الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما وقت القضاء بالشفعة فوقته وقت المنازعة والمطالبة بها ; فإذا طالبه بها الشفيع يقضي القاضي له بالشفعة سواء حضر الثمن أو لا ; في ظاهر الرواية ، وللمشتري أن يحبس الدار حتى يستوفي الثمن من الشفيع وكذا الورثة ; لأن التملك بالشفعة بمنزلة الشراء من المشتري وللبائع حق حبس المبيع لاستيفاء الثمن فإن أبى أن ينقد حبسه القاضي لأنه ظهر ظلمه بالامتناع من إيفاء حق واجب عليه فيحبسه ولا ينقض الشفعة ; كالمشتري إذا امتنع من إيفاء الثمن أنه يحبس ولا ينقض البيع .

                                                                                                                                وإن طلب أجلا لنقد الثمن أجله يوما أو يومين أو ثلاثة أيام ; لأنه لا يمكنه النقد للحال فيحتاج إلى مدة يتمكن فيها من النقد فيمهله ولا يحبسه ; لأن الحبس جزاء الظلم بالمطل ولم يظهر مطله ; فإن مضى الأجل ولم ينقد حبسه وقال محمد رحمه الله ليس ينبغي للقاضي أن يقضي بالشفعة حتى يحضر الشفيع المال ; فإن طلب أجلا أجله يوما أو يومين أو ثلاثة أيام ولم يقض له بالشفعة ، فإن قضى بالشفعة ثم أبى الشفيع أن ينقد حبسه ، وهذا عندي ليس باختلاف على الحقيقة وللقاضي أن يقضي بالشفعة قبل إحضار الثمن بلا خلاف ; لأن لفظ محمد رحمه الله : " ليس ينبغي للقاضي أن يقضي بالشفعة حتى يحضر الشفيع المال " لا يدل على أنه ليس له أن يقضي بل هو إشارة إلى نوع احتياط محل [ ص: 25 ]

                                                                                                                                واختيار الأول ، لا تستعمل لفظة " لا ينبغي " إلا في مثله ; ولهذا لو قضى جاز ونفذ قضاؤه ، نص عليه محمد ; وليس ذلك لكونه محل الاجتهاد ولأن القضاء بمذهب المخالف في المجتهدات إنما ينفذ بشريطة اعتقاد إصابته فيه وإفضاء اجتهاده إليه ، وقد أطلق القضية في النفاذ من غير هذا الشرط فدل أنه لا خلاف في المسألة على التحقيق ، ثم إن ثبت الخلاف .

                                                                                                                                ( فوجه ) قول محمد أن حق الشفعة إنما يثبت لدفع ضرر الدخيل عن الشفيع ، والقضاء قبل إحضار الثمن يتضمن الضرر بالمشتري لاحتمال إفلاس الشفيع ودفع الضرر عن الإنسان بإضرار غيره متناقض فلا يقضى قبل الإحضار ولكن يؤجله يومين أو ثلاثة إن طلب التأجيل تمكينا له من نقد الثمن .

                                                                                                                                ( وجه ) ظاهر الرواية أن الشفيع يصير متملكا المشفوع فيه بمقتضى القضاء بالشفعة كأن اشتراه منه ، والتملك بالشراء لا يقف على إحضار الثمن كما في الشراء المبتدإ وقال محمد رحمه الله لو ضرب له القاضي أجلا فقال له إن لم تأت بالثمن إلى وقت كذا فلا شفعة لك فلم يأت به بطلت شفعته ، وكذا إذا قال الشفيع إن لم أعطك الثمن إلى وقت كذا فأنا بريء من الشفعة ; لأن هذا تعليق إسقاط حق الشفعة بالشرط والإسقاطات مما يحتمل التعليق بالشرط كالطلاق والعتاق ونحو ذلك .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية