المسألة الرابعة : اعلم أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) يدل عندنا على أن
nindex.php?page=treesubj&link=21700_21705القياس حجة ، والذي يدل على ذلك أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فإن تنازعتم في شيء ) إما أن يكون المراد : فإن اختلفتم في شيء حكمه منصوص عليه في الكتاب أو السنة أو الإجماع ، أو المراد : فإن اختلفتم في شيء حكمه غير منصوص عليه في شيء من هذه الثلاثة ، والأول باطل ؛ لأن على ذلك التقدير وجب عليه طاعته ، فكان ذلك
[ ص: 118 ] داخلا تحت قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) وحينئذ يصير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) إعادة لعين ما مضى ، وإنه غير جائز . وإذا بطل هذا القسم تعين الثاني وهو أن المراد : فإن تنازعتم في شيء حكمه غير مذكور في الكتاب والسنة والإجماع ، وإذا كان كذلك لم يكن المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فردوه إلى الله والرسول ) طلب حكمه من نصوص الكتاب والسنة . فوجب أن يكون المراد رد حكمه إلى الأحكام المنصوصة في الوقائع المشابهة له ، وذلك هو القياس ، فثبت أن الآية دالة على الأمر بالقياس .
فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فردوه إلى الله والرسول ) أي فوضوا علمه إلى الله واسكتوا عنه ولا تتعرضوا له ؟ وأيضا فلم لا يجوز أن يكون المراد فردوا غير المنصوص إلى المنصوص في أنه لا يحكم فيه إلا بالنص ؟ وأيضا لم لا يجوز أن يكون المراد فردوا هذه الأحكام إلى البراءة الأصلية ؟
قلنا : أما الأول فمدفوع ، وذلك لأن هذه الآية دلت على أنه تعالى جعل الوقائع قسمين ، منها ما يكون حكمها منصوصا عليه ، ومنها ما لا يكون كذلك ، ثم أمر في القسم الأول بالطاعة والانقياد ، وأمر في القسم الثاني بالرد إلى الله وإلى الرسول ، ولا يجوز أن يكون المراد بهذا الرد السكوت ؛ لأن الواقعة ربما كانت لا تحتمل ذلك ، بل لا بد من قطع الشغب والخصومة فيها بنفي أو إثبات ، وإذا كان كذلك امتنع حمل الرد إلى الله على السكوت عن تلك الواقعة ، وبهذا الجواب يظهر فساد السؤال الثالث .
وأما السؤال الثاني : فجوابه أن البراءة الأصلية معلومة بحكم العقل ، فلا يكون رد الواقعة إليها ردا إلى الله بوجه من الوجوه ، أما إذا رددنا حكم الواقعة إلى الأحكام المنصوص عليها كان هذا ردا للواقعة على أحكام الله تعالى ، فكان حمل اللفظ على هذا الوجه أولى .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) يَدُلُّ عِنْدَنَا عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21700_21705الْقِيَاسَ حُجَّةٌ ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ) إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ : فَإِنِ اخْتَلَفْتُمْ فِي شَيْءٍ حُكْمُهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ الْإِجْمَاعِ ، أَوِ الْمُرَادُ : فَإِنِ اخْتَلَفْتُمْ فِي شَيْءٍ حُكْمُهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ وَجَبَ عَلَيْهِ طَاعَتُهُ ، فَكَانَ ذَلِكَ
[ ص: 118 ] دَاخِلًا تَحْتَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) إِعَادَةً لِعَيْنِ مَا مَضَى ، وَإِنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ . وَإِذَا بَطَلَ هَذَا الْقِسْمُ تَعَيَّنَ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ حُكْمُهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) طَلَبَ حُكْمِهِ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ رَدَّ حُكْمِهِ إِلَى الْأَحْكَامِ الْمَنْصُوصَةِ فِي الْوَقَائِعِ الْمُشَابِهَةِ لَهُ ، وَذَلِكَ هُوَ الْقِيَاسُ ، فَثَبَتَ أَنَّ الْآيَةَ دَالَّةٌ عَلَى الْأَمْرِ بِالْقِيَاسِ .
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ) أَيْ فَوِّضُوا عِلْمَهُ إِلَى اللَّهِ وَاسْكُتُوا عَنْهُ وَلَا تَتَعَرَّضُوا لَهُ ؟ وَأَيْضًا فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فَرُدُّوا غَيْرَ الْمَنْصُوصِ إِلَى الْمَنْصُوصِ فِي أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ فِيهِ إِلَّا بِالنَّصِّ ؟ وَأَيْضًا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فَرُدُّوا هَذِهِ الْأَحْكَامَ إِلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ ؟
قُلْنَا : أَمَّا الْأَوَّلُ فَمَدْفُوعٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْوَقَائِعَ قِسْمَيْنِ ، مِنْهَا مَا يَكُونُ حُكْمُهَا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ ، وَمِنْهَا مَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ ، ثُمَّ أَمَرَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ بِالطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ ، وَأَمَرَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي بِالرَّدِّ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا الرَّدِّ السُّكُوتَ ؛ لِأَنَّ الْوَاقِعَةَ رُبَّمَا كَانَتْ لَا تَحْتَمِلُ ذَلِكَ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ الشَّغَبِ وَالْخُصُومَةِ فِيهَا بِنَفْيٍ أَوْ إِثْبَاتٍ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ حَمْلُ الرَّدِّ إِلَى اللَّهِ عَلَى السُّكُوتِ عَنْ تِلْكَ الْوَاقِعَةِ ، وَبِهَذَا الْجَوَابِ يَظْهَرُ فَسَادُ السُّؤَالِ الثَّالِثِ .
وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي : فَجَوَابُهُ أَنَّ الْبَرَاءَةَ الْأَصْلِيَّةَ مَعْلُومَةٌ بِحُكْمِ الْعَقْلِ ، فَلَا يَكُونُ رَدُّ الْوَاقِعَةِ إِلَيْهَا رَدًّا إِلَى اللَّهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ، أَمَّا إِذَا رَدَدْنَا حُكْمَ الْوَاقِعَةِ إِلَى الْأَحْكَامِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا كَانَ هَذَا رَدًّا لِلْوَاقِعَةِ عَلَى أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَكَانَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَوْلَى .