[ ص: 74 ]
( الثاني ) : أنه إذا فإن تلك الألف تسقط لسكونها ولقي ذلك الساكن فحينئذ تذهب الإمالة على نوعيها لأنها إنما كانت من أجل وجود الألف لفظا فلما عدمت فيه امتنعت الإمالة بعدمها فإن وقف عليها انفصلت من الساكن تنوينا كان ، أو غير تنوين ، وعادت الإمالة بين اللفظين بعودها على حسب ما تأصل وتقرر ( فالتنوين ) يلحق الاسم مرفوعا ، ومجرورا ، ومنصوبا ويكون متصلا به فالمرفوع نحو وقع بعد الألف الممال ساكن هدى للمتقين ; و أجل مسمى ، لا يغني مولى ، هو عليهم عمى والمجرور نحو في قرى محصنة ، إلى أجل مسمى ، عن مولى ، من ربا ، من عسل مصفى والمنصوب نحو قرى ظاهرة ، أو كانوا غزا ، أن يحشر الناس ضحى ، مكانا سوى ، أن يترك سدى .
( وغير التنوين ) لا يكون إلا منفصلا في كلمة أخرى ويكون ذلك في اسم ، وفعل . فالاسم نحو موسى الكتاب ، عيسى ابن مريم ، القتلى الحر ، جنى الجنتين ، الرؤيا التي ، ذكرى الدار ، القرى التي والفعل نحو طغى الماء ، أحيا الناس .
لمن مذهبه ذلك في النوعين هو المأخوذ به والمعول عليه ، وهو الثابت نصا وأداء ، وهو الذي لا يؤخذ نصا عن أحد من أئمة القراء المتقدمين بخلافه ، بل هو المنصوص به عنهم ، وهو الذي عليه العمل فأما النص ، فقد قال الإمام والوقف بالإمالة ، أو بين اللفظين : حدثنا أبو بكر بن الأنباري إدريس قال : حدثنا خلف قال : سمعت يقف على : الكسائي هدى للمتقين بالياء ، وكذلك : من مقام إبراهيم مصلى ، أو كانوا غزا ، من عسل مصفى ، أجل مسمى ، وقال : يسكت أيضا على سمعنا فتى ، في قرى ، أن يترك سدى بالياء ومثله حمزة . قال : خلف وسمعت يقول في قوله الكسائي أحيا الناس الوقف عليه أحيا بالياء لمن كسر الحروف إلا من يفتح فيفتح مثل هذا .
قال : وسمعته يقول الوقف على قوله المسجد الأقصى بالياء . وكذا من أقصى المدينة ، وكذا وجنى الجنتين ، وكذا طغى الماء قال : والوقف على وما آتيتم من ربا بالياء .
وروى حبيب بن إسحاق عن داود بن أبي طيبة عن ، ورش
[ ص: 75 ] عن نافع قرى ظاهرة مفتوحة في القراءة مكسورة في الوقف ، وكذلك قرى محصنة ، سحر مفترى قال الداني : ولم يأت به عن نصا غيره . انتهى . ورش
وممن حكى الإجماع على هذا الحافظ أبو العلاء وأبو العباس المهدوي وأبو الحسن بن غلبون وأبو معشر الطبري وأبو محمد سبط الخياط ، وغيرهم ، وهو الذي لم يحك أحد من العراقيين سواه . وأما الأداء فهو الذي قرأنا به على عامة شيوخنا ، ولم نعلم أحدا أخذ علي سواه ، وهو القياس الصحيح - والله أعلم - .
وقد ذهب بعض أهل الأداء إلى حكاية الفتح في المنون مطلقا من ذلك في الوقف عمن أمال ، وقرأ بين بين حكى ذلك رحمه الله حيث قال : وقد فخموا التنوين وقفا ورققوا وتبعه على ذلك صاحبه أبو القاسم الشاطبي فقال : وقد فتح قوم ذلك كله . ( قلت ) : ولم أعلم أحدا من أئمة القراءة ذهب إلى هذا القول ، ولا قال به ، ولا أشار إليه في كلامه ، ولا أعلمه في كتاب من كتب القراءات ، وإنما هو مذهب نحوي لا أدائي دعا إليه القياس لا الرواية ، وذلك أن النحاة اختلفوا في الألف اللاحقة للأسماء المقصورة في الوقف فحكي عن أبو الحسن السخاوي المازني أنها بدل من التنوين سواء كان الاسم مرفوعا ، أو منصوبا ، أو مجرورا وسبب هذا عنده أن التنوين متى كان بعد فتحة أبدل في الوقف ألفا ، ولم يراع كون الفتحة علامة للنصب أو ليست كذلك .
وحكي عن ، وغيره أن هذه الألف ليست بدلا من التنوين ، وإنما هي بدل من لام الكلمة لزم سقوطها في الوصل لسكونها وسكون التنوين بعدها فلما زال التنوين بالوقف عادت الألف ونسب الداني هذا القول أيضا إلى الكسائي الكوفيين ، وبعض البصريين وعزاه بعضهم إلى قالوا : وهذا أولى من أن يقدر حذف الألف التي هي مبدلة من حرف أصلي وإثبات الألف التي هي مبدلة من حرف زائد ، وهو التنوين . سيبويه
وذهب أبو علي الفارسي ، وغيره إلى أن الألف فيما كان من هذه الأسماء منصوبا بدل من التنوين ، وفيما كان منها مرفوعا ، أو مجرورا بدل من الحرف الأصلي اعتبارا بالأسماء الصحيحة الأواخر إذ لا تبدل فيها الألف من التنوين إلا في
[ ص: 76 ] النصب خاصة وينسب هذا القول إلى أكثر البصريين وبعضهم ينسبه أيضا إلى قالوا : وفائدة هذا القول إلى أكثر سيبويه البصريين وبعضهم ينسبه أيضا إلى قالوا : وفائدة هذا الخلاف تظهر في الوقف على لغة أصحاب الإمالة فيلزم أن يوقف على هذه الأسماء بالإمالة مطلقا على مذهب سيبويه ، ومن قال بقوله ، وعلى مذهب الكسائي الفارسي وأصحابه إن كان الاسم مرفوعا ، أو مجرورا وأن يوقف عليها بالفتح مطلقا على مذهب المازني ، وعلى مذهب الفارسي إن كان الاسم منصوبا لأن الألف المبدلة من التنوين لا تمال ، ولم ينقل الفتح في ذلك عن أحد من أئمة القراءة .
( نعم ) حكى ذلك في مذهب التفصيل الشاطبي ، وهو معنى قوله وتفخيمهم في النصب أجمع أشملا وحكاه مكي عن وابن شريح أبي عمرو من طريق وورش الأزرق فذكرا الفتح عنهما في المنصوب والإمالة في المرفوع والمجرور ، وقال : إن القياس هو الفتح لكن يمنع من ذلك نقل القراءة وعدم الرواية وثبات الياء في الشواذ ، وقال مكي والأشهر هو الفتح يعني في المنصوب خاصة ، ولم يحكيا خلافا عن ابن شريح حمزة في الإمالة وقفا ، وأما والكسائي في تجريده فلم يتعرض إلى هذه المسألة في الإمالة ، بل ذكر في باب الراءات بعد تمثيله بقوله قرى ومفترى التفخيم في الوصل ، وأما في الوقف فقرأت في الوقف بالترقيق في موضع الرفع والخفض وفخمت الراء في موضع النصب . ابن الفحام
قال : وهو المختار ، وحكى الداني أيضا هذا التفصيل في مفرداته في رواية أبي عمرو فقال : أما قوله تعالى : في سبأ قرى ظاهرة فإن الراء تحتمل الوجهين : إخلاص الفتح ، وذلك إذا وقفت على الألف المبدلة من التنوين دون المبدلة من الياء ، والإمالة وذلك إذا وقفت على الألف المبدلة من الياء دون المبدلة من التنوين قال : وهذا الأوجه ، وعليه العمل ، وبه آخذ ، وقال في جامع البيان ، وأوجه القولين وأولاهما بالصحة قول من قال : إن المحذوفة هي المبدلة من التنوين لجهات ثلاث إحداهن انعقاد إجماع السلف من الصحابة - رضي الله عنهم - على رسم ألفات هذه الأسماء ياءات في كل المصاحف . والثانية ورود النص
[ ص: 77 ] عند العرب وأئمة القراءة بإمالة هذه الألفات في الوقف ، والثالثة وقوف بعض العرب على المنصوب المنون نحو رأيت زيدا وضربت عمرا وبغير عوض من التنوين حكى ذلك سماعا منهم الفراء والأخفش قال : وهذه الجهات كلها تحقق أن الموقوف عليه من إحدى الألفين هي الأولى المنقلبة عن الياء دون الثانية المبدلة من التنوين لأنها لو كانت المبدلة منه لم ترسم ياء بإجماع ، وذلك من حيث لم تقلب عنها ، ولم تمل في الوقف أيضا لأن ما يوجب إمالتها في بعض اللغات ، وهو الكسر والياء معدوم وقوعه قبلها ، ولأنها المحذوفة لا محالة في لغة من لم يعوض ثم قال : والعمل عند القراء وأهل الأداء على الأول يعني الإمالة قال : وبه أقول لورود النص به ودلالة القياس على صحته انتهى .
فدل مجموع ما ذكرنا أن الخلاف في الوقف على المنون لا اعتبار به ، ولا عمل عليه ، وإنما هو خلاف نحوي لا تعلق للقراء به - والله أعلم - .