الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          104 - فصل .

                          المسألة الثالثة : إذا ذبحوا ما يعتقدون تحريمه كالإبل والنعام والبط وكل ما ليس بمشقوق الأصابع ، هل يحرم على المسلم ؟

                          اختلف فيه فأباحه الشافعي وأبو حنيفة وأحمد في ظاهر مذهبه ، وهو قول جمهور أصحابه .

                          وحكى ابن أبي موسى في " الإرشاد " أنه لا يباح ما ذكاه اليهود من الإبل .

                          [ ص: 530 ] ووجه هذا أنه ليس من طعام المذكي ، ولأنه ذبح لا يعتقد الذابح حله فهو كذبيحة المحرم ، ولأن لاعتقاد الذابح أثرا في حل الذبيحة وتحريمها .

                          ولهذا لو ذبح المسلم ما يعتقد أنه لا يحل له ذبحه ، كالمغصوب كان حراما فالقصد يؤثر في التذكية كما يؤثر في العبادة : وهذا مذهب مالك ، واحتج أصحابه على ذلك بقوله تعالى : وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ، ولما كانت حراما عليهم لم تكن تذكيتهم لها ذكاة ، كما لا يكون ذبح الخنزير لنا ذكاة .

                          وهذا الدليل مبني على ثلاث مقدمات :

                          إحداها : أن ذلك حرام عليهم ، وهذه المقدمة ثابتة بنص القرآن .

                          الثانية : أن ذلك التحريم باق لم يزل .

                          الثالثة : أنهم إذا ذبحوا ما يعتقدون تحريمه لم تؤثر الذكاة في حله .

                          فأما الأولى فهي ثابتة بالنص .

                          وأما الثانية فالدليل عليها سبب التحريم باق ، وهو العدوان قال تعالى : ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون ، وبغيهم لم يزل بمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - بل زاد البغي منهم ، فالتحريم تغلظ بتغلظ البغي ، يوضحه أن رفع ذلك التحريم إنما هو رحمة في حق من اتبع الرسول ، فإن الله وضع عن أتباعه الآصار والأغلال التي كانت عليهم قبل مبعثه ، ولم [ ص: 531 ] يضعها عمن كفر به قال تعالى : الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون .

                          وأما المقدمة الثالثة ، وهي أنهم إذا ذبحوا ما يعتقدون تحريمه لم يؤثر ذلك في الحل فقد تقدم تقريرها .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية