ولما كان التقدير: فمن دعا الله وحده فأولئك هم المفلحون الوارثون في الدارين، عطف عليه قوله: ومن يدع مع الله أي الملك الذي كفؤ له لإحاطته بجميع صفات [ ص: 198 ] الكمال إلها ولما كانوا لتعنتهم ينسبون الداعي له سبحانه باسمين أو أكثر إلى الشرك، قيد بقوله: آخر ثم أيقظ من سنة الغفلة، ونبه على الاجتهاد والنظر في أيام المهلة، بقول لا أعدل منه ولا أنصف فقال: لا برهان له ولما كان المراد ما يسمى برهانا ولو على أدنى الوجوه الكافية، عبر بالباء سلوكا لغاية الإنصاف دون "على" المفهمة للاستعلاء بغاية البيان فقال: به أي بسبب دعائه فإنه إذا اجتهد في إقامة برهان على ذلك لم يجد، بل وجد البراهين كلها قائمة على نفي ذلك، داعية إلى الفلاح باعتقاد التوحيد والصلاح، هذا المراد، لا أنه يجوز أن يقوم على شيء غيره برهان فإنما حسابه أي جزاؤه الذي لا تمكن زيادته ولا نقصه عند ربه الذي رباه، ولم يربه أحد سواه، وغمره بالإحسان، ولم يحسن إليه أحد غيره، الذي هو أعلم بسريرته وعلانيته منه نفسه، فلا يخفى عليه شيء من أمره.
ولما أفهم كون حسابه عند هذا المحسن أحد أمرين: إما الصفح بدوام الإحسان، وإما الخسران بسبب الكفران، قال على طريق الجواب لمن يسأل عن ذلك: إنه لا يفلح ووضع الكافرون موضع ضميره تنبيها على كفره وتعميما للحكم، فصار أول السورة [ ص: 199 ] وآخرها مفهما لأن الفلاح مختص به المؤمنون.