الدخول أو ما يجري مجرى الدخول ، وهو الخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح دون الفاسد ، فلا يجب بدون الدخول ، والخلوة الصحيحة لقوله تعالى { وشرط وجوبها يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } ; ولأن وجوبها بطريق استبراء الرحم على ما بينا ، والحاجة إلى الاستبراء بعد الدخول لا قبله إلا أن الخلوة الصحيحة في النكاح الصحيح أقيمت مقام الدخول في وجوب العدة التي فيها حق الله تعالى ; لأن حق الله تعالى يحتاط في إيجابه ; ولأن التسليم بالواجب بالنكاح قد حصل بالخلوة الصحيحة فتجب به العدة كما تجب بالدخول بخلاف الخلوة في النكاح الفاسد ; لأن الخلوة الصحيحة إنما أقيمت مقام الدخول في وجوب العدة مع أنها ليست بدخول حقيقة لكونها سببا مفضيا إليه فأقيمت مقامه احتياطا إقامة للسبب مقام المسبب فيما يحتاط فيه .
والخلوة في النكاح الفاسد لا تفضي إلى الدخول لوجود المانع ، وهو فساد النكاح ، وحرمة الوطء ، فلم توجد الخلوة الحقيقية إذ هي لا تتحقق إلا بعد انتفاء الموانع أو وجدت بصفة الفساد ، فلا تقوم مقام الدخول ، وكذا التسليم الواجب بالعقد لم يوجد ; لأن النكاح الفاسد لا يوجب التسليم ، فلا تجب العدة .
وأما الخلوة الفاسدة في النكاح الصحيح فقد ذكرنا تفصيل الكلام فيها في كتاب النكاح ، وسواء كانت المطلقة حرة أو أمة قنة أو مدبرة أو مكاتبة أو مستسعاة لا يختلف أصل الحكم باختلاف الرق ، والحرية ; لأن ما وجب له لا يختلف باختلافهما ، وإنما يختلف في القدر لما تبين ، والكلام في القدر يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى
وسواء كانت مسلمة أو كتابية تحت مسلم ، الحرة كالحرة ، والأمة كالأمة ; لأن العدة تجب بحق الله ، وبحق الزوج ، قال تعالى { فما لكم عليهن من عدة تعتدونها } والكتابية مخاطبة بحقوق العباد فتجب عليها العدة ، وتجبر عليها لأجل حق الزوج ، والولد ; لأنها من أهل إيفاء حقوق العباد ، وإن كانت تحت ذمي ، فلا عدة عليها في الفرقة ولا في الموت في قول إذا كان ذلك كذلك في دينهم ، حتى لو تزوجت في الحال جاز ، وعند أبي حنيفة أبي يوسف عليها العدة . ، ومحمد
وذكر في جامعه في الكرخي جاز إلا أن تكون حاملا ، فلا يجوز نكاحها ; وجه قولهما أن الذمية من أهل دار الإسلام . الذمية تحت ذمي إذا مات عنها أو طلقها فتزوجت في الحال
ألا ترى أن أهل الذمة يجري عليهم سائر أحكام الإسلام .
كذا هذا الحكم أنه لو وجبت عليها العدة أما إن تجب بحق الله تعالى أو بحق الزوج ولا سبيل إلى إيجابها بحق الزوج ; لأن الزوج لا يعتقد حقا لنفسه ولا وجه إلى إيجابها بحق الله تعالى ; لأن العدة فيها معنى القربة ، وهي غير مخاطبة بالقربات إلا أنها إذا كانت حاملا تمنع من التزويج ; لأن وطء الزوج الثاني يوجب اشتباه النسب ، وحفظ النسب حق الولد ، فلا يملك إبطال حقه فكان على الحكم استيفاء حقه بالمنع من التزويج ولا عدة على المهاجرة في قول ، ولأبي حنيفة ، وعندهما عليها العدة ، ، والمسألة مرت في كتاب النكاح ، فإن أبي حنيفة ، فلا عدة عليها في قولهم جميعا ; لأن على أصل جاء الزوج مسلما وتركها في دار الحرب الكافرة تلزمها العدة لحق المسلم واختلاف الدارين يمنع ثبوت الحق لأحدهما على الآخر ، وعلى أصلهما وجوب [ ص: 192 ] العدة على الكافرة لجريان حكمنا على أهل الذمة ولا يجري حكمنا على الحربية ولا عدة على الزانية حاملا كانت أو غير حامل ; لأن الزنا لا يتعلق به ثبوت النسب . أبي حنيفة
ومنها الفرقة في النكاح الفاسد بتفريق القاضي أو بالمتاركة ، وشرطها الدخول ; لأن النكاح الفاسد يجعل منعقدا عند الحاجة ، وهي عند استيفاء المنافع وقد مست الحاجة إلى الانعقاد لوجوب العدة وصيانة للماء عن الضياع بثبوت النسب ، وتجب هذه العدة على الحرة ، والأمة ، والمسلمة ، والكتابية ; لأن الموجب لا يوجب الفصل ، ويستوي فيها الفرقة ، والموت ; لأن وجوب هذه العدة على وجه الاستبراء وقد مست الحاجة في الاستبراء ; لوجود الوطء ، فأما عدة الوفاة فإنما تجب لمعنى آخر ، وهو إظهار الحزن على ما فاتها من نعمة النكاح على ما نذكر إن شاء - الله تعالى - ليس بنكاح على الحقيقة فلم يكن نعمة ثم يعتبر الوجوب في الفرقة من وقت الفرقة ، وفي الموت من وقت الموت عند والنكاح الفاسد أصحابنا الثلاثة ، وعند من آخر وطء وطئها ، والمسألة مرت في كتاب النكاح . زفر
ومنها الوطء عن شبهة النكاح بأن زفت إليه غير امرأته فوطئها ; لأن الشبهة تقام مقام الحقيقة في موضع الاحتياط ، وإيجاب العدة من باب الاحتياط .
ومنها عتق أم الولد .
ومنها موت مولاها بأن أعتقها سيدها أو مات عنها ، وسبب وجوب هذه العدة هو زوال الفراش ، وهذا عندنا ، وعند لا عدة عليها ، وإنما عليها الاستبراء بحيضة واحدة ، وسبب وجوبها عنده هو زوال ملك اليمين ، ونذكر المسألة في بيان مقادير العدد إن شاء الله تعالى . الشافعي