الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                ولو قال ما أملك هدي أو قال ما أملك صدقة يمسك بعض ماله ويمضي الباقي ; لأنه أضاف الهدي والصدقة إلى جميع ما يملكه فيتناول كل جنس من جنس أمواله ، ويتناول القليل والكثير إلا أنه يمسك بعضه ; لأنه لو تصدق بالكل لاحتاج إلى أن يتصدق عليه فيتضرر بذلك ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : { ابدأ بنفسك ثم بمن تعول } فكان له أن يمسك مقدار ما يعلم أنه يكفيه إلى أن يكتسب ، فإذا اكتسب مالا تصدق بمثله ; لأنه انتفع به مع كونه واجب الإخراج عن ملكه لجهة الصدقة ، فكان عليه عوضه ، كمن أنفق ماله بعد وجوب الزكاة عليه .

                                                                                                                                ولو قال مالي صدقة فهذا على الأموال التي فيها الزكاة من الذهب والفضة وعروض التجارة والسوائم ، ولا يدخل فيه ما لا زكاة فيه ، فلا يلزم أن يتصدق بدور السكنى وثياب البدن والأثاث والعروض التي لا يقصد بها التجارة والعوامل وأرض الخراج ; لأنه لا زكاة فيها ، ولا فرق بين مقدار النصاب وما دونه ; لأنه مال الزكاة .

                                                                                                                                ألا ترى أنه إذا انضم إليه غيره تجب فيه الزكاة ، ويعتبر فيه الجنس لا القدر ؟ ولهذا قالوا : إذا نذر أن يتصدق بماله وعليه دين محيط أنه يلزمه أن يتصدق به ; لأنه جنس مال تجب فيه الزكاة وإن لم تكن واجبة ، فإن قضى دينه به لزمه التصدق بمثله لما ذكرنا فيما تقدم ، وهذا الذي ذكرنا استحسان والقياس أن يدخل فيه جميع الأموال كما في فصل الملك ; لأن المال اسم لما يتمول كما أن الملك اسم لما يملك ، فيتناول جميع الأموال كالملك .

                                                                                                                                ( وجه ) الاستحسان أن النذر يعتبر بالأمر ; لأن الوجوب في الكل بإيجاب الله - جل شأنه - وإنما وجد من العبد مباشرة السبب الدال على إيجاب الله تعالى ، ثم الإيجاب المضاف إلى المال من الله - تعالى - في الأمر وهو الزكاة في قوله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة } ، وقوله - عز شأنه - : { وفي أموالهم حق معلوم } ونحو ذلك تعلق بنوع دون نوع فكذا في النذر وقد قال أبو يوسف رحمه الله : قياس قول أبي حنيفة - عليه الرحمة - إذا حلف لا يملك مالا ، ولا نية ، له وليس له مال تجب فيه الزكاة يحنث ; لأن إطلاق اسم المال لا يتناول ذلك ، وقال أبو يوسف ولا أحفظ عن أبي حنيفة إذا نوى بهذا النذر جميع ما يملك - داره تدخل في نذره ; لأن اللفظ يحتمله ، وفيه تشديد على نفسه ، وقال أبو يوسف : ويجب عليه أن يتصدق بما دون النصاب ولا أحفظه عن أبي حنيفة رحمه الله والوجه ما ذكرنا .

                                                                                                                                وإذا كانت له ثمرة عشرية أو غلة عشرية تصدق بها في قولهم ; لأن هذا مما يتعلق به حق الله - تعالى - وهو العشر وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا تدخل الأرض في النذر ، وقال أبو يوسف : يتصدق بها لأبي يوسف أنها من جملة الأموال النامية التي يتعلق حق الله - تعالى - بها فتدخل في النذر ، ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن حق الله - تعالى - لا يتعلق بها ، وإنما يتعلق بالخارج منها فلا تدخل .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية