فصل  
واعترض بعض المتأخرين على من منع من  تتبع رخص المذاهب ،   وأنه إنما يجوز الانتقال إلى مذهب بكماله; فقال : إن أراد المانع ما هو على خلاف      [ ص: 98 ] الأمور الأربعة التي ينقض فيها قضاء القاضي; فمسلم ، وإن أراد ما فيه توسعة على المكلف; فممنوع إن لم يكن على خلاف ذلك ، بل قوله عليه الصلاة      [ ص: 99 ] والسلام :  بعثت بالحنيفية السمحة  يقتضي جواز ذلك; لأنه نوع من اللطف بالعبد ، والشريعة لم ترد بقصد مشاق العباد ، بل بتحصيل المصالح ، وأنت تعلم بما تقدم ما في هذا الكلام; لأن الحنيفية السمحة إنما أتى فيها السماح مقيدا بما هو جار على أصولها ، وليس تتبع الرخص ، ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها; فما قاله عين الدعوى .  
ثم نقول : تتبع الرخص ميل مع أهواء النفوس ، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى; فهذا مضاد لذلك الأصل المتفق عليه ، ومضاد أيضا لقوله تعالى :  فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول      [ النساء : 59 ] وموضع الخلاف موضع تنازع ، فلا يصح أن يرد إلى أهواء النفوس ، وإنما يرد إلى الشريعة ، وهي تبين الراجح من القولين فيجب اتباعه لا الموافق للغرض .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					