الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            المسألة الخامسة : هذه الآية دالة على أن الكتاب والسنة مقدمان على القياس مطلقا ، فلا يجوز ترك العمل بهما بسبب القياس ، ولا يجوز تخصيصهما بسبب القياس البتة ، سواء كان القياس جليا أو خفيا ، سواء كان ذلك النص مخصوصا قبل ذلك أم لا ، ويدل عليه أنا بينا أن قوله تعالى : ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ) أمر بطاعة الكتاب والسنة ، وهذا الأمر مطلق ، فثبت أن متابعة الكتاب والسنة - سواء حصل قياس يعارضهما أو يخصصهما أو لم يوجد - واجبة ، ومما يؤكد ذلك وجوه أخرى :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن كلمة " إن " على قول كثير من الناس للاشتراط ، وعلى هذا المذهب كان قوله : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ) صريحا في أنه لا يجوز العدول إلى القياس إلا عند فقدان الأصول .

                                                                                                                                                                                                                                            الثاني : أنه تعالى أخر ذكر القياس عن ذكر الأصول الثلاثة ، وهذا مشعر بأن العمل به مؤخر عن الأصول الثلاثة .

                                                                                                                                                                                                                                            الثالث : أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتبر هذا الترتيب في قصة معاذ حيث أخر الاجتهاد عن الكتاب ، وعلق جوازه على عدم وجدان الكتاب والسنة بقوله : " فإن لم تجد " .

                                                                                                                                                                                                                                            الرابع : أنه تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم حيث قال : ( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس ) [ البقرة : 34 ] ثم إن إبليس لم يدفع هذا النص بالكلية ، بل خصص نفسه عن ذلك العموم بقياس هو قوله : ( خلقتني من نار وخلقته من طين ) [ ص : 76 ] ثم أجمع العقلاء على أنه جعل القياس مقدما على النص ، وصار بذلك السبب ملعونا ، وهذا يدل على أن تخصيص النص بالقياس تقديم للقياس على النص ، وأنه غير جائز .

                                                                                                                                                                                                                                            الخامس : أن القرآن مقطوع في متنه ؛ لأنه ثبت بالتواتر ، والقياس ليس كذلك ، بل هو مظنون من جميع الجهات ، والمقطوع [ ص: 119 ] راجح على المظنون .

                                                                                                                                                                                                                                            السادس : قوله تعالى : ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ) [ المائدة : 45 ] وإذا وجدنا عموم الكتاب حاصلا في الواقعة ثم إنا لا نحكم به بل حكمنا بالقياس لزم الدخول تحت هذا العموم .

                                                                                                                                                                                                                                            السابع : قوله تعالى : ( ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) [ الحجرات : 1 ] فإذا كان عموم القرآن حاضرا ، ثم قدمنا القياس المخصص لزم التقديم بين يدي الله ورسوله .

                                                                                                                                                                                                                                            الثامن : قوله تعالى : ( سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ) [ الأنعام : 148 ] إلى قوله : ( إن تتبعون إلا الظن ) [الأنعام : 148 ] جعل اتباع الظن من صفات الكفار ، ومن الموجبات القوية في مذمتهم ، فهذا يقتضي أن لا يجوز العمل بالقياس البتة . ترك هذا النص لما بينا أنه يدل على جواز العمل بالقياس ، لكنه إنما دل على ذلك عند فقدان النصوص ، فوجب عند وجدانها أن يبقى على الأصل .

                                                                                                                                                                                                                                            التاسع : أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا روي عني حديث فاعرضوه على كتاب الله فإن وافقه فاقبلوه وإلا ذروه " ولا شك أن الحديث أقوى من القياس ، فإذا كان الحديث الذي لا يوافقه الكتاب مردودا فالقياس أولى به .

                                                                                                                                                                                                                                            العاشر : أن القرآن كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ، والقياس يفرق عقل الإنسان الضعيف ، وكل من له عقل سليم علم أن الأول أقوى بالمتابعة وأحرى .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية