الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 275 ] باب السائمة ( هي ) الراعية ، وشرعا ( المكتفية بالرعي ) المباح ، ذكره الشمني ( في أكثر العام لقصد الدر والنسل ) ذكره الزيلعي ، وزاد في المحيط ( والزيادة والسمن ) ليعم الذكور فقط

، لكن في البدائع لو أسامها للحم فلا زكاة [ ص: 276 ] فيها كما لو أسامها للحمل والركوب ولو للتجارة ففيها زكاة التجارة ولعلهم تركوا ذلك لتصريحهم بالحكمين ( فلو علفها نصفه لا تكون سائمة ) فلا زكاة فيها للشك في الموجب

التالي السابق


باب السائمة

بالإضافة أو بالتنوين على أنه مبتدأ وخبر ، فهو لبيان حقيقتها وما بعده لبيان حكمها ، ولذا لم يقدر مضافا أي صدقة السائمة . قال في النهر : وبدأ محمد في تفصيل أموال الزكاة بالسوائم اقتداء بكتبه عليه الصلاة والسلام ، وكانت كذلك لأنها إلى العرب ، وكان جل أموالهم السوائم ، والإبل أنفسها عندهم فبدأ بها ( قوله هي الراعية ) أي لغة ، يقال : سامت الماشية : رعت ، وأسامها ربها إسامة كذا في المغرب ; سميت بذلك لأنها تسم الأرض أي تعلمها ، ومنه { شجر فيه تسيمون } وفي ضياء الحلوم : السائمة المال الراعي نهر ( قوله وشرعا المكتفية بالرعي إلخ ) أطلقها فشمل المتولدة من أهلي ووحشي ، لكن بعد كون الأم أهلية كالمتولدة من شاة وظبي وبقر وحشي وأهلي فتجب الزكاة بها ويكمل بها النصاب عندنا خلافا للشافعي بدائع ( قوله بالرعي ) بفتح الراء مصدر وبكسرها الكلأ نفسه والمناسب الأول ; إذ لو حمل الكلأ إليها في البيت لا تكون سائمة بحر قال في النهر : وأقول الكسر هو المتداول على الألسنة ، ولا يلزم عليه أن تكون سائمة لو حمله إليها إلا لو أطلق الكلأ على المنفصل . ولقائل منعه ، بل ظاهر قول المغرب الكلأ هو كل ما رعته الدواب من الرطب ، واليابس يفيد اختصاصه بالقائم في معدنه ، ولم تكن به سائمة ; لأنه ملكه بالحوز فتدبره . ا هـ . قلت : لكن في القاموس : الكلأ كجبل العشب رطبه ويابسه فلم يقيده بالمرعى ( قوله ذكره الشمني ) أي ذكر التقييد بالمباح

. قال في البحر والنهر : ولا بد منه لأن الكلأ يشمل غير المباح ولا تكون سائمة به لكن قال المقدسي : وفيه نظر . قلت : لعل وجهه منع شموله لغير المباح ، لحديث أحمد { المسلمون شركاء في ثلاث : في الماء ، والكلأ ، والنار } فهو مباح ولو في أرض مملوكة كما سيأتي في فصل الشرب إن شاء الله - تعالى ( قوله : ذكره الزيلعي ) أي ذكر قوله لقصد الدر والنسل تبعا لصاحب النهاية ( قوله : والسمن ) عطف تفسير ط ( قوله ليعم الذكور ) لأن الدر والنسل لا يظهر فيها ط ( قوله فقط ) أي الذكور المحضة ، وليس المراد أنه يعم الذكور ولا يعم غيرها . ا هـ . ح . وحاصله أنه قيد للذكور لا ليعم ( قوله لكن في البدائع إلخ ) استدراك على ما في المحيط [ ص: 276 ] من اعتبار السمن . والجواب أن مراد المحيط أن السمن لا لأجل اللحم بل لغرض آخر مثل أن لا تموت في الشتاء من البرد فلا تناقض بين كلامي البدائع والمحيط . ا هـ . ح أو يحمل على اختلاف الرواية أو المشايخ ط وبه جزم الرحمتي . أقول : عبارة البدائع هكذا : نصاب السائمة له صفات : منها كونه معدا للإسامة للدر والنسل لما ذكرنا أن مال الزكاة هو المال النامي ، والمال النامي في الحيوان بالإسامة ; إذ به يحصل النسل فيزداد المال ، فإن أسيمت للحمل والركوب أو اللحم فلا زكاة فيها . ا هـ . فقد أفاد أن الزكاة منوطة بالإسامة لأجل النمو أي الزيادة فيشمل الإسامة لأجل السمن لأنه زيادة فيها ، ثم تفريعه على ذلك بإخراج ما إذا أسيمت للحمل والركوب أو اللحم يعلم منه أنه لم يرد باللحم السمن ، وإلا كان كلاما متناقضا لأن اللحم زيادة ، ولا يتوهم أحد أن ذلك مبني على رواية أخرى لأنه في صدد كلام واحد ، فتعين أن المراد باللحم الأكل أي إذا أسامها لأجل أن يأكل لحمها هو وأضيافه فهو كما لو أسامها للحمل والركوب ; إذ لا بد من قصد الإسامة للزيادة والنمو ، هذا ما ظهر لي . ثم رأيت في المعراج ما نصه : له غنم للتجارة نوى أن تكون للحم فذبح كل يوم شاة أو سائمة نواها للحمولة فهي للحم والحمولة عند محمد ا هـ وفيه لف ونشر مرتب ، والله - تعالى - أعلم

( قوله كما لو أسامها للحمل والركوب ) لأنها تصير كثياب البدن وعبيد الخدمة ( قوله ولعلهم تركوا ذلك ) أي ترك أصحاب المتون من تعريف السائمة ما زاده المصنف تبعا للزيلعي والمحيط لتصريحهم أي تصريح التاركين لذلك بالحكمين : أي بحكم ما نوى به التجارة من العروض الشاملة للحيوانات وبحكم المسامة للحمل والركوب ، وهو وجوب زكاة التجارة في الأول ، وعدمه في الثاني ، فلا يرد على تعريفهم بأنها المكتفية بالرعي في أكثر العام أنه تعريف بالأعم ، أفاده في البحر . وحاصله أن القيدين المذكورين في الزيلعي والمحيط ملحوظان في التعريف المذكور بقرينة التصريح المزبور ، فلا يكون تعريفا بالأعم ، على أن التعريف بالأعم إنما لا يصح على رأي المتأخرين من علماء الميزان ، وإلا فالمتقدمون وأهل اللغة على جوازه ، وبه اندفع قول النهر : إن هذا غير دافع ; إذ التعريف بالأعم لا يصح ولا ينفع فيه ذكر الحكمين بعده ا هـ تأمل ( قوله : للشك في الموجب ) بكسر الجيم وهو كونها سائمة ، فإنه شرط لكونها سببا للوجوب . قال في فتح القدير : العلف اليسير لا يزول به اسم السوم المستلزم للحكم ، وإذا كان مقابله كثيرا بالنسبة كان هو يسيرا ، والنصف ليس بالنسبة إلى النصف كثيرا ولأنه يقع الشك في ثبوت سبب الإيجاب فافهم




الخدمات العلمية