بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا
محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
كتاب الوديعة
وجل المسائل المشهورة بين فقهاء الأمصار في هذا الكتاب هي في أحكام الوديعة :
[ ص: 648 ] فمنها : أنهم اتفقوا على أنها
nindex.php?page=treesubj&link=6619_6611أمانة لا مضمونة ، إلا ما حكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب . قال المالكيون : والدليل على أنها أمانة أن الله أمر برد الأمانات ولم يأمر بالإشهاد ، فوجب أن يصدق المستودع في دعواه رد الوديعة مع يمينه إن كذبه المودع ، قالوا : إلا أن يدفعها إليه ببينة ، فإنه لا يكون القول قوله ، قالوا : لأنه إذا دفعها إليه ببينة فكأنه ائتمنه على حفظها ولم يأتمنه على ردها ، فيصدق في تلفها ولا يصدق على ردها ، هذا هو المشهور عن
مالك وأصحابه .
وقد قيل عن
ابن القاسم : إن القول قوله وإن دفعها إليه ببينة ، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وأبو حنيفة ، وهو القياس ; لأنه فرق بين التلف ودعوى الرد ، ويبعد أن تنتقض الأمانة وهذا فيمن دفع الأمانة إلى اليد التي دفعتها إليه .
وأما من دفعها إلى غير اليد التي دفعتها إليه ، فعليه ما على ولي اليتيم من الإشهاد عند
مالك وإلا ضمن ، يريد قول الله - عز وجل - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم ) فإن أنكر القابض القبض فلا يصدق المستودع في الدفع عند
مالك وأصحابه إلا ببينة .
وقد قيل إنه يتخرج من المذهب أنه يصدق في ذلك ، وسواء عند
مالك أمر صاحب الوديعة بدفعها إلى الذي دفعها أو لم يأمر .
وقال
أبو حنيفة : إن كان ادعى دفعها إلى من أمره بدفعها فالقول قول المستودع مع يمينه ، فإن أقر المدفوع إليه بالوديعة ، ( أعني : إذا كان غير المودع ) وادعى التلف فلا يخلو أن يكون المستودع دفعها إلى أمانة ( وهو وكيل المستودع ) أو إلى ذمة .
فإن كان القابض أمينا فاختلف في ذلك قول
ابن القاسم ، فقال مرة : يبرأ الدافع بتصديق القابض ، وتكون المصيبة من الآمر الوكيل بالقبض ، ومرة قال : لا يبرأ الدافع إلا بإقامة البينة على الدفع أو يأتي القابض بالمال .
وأما إن دفع إلى ذمة ، مثل أن
nindex.php?page=treesubj&link=6600يقول رجل للذي عنده الوديعة ادفعها إلي سلفا أو تسلفا في سلعة أو ما أشبه ذلك ، فإن كانت الذمة قائمة برئ الدافع في المذهب من غير خلاف ، وإن كانت الذمة خربة ، فقولان .
والسبب في هذا اختلافهم كله أن الأمانة تقوي دعوى المدعي حتى يكون القول قوله مع يمينه .
فمن شبه أمانة الذي أمره المودع أن يدفعها إليه ( أعني : الوكيل ) بأمانة المودع عنده ، قال : يكون القول قوله في دعواه التلف ، كدعوى المستودع عنده .
ومن رأى أن تلك الأمانة أضعف ، قال : لا يبرأ الدافع بتصديق القابض مع دعوى التلف .
ومن رأى المأمور بمنزلة الآمر قال : القول قول الدافع للمأمور ، كما كان القول قوله مع الآمر ، وهو مذهب
أبي حنيفة .
ومن رأى أنه أضعف منه ، قال : الدافع ضامن إلا أن يحضر القابض المال .
وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=6611أودعها بشرط الضمان ، فالجمهور على أنه لا يضمن ، وقال الغير : يضمن .
[ ص: 649 ] وبالجملة فالفقهاء يرون بأجمعهم أنه لا ضمان على صاحب الوديعة إلا أن يتعدى ، ويختلفون في أشياء هل هي تعد أم ليس بتعد ؟
فمن مسائلهم المشهورة في هذا الباب إذا
nindex.php?page=treesubj&link=6616_6600_6619أنفق الوديعة ، ثم رد مثلها ، أو أخرجها لنفقته ثم ردها ، فقال
مالك : يسقط عنه الضمان بحالة مثل إذا ردها ، وقال
أبو حنيفة : إن ردها بعينها قبل أن ينفقها لم يضمن ، وإن رد مثلها ضمن ، وقال
عبد الملك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : يضمن في الوجهين جميعا .
فمن غلظ الأمر ضمنه إياها بتحريكها ونية استنفاقها ، ومن رخص لم يضمنها إذا أعاد مثلها .
ومنها : اختلافهم في
nindex.php?page=treesubj&link=6617السفر بها ، فقال
مالك : ليس له أن يسافر بها إلا أن تعطى له في سفر ، وقال
أبو حنيفة : له أن يسافر بها إذا كان الطريق آمنا ولم ينهه صاحب الوديعة .
ومنها أنه ليس للمودع عنده أن
nindex.php?page=treesubj&link=6615يودع الوديعة غيره من غير عذر ، فإن فعل ضمن ، وقال
أبو حنيفة : إن أودعها عند من تلزمه نفقته لم يضمن ; لأنه شبهه بأهل بيته . وعند
مالك له أن يستودع ما أودع عند عياله الذين يأمنهم ، وهم تحت غلقه من زوج أو ولد أو أمة أو من أشبههم .
وبالجملة فعند الجميع أنه يجب عليه أن يحفظها مما جرت به عادة الناس أن تحفظ أموالهم ، فما كان بينا من ذلك أنه حفظ اتفق عليه ، وما كان غير بين أنه حفظ اختلف فيه ، مثل اختلافهم في المذهب فيمن
nindex.php?page=treesubj&link=6614جعل وديعة في جيبه فذهبت ، والأشهر أنه يضمن .
وعند
ابن وهب أن من
nindex.php?page=treesubj&link=6614أودع وديعة في المسجد فجعلها على نعله فذهبت أنه لا ضمان عليه .
ويختلف في المذهب في
nindex.php?page=treesubj&link=6611ضمانها بالنسيان ، مثل أن ينساها في موضع أو أن ينسى من دفعها إليه ، أو يدعيها رجلان ، فقيل يحلفان وتقسم بينهما ، وقيل إنه يضمن لكل واحد منهما .
وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=6615أراد السفر فله عند
مالك أن يودعها عند ثقة من أهل البلد ولا ضمان عليه قدر على دفعها إلى الحاكم أو لم يقدر . واختلف في ذلك أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، فمنهم من يقول : إن أودعها لغير الحاكم ضمن .
وقبول الوديعة عند
مالك لا يجب في حال ، ومن العلماء من يرى أنه واجب إذا لم يجد المودع من يودعها عنده .
ولا أجر للمودع عنده على حفظ الوديعة ، وما تحتاج إليه من مسكن أو نفقة فعلى ربها .
واختلفوا من هذا الباب في فرع مشهور ، وهو فيمن
nindex.php?page=treesubj&link=6599أودع مالا فتعدى فيه واتجر به فربح فيه ، هل ذلك الربح حلال له أم لا ؟ فقال
مالك ،
والليث ،
وأبو يوسف وجماعة : إذا رد المال طاب له الربح ، وإن كان غاصبا للمال فضلا عن أن يكون مستودعا عنده ، وقال
أبو حنيفة ،
وزفر ومحمد بن الحسن : يؤدي الأصل ويتصدق بالربح ، وقال قوم : لرب الوديعة الأصل والربح ، وقال قوم : هو مخير بين الأصل والربح ، وقال قوم : البيع الواقع في تلك التجارة فاسد ، وهؤلاء هم الذين أوجبوا التصدق بالربح إذا مات .
فمن اعتبر التصرف ، قال : الربح للمتصرف ، ومن اعتبر الأصل ، قال : الربح لصاحب المال . ولذلك لما أمر
عمر - رضي الله عنه - ابنيه
عبد الله وعبيد الله أن يصرفا المال الذي أسلفهما
nindex.php?page=showalam&ids=110أبو موسى الأشعري من بيت المال ، فتجروا فيه فربحا ، قيل له : لو جعلته قراضا ، فأجاب إلى ذلك ; لأنه قد روي أنه قد حصل للعامل جزء ولصاحب المال جزء ، وأن ذلك عدل .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
كِتَابُ الْوَدِيعَةِ
وَجُلُّ الْمَسَائِلِ الْمَشْهُورَةِ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي هَذَا الْكِتَابِ هِيَ فِي أَحْكَامِ الْوَدِيعَةِ :
[ ص: 648 ] فَمِنْهَا : أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا
nindex.php?page=treesubj&link=6619_6611أَمَانَةٌ لَا مَضْمُونَةٌ ، إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ . قَالَ الْمَالِكِيُّونَ : وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا أَمَانَةٌ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِرَدِّ الْأَمَانَاتِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْإِشْهَادِ ، فَوَجَبَ أَنْ يُصَدَّقَ الْمُسْتَوْدَعُ فِي دَعْوَاهُ رَدَّ الْوَدِيعَةِ مَعَ يَمِينِهِ إِنْ كَذَّبَهُ الْمُودِعُ ، قَالُوا : إِلَّا أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ، قَالُوا : لِأَنَّهُ إِذَا دَفَعَهَا إِلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ فَكَأَنَّهُ ائْتَمَنَهُ عَلَى حِفْظِهَا وَلَمْ يَأْتَمِنْهُ عَلَى رَدِّهَا ، فَيُصَدَّقُ فِي تَلَفِهَا وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى رَدِّهَا ، هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ
مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ .
وَقَدْ قِيلَ عَنِ
ابْنِ الْقَاسِمِ : إِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ ، وَبِهِ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ; لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ التَّلَفِ وَدَعْوَى الرَّدِّ ، وَيَبْعُدُ أَنْ تَنْتَقِضَ الْأَمَانَةُ وَهَذَا فِيمَنْ دَفَعَ الْأَمَانَةَ إِلَى الْيَدِ الَّتِي دَفَعَتْهَا إِلَيْهِ .
وَأَمَّا مَنْ دَفَعَهَا إِلَى غَيْرِ الْيَدِ الَّتِي دَفَعَتْهَا إِلَيْهِ ، فَعَلَيْهِ مَا عَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ مِنَ الْإِشْهَادِ عِنْدَ
مَالِكٍ وَإِلَّا ضُمِّنَ ، يُرِيدُ قَوْلَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ) فَإِنْ أَنْكَرَ الْقَابِضُ الْقَبْضَ فَلَا يُصَدَّقُ الْمُسْتَوْدَعُ فِي الدَّفْعِ عِنْدَ
مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ .
وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ يَتَخَرَّجُ مِنَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي ذَلِكَ ، وَسَوَاءٌ عِنْدَ
مَالِكٍ أَمَرَ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ بِدَفْعِهَا إِلَى الَّذِي دَفَعَهَا أَوْ لَمْ يَأْمُرْ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ كَانَ ادَّعَى دَفْعَهَا إِلَى مَنْ أَمَرَهُ بِدَفْعِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَوْدَعِ مَعَ يَمِينِهِ ، فَإِنْ أَقَرَّ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ بِالْوَدِيعَةِ ، ( أَعْنِي : إِذَا كَانَ غَيْرَ الْمُودِعِ ) وَادَّعَى التَّلَفَ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَوْدَعُ دَفَعَهَا إِلَى أَمَانَةٍ ( وَهُوَ وَكِيلُ الْمُسْتَوْدَعِ ) أَوْ إِلَى ذِمَّةٍ .
فَإِنْ كَانَ الْقَابِضُ أَمِينًا فَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُ
ابْنِ الْقَاسِمِ ، فَقَالَ مَرَّةً : يُبَرَّأُ الدَّافِعُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ ، وَتَكُونُ الْمُصِيبَةُ مِنَ الْآمِرِ الْوَكِيلَ بِالْقَبْضِ ، وَمَرَّةً قَالَ : لَا يُبَرَّأُ الدَّافِعُ إِلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الدَّفْعِ أَوْ يَأْتِي الْقَابِضُ بِالْمَالِ .
وَأَمَّا إِنْ دَفَعَ إِلَى ذِمَّةٍ ، مِثْلَ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=6600يَقُولَ رَجُلٌ لِلَّذِي عِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ ادْفَعْهَا إِلَيَّ سَلَفًا أَوْ تَسَلُّفًا فِي سِلْعَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ ، فَإِنْ كَانَتِ الذِّمَّةُ قَائِمَةً بَرِئَ الدَّافِعُ فِي الْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ ، وَإِنْ كَانَتِ الذِّمَّةُ خَرِبَةً ، فَقَوْلَانِ .
وَالسَّبَبُ فِي هَذَا اخْتِلَافُهُمْ كُلُّهُ أَنَّ الْأَمَانَةَ تُقَوِّي دَعْوَى الْمُدَّعِي حَتَّى يَكُونَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ .
فَمَنْ شَبَّهَ أَمَانَةَ الَّذِي أَمَرَهُ الْمُوَدِعُ أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَيْهِ ( أَعْنِي : الْوَكِيلَ ) بِأَمَانَةِ الْمُودِعِ عِنْدَهُ ، قَالَ : يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي دَعْوَاهُ التَّلَفَ ، كَدَعْوَى الْمُسْتَوْدَعِ عِنْدَهُ .
وَمَنْ رَأَى أَنَّ تِلْكَ الْأَمَانَةَ أَضْعَفُ ، قَالَ : لَا يُبَرَّأُ الدَّافِعُ بِتَصْدِيقِ الْقَابِضِ مَعَ دَعْوَى التَّلَفِ .
وَمَنْ رَأَى الْمَأْمُورَ بِمَنْزِلَةِ الْآمِرِ قَالَ : الْقَوْلُ قَوْلُ الدَّافِعِ لِلْمَأْمُورِ ، كَمَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ الْآمِرِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ
أَبِي حَنِيفَةَ .
وَمَنْ رَأَى أَنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُ ، قَالَ : الدَّافِعُ ضَامِنٌ إِلَّا أَنْ يُحْضِرَ الْقَابِضُ الْمَالَ .
وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=6611أَوْدَعَهَا بِشَرْطِ الضَّمَانِ ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ ، وَقَالَ الْغَيْرُ : يُضَمَّنُ .
[ ص: 649 ] وَبِالْجُمْلَةِ فَالْفُقَهَاءُ يَرَوْنَ بِأَجْمَعِهِمْ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ إِلَّا أَنْ يَتَعَدَّى ، وَيَخْتَلِفُونَ فِي أَشْيَاءَ هَلْ هِيَ تَعَدٍّ أَمْ لَيْسَ بِتَعَدٍّ ؟
فَمِنْ مَسَائِلِهِمُ الْمَشْهُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=6616_6600_6619أَنْفَقَ الْوَدِيعَةَ ، ثُمَّ رَدَّ مِثْلَهَا ، أَوْ أَخْرَجَهَا لِنَفَقَتِهِ ثُمَّ رَدَّهَا ، فَقَالَ
مَالِكٌ : يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ بِحَالَةٍ مِثْلِ إِذَا رَدَّهَا ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ رَدَّهَا بِعَيْنِهَا قَبْلَ أَنْ يُنْفِقَهَا لَمْ يُضَمَّنْ ، وَإِنْ رَدَّ مِثْلَهَا ضُمِّنَ ، وَقَالَ
عَبْدُ الْمَلِكِ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : يُضَمَّنُ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا .
فَمِنْ غَلَّظَ الْأَمْرَ ضَمَّنَهُ إِيَّاهَا بِتَحْرِيكِهَا وَنِيَّةِ اسْتِنْفَاقِهَا ، وَمَنْ رَخَّصَ لَمْ يُضَمِّنْهَا إِذَا أَعَادَ مِثْلَهَا .
وَمِنْهَا : اخْتِلَافُهُمْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=6617السَّفَرِ بِهَا ، فَقَالَ
مَالِكٌ : لَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إِلَّا أَنْ تُعْطَى لَهُ فِي سَفَرٍ ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إِذَا كَانَ الطَّرِيقُ آمِنًا وَلَمْ يَنْهَهُ صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ .
وَمِنْهَا أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُوَدَعِ عِنْدَهُ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=6615يُودِعَ الْوَدِيعَةَ غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ ، فَإِنْ فَعَلَ ضُمِّنَ ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَمْ يُضَمَّنْ ; لِأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِأَهْلِ بَيْتِهِ . وَعِنْدَ
مَالِكٍ لَهُ أَنْ يَسْتَوْدِعَ مَا أُودِعَ عِنْدَ عِيَالِهِ الَّذِينَ يَأْمَنُهُمْ ، وَهُمْ تَحْتَ غَلَقِهِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ مَنْ أَشْبَهَهُمْ .
وَبِالْجُمْلَةِ فَعِنْدَ الْجَمِيعِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَحْفَظَهَا مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ النَّاسِ أَنْ تُحْفَظَ أَمْوَالُهُمْ ، فَمَا كَانَ بَيِّنًا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ حِفْظٌ اتُّفِقَ عَلَيْهِ ، وَمَا كَانَ غَيْرَ بَيِّنٍ أَنَّهُ حِفْظٌ اخْتُلِفَ فِيهِ ، مِثْلَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمَذْهَبِ فِيمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=6614جَعَلَ وَدِيعَةً فِي جَيْبِهِ فَذَهَبَتْ ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ يُضَمَّنُ .
وَعِنْدَ
ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ مَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=6614أُودِعَ وَدِيعَةً فِي الْمَسْجِدِ فَجَعَلَهَا عَلَى نَعْلِهِ فَذَهَبَتْ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ .
وَيُخْتَلَفُ فِي الْمَذْهَبِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=6611ضَمَانِهَا بِالنِّسْيَانِ ، مِثْلَ أَنْ يَنْسَاهَا فِي مَوْضِعٍ أَوْ أَنْ يَنْسَى مَنْ دَفَعَهَا إِلَيْهِ ، أَوْ يَدَّعِيَهَا رَجُلَانِ ، فَقِيلَ يَحْلِفَانِ وَتُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا ، وَقِيلَ إِنَّهُ يُضَمَّنُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا .
وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=6615أَرَادَ السَّفَرَ فَلَهُ عِنْدُ
مَالِكٍ أَنْ يُودِعَهَا عِنْدَ ثِقَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ قَدَرَ عَلَى دَفْعِهَا إِلَى الْحَاكِمِ أَوْ لَمْ يَقْدِرْ . وَاخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : إِنْ أَوْدَعَهَا لِغَيْرِ الْحَاكِمِ ضُمِّنَ .
وَقَبُولُ الْوَدِيعَةِ عِنْدَ
مَالِكٍ لَا يَجِبُ فِي حَالٍ ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ وَاجِبٌ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُودِعُ مَنْ يُودِعُهَا عِنْدَهُ .
وَلَا أَجْرَ لِلْمُودَعِ عِنْدَهُ عَلَى حِفْظِ الْوَدِيعَةِ ، وَمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ مَسْكَنٍ أَوْ نَفَقَةٍ فَعَلَى رَبِّهَا .
وَاخْتَلَفُوا مِنْ هَذَا الْبَابِ فِي فَرْعٍ مَشْهُورٍ ، وَهُوَ فِيمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=6599أُودِعَ مَالًا فَتَعَدَّى فِيهِ وَاتَّجَرَ بِهِ فَرَبِحَ فِيهِ ، هَلْ ذَلِكَ الرِّبْحُ حَلَالٌ لَهُ أَمْ لَا ؟ فَقَالَ
مَالِكٌ ،
وَاللَّيْثُ ،
وَأَبُو يُوسُفَ وَجَمَاعَةٌ : إِذَا رَدَّ الْمَالَ طَابَ لَهُ الرِّبْحُ ، وَإِنْ كَانَ غَاصِبًا لِلْمَالِ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مُسْتَوْدَعًا عِنْدَهُ ، وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ ،
وَزُفَرُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يُؤَدِّي الْأَصْلَ وَيَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ ، وَقَالَ قَوْمٌ : لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ الْأَصْلُ وَالرِّبْحُ ، وَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالرِّبْحِ ، وَقَالَ قَوْمٌ : الْبَيْعُ الْوَاقِعُ فِي تِلْكَ التِّجَارَةِ فَاسِدٌ ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ أَوْجَبُوا التَّصَدُّقَ بِالرِّبْحِ إِذَا مَاتَ .
فَمَنِ اعْتَبَرَ التَّصَرُّفَ ، قَالَ : الرِّبْحُ لِلْمُتَصَرِّفِ ، وَمَنِ اعْتَبَرَ الْأَصْلَ ، قَالَ : الرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْمَالِ . وَلِذَلِكَ لَمَّا أَمَرَ
عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ابْنَيْهِ
عَبْدَ اللَّهِ وَعُبَيْدَ اللَّهِ أَنْ يَصْرِفَا الْمَالَ الَّذِي أَسْلَفَهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=110أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، فَتَجِرُوا فِيهِ فَرَبِحَا ، قِيلَ لَهُ : لَوْ جَعَلْتَهُ قِرَاضًا ، فَأَجَابَ إِلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لِلْعَامِلِ جُزْءٌ وَلِصَاحِبِ الْمَالِ جُزْءٌ ، وَأَنَّ ذَلِكَ عَدْلٌ .