ثم وصفه بما يقتضي أنه مع ما له من عظيم القدرة بالملك والاختراع - متصف بالأناة وشمول العلم وحسن التدبير ليتأسى به المتوكل عليه فقال: الذي خلق السماوات والأرض أي على عظمهما وما بينهما من الفضاء والعناصر والعباد وأعمالهم من الذنوب وغيرها
ألا يعلم من خلق وقوله: في ستة أيام تعجيب للغبي الجاهل، تدريب للفطن العالم في الحلم والأناة والصبر على عباد الله في دعوتهم إلى الله، وتذكير بما له من عظيم القدرة وما يلزمها من شمول العلم، والمراد مقدار ستة من أيامنا، فإن الأيام ما حدثت إلا بعد خلق الشمس، والإقرار بأن تخصيص هذا العدد لداعي حكمة عظيمة، وكذا جميع أفعاله وإن كنا لا ندرك ذلك، هو الإيمان، وجعل الله الجمعة عيدا للمسلمين لأن الخلق اجتمع فيه بخلق آدم عليه السلام فيه في آخر ساعة.
ولما كان تدبير هذا الملك أمرا باهرا، أشار إليه بأداة التراخي فقال: ثم استوى على العرش أي شرع في التدبير لهذا الملك [ ص: 415 ] الذي اخترعه وأوجده، وهم وذنوبهم من جملته كما يفعل الملوك في ممالكهم، لا غفلة عنده عن شيء أصلا، ولا تحدث فيه ذرة من ذات أو معنى إلا بخلق جديد منه سبحانه، ردا على من يقول من اليهود وغيرهم: إن ذلك إنما هو بما دبر في الأزل من الأسباب، وأنه الآن لا فعل له.
ولما كان المعصى إذا علم بعصيان من يعصيه وهو قادر عليه لم يمهله، أشار إلى أنه على غير ذلك، حاضا على الرفق، بقوله: الرحمن أي الذي سبقت رحمته غضبه، وهو يحسن إلى من يكفره، فضلا عن غيره، فأجدر عباده بالتخلق بهذا الخلق رسله، والحاصل أنه أبدع هذا الكون وأخذ في تدبيره بعموم الرحمة في إحسانه لمن يسمعه يسبه بالنسبة له إلى الولد، ويكذبه في أنه يعيده كما بدأه، وهو سبحانه قادر على الانتقام منه بخلاف ملوك الدنيا فإنهم لا يرحمون من يعصيهم مع عجزهم.
ولما كان العلم لازما للملك، سبب عن ذلك قوله على طريق التجريد: فاسأل به أي بسبب سؤالك إياه خبيرا عن [ ص: 416 ] هذه الأمور وكل أمر تريده ليخبرك بحقيقة أمره ابتداء وحالا ومآلا، فلا يضيق صدرك بسبب هؤلاء المدعوين، فإنه ما أرسلك إليهم إلا وهو عالم بهم، فسيعلي كعبك عليهم، ويحسن لك العاقبة.