الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ولا يطهر من النجاسات بالاستحالة إلا شيئان : ( أحدهما ) : جلد الميتة [ إذا دبغ ] ، وقد دللنا عليه في موضعه ( والثاني ) : الخمر إذا استحالت بنفسها خلا فتطهر بذلك لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه خطب فقال : " لا يحل خل من خمر قد أفسدت حتى يبدأ الله إفسادها ، فعند ذلك يطيب الخل ، ولا بأس أن يشتروا من أهل الذمة خلا ما لم يتعمدوا إلى إفساده " ولأنه إنما حكم بنجاستها للشدة المطربة الداعية إلى الفساد ، وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها ، فوجب أن يحكم بطهارتها ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) : أما قوله لا يطهر بالاستحالة إلا شيئان فقد يورد عليه ثلاثة أشياء وهي العلقة والمضغة إذا نجسناهما ، فإنهما يطهران بمصيرهما حيوانا ، والثالث البيضة في جوف الدجاجة الميتة إذا حكمنا بنجاستها فإنها تطهر بمصيرها فرخا بلا خلاف ، كما سبق في باب الآنية ، ويجاب عن البيضة بأنها نجسة العين ، وإنما تنجست بالمجاورة . وأما العلقة والمضغة ففرعهما على الأصح ، وهو طهارتهما . وقد سبق بيانهما قريبا فاكتفي به . وأما قول عمر رضي الله عنه فآخره قوله : ( يتعمدوا إلى إفساده ) وقد رواه البيهقي دون قوله : ولا بأس أن يشتروا إلى آخره .

                                      [ ص: 593 ] قوله : أفسدت هو بضم الهمزة ومعناه خللت ، وقوله : حتى يبدأ الله إفسادها هو بفتح الياء من يبدأ وبهمز آخره ، ومعنى هذا الكلام أن الخمر إذا خللت فصارت خلا لم يحل ذلك الخل ، ولكن لو قلب الله الخمر خلا بغير علاج آدمي حل ذلك الخل ، وهذا معنى قوله : يبدأ الله إفسادها يعني بإفسادها جعلها خلا ، وهو إفساد للخمر ; وإن كان صلاحا لهذا المائع من حيث إنه صار حلالا ومالا .

                                      وأما قوله : ولا بأس أن يشتروا من أهل الذمة خلا ، فمعناه أنه يباح ذلك ، ولا يمتنع لكونهم كفارا لا يوثق بأقوالهم ، بل يباح كما تباح ذبائحهم وغيرها من أطعمتهم ، وقد قال الله تعالى : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } وهذا يتناول الخل وغيره ولا يقبل دعوى أكثر المفسرين ومن تابعهم في تخصيصهم ذلك بالذبائح وممن تابعهم المصنف في أول باب الربا ، والصواب ما ذكرناه ، وقوله : من غير نجاسة خلفتها هو بتخفيف اللام أي جاءت بعدها .

                                      ( أما حكم المسألة ) فإذا استحالت الخمر خلا بنفسها طهرت وسأذكر فرعا مشتملا على نفائس من أحكام التخلل والتخليل إن شاء الله تعالى .




                                      الخدمات العلمية