كما تجوز في بيع العين لقوله : عليه الصلاة والسلام { والإقالة جائزة في المسلم فيه } مطلقا من غير فصل ، ولأن الإقالة في بيع العين إنما شرعت نظرا للعاقدين دفعا لحاجة الندم ، واعتراض الندم في السلم ههنا أكثر ; لأنه بيع بأوكس الأثمان فكان أدعى إلى شرع الإقالة فيه ، ثم جملة الكلام في من أقال نادما أقال الله عثراته يوم القيامة أنه لا يخلو إما إن تقايلا السلم في كل المسلم فيه ، وإما إن تقايلا في بعض دون بعض ، فإن تقايلا في كل المسلم فيه جازت الإقالة لما قلنا ، سواء كانت الإقالة بعد حل الأجل أو قبله ; لأن نص الإقالة مطلق لا يفصل بين حال وحال . الإقالة في السلم
وكذا جواز اعتراض الندم قائم في الحالين ، وسواء كان رأس المال قائما في يد المسلم إليه أو هالكا ، أما إذا كان قائما فلا شك فيه ، وكذا إذا كان هالكا ; لأن رأس مال السلم ثمن والمبيع هو المسلم فيه ، وقيام الثمن ليس بشرط لصحة الإقالة إنما الشرط قيام المبيع ، وقد وجد ، ثم إذا جازت الإقالة ، فإن كان رأس المال مما يتعين بالتعيين وهو قائم فعلى المسلم إليه رد عينه إلى رب السلم لقوله : عليه الصلاة والسلام { } ، وإن كان هالكا ، فإن كان مما له مثل فعليه رد مثله ، وإن كان مما لا مثل له فعليه رد قيمته . من وجد عين ماله فهو أحق به
وإن كان رأس المال مما لا يتعين بالتعيين فعليه رد مثله هالكا [ ص: 215 ] كان أو قائما ; لأنه قبضه عن عقد صحيح ، وكذلك إذا جازت الإقالة ، وعلى رب السلم رد عين ما قبض ; لأن المقبوض في يده بعد السلم كأنه عين ما ورد عليه عقد السلم ألا ترى أنه يجوز قبض رب السلم المسلم فيه ثم تقايلا والمقبوض قائم في يده ؟ وإن لرب السلم أن يبيع المقبوض مرابحة على رأس المال فإن كان بعد حل الأجل جازت الإقالة فيه بقدره إذا كان الباقي جزءا معلوما من النصف والثلث ونحو ذلك من الأجزاء المعلومة ; لما ذكرنا أن الإقالة شرعت نظرا وفي إقالة البعض دون البعض ههنا نظر من الجانبين ; لأن السلم بيع بأبخس الأثمان لهذا سماه تقايلا السلم في بعض المسلم فيه رضي الله عنهما حسنا جميلا فقال رضي الله عنه : ذلك المعروف الحسن الجميل ، والسلم في الباقي إلى أجله عند عامة العلماء ، وقال ابن عباس : ينفسخ العقد في الكل ، والصحيح قول العامة ; لأن الإقالة وجدت في البعض لا في الكل فلا توجب انفساخ العقد في الكل ; لأن الحكم يثبت بقدر العلة هذا هو الأصل . ابن أبي ليلى
وإن كان قبل حل الأجل ينظر جازت الإقالة أيضا والسلم في الباقي إلى أجله وإن اشترط فيها تعجيل الباقي لم يصح الشرط ، والإقالة صحيحة . إن لم يشترط في الإقالة تعجيل الباقي من المسلم
( أما ) فساد الشرط ; فلأنه اعتياض عن الأجل وأنه لا يجوز ; لأن الأجل ليس بمال فلا يجوز الاعتياض عنه .
( وأما ) صحة الإقالة فلأن الإقالة لا تبطلها الشروط الفاسدة فبطل الشرط وصحت الإقالة وهذا على قياس قول أبي حنيفة ; لأن الإقالة عندهما فسخ . ومحمد
( وأما ) على قياس قول فتبطل الإقالة والسلم على حاله إلى أجله ; لأن الإقالة عنده بيع جديد والبيع تبطله الشروط الفاسدة والله عز وجل أعلم . أبي يوسف