هذا الباب على الإطعام في الكفارة ، أو على الكسوة ، وذلك أنهم اتفقوا أن الكسوة غير محدودة ، وأن الإطعام محدود .
واختلفوا من هذا الباب في : هل يجب على الزوج نفقة خادم الزوجة ؟ وإن وجبت فكم يجب ؟ والجمهور على أن على الزوج النفقة لخادم الزوجة إذا كانت ممن لا تخدم نفسها . وقيل : بل على الزوجة خدمة البيت . واختلف الذين أوجبوا النفقة على خادم الزوجة : على كم تجب نفقته ؟ فقالت طائفة : ينفق على خادم واحدة ، وقيل : على خادمين إذا كانت المرأة ممن لا يخدمها إلا خادمان ، وبه قال
مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور . ولست أعرف دليلا شرعيا لإيجاب النفقة على الخادم إلا تشبيه الإخدام بالإسكان ، فإنهم اتفقوا على أن الإسكان على الزوج للنص الوارد في وجوبه للمطلقة الرجعية .
وأما لمن تجب النفقة : فإنهم اتفقوا على أنها تجب للحرة الغير ناشز . واختلفوا في الناشز والأمة :
فأما الناشز : فالجمهور على أنها لا تجب لها نفقة ، وشذ قوم فقالوا : تجب لها النفقة .
وسبب الخلاف : معارضة العموم للمفهوم ، وذلك أن عموم قوله عليه الصلاة والسلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006512ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " يقتضي أن الناشز ، وغير الناشز في ذلك سواء ، والمفهوم من أن النفقة هي في
[ ص: 438 ] مقابلة الاستمتاع يوجب أن لا نفقة للناشز .
وأما الأمة : فاختلف فيها أصحاب
مالك اختلافا كثيرا ، فقيل : لها النفقة كالحرة ، وهو المشهور . وقيل : لا نفقة لها . وقيل أيضا : إن كانت تأتيه فلها النفقة ، وإن كان يأتيها فلا نفقة لها . وقيل : لها النفقة في الوقت التي تأتيه . وقيل إن كان الزوج حرا فعليه النفقة ، وإن كان عبدا فلا نفقة عليه .
وسبب اختلافهم : معارضة العموم للقياس : وذلك أن العموم يقتضي لها وجوب النفقة ، والقياس يقتضي أن لا نفقة لها إلا على سيدها الذي يستخدمها ، أو تكون النفقة بينهما لأن كل واحد منهما ينتفع بها ضربا من الانتفاع ، ولذلك قال قوم : عليه النفقة في اليوم الذي تأتيه .
وقال
ابن حبيب : يحكم على مولى الأمة المزوجة أن تأتي زوجها في كل أربعة أيام .
وأما على من تجب : فاتفقوا أيضا أنها تجب على الزوج الحر الحاضر . واختلفوا في العبد والغائب :
فأما العبد : فقال
ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم أن على العبد نفقة زوجته . وقال أبو المصعب من أصحاب
مالك : لا نفقة عليه .
وسبب الخلاف : معارضة العموم لكون العبد محجورا عليه في ماله .
وأما الغائب فالجمهور على وجوب النفقة عليه . وقال
أبو حنيفة : لا تجب إلا بإيجاب السلطان .
وإنما اختلفوا فيمن القول قوله إذا اختلفوا في الإنفاق ، وسيأتي ذلك في كتاب الأحكام إن شاء الله .
الْبَابُ الرَّابِعُ
فِي حُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ [ حُقُوقُ الزَّوْجَةِ عَلَى زَوْجِهَا ] .
- وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=17945حُقُوقِ الزَّوْجَةِ عَلَى الزَّوْجِ النَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=233وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) الْآيَةَ . وَلِمَا ثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006512وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " . وَلِقَوْلِهِ
لِهِنْدٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006513خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ " .
[ 1 - النَّفَقَةُ ]
فَأَمَّا النَّفَقَةُ : فَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِهَا ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ : فِي
nindex.php?page=treesubj&link=13025_13023_27815وَقْتِ وُجُوبِهَا ، وَمِقْدَارِهَا ، وَلِمَنْ تَجِبُ ؟ ، وَعَلَى مَنْ تَجِبُ ؟ .
فَأَمَّا وَقْتُ وُجُوبِهَا : فَإِنَّ
مَالِكًا قَالَ : لَا تَجِبِ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا أَوْ يُدْعَى إِلَى الدُّخُولِ بِهَا ، وَهِيَ مِمَّنْ تُوطَأُ ، وَهُوَ بَالِغٌ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : يَلْزَمُ غَيْرَ الْبَالِغِ النَّفَقَةُ إِذَا كَانَتْ هِيَ بَالِغًا ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ هُوَ بَالِغًا وَالزَّوْجَةُ صَغِيرَةً : فَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : مِثْلُ قَوْلِ
مَالِكٍ ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي : أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ بِإِطْلَاقٍ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : هَلِ النَّفَقَةُ لِمَكَانِ الِاسْتِمْتَاعِ ، أَوْ لِمَكَانِ أَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَى الزَّوْجِ كَالْغَائِبِ وَالْمَرِيضِ .
وَأَمَّا مِقْدَارُ النَّفَقَةِ : فَذَهَبَ
مَالِكٌ إِلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ بِالشَّرْعِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ حَالُ الزَّوْجِ وَحَالُ الزَّوْجَةِ ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْأَحْوَالِ ، وَبِهِ قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ . وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ ، فَعَلَى الْمُوسِرِ : مُدَّانِ ، وَعَلَى الْأَوْسَطِ : مُدٌّ وَنِصْفٌ ، وَعَلَى الْمُعْسِرِ : مُدٌّ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : تَرَدُّدُ حَمْلِ النَّفَقَةِ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الْإِطْعَامِ فِي الْكَفَّارَةِ ، أَوْ عَلَى الْكِسْوَةِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا أَنَّ الْكِسْوَةَ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ ، وَأَنَّ الْإِطْعَامَ مَحْدُودٌ .
وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي : هَلْ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ خَادِمِ الزَّوْجَةِ ؟ وَإِنْ وَجَبَتْ فَكَمْ يَجِبُ ؟ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ النَّفَقَةَ لِخَادِمِ الزَّوْجَةِ إِذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَخْدِمُ نَفْسَهَا . وَقِيلَ : بَلْ عَلَى الزَّوْجَةِ خِدْمَةُ الْبَيْتِ . وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ أَوْجَبُوا النَّفَقَةَ عَلَى خَادِمِ الزَّوْجَةِ : عَلَى كَمْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يُنْفِقُ عَلَى خَادِمٍ وَاحِدَةٍ ، وَقِيلَ : عَلَى خَادِمَيْنِ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا يَخْدِمُهَا إِلَّا خَادِمَانِ ، وَبِهِ قَالَ
مَالِكٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11956وَأَبُو ثَوْرٍ . وَلَسْتُ أَعْرِفُ دَلِيلًا شَرْعِيًّا لِإِيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْخَادِمِ إِلَّا تَشْبِيهَ الْإِخْدَامِ بِالْإِسْكَانِ ، فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْإِسْكَانَ عَلَى الزَّوْجِ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ فِي وُجُوبِهِ لِلْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ .
وَأَمَّا لِمَنْ تَجِبُ النَّفَقَةُ : فَإِنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا تَجِبُ لِلْحُرَّةِ الْغَيْرِ نَاشِزٍ . وَاخْتَلَفُوا فِي النَّاشِزِ وَالْأَمَةِ :
فَأَمَّا النَّاشِزُ : فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا لَا تَجِبُ لَهَا نَفَقَةٌ ، وَشَذَّ قَوْمٌ فَقَالُوا : تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ : مُعَارَضَةُ الْعُمُومِ لِلْمَفْهُومِ ، وَذَلِكَ أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006512وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " يَقْتَضِي أَنَّ النَّاشِزَ ، وَغَيْرَ النَّاشِزِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ أَنَّ النَّفَقَةَ هِيَ فِي
[ ص: 438 ] مُقَابَلَةِ الِاسْتِمْتَاعِ يُوجِبُ أَنْ لَا نَفَقَةَ لِلنَّاشِزِ .
وَأَمَّا الْأَمَةُ : فَاخْتَلَفَ فِيهَا أَصْحَابُ
مَالِكٍ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ، فَقِيلَ : لَهَا النَّفَقَةُ كَالْحُرَّةِ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ . وَقِيلَ : لَا نَفَقَةَ لَهَا . وَقِيلَ أَيْضًا : إِنْ كَانَتْ تَأْتِيهِ فَلَهَا النَّفَقَةُ ، وَإِنْ كَانَ يَأْتِيهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا . وَقِيلَ : لَهَا النَّفَقَةُ فِي الْوَقْتِ الَّتِي تَأْتِيهِ . وَقِيلَ إِنْ كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا فَعَلَيْهِ النَّفَقَةُ ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ .
وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ : مُعَارَضَةُ الْعُمُومِ لِلْقِيَاسِ : وَذَلِكَ أَنَّ الْعُمُومَ يَقْتَضِي لَهَا وُجُوبَ النَّفَقَةِ ، وَالْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا إِلَّا عَلَى سَيِّدِهَا الَّذِي يَسْتَخْدِمُهَا ، أَوْ تَكُونُ النَّفَقَةُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْتَفِعُ بِهَا ضَرْبًا مِنَ الِانْتِفَاعِ ، وَلِذَلِكَ قَالَ قَوْمٌ : عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تَأْتِيهِ .
وَقَالَ
ابْنُ حَبِيبٍ : يُحْكَمُ عَلَى مَوْلَى الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ أَنْ تَأْتِيَ زَوْجَهَا فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ .
وَأَمَّا عَلَى مَنْ تَجِبُ : فَاتَّفَقُوا أَيْضًا أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْحُرِّ الْحَاضِرِ . وَاخْتَلَفُوا فِي الْعَبْدِ وَالْغَائِبِ :
فَأَمَّا الْعَبْدُ : فَقَالَ
ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ نَفَقَةَ زَوْجَتِهِ . وَقَالَ أَبُو الْمُصْعَبِ مِنْ أَصْحَابِ
مَالِكٍ : لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ .
وَسَبَبُ الْخِلَافِ : مُعَارَضَةُ الْعُمُومِ لِكَوْنِ الْعَبْدِ مَحْجُورًا عَلَيْهِ فِي مَالِهِ .
وَأَمَّا الْغَائِبُ فَالْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَيْهِ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : لَا تَجِبُ إِلَّا بِإِيجَابِ السُّلْطَانِ .
وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِيمَنِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي الْإِنْفَاقِ ، وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .