فاقتلوا أنفسكم أي ليقتل بعضكم بعضا; على ما بينت في كتاب "المشكل" .
وقوله: فتاب عليكم أي ففعلتم فتاب عليكم. مختصر .
55- نرى الله جهرة أي علانية ظاهرا، لا في نوم ولا في غيره.
فأخذتكم الصاعقة أي الموت. يدلك على ذلك قوله: ثم بعثناكم من بعد موتكم . والصاعقة تتصرف على وجوه قد ذكرتها في كتاب "المشكل" .
57- الغمام السحاب. سمي بذلك لأنه يغم السماء أي يسترها وكل شيء غطيته فقد غممته. ويقال: جاءنا بإناء مغموم. أي مغطى الرأس.
وقيل له: سحاب بمسيره، لأنه كأنه ينسحب إذا سار .
المن يقال: هو الطرنجبين . [ ص: 50 ] والسلوى طائر يشبه السمانى لا واحد له.
وما ظلمونا أي ما نقصونا.
ولكن كانوا أنفسهم يظلمون أي ينقصون.
والظلم يتصرف على وجوه قد بينتها في كتاب "المشكل" .
58- وقوله: وقولوا حطة رفع على الحكاية. وهي كلمة أمروا أن يقولوها في معنى الاستغفار، من حططت. أي حط عنا ذنوبنا.
59- فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم أي قيل لهم: قولوا: حطة فقالوا: حطا سمقاتا، يعني حنطة حمراء. .
و (الرجز العذاب.
60- ولا تعثوا من عثي. ويقال أيضا من عثا، وفيه لغة أخرى عاث يعيث. وهو أشد الفساد.
وكان بعض الرواة ينشد بيت ابن الرقاع:
لولا الحياء وأن رأسي قد عنا ... فيه المشيب لزرت أم القاسم
وينكر على من يرويه: "عسا". وقال: كيف يعسو الشيب وهو [ ص: 51 ] إلى أن يرق في كبر الرجل ويلين، أقرب منه إلى أن يغلظ ويعسو أو يصلب؟ واحتج بقول الآخر:
*
وأنبتت هامته المرعزى
*يريد أنه لما شاخ رق شعره ولان، فكأنه مرعزى [والمرعزى: نبت أبيض] .
61- ( والفوم ) فيه أقاويل: يقال: هو الحنطة، والخبز جميعا. قال هي لغة قديمة يقول أهلها: فوموا، أي: اختبزوا. ويقال: الفوم الحبوب. الفراء
ويقال: هو الثوم. والعرب تبدل الثاء بالفاء فيقولون جدث وجدف. والمغاثير والمغافير . وهذا أعجب الأقاويل إلي; لأنها في مصحف عبد الله: "وثومها" .
وباءوا بغضب أي رجعوا. يقال: بؤت بكذا فأنا أبوء به. ولا يقال: باء بالشيء.
62- " الذين هادوا " هم: اليهود.
والصابئين قال هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون [إلى] القبلة، ويقرءون الزبور. [ ص: 52 ] وأصل الحرف من صبأت: إذا خرجت من شيء إلى شيء ومن دين إلى دين. ولذلك كانت قتادة قريش تقول في الرجل إذا أسلم واتبع النبي صلى الله عليه وعلى آله -: قد صبأ فلان - بالهمز - أي خرج عن ديننا إلى دينه.
* * *
63- و الطور الجبل. ورفعه فوقهم مبين في سورة الأعراف.
65- اعتدوا منكم في السبت أي ظلموا وتعدوا ما أمروا به من ترك الصيد في يوم السبت.
فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين أي: مبعدين . يقال: خسأت فلانا عني وخسأت الكلب. أي: باعدته. ومنه يقال للكلب: اخسأ، أي: تباعد.
* * *
66- فجعلناها نكالا أي: قرية أصحاب السبت. نكالا أي عبرة لما بين يديها من القرى، وما خلفها ليتعظوا بها.
ويقال: لما بين يديها من ذنوبهم وما خلفها: من صيدهم الحيتان في السبت. وهو قول . والأول أعجب إلي. قتادة
68- لا فارض أي: لا مسنة. يقال: فرضت البقرة فهي فارض، إذا أسنت. قال الشاعر: [ ص: 53 ]
يا رب ذي ضغن وضب فارض ... له قروء كقروء الحائض
أي ضغن قديم.
ولا بكر أي ولا صغيرة لم تلد، ولكنها عوان بين تينك. ومنه يقال في المثل: "العوان: لا تعلم الخمرة" . يراد أنها ليست بمنزلة الصغيرة التي لا تحسن أن تختمر.
69- صفراء فاقع لونها أي ناصع صاف.
وقد ذهب قوم إلى أن الصفراء: السوداء . وهذا غلط في نعوت البقر. وإنما يكون ذلك في نعوت الإبل. يقال: بعير أصفر، أي أسود. وذلك أن السود من الإبل يشوب سوادها صفرة. قال الشاعر:
تلك خيلي منه وتلك ركابي ... هن صفر أولادها كالزبيب
أي سود. [ ص: 54 ] ومما يدلك على أنه أراد الصفرة بعينها - قوله فاقع لونها والعرب لا تقول: أسود فاقع - فيما أعلم - إنما تقول: أسود حالك، وأحمر قاني، وأصفر فاقع .
* * *
71- لا ذلول يقال في الدواب: دابة ذلول بينة الذل - بكسر الذال وفي الناس: رجل ذليل بين الذل. بضم الذال.
تثير الأرض أي تقلبها للزراعة. ويقال للبقرة: المثيرة.
ولا تسقي الحرث أي لا يسنى عليها فيستقى بها الماء لسقي الزرع .
مسلمة من العمل.
لا شية فيها أي: لا لون فيها يخالف معظم لونها - كالقرحة، والرثمة، والتحجيل وأشباه ذلك.
والشية: مأخوذة من وشيت الثوب فأنا أشيه وشيا. وهي من المنقوص. أصلها وشية. مثل زنة، وعدة.
* * *
72- فادارأتم فيها اختلفتم. والأصل: تدارأتم. فأدغمت التاء في الدال، وأدخلت الألف ليسلم السكون للدال الأولى. يقال: كان بينهم [ ص: 55 ] تدارؤ في كذا. أي اختلاف. ومنه قول القائل في رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان شريكي فكان خير شريك: لا يماري ولا يداري" أي لا يخالف.
* * *
73- فقلنا اضربوه ببعضها أي اضربوا القتيل ببعض البقرة. قال بعض المفسرين: فضربوه بالذنب. وقال بعضهم: بالفخذ فحيي.
74- ثم قست قلوبكم أي: اشتدت وصلبت.
78- ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني أي لا يعلمون الكتاب إلا أن يحدثهم كبراؤهم بشيء، فيقبلونه ويظنون أنه الحق وهو كذب. ومنه قول - رضي الله عنه -: "ما تغنيت ولا تمنيت" أي: ما اختلقت الباطل. عثمان
وتكون الأماني التلاوة. قال الله عز وجل: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان [في أمنيته يريد إذا تلا ألقى الشيطان في تلاوته] . [ ص: 56 ] يقول: فهم لا يعلمون الكتاب إلا تلاوة ولا يعملون به، وليسوا كمن يتلوه حق تلاوته: فيحل حلاله ويحرم حرامه، ولا يحرفه عن مواضعه.
* * *
79- فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله أي يزيدون في كتب الله ما ليس منها; لينالوا بذلك غرضا حقيرا من الدنيا.
* * *
80- وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قالوا: إنما نعذب أربعين يوما قدر ما عبد أصحابنا العجل.
قل أتخذتم عند الله عهدا أي أتخذتم بذلك من الله وعدا؟
* * *
83- وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله أي أمرناهم بذلك فقبلوه; وهو أخذ الميثاق عليهم.
وبالوالدين إحسانا أي وصيناهم بالوالدين إحسانا. مختصر كما قال: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا أي: ووصى بالوالدين .
* * *
84- وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم أي لا يسفك بعضكم دم بعض.
ولا تخرجون أنفسكم من دياركم أي لا يخرج بعضكم بعضا من داره ويغلبه عليها. [ ص: 57 ] ثم أقررتم أي ثم قبلتم ذلك وأقررتم به.
وأنتم تشهدون على ذلك.
* * *
85- ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وقد بينت معنى هذه الآية في المشكل .
تظاهرون تعاونون. والتظاهر: التعاون. ومنه قوله: إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه أي تعاونا عليه. والله ظهير أي: عون.
وأصل التظاهر من الظهر. فكأن التظاهر: أن يجعل كل واحد من الرجلين أو من القوم الآخر له ظهرا يتقوى به ويستند إليه.
* * *
87 - وقفينا من بعده بالرسل أي: أتبعناه بهم وأردفناه إياهم وهو من القفا مأخوذ. ومنه يقال: قفوت الرجل: إذا سرت في أثره.
* * *
88- قلوبنا غلف جمع أغلف. أي كأنها في غلاف لا تفهم عنك ولا تعقل شيئا مما تقول. وهو مثل قوله: قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه يقال: غلفت السيف: إذا جعلته في غلاف، فهو سيف أغلف. ومنه قيل لمن لم يختن: أغلف. [ ص: 58 ] ومن قرأه (غلف مثقل. أراد جمع غلاف. أي هي أوعية للعلم .
* * *
89- وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا يقول: كانت اليهود إذا قاتلت أهل الشرك استفتحوا عليهم; أي استنصروا الله عليهم. فقالوا: اللهم انصرنا بالنبي المبعوث إلينا. فلما جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوه كفروا به. والاستفتاح: الاستنصار.
* * *
93- وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم أي: حب العجل.
96- ولتجدنهم أحرص الناس على حياة يعني اليهود.
ومن الذين أشركوا يعني المجوس. وشركهم: أنهم قالوا بإلهين: النور والظلمة.
يود أحدهم لو يعمر ألف سنة أراد معنى قولهم لملوكهم في تحيتهم: "عش ألف سنة وألف نوروز" .
وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر أي: بمباعده من العذاب طول عمره; لأن عمره ينقضي وإن طال; ويصير إلى عذاب الله. [ ص: 59 ]
97- قل من كان عدوا لجبريل من اليهود . وكانوا قالوا: لا نتبع محمدا وجبريل يأتيه; لأنه يأتي بالعذاب.
فإنه نزله يعني: فإن جبريل نزل القرآن على قلبك
* * *