الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          وأما قطع الموصول فوقع مختلفا فيه في ويكأن . ويكأنه ، وفي ألا يسجدوا فأما ، ويكأن ، و ويكأنه وكلاهما في القصص فأجمعت المصاحف على كتابتهما كلمة واحدة موصولة ، واختلف في الوقف عليهما عن الكسائي وأبي عمرو ، فروى جماعة عن الكسائي أنه يقف على الياء مقطوعة من الكاف ، وإذا ابتدأ ابتدأ بالكاف كأن وكأنه ، وعن أبي عمرو أنه يقف على الكاف مقطوعة من الهمزة ، وإذا ابتدأ ابتدأ بالهمزة أن وأنه ، وهذان الوجهان محكيان عنهما في التبصرة ، والتيسير ، والإرشاد ، والكفاية ، والمبهج ، وغاية أبي العلاء الحافظ ، والهداية ، وفي أكثرها بصيغة الضعف ، وأكثرهم يختار اتباع الرسم ، ولم يذكر ذلك عنهما بصيغة الجزم غير الشاطبي وابن شريح في جزمه بالخلاف عنهما ، وكذلك الحافظ أبو العلاء ساوى بين الوجهين عنهما ، وروى الوقف بالياء نصا الحافظ الداني عن الكسائي من رواية الدوري عن شيخه عبد العزيز وإليه أشار في التيسير ، وقرأ بذلك عن الكسائي على شيخه أبي الفتح ، وروى أبو الحسن بن غلبون ذلك عن الكسائي من رواية قتيبة ، ولم يذكر عن أبي عمرو في ذلك شيئا ، وكذلك الداني لم يعول على الوقف على الكافي عن أبي عمرو في شيء من كتبه ، وقال في التيسير وروي بصيغة التمريض ، ولم يذكره في المفردات ألبتة .

                                                          ورواه في جامعه وجادة عن ابن اليزيدي عن أبيه عن أبي عمرو من طريق أبي طاهر بن أبي هاشم ، وقال : قال أبو طاهر : لا أدري عن أي ولد اليزيدي ذكره .

                                                          ثم روى عنه من رواية اليزيدي أنه يقف عليهما موصولتين . وروى من طريق أبي معمر عن عبد الوارث كذلك من طريق محمد بن رومي عن أحمد بن موسى قال : سمعت أبا عمرو يقول : ويكأن الله ، ويكأنه مقطوعة في القراءة موصولة

                                                          [ ص: 152 ] في الإمام ، قال الداني : وهذا يدل على أنه يقف على الياء منفصلة . ثم روى ذلك صريحا عن أبي حاتم عن أبي زيد عن أبي عمرو ، والآخرون لم يذكروا شيئا من ذلك عن أبي عمرو ، ولا الكسائي كابن سوار ، وصاحبي التلخيصين ، وصاحب العنوان ، وصاحب التجريد ، وابن فارس وابن مهران ، وغيرهم فالوقف عندهم على الكلمة بأسرها ، وهذا هو الأولى والمختار في مذاهب الجميع اقتداء بالجمهور وأخذا بالقياس الصحيح - والله أعلم - .

                                                          وأما أن لا يسجدوا فسيأتي الكلام عليها في موضعها من سورة النمل - إن شاء الله تعالى - .

                                                          والمتفق عليه من هذا الفصل جميع ما كتب موصولا سواء كان اسما ، أو غيره كلمتين ، أو أكثر فإنه إنما يجوز الوقف على الكلمة الأخيرة منه من أجل الاتصال الرسمي ، وهذا أصل مطرد في كل ما كتب موصولا فإنه لا يجوز فصله بوقف إلا برواية صحيحة ولذلك كان المختار عند أكثر الأئمة عدم فصل ويكأن وويكأنه مع وجود الرواية بفصله والذي يحتاج إلى التنبيه عليه ينحصر في أصول مطردة ، وكلمات مخصوصة مطردة ، وغير مطردة . فالأصول المطردة أربعة .

                                                          ( الأول ) : كل كلمة دخل عليها حرف من حروف المعاني ، وهو على حرف واحد نحو بسم الله ، و بالله ، و لله ولرسوله ، كمثله ، لأنتم ، أأنت ، أبالله وآياته ورسوله ، سيذكر ، فلقاتلوكم ، وسل ، فسل ، وأمر ، وفأت ، ولقد ، ولسوف .

                                                          ( الثاني ) : كل كلمة اتصل بها ضمير متصل سواء كان على حرف واحد ، أو أكثر مرفوعا ، أو منصوبا ، أو مجرورا نحو ( قلت ) وقلنا وربي وربكم ورسله ورسلنا ورسلكم ، ومناسككم وميثاقه وفأحياكم ويميتكم ويحييكم و أنلزمكموها .

                                                          ( الثالث ) : حروف المعجم المقطعة في فواتح السور سواء كانت ثنائية ، أو ثلاثية ، أو أكثر من ذلك ، نحو يس ، حم ، الم ، الر ، المص ، كهيعص إلا أنه كتب حم عسق مفصولا بين الميم والعين .

                                                          ( الرابع ) إذا كان ، أول الكلمة الثانية همزة وصورت

                                                          [ ص: 153 ] على مراد التخفيف واوا وياء كتبت موصولتين نحو ( هؤلاء ، ولئلا ، ويومئذ ، وحينئذ ) .

                                                          ( والكلمات المطردة ال ) التعريفية وياء النداء وها التنبيه وما الاستفهامية إذا دخل عليه حرف جر وأم مع ما وأن المفتوحة المخففة مع ما وإن المكسورة المخففة مع لا ، وكالوهم ، ووزنوهم .

                                                          ( أما ال ) فإنها إذا دخلت على كلمة أخرى كتبتا موصولتين كلمة واحدة سواء كانت هي حرفا نحو : الكتاب ، العالمين ، الرحمن ، الرحيم ، الأرض ، الآخرة ، الاسم ، أو اسما نحو الخالق البارئ ، المصور ، والمقيمين ، والمؤتون ، و المسلمين والمسلمات ، والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات .

                                                          ( وأما : يا ) ، وهي حرف النداء فإنها حذفت الألف منها في جميع المصاحف فصارت على حرف واحد فإذا دخلت على منادى اتصلت به من أجل كونها على حرف نحو يبني ، يموسى ; يآدم ، يأيها يقوم ، ينساء ، يابنؤم وكتبت الهمزة في يابنؤم واوا ثم وصلت بالنون فصارت كلها كلمة واحدة . وقد تقدم التنبيه على ذلك في باب وقف حمزة .

                                                          ( وأما : ها ) ، وهي الواقعة حرف تنبيه فإن ألفها كذلك حذفت من جميع المصاحف ثم اتصلت بما بعدها من كونها صارت على حرف واحد ووقعت في القرآن في هؤلاء ، وهذا وبابه ، و هاأنتم وبابه ، وقد صورت الهمزة في ( هؤلاء ) واوا ثم وصلت بالواو فصارت كلمة كما تقدم في وقف حمزة .

                                                          ( وأما : ما ) الاستفهامية فإنها إذا دخل عليها حرف الجر حذف الألف من آخرها واتصل بها فصارت كلمة واحدة سواء كان حرف الجر على حرف واحد ، أو أكثر ووقعت في القرآن لم ، و بم ، و فيم ، ومم ، و عم ، وكذلك إذا دخل عليها إلى ، أو على ، أو حتى ، فإن الألف المكتوبة ياء في هذه الأحرف الثلاثة تكتب ألفا على اللفظ علامة للاتصال وتجيء الميم بعدها مفتوحة على حالها مع غيرها فتقول علام فعلت كذا ، وإلام أنت كذا ; وحتام تفعل كذا ، وإنما كتبت على اللفظ خوف

                                                          [ ص: 154 ] الاشتباه صورة ( وأما : أم - مع - ما ) فإنها كتبت موصولة في جميع القرآن نحو أما اشتملت ، أماذا كنتم ، أما تشركون .

                                                          ( وأما إن المكسورة المخففة مع لا ) فإنها كتبت موصولة في جميع القرآن نحو إلا تفعلوه ، إلا تنصروه .

                                                          ( وأما كالوهم ، و وزنوهم ) فإنهما كتبتا في جميع المصاحف موصولين بدليل حذف الألف بعد الواو منهما . وقد اختلف في كون ضميرهم مرفوعا منفصلا ، أو منصوبا متصلا والصحيح أنه منصوب لما بينته في غير هذا الموضع ، ولاتصالهما رسما بدليل حذف الألف بينهما فلا يفصلان .

                                                          والكلمات التي هي غير مطردة فهي ، إلا ، وإنما وإن المكسورة المخففة مع ما . وأينما ، وإن المكسورة المخففة مع لم ، وأن لن ، وعما ، ومما وأمن ، وعمن ، وكلما ، وبئسما ، وفيما وكيلا ويومهم .

                                                          ( فأما : ألا ) فإنه كتب متصلا في غير العشرة المتقدمة في الفصل قبله نحو ألا تعلوا علي في النمل ، و ألا تعبدوا ، أول هود . واختلف في موضع الأنبياء كما تقدم .

                                                          ( وإنما ) كتب موصولا في غير الأنعام نحو : إنما نملي لهم و إنما أنت منذر ، واختلف في حرف النحل " وإنما " كتب متصلا في غير الحج ولقمان نحو : إلا أنما أنا نذير في ص . و كأنما يساقون ، واختلف في أنما غنمتم .

                                                          " وإما " موصول في غير الرعد نحو وإما تخافن ، وإما نرينك ، فإما نذهبن ، فإما ترين من البشر أحدا .

                                                          ( وأينما ) كتب موصولا في موضعين فأينما تولوا في البقرة ، و أينما يوجهه في النحل ، واختلف في النساء والشعراء والأحزاب كما تقدم .

                                                          ( وإن لم ) موصول في موضع واحد ، وهو فإلم يستجيبوا لكم في هود .

                                                          ( وألن ) كتب موصولا في موضعين : الكهف والقيامة كما تقدم " وعما " موصول في غير موضع الأعراف نحو عما تعملون ، عما جاءك .

                                                          ( ومما ) كتب موصولا في غير النساء والروم نحو مما أمسكن عليكم . مما رزقكم الله ، واختلف في المنافقين كما تقدم .

                                                          ( وأمن ) [ ص: 155 ] كتب موصولا في غير المواضع الأربعة المتقدمة نحو أمن يملك السمع ، أمن خلق السماوات ، أمن يجيب المضطر .

                                                          " وعمن " موصول في غير النور والنجم ، ولا أعلمه وقع في القرآن .

                                                          " وكلما " كتب موصولا في غير سورة إبراهيم نحو كلما دخل عليها ، و كلما خبت ، واختلف في النساء والأعراف والمؤمنين وتبارك كما تقدم

                                                          ( وبئسما ) كتب موصولا في موضعين بئسما اشتروا به في البقرة و بئسما خلفتموني في الأعراف ، واختلف في قل بئسما يأمركم كما تقدم .

                                                          " وفيما " كتب موصولا في غير الشعراء نحو فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف ، وهو الأول من البقرة ، فيما إن مكناكم فيه ، واختلف في العشرة المواضع كما تقدم .

                                                          ( وكيلا ) كتب موصولا في أربعة مواضع في آل عمران لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ، وفي الحج لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ، وفي الأحزاب لكيلا يكون عليك حرج ، وهو الموضع الثاني منها . والقول بأن الأول موصول ليس بصحيح ، وفي الحديد لكي لا تأسوا على ما فاتكم .

                                                          و يومهم موصول في غير غافر والذاريات نحو يومهم الذي يوعدون فجميع ما كتب موصولا لا يقطع وقفا إلا برواية صحيحة ، ولا أعلمه ورد إلا فيما تقدم التنبيه عليه في ويكأن ، ويكأنه و ألا يسجدوا ، وقد ورد عن الكسائي التوسع في ذلك والوقف على الأصل فنقل الداني عن قتيبة عنه الوقف على أنما غنمتم بالقطع ، و أمن هو قانت ، و أمن هذا الذي الوقف على ميم أم . قال الداني : وهذه المواضع في الرسم موصولة من غير نون ، ولا ميم وأصلها الانفصال على ما ذهب إليه فيها الكسائي قال : وقد خالف قتيبة عن الكسائي في أنما غنمتم خلف " فحدثنا " محمد بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن القاسم عن أصحابه عن خلف قال : قال الكسائي في قوله : أنما غنمتم حرف واحد من قبل من شيء قال : خلف ، وقد قال الكسائي نعما حرفان لأن معناه نعم الشيء قال : وكتبا بالوصل ، ومن قطعهما لم يخطئ قال : خلف وحمزة ، يقف عليهما على

                                                          [ ص: 156 ] الكتاب بالوصل . قال خلف واتباع الكتاب في مثل هذا أحب إلينا إذ صار قطعه ووصله صوابا انتهى .

                                                          وهو يقتضي أن مذهب الكسائي التوسعة في ذلك بحسب المعنى كما ذكر ويقتضي أن ذلك غير محتم عند خلف وأنه على الأولوية والاستحباب ، وذلك غير معمول به عند أهل الإتقان ، ولا معول عليه عند أئمة التحقيق ، بل الذي استقر عليه عمل أئمة الأداء ومشايخ الإقراء في جميع الأمصار هو ما قدمنا ، أول الباب فإنه هو الأحرى والأولى بالصواب وأجدر باتباع نصوص الأئمة قديما وحديثا ، وقد روى الأعمش عن أبي بكر عن عاصم كالوهم ، أو وزنوهم حرفا واحدا ، وروى سورة عن الكسائي حرفا مثل قولك ضربوهم قال الداني في جامعه : وذلك قياس قول نافع ، ومن وافقه على اتباع المرسوم ثم روى عن حمزة بجعلهما حرفين ثم قال الداني : ولا أعلم أحدا روى ذلك عن حمزة إلا عبد الله بن صالح العجلي قال : وأهل الأداء على خلافه .

                                                          ( قلت ) : وهذا من الداني حكاية اتفاق من أهل الأداء على ما ذكرنا ، وقد نص في غير موضع من كتبه ، وصرح به في غير مكان ، وكذلك من بعده من الأئمة وهلم جرا ، ولا نعلم له مخالفا في ذلك ، وهذا معنى قول الجعبري رحمه الله في المنفصلين وقف على آخر كل منهما ، وفي المتصلتين وقف آخر الثانية ، ثم قال : وجه الوقف على كل من المنفصل أصالة الاستقلال ووجه منع الوقف على المتصل آخرها التنبيه على وضع الخط . قال : واختياري استفسار المسؤول السائل عن غرضه فإن كان بيان الرسم وقف كما تقدم ، أو بيان الأصل وقف على كل من المنفصلين والمتصلين ليطابق . قال : ولا يلزم منه مخالفة الرسم في المتصلين وإلا لخالف ، وأصل المنفصلتين واللازم منتف انتهى . ولعل ما حكى عمن أجاز قطع المتصل أن يكون مراده هذا - والله أعلم - .

                                                          كما سيأتي في التنبيه الآتي .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية