الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
نقل الحديث من الكتب المعتمدة .


47 - وأخذ متن من كتاب لعمل أو احتجاج حيث ساغ قد جعل      48 - عرضا له على أصول يشترط
وقال يحيى النووي أصل فقط      49 - قلت ولابن خير امتناع
نقل سوى مرويه إجماع

.

( نقل الحديث من الكتب المعتمدة ) التي اشتهرت نسبتها لمصنفيها أو صحت ، وقدم هذا على الحسن المشارك للصحيح في الحجة لمشابهته للتعليق في الجملة .

[ ص: 82 ] ( وأخذ متن ) أي : حديث ( من كتاب ) من الكتب المعتمدة ; كالبخاري ومسلم ، وأبي عوانة ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، [ وابن الجارود ] مما اشتهر أو صح ( لعمل ) بمضمونه في الفضائل والترغيبات ، وكذا الأحكام التي لا يجد فيها الآخذ نصا لإمامه ، أو يجده فيبرز دليله الذي لعل بوجوده يضعف مخالفه .

وربما يكون إمامه علق قوله فيه على ثبوت الخبر ، أو غير ذلك مما يشمله قول ابن الصلاح ( أو احتجاج ) به لذي مذهب ( حيث ساغ ) - بمهملة ثم معجمة - أي جاز للآخذ ذلك ، وكان متأهلا له ، والأهلية في كل شيء مما ذكر بحسبه ، مع العلم بالاختلاف في انقطاع المجتهد المقيد ، فضلا عن المطلق ، لنقص الهمم ( قد جعل ) أي : ابن الصلاح .

( عرضا له ) أي : مقابلة للمأخوذ ( على أصول ) متعددة بروايات متنوعة ، يعني فيما تكثر الروايات فيه ، كالفربري والنسفي وحماد بن شاكر وغيرهم بالنسبة لصحيح البخاري ، أو أصول متعددة ، فيما مداره على رواية واحدة كأكثر الكتب ( يشترط ) أي : جعله شرطا ; ليحصل بذلك جبر الخلل الواقع في أثناء الأسانيد .

وقد تكثر تلك الأصول المقابل بها كثرة تتنزل منزلة التواتر والاستفاضة ، وعبارته : " فسبيل " أي : طريق ، وهذا ظاهر في اشتراط التعدد ، وإن حمله غير واحد على الاستحباب والاستظهار .

( وقال ) الشيخ أبو زكريا ( يحيى النووي ) بالاكتفاء بالمقابلة على ( أصل ) معتمد ( فقط ) ; إذ الأصل الصحيح تحصل به الثقة التي مدار الاعتماد عليها صحة واحتجاجا ، على أن ابن الصلاح قد تبعهم في عدم اشتراط التعدد في مقابلة المروي مع تقاربهما .

ولكن قد يفرق بينهما بمزيد الاحتياط للاحتجاج والعمل ، وإذا حمل كلامه هنا على الاستحباب ، كان موافقا [ ص: 83 ] لما سيأتي له عند الحسن في نسخ الترمذي واختلافها في الحكم ; أهو بالحسن فقط ، أو بالصحة فقط ، أو بهما معا ، أو بغير ذلك أنه ينبغي أن تصحح أصلك بجماعة أصول حيث حمل على الاستحباب ؟ وإن كانت " ينبغي " ليست صريحة في ذلك ، كما أومأ إليه الشارح ، ولا شك أن القول بالأول فيه تضييق يفضي إلى التعطيل ، وعدم تعقب النووي القول بالتعدد في الترمذي ; لافتراقه عما تقدم باختلاف نسخه .

ثم هل يشترط في النقل للعمل أو الاحتجاج أن يكون له به رواية ؟ الظاهر مما تقدم عدمه ، وبه صرح ابن برهان في الأوسط ; فقال : ذهب الفقهاء كافة إلى أنه لا يتوقف العمل بالحديث على سماعه ، بل إذا صحت عنده النسخة من الصحيحين مثلا أو من السنن ، جاز له العمل بها وإن لم يسمع .

وكذا روي عن الشافعي أنه يجوز أن يحدث بالخبر أي : ينقله وإن لم يعلم أنه سمعه .

( قلت : ولابن خير ) بفتح المعجمة ثم تحتانية ساكنة وآخره مهملة ، وهو الحافظ المقرئ أبو بكر محمد الأموي بفتح الهمزة اللمتوني الإشبيلي المالكي خال مصنف ( الروض الأنف ) الحافظ أبي القاسم السهيلي ، وأحد الأئمة المشهورين بالإتقان والتقدم في العربية والقراءات والروايات والضبط ; بحيث تغالى الناس في كتبه بعد موته ، وزادت عدة من كتب هو عنه على مائة ، مات في ربيع الأول سنة خمس وسبعين وخمسمائة ، ( 575 هـ ) عن ثلاث وسبعين سنة ، [ ص: 84 ] مما وجد بأول برنامجه الذي وضعه في أسماء شيوخه ومروياته ( امتناع ) أي : تحريم ( نقل سوى ) أي غير ( مرويه ) وهو أعم من أن يكون للرواية المجردة أو العامل أو الاحتجاج ، والتحريم فيه عنده بينهم ( إجماع ) .

ونص كلامه : وقد اتفق العلماء - رحمهم الله - على أنه لا يصح لمسلم أن يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا ، حتى يكون عنده ذلك القول مرويا ، ولو على أقل وجوه الروايات ; لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من كذب علي متعمدا ، فليتبوأ مقعده من النار ، وفي بعض الروايات : من كذب علي مطلقا بدون تقييد ، وهو ظاهر في الجزم خاصة .

ولذا عبر الناظم - كما في خطه - به مكان " نقل " المشعر بمجرد النقل ، ولو ممرضا ، لكنه جزم في خطبة ( تقريب الأسانيد ) له بذلك أيضا ، لكن بدون عزو ; فإنه بعد أن قرر أنه يقبح بالطالب ألا يحفظ بإسناده عدة من الأخبار يستغني بها عن كذا وكذا .

قال : ( ويتخلص به من الحرج بنقل ما ليست له به رواية ، فإنه غير سائغ بإجماع أهل الدراية ، فإما أن يكون اعتمد في حكاية الإجماع ابن خير فقط ، أو وقف عليه في كلام غيره ) .

ونحوه قول غيره نقلا عن المحدثين : إنهم لا يلتفتون إلى صحة النسخة ، إلا أن يقول الراوي : أنا أروي ، وهم في هذا الباب أهل الفن على الحقيقة .

ولكن انتصر للأول جماعة حتى قيل - وإن كان فيه نظر - : إن الثاني لم يقل به إلا بعض المحدثين ، ولو صح لخدش في دعوى الإجماع ، كما يخدش فيها قول ابن برهان ، إلا إن حمل على إجماع مخصوص .

وأيضا فلو لم يورد ابن خير الحديث الدال على تحريم نسبة الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يتحقق أنه قاله ، لكان مقتضى كلامه منع إيراد ما يكون في الصحيحين أو أحدهما ; حيث لا رواية له به ، وجواز نقل ما له به رواية ولو كان ضعيفا ، لا سيما وأول كلامه كالصريح فيما [ ص: 85 ] صحت نسبته إليه - صلى الله عليه وسلم - حيث ذكر - كما حكيته في أصله - من فوائد الإجازة التخلص من الحرج في حكاية كلامه - صلى الله عليه وسلم - من غير رواية .

التالي السابق


الخدمات العلمية