الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وإن كان المشترى بعضه ممتازا عن البعض بأن اشترى دارين صفقة واحدة فأراد الشفيع أن يأخذ إحداهما دون الأخرى فإن كان شفيعا لهما جميعا فليس له ذلك ولكن يأخذهما جميعا أو يدعهما ، وهذا قول أصحابنا الثلاثة رضي الله تعالى عنهم وقال زفر رحمه الله : له أن يأخذ إحداهما بحصتها من الثمن .

                                                                                                                                ( وجه ) قوله أن المانع من أخذ البعض دون البعض هو لزوم ضرر الشركة ولم يوجد ههنا لانفصال كل واحدة من الدارين عن الأخرى .

                                                                                                                                ( ولنا ) أن الصفقة وقعت مجتمعة لأن المشتري ملك الدارين بقبول واحد فلا يملك الشفيع تفريقها كما في الدار الواحدة ، وقوله : " ليس فيه ضرر الشركة " مسلم لكن فيه ضرر آخر وهو أن الجمع بين الجيد والرديء في الصفقة معتاد فيما بين الناس فلو ثبت له حق أخذ أحدهما لأخذ الجيد فيتضرر له المشتري ; لأن الرديء لا يشترى وحده بمثل ما يشترى مع الجيد فيتضرر به وسواء كانت الداران متلاصقتين أو متفرقتين في مصر واحد أو مصرين فهو على الاختلاف لما ذكرنا من المعنى في الجانبين ، فإن كان الشفيع شفيعا لإحداهما دون الأخرى ووقع البيع صفقة واحدة فهل له أن يأخذ الكل بالشفعة ؟ روي عن أبي حنيفة أنه ليس له أن يأخذ إلا التي تجاوره بالحصة ، وكذا روي عن محمد في الدارين المتلاصقين إذا كان الشفيع جارا لإحداهما أنه ليس له الشفعة إلا فيما يليه ، وكذا قال محمد في الأقرحة المتلاصقة ; وواحد منها يلي أرض إنسان وليس بين الأقرحة طريق ولا نهر إنما هي منساة أنه لا شفعة له إلا في القراح الذي يليه خاصة وكذلك في القرية إذا بيعت بدورها وأراضيها أن لكل شفيع أن يأخذ القراح الذي يليه خاصة ، وروى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن للشفيع أن يأخذ الكل في ذلك كله بالشفعة قال الكرخي : رواية الحسن تدل على أن قول أبي حنيفة كان مثل قول محمد رحمه الله ثم رجع عن ذلك فجعله كالدار الواحدة .

                                                                                                                                ( وجه ) الرواية الأولى أن سبب ثبوت الحق - وهو الجوار - وجد في أحدهما وهو ما يليه فلا يملك إلا أخذ أحدهما ، والصفقة - وإن وقعت مجتمعة ولكنها أضيفت إلى شيئين أحدهما ثبت فيه حق الشفعة والآخر لم يثبت فيه حق الشفعة فله أن يأخذ ما ثبت فيه الحق ; كما إذا اشترى عقارا أو منقولا صفقة واحدة أنه يأخذ العقار خاصة ، كذا هذا .

                                                                                                                                ( وجه ) الرواية الأخرى أن سبب الوجوب - وإن وجد فيما يليه دون الباقي لكن لا سبيل إلى أخذه خاصة بدون الباقي لما فيه من تفريق الصفقة فيأخذ ما يليه قضية للسبب ويأخذ الباقي ضرورة التحرز عن تفريق الصفقة .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية